قامت قوات كبيرة من الضباط والجنود المسلحين بالبنادق والمدافع الرشاشة باعتقال ثمانين طفلا تتراوح أعمارهم بين ست وعشر سنوات فضلا عن عدد من المشرفين على رحلة هؤلاء الأطفال. كان هؤلاء الأطفال يقضون فترة نصف أسبوع في معسكر ترفيهي بمدينة الإسكندرية، ويعمل آباء العديدين منهم أعضاء في هيئة التدريس بكلية طب جامعة المنوفية، وقد استأجر منظمو الرحلة عددا من الشقق المفروشة لإقامتهم..... .
في فجر اليوم الرابع، وقبل نهاية الرحلة قامت قوات الأمن بمداهمة أماكن إقامتهم ونقلت الأطفال والمشرفين وسط مظاهر الذعر والترويع إلى قسم شرطة المنتزه بالإسكندرية حيث أجبرتهم على قضاء بقية الليل على بلاط غرفة الحجز دون أغطية، وفي الساعة العاشرة صباحا نقلوا إلى مؤسسة رعاية الأحداث بالإسكندرية، ثم قاموا بالتحقيق معهم في مديرية الأمن التي قامت بنقلهم إلى مديرية أمن القاهرة التي قامت بنقل بعضهم إلى قسم بولاق الدكرور والبعض الآخر إلى قسم بوليس بندر شبين الكوم، و بعد قضاء يومين في التخشيبة استجوبتهم فيهما مباحث أمن الدولة، وتركزت التحقيقات معهم على الاستفسار عن مظاهر تدين أسرهم.
تم تسليم الأطفال إلى ذويهم بعد أن حصلوا على إقرارات منهم بعدم اشتراك أبنائهم في مثل هذه الرحلات مرة أخري..
تم الإفراج عن الأطفال واستبقي المشرفون الذين اتهمتهم مباحث أمن الدولة بتكوين تنظيم سري يقوم بغسيل مخ الأطفال..
يا معشر القراء... يا أمة ...
إن ما تقرؤونه الآن ليس فيلما سينمائيا لهيتشكوك أو بيرجمان، ولا قصيدة شعر لأمل دنقل، ولا مسرحية لأنطونيو باينجو، ما تقرؤونه واقع حدث، منشور في مصادر عديدة، منها تقرير عن حقوق الإنسان أصدرته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
ما تقرؤونه حدث، يفوق أي خيال مهما بلغت بشاعته لكنه حدث ..
ما تقرؤونه في جلسة استرخاء أمام شاشة تلفاز تنقل لكم عبر الأقمار كل ما هو مبهج حدث..
حدث و أنتم صامتون..
لعلكم تلجئون إلى مواقف و تفسيرات واحتمالات شتى كي تبرروا جريمة صمتكم.
أولها أن تتوقفوا عن قراءة ما أكتب، لأنني أوشك على المضي في سرد التفاصيل، ماذا حدث للأطفال وذويهم ومشرفيهم، هناك، من الشرطة؟.
ففي احتفالات عام الطفل، كانت الشرطة تشارك بطريقتها في الاحتفال الدامي..
يقول الأطفال الذين وقعوا ضحية لهذه العملية البشعة، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة، يقولون أن رجال الشرطة قد أساءوا معاملتهم، ووجهوا لهم شتائم بذيئة، وحجزوهم في غرف احتجاز ضيقة بدون أي تجهيزات، ولم تقدم لهم أطعمة وتعرض بعضهم للضرب بالأيدي والركل بالأقدام..
يقول الطفل أحمد عماد محمد عبد الوهاب، البالغ من العمر ثماني سنوات، أن معاملته كانت قاسية للغاية وشملت سبابا شديدا والضرب والركل، وقد تكررت نفس المعاملة في حالة الطفل هاني محمد علي بشير: 10 سنوات، والطفل عمر محمد شحاتة: 7 سنوات..
هذا ما حدث للأطفال، أما المشرفين فقد تم اعتقالهم بأمر من وزير الداخلية، حيث تعرضوا للضرب والسباب، للتجريد من الملابس والتعليق من الأيدي ومن الأرجل، للصعق بالكهرباء في أماكن حساسة من الجسم، لمنع الطعام والشراب وللعزل تماما عن العالم وفقا لأمر الاعتقال المستند إلى قانون الطوارئ.
لم يسكت آباء الأطفال..
كان معظمهم من أساتذة كلية الطب لذلك تقدموا بشكوى إلى نقابة الأطباء، فعقدت النقابة مؤتمرا صحفيا..حضرته منظمات عديدة ومندوبو الصحف ووكالات الأنباء، وشارك في المؤتمر الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب، و أدلوا بشهاداتهم..
