بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذي الكريم أحمد حلمي عضو لجنة الحريات بنقابة محامي مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة سعدت بهذا الحكم الذي نشرته لما في ثناياه من تسبيب جميل أبرز فيه القاضي ملكاته الشرعية والقانونية فله ولك الشكر العميم .
بالنسبة لتساؤلاتك فلقد تعمدت تأخير الإجابة عنها لكي تكون مداخلتي شاملة للدليل الشرعي والاستنباط الفقهي والسابقة القضائية تطبيقاً لقاعدة (( الحكم على الشيء فرع عن تصوره )) :
السؤال الأول : ما الأسباب التى بني عليها الحكم ؟
تأمل معي النقاط التالية الواردة في حيثيات الحكم أعلاه :
1 - رجل لا يحافظ على الصلوات .
2- ويشرب المسكر .
3 - لا يعمل .
4 – يأتي زوجته من دبر .
دعنا نفقط المسألة كما يقول الفقهاء ونتعرض لكل جزئية بالتحليل بغض النظر عن كونها ثبتت للقاضي أم لا وبغض النظر عن كون الحكم تعرض لها أم لا :
1- حكم تارك الصلاة
هذه المسألة من مسائل العلم الكبرى، وقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً، فقال الإمام أحمد بن حنبل ( وهو المطبق في السعودية ) : ' تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل '.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ' فاسق ولا يكفر '.
إذاً لتارك الصلاة حالتان: إما أن يتركها جحوداً لفرضيتها، أو تهاوناً وكسلاً لا جحوداً.
فأما الحالة الأولى : فقد أجمع العلماء على أن تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كفراً كجاحد كل معلوم من الدين بالضرورة .
وأما الحالة الثانية : فقد اختلف الفقهاء فيها وهي : ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً لا جحوداً فذهب الجمهور من الحنفيّة و المالكيّة و الشافعيّة إلى أنّه يفسُق و لا يكفر ، و حكموا عليه بالقتل تعزيراً . و ذهب الحنابلة ( في المشهور ) إلى أنّ تارك الصلاة بالكلّية كافرٌ كفراً أكبرَ مخرجاً من الملّة ، سواءً تركها جحوداً أو تكاسلاً أو تهاوناً ، و حكموا عليه بالقتل حداً لردّته .
-2- شرب المسكر
شارب المسكر مسقط لعدالته والعدالة من الديانة والديانة من أخص اعتبارات الكفاءة ، كأنك عندها ستقول : ' والزوجة أيضاً اعترفت بشرب المسكر ' وأجيب على ذلك بأن الكفاءة إنما تشترط في جانب الرجل فقط لأمور منها :
أولاً : أن المرأة هي التي تعير بزواج غير الكفء، كما أن أهلها يعيرون بذلك، أما الرجل فلا يلحقه هو ولا أسرته معرة بزواج امرأة لا تساويه في المنزلة، ولو فرض وتعير بها استطاع أن يتخلص منها بالطلاق.
ثانياً : أن الرجل له القوامة على المرأة ، فسلطة التوجيه له لا لها وبالتالي فاعتبارات وقوعها في الفسق معه أكبر واستمرارها في مستنقع الخطايا أكثر .
-3- لا يعمل
المشهور من مذهب الحنابلة وهو رواية في مذهب الشافعية أن القاضي يفسخ عقد النكاح إن لم يملك الزوج قوت يومه بعمل أو غيره وعلى هذه النقطة بالذات توجد أكثر من سابقة قضائية لعلي أذكرها لاحقاً إن أسعفني الوقت والذاكرة
-4- يأتي زوجته من الدبر :
هناك اتجاه فقهي في مذهب الحنابلة ينص على أن القول قول الزوجة في هذه الجزئية مع يمينها لأنه مما لا يطلع عليه ويفسخ القاضي عقد النكاح بيمين مغلظة فقط دون اثباتات وعلى هذه المسألة الفقهية أكثر من سابقة قضائية في المحكمة الكبرى .
2 - المبدأ الشرعي الذى أقره الحكم باعتبار تارك الصلاة المتكاسل عنها كافراً وكنت أظن فيما سبق أن ترك الصلاة الذى يعد كفر هو إنكارها باعتباره انكار لركن أما التكاسل عنها فهو فسق ؟
المبدأ الشرعي هو مذهب الحنابلة وهو قول له وجاهته وقوته وإن انفردوا به وعليه فحكم القاضي يدور مع المذهب أولاً ومع ما رجحه أهل العلم ثانياً في هذا العصر من المحققين حنابلة كانوا أو غيرهم
3- أن كلا الزوجين اعترف بترك الصلاة لفترات متقطعة واعترف بشرب المسكر لماذا اعتبر الحكم ان هذه الحالة تعتبر فقد لشرط الكفاءة علماً بأن شرط الكفاءة على ما أظن هو توافره بأحدهما دون الآخر . ثم إذا كان الزوجين تركا الصلاة لفترات متقطعة فلماذا تجاب الزوجة لطلب التفريق وهى تاركة هي الأخرى للصلاة ؟
الكفاءة التي تتحدّث عنها نص الفقهاء على تعلّقها بالرجل دون بالمرأة فاشترطوا أن يكون الرجل كفئاً للمرأة حتّى لا تتعيّر به. أما اشتراط أن تكون المرأة كفئاً للرجل فهذا لم يتحدّث به أحد من الفقهاء، إلاّ ما يتعلّق بالتقارب بين الزوجين في الحالة الاجتماعية وليس كلامنا في هذه الناحية .
وعليه فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفاءة حق للزوجة وأوليائها.
وذهب أحمد في رواية إلى جعلها حقاً للشارع فلا تسقط بإسقاط المرأة ووليها.
وفي الرواية الأخرى يوافق الجمهور ويجعلها حقاً للزوجة والأولياء من العصبات لأنهم يتعيرون عند الزواج بدونها.
والعلماء وإن اختلفوا في الأمور التي تعتبر فيها الكفاءة إلا أنهم مجمعين على أن الديانة من أخص اعتبارات الكفاءة فتأمل !!
أما قولك : ' ثم إذا كان الزوجين تركا الصلاة لفترات متقطعة فلماذا تجاب الزوجة لطلب التفريق وهى تاركة هي الأخرى للصلاة ؟
فإن القاضي إنما نظر إلى مسألة انفساخ العقد لترك الصلاة وترك الصلاة كفر وبالتالي فالعقد منفسخ أصلاً وبدون حاجة إلى حكم الحاكم غاية ما قام به القاضي هو تقرير هذا الفسخ وإثباته ولكن ستواجهنا هنا إشكالية :
أولاً : إقرار المدعى عليه ( الزوج ) بتوبته وأدائه الصلاة !!
ثانياً : شهادة الشاهد غير موصلة لأنه أكيله وشريبه في مجلس فسق فكيف أؤتمن على هذه الشهادة ثم أن القاضي قبلها بدون تزكية لحال الشاهد إلا إن كان رأي القاضي الشرعي على أن الأصل في المسلم العدالة !!
ثالثاً : لو كان الأصل المقرر لدى القاضي ما سبق فلما لم ينظر بعين الاعتبار لتوبة الزوج ( حسب زعمه ) ورجوعه إلى الأصل الذي أعمله في حكمه !!!
أتمنى من الزملاء تفعيل النقاش حول هذا الموضوع وإثرائه
|