اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
10/12/2003 4:26:00 AM
  الإسلام السياسي والانتقام بالقضاء      

منقول

الإسلام السياسي والانتقام بالقضاء

(د) ذات يوم اتصل بي رئيس شرطة المصنفات الفنية وأبلغني أنه تم ضبط نسخ من كتابي جوهر الإسلام مطروحة في الأسواق بواسطة الناشرة السابقة لهذا الكتاب، رغم انتهاء مدة عقد النشر. وهو أمر مؤثم بمقتضي القانون المصري لأنه يعني أن الكتاب قد نشر دون موافقة المؤلف، وهو ما يطلق عليه في لغة الناشرين تزوير الكتاب . طلبت من الضابط اتخاذ الإجراءات القانونية المعتادة، فحرر محضراً بالواقعة عرضه مع ست وقائع أخري علي وكيل النيابة المختص لإصدار أذون بالضبط والتفتيش تتمكن بمقتضاها الشرطة من تفتيش المكتبات التي تعرض كتباً مزورة وضبط هذه الكتب لاتخاذ إجراءات المحاكمة. عاود الضابط الاتصال بي تليفونياً أي هاتفياً وذكر لي أن وكيل النيابة أصدر أذوناً بالتفتيش في كل المحاضر التي عرضت عليه عدا الواقعة الخاصة بي، ذلك أنه بعد اتصالات تليفونية برئيس النيابة، وغيره، طلب من الضابط أن يعود إليه بعد عشرة أيام، طلبت من الضابط اتباع ما أمر به وكيل النيابة. وبعد مرور الأيام العشرة ذهب الضابط إلي النيابة فوجد أن الأوراق الخاصة بكتابي، دون غيرها من باقي الكتب، قد عرضت علي النائب العام، وأنه أمر بإجراء تحقيق تسأل فيه المتهمة المطلوب إصدار إذن تفتيش لدار النشر التي تمتلكها وتديرها. عجبت من ذلك أشد العجب، لأن التحقيق مع المتهم المطلوب إصدار إذن من النيابة بتفتيشه أو تفتيش مسكنه أو محله، يعني فض مضمون الإذن وهتك سريته، ذلك أن المتهم سوف يعرف من التحقيق طلب الشرطة بتفتيشه بشأن ارتكابه جريمة معينة، وبالتالي سوف يزيل آثار هذه الجريمة، وفي الحالة الخاصة بكتابي المنوه عنه فإن الناشرة سوف تنقل نسخ الكتاب إلي مكان آخر، فيكون طلب الإذن لغواً لا طائل وراءه، إذ يكون التحقيق فيه قد أذاع السرية وأفسد المفاجأة، وهو أمر لم يحدث في تاريخ القضاء المصري أبداً.

كان هذا النائب العام صديقاً عندما كنا رؤساء للنيابة وكان يستنكر الانحراف ويظهر أمامي بمظهر الجدية والنزاهة. وأثناء أن كنت رئيساً لمحكمة أمن الدولة العليا عام 1990 عُرضت عليّ قضية التنظيم الناصري المسلح المتهم فيها 17 شخصاً من المثقفين المصريين. وفي اليوم المحدد لنظر الدعوي، وعلي غير المألوف، ذهبت إلي المحكمة فوجدت النائب العام المذكور هو وزميل آخر مرؤوس له في انتظاري بغرفة المداولة، ظننت أنهما سوف يمثلان النيابة أمام المحكمة أثناء نظر الدعوي لكنهما قالا إنهما جاءا لتحيتي وأن زميلاً آخر غيرهما سوف يمثل النيابة أمام المحكمة. أدركت أن قصد الزيارة هو إفهامي بأهمية القضية بالنسبة للنيابة والإدارة، مع أن النيابة العامة هي ممثل المجتمع ولا ينبغي أن تكون لها مصلحة ولا حتي رغبة في إدانة أي شخص، لأنها في الواقع لابد أن تكون ضد المجرم وليس ضد المتهم الذي قد تري المحكمة أنه بريء، بل ويحدث في بعض الأحوال أن تطلب النيابة من المحكمة صراحة الحكم ببراءة المتهم إن جد أثناء المحاكمة ما يفيد براءته، وهو ما يجري العرف القضائي علي التعبير عنه بقول يثبته ممثل النيابة في محضر الجلسة فيقول نصاً إن النيابة تفوض الرأي إلي المحكمة . هذا فضلاً عن أن النيابة العامة كثيراً ما تطعن علي بعض الأحكام لصالح المتهم. أياً ما كان الأمر، فإن مثل تلك الزيارة ما كانت لتؤثر فيّ علي الإطلاق، فلقد كنت قد قرأت أوراق القضية بدقة شديدة، وتبينت أنها تخلو من أي دليل ضد المتهمين إلا من اعتراف لأحدهم، غير متناسق مع الظروف وغير متوافق مع الماديات، وقد عدل المتهم عنه وذكر أنه أدلي به تحت التعذيب وأمر أحد القضاة أثناء التحقيق بعرض المتهم علي الطب الشرعي للتحقق من إدعائه بالتعذيب، لكن النيابة أخرت عرض المتهم مدة شهرين، ومع ذلك فقد أثبت الطب الشرعي وجود اصابات بالمتهم ترجح حدوث تعذيب له بالصورة التي ذكرها وفي الوقت الذي حدده، أي أثناء التحقيق بطبيعة الحال أهدرت كقاض اعتراف المتهم الذي تأكد حصول تعذيب له، وبالتالي لم تعد في الأوراق أية أدلة تدينه أو تدين غيره، وفي أسباب الحكم أثبت ذلك، بل وأضفت بياناً بالأخطاء القانونية والمادية التي وقعت من النيابة أثناء التحقيق، وقلت في الأسباب نصاً إن المحكمة لاحظت أن المطاعن التي كانت توجه عادة إلي محاضر الضبط التي يحررها رجال الشرطة قد استطالت حتي وصلت إلي محاضر التحقيق التي تجريها النيابة العامة، وهو ما يلحق الأذي بالعدالة ويضع المحاكم موضع الحرج، علي اعتبار أن النيابة العامة هيئة قضائية، وأن العرف القضائي جري علي أن تطمئن المحاكم إلي اعترافات المتهمين وأقوال الشهود أمام النيابة العامة، علي تقدير أنها أبديت في حصن القضاء وفي منعةٍ من التعذيب أو الإرهاب، وهو ما لم يحدث في القضية المذكورة، إذ أهدرت المحكمة لأول مرة في تاريخ القضاء اعتراف المتهم في تحقيقات النيابة لثبوت وقوع تعذيب عليه، حتي أثناء التحقيق القضائي، بمجرد صدور حكم البراءة هاج النائب العام وماج وأدلي لمجلة مصرية بحديث ضدي يقول فيه إنني قاضي البراءة وبذلك أسفر عن قصده من أنه كان يريدني أن أكون قاضي الإدانة. وتعجبت من هذا المسلك، الذي وصفه أحد الصحفيين فيما بعد فقال ماذا تفعل إذا كان خصمك هو القاضي؟ لقد كان النائب العام المذكور يريدني أن أقضي ظلماً وعدواناً بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات لسبعة عشر رجلاً، فأحطمهم وأحطم أسرهم، وأحطم قيمي قبل ذلك، لكي أجامله أو أرضي الإدارة. لهذا فقد تربص بي والضيق مني يملأ صدره حتي وجد مسألة إذن التفتيش سائحة لكي يخرج علي القانون وينحدر إلي الخطأ المهني الجسيم كيما ينتقم من عدالتي التي جرحته.