قبل المؤتمر بذلت الشرطة جهودا مكثفة لمنعه، وحين فشلت ترصدت الحاضرين حتى انتهي المؤتمر، وعند الخروج منه قامت الشرطة باختطاف ثلاثين شخصا، احتجزوا بقسم قصر النيل، حتى تم استصدار قرارات اعتقال لبعضهم، وكان ضمن الذين تم إلقاء القبض عليهم: الدكتور ثروت محمد إسماعيل الذي اختطف أثناء مغادرته للمركز الثقافي الفرنسي في شارع مواز لمقر النقابة وفي فجر اليوم التالي قامت الشرطة بالقبض على عشرات الأشخاص من بيوتهم بالقاهرة وخارجها..
ولم تكن الحادثة السابقة استثناء بل القاعدة..
في حادثة أخري تذكر صحيفة الوفد أن الشرطة قامت بإلقاء القبض علي 41 طفلا ما بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من أعمارهم، بتهمة انتمائهم إلى تنظيم إسلامي، وقضى الأطفال ثلاثة شهور في قسم شرطة البدرشين- جنوبي القاهرة - في غرفة واحدة مظلمة ورطبة تحت الأرض مع عدد من المجرمين الجنائيين، وتعرضوا خلال ذلك للضرب والسب.
يا معشر القراء ...
يا أمة:
لم تكن الحادثة السابقة استثناء بل القاعدة..
في 20-12-1992 نشرت صحيفة الجمهورية شبه الرسمية أن الشرطة أفرجت في يوم واحد عن 72 طفلا تراوحت أعمارهم بين 8-12 عاما بعد أن احتجزتهم لفترات مختلفة، ما لم تذكره صحيفة الجمهورية أن هؤلاء الأطفال صرحوا بأنهم تعرضوا لتعذيب مروع للإدلاء بمعلومات عن أماكن اختفاء أقاربهم..
يا مصريون يا عرب يا مسلمون، يا عالم: هذا هو الشر من أجل الشر
ليست حوادث فردية.
احتجزت الشرطة والدة وشقيقتيْ وشقيقيْ المتهم الهارب عنتر الزيات.. اعتقلت الشرطة محمد وأشرف الزيات: 15 و 16 عاما، تعرض الشقيقان للضرب لفترة طويلة في الدور الثاني بقسم إمبابة لإجبارهما على الإدلاء بمعلومات عن مكان اختفاء شقيقهما ثم جرى ترحيلهما إلى مقر معسكر الأمن المركزي على الطريق الصحراوي وأودعوا بعنبر يطلق عليه: (عنبر العيال)، وهناك تعرضا لتعذيب مبرح استمر 32 يوما شمل الضرب بأسلاك مجدولة، والتعليق في أوضاع مختلفة، والصعق بالكهرباء في الأعضاء التناسلية ..
اقرؤوا أيضا ..
توجهت قوة من الشرطة إلى منزل الطفلين:(...) 9 أعوام و (...) 12 عاما للبحث عن شقيقهما الهارب، ووجه أحد الضباط مسدسه إلى الطفل الثاني لاستخدامه كدرع واق لحمايته من أي هجوم محتمل، وجرى سؤالهم عن مكان اختفاء شقيقهم، وتعرض الأول لضرب مبرح لإنكاره معرفة مكان اختفاء شقيقه، ثم اقتادهما رجال الشرطة حفاة وبملابس النوم إلى أقاربهم الذين يحتمل اختفاء شقيقهم لديهم، ولما لم يجدوه اصطحبوا الجميع إلى قسم شرطة إمبابة، وفي الطريق إلى القسم غمس أحد الضباط وجه الطفل الأول في حائط مطلي بالبوية حديثا، وفي قسم الشرطة احتجز الجميع وتعرضوا للضرب.. يقول الطفل الأول: ضربوني بالأقدام فاصطدمت بالباب وسقطت على الأرض، ثم قام الجنود برفع أقدامي إلى أعلى وضربوني بعصا عليها كثيرا، ثم وضعوها في الفلكة، وبعد أن ضربت طلبوا مني الجري حتى لا تتورم قدماي، وبعد أن انتهوا وضعوني في حجرة وأغلقوا علي الباب رغم صراخي لمعرفة مصير شقيقي الصغير الذي وضع في مكان آخر، وفي المساء قبضت الشرطة على الشقيق الهارب، وأدخلوا الطفلين المحتجزين عليه، حيث شاهداه وهو معلق ويتعرض للتعذيب، ويضيف الطفل: رأيت أخي ينزف دما من فمه، وكان لا يستطيع الوقوف على قدميه