للفائدة
ثانياً : الإجهاض قبل نفخ الروح
وللفقهاء في أصل المسألة خمسة أقوال وهي تدور حول حديث نفخ الروح وبدء التخطيط في الإنسان ومتى تبدأ الحياة المعتبرة للإنسان وهي كالتالي :
القول الأول : الجواز مطلقاً قبل نفخ الروح ، وبه قال ابن الهمام وابن نجيم وابن عابدين من الحنفية وابن رشد من المالكية وابن عقيل وابن مفلح والمرداوي من الحنابلة.
وعللوا ذلك بأن الحمل قبل نفخ الروح ليس بآدمي حي ، ولعدم وجود الدليل الشرعي المانع من الإجهاض .
القول الثاني : الجواز قبل الأربعين الأولى ، وبه قال اللخمي من المالكية وأبو إسحاق من الشافعية وهو القول الراجح لدى الحنابلة.
واستدلوا لقولهم بما يلي :
1 - حديث حذيفة والذي يفيد أن التخطيط وخلق السمع والبصر والجلد والعظم تحدث بعد الأربعين الأولى .
2 – أن النطفة لم تنعقد بعد ، وقد لا تنعقد ولداً ، فجاز إسقاطها ، بخلاف العلقة لانعقادها .
القول الثالث : جواز الإجهاض قبل نفخ الروح إذا كان لعذر ، وهو مذهب الحنفية وبعض الشافعية .
وقد ضربوا أمثلة للعذر المبيح فمما نص عليه الزركشي الحاجة لشرب الدواء ، وأما الرملي فنص على جواز الإسقاط قبل نفخ الروح إذا كان الحمل من زنا ، وكذلك إذا انقطع لبن الأم بعد ظهور الحمل ولها طفل رضيع وليس لوالده ما يستأجر به مرضعة.
القول الرابع : الكراهة ، وبه قال علي بن موسى من الحنفية .
وعلل مذهبه بأن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة ، فيكون له حكم الحياة وقياساً على بيضة الحرم فلو كسره المحرم ضمنه.
القول الخامس : التحريم المطلق للإجهاض .
وعللوا قولهم بأن النطفة أصل لحياة محترمة وكل ما يضر تلك النطفة حرام، وكل ما يمنع نموها أو تأديتها لمهمتها بإجهاض الجنين حرام .
وقد اختار كثير من المعاصرين القول بحرمة الإجهاض لأنه ثبت علمياً أن الجنين له نمو وحياة قبل نفخ الروح فهو في حكم ما بعد نفخ الروح ، وأن المتقدمين القائلين بالإباحة بنوا مذهبهم اعتقاداً منهم أنه ليس للجنين حياة وهو كقطعة الدم أو اللحم ولم تكن لديهم الوسائل العلمية التي أتيحت لنا اليوم والتي تؤكد حياة الجنين من اللحظات الأولى من التلقيح .
وهذا القول هو المعتمد من مذهب المالكية والغزالي والبجيرمي من الشافعية وابن الجوزي وابن قدامة من الحنابلة وبه قال أكثر المعاصرين.
الترجيح :
يظهر لي أن القول الثالث وهو جواز الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين إذا كان لسبب هو الأقرب لكونه الموافق لمقاصد الشريعة الداعية إلى المحافظة على النسل وحمايته والآمرة بتكثير سواد الأمة ، إضافة إلى أن الشرع اعتبر تأخير إقامة الحد للحامل كما جاء في صحيح مسلم في حديث الحبلى من الزنا ولم يوقت لذلك حداً سواء أكان بعد 120 يوماً أو ما قبلها مما يدل على أن هذا الحمل له نوع اعتبار .
لكن لا يسـوى الجنين قبل نفخ الـروح فيه بما بعده ، لأن الجنين يأخذ صفة الآدمية بعد نفخ الروح فيه ، أما ما قبلها فله حياة خلوية أو نباتية – كما سماها ابن القيم – .
وهذا القول هو ما فهمه علي بن أبي طالب y وابن عباس y حيث يرون أن الجنين يأخذ الصفة المعتبرة للآدمية ويعتبر الجناية عليه قتلاً إذا نفخت فيه الروح .
فقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن عدي قصة اختلاف الصحابة في العزل وقول اليهود أنها الموؤدة الصغرى فقال علي : ' إنها لا تكون موؤدة حتى تمر بالتارات السبع } ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ... إلى آخر الآية ' ، وفي لفظ : ' فأخبر علي y أنه لا موؤدة إلا ما نفخ فيه الروح قبل ذلك '.
وعن عطاء أن رجلاً قال لابن عباس : إن ناساً يرون أنها الموؤدة الصغرى – يعني العزل – فقال : ' سبحان الله ، تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظاماً ثم تكسى العظام لحماً ... العزل قبل هذا كله ، كيف يكون موؤدة ثم ينفخ فيه الروح ؟ '.
فيفهم من قول علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الجنين لا يوصف بالموت إلا بعد نفخ الروح .
قال عبد الله البسام – عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية – : ' وقد مر بنا كلام ابن القيم من أن حركة الجنين قبل نفخ الروح فيه كحركة النبات ، وأن الحركة الإرادية لا تكون إلا بعد نفخ الروح فيه حينما يتم له مئة وعشرون يوماً وبناء عليه فإني أميل إلى جواز الإجهاض قبل نفخ الروح عند الحاجة ولو لم تصل إلى حد الضرورة ذلك أني لم أجد نصوصاً تمنعه وحديث حذيفة بن أسيد لا يدل على التحريم فإنه وإن حصل لها بعض التخطيط إلا أن الجنين في هذه الأطوار جماد لم تتعلق به حياة فلم ينط به حكم من أحكام الأجنة بعد بث الحياة فيهم أما بعد نفخ الروح فقد أنشأه الله خلقاً آخر وخلقه من الماء بشراً له أحكام البشر من حيث البعث والنشور فالجناية عليه جناية على بشر سوي والتسوية بين هذا الطور من أطوار الجنين وبين أطواره قبل نفخ الروح التسوية بين متباينين مختلفين والأحكام الشرعية لا تجمع بين متفرق كما أنها لا تفرق بين متماثل '.
ومن أمثلة الأسباب الطبية الداعية للإجهاض :
1 – أمراض الكلى المزمنة مع ارتفاع نسبة البولينا في الدم .
2 – أمراض القلب المتقدمة كضيق الشرايين أو تكون مصابة بذبذبة أذينية Auricular Fibrillation .
3 – أمراض الجهاز التنفسي كمرض الأمفيزيما وقصور الرئتين .
4 – أمراض الدم المصحوبة بتجلط وعلل الهيموجلوبين .
5 – مرض الحصبة الألمانية للأم حيث تكون من أسباب التشوه للجنين .
6 – مرض نقص المناعة الطبيعية ( الإيدز ) في أحد الزوجين .
7 – الأمراض الوراثية كالمنغولية أو مرض رقص هنتنجتون Huntington Disease . أو مرض تيساك Taysacs ويعرف عن طريق فحص السائل الأمينوسي أو الموجات فوق الصوتية.
8 – شرب الحامل للأدوية التي تسبب تشوه الجنين .
هذه بعض الأمثلة التي تستدعي الحاجة للإجهاض .
|