(ه) في ذات العام صدر كتابي الخلافة الإسلامية فجن جنون جماعات الإسلام السياسي الوهابية والإخوانية، لأنه كان يقوض بالعلم والدراسة أوهامهم التي يخدعون بها الناس عن الخلافة وعدالتها و شفافيتها وطهرها ونقائها، والحال علي خلاف ذلك تماماً. فليس في التاريخ الإسلامي علي طوله، مدة 14 قرناً إلا عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، وحكمهما معاً لا يزيد علي مدة 12 عاماً. هذا فضلاً عن أن تقييم الخلافة لا يكون بالنظر إلي شخص أو اثنين، ولكنه ينبغي أن يكون بالتعبير علي أسس ثابتة تطبق في كل مكان وكل زمان.

لجأ محام يدعي أنه من المستنيرين في الإسلام السياسي إلي تقديم شكوي ضدي إلي مجلس القضاء الأعلي فحفظها المجلس، فتقدم بشكوي ثانية إلي وزير العدل فأمر بحفظها وأرسل إليّ صورة منها، موجودة لدي للنشر عندما يحين الحين. وظل هذا المحامي يتربص بي، يعاونه أحد رجال القضاء الذي كان ممثل الإسلام السياسي في القضاء المصري، وقد أساء بهذه المثابة إلي القضاء إساءة عظمي، وهو يعمل في القضاء وكذلك عندما ترك القضاء وعمل بالمحاماة. وقد و جد الاثنان في النائب العام المذكور ظهيراً لهما، واستطاعوا جميعاً التأثير علي رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلي فأصدر المجلس قراراً يسمح للنيابة العامة بسؤالي في الشكوي المقدمة ضد كتابي الخلافة الإسلامية . باستقصاء الحقيقة أكد لي رئيس محكمة استئناف الإسكندرية ورئيس محكمة استئناف طنطا، وهما صديقان وعضوان في مجلس القضاء الأعلي، أنه لم يصدر عن المجلس قرار كهذا، وأنهما لم يتغيبا عن حضور أية جلسة.

وضح الأمر وظهر الحق، لقد تم تزوير قرار من مجلس القضاء الأعلي، بدعم من الإسلام السياسي ومن النائب العام المذكور لوضعي موضع الاتهام إساءة إلي ونكاية في، وربما للتوصل إلي الطعن علي صلاحيتي للقضاء.

أرسلت إلي النائب العام أهدده وأتوعده إن هو حاول تنفيذ الإذن المزور، فخشي الجميع مني وطووا الإذن في أدراج الإهمال!

هذا النائب العام هو الذي اتهمه أحد رجال الأعمال بأنه ضغط عليه وهدده فوقع ويداه في الأغلال علي تنازل عن شركاته لاثنين، أحدهما صديقة لهذا النائب!

Email: SaidAlAshmawy@hotmail.com

المستشار محمد سعيد العشماوي

مفكر وكاتب مصري


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1250 / عدد الاعضاء 62