من القواعد المقررة عند العلماء أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما وأنه لا ينكر تغيير الأحكام القائمة على العرف والمصلحة بتغيير الزمان والمكان . لذا لا غرابة أن تصدر فتوى بالتحريم ثم تترجح المصلحة أو تتغير العلة فتصدر فتوى بالإباحة وهذه ميزه عظيمه في الشريعة الإسلامية التي تدل على مرونتها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان . ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك حكم تصرف المرأة الحامل هل ينفذ تبرعها أثناء الطلق فيما لو زاد عن الثلث أم لا ؟
وأصل المسألة أن الفقهاء اتفقوا على أن كل تبرع يقع من مريض مرضاً مخوفاً اتصل به الموت، اتفقوا على إخراجه من ثلث ماله فحسب كالوصية ، وضابط المرض المخوف هو كثرة حصول الوفاة به وما يتعجل الموت بسببه مثل المطعون في أحشائه أو من ذبح وتساقط الدم منه ويدخل في ذلك على تصنيف الأطباء المعاصرين من كانت حالته حرجة داخل العناية المركزة.
ويدل على اعتبار المرض المخوف شرعا حديث عمران بن حصين في صحيح مسلم : " أن رجلاً أعتق سـتة مملوكين عند موته ، لم يكن له مال غيرهم ، فدعا بهم رسول الله r فجزأهم أثلاثاً ، ثم أقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ، وقال له قولاً شديداً ".
ووجه الدلالة : أن العتق لم ينفذ عند الموت مع تشوف الشارع له فغيره من باب أولى .
وقد اختلف الفقهاء في تصرفات المرأة الحامل على أربعة أقوال :
القول الأول : أن الحامل لها أهلية تامة ولا تحد تصرفاتها بسبب الحمل إلا إذا جاءها الطلق فتأخذ حكم الأمراض المخوفة ، وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب .
وقد عللوا مذهبهم بأن الطلق ألم شديد يخاف منه التلف فأشبهت صاحب سائر الأمراض المخوفة وأن الحامل قبل الطلق ليس بها ما يوجب كونها في مرض مخوف واحتمال وجوده خلاف العادة فلا يثبت الحكم بالاحتمال البعيد .
القول الثاني : أن الحامل بعد ستة أشهر تعتبر مريضة مرض الموت ، وهو مذهب المالكية والخرقي من الحنابلة.
وعللوا قولهم بأن الحامل تتوقع بعد الشهر السادس الولادة كل ساعة وهو من أسباب التلف.
القول الثالث : أن الحامل تصرفاتها كالصحيح وبه قال الحسن والزهري وهو قول للشافعي واختيار السيوري والمازري من المالكية قالوا: لأن الغالب عليها السلامة ولا يصح إعطاء الغالب حكم النادر
القول الرابع : أن الحامل كالصحيحة حتى تثقل ولم يحد لها حداً وهو قول إسحاق.
ولما كان ضابط المرض المخوف هو كثرة حصول الوفاة به ،ولم يعد الآن حال الطلق والولادة يكثر الوفاة به في معظم البلدان الإسلامية كان الراجح صحة تصرفات الحامل مطلقاً وهو ما أكده الباحث راشد العميري في أطروحته في الماجستير بان الواقع يؤكد باعتبار صحة التصرف مطلقا لزوال العلة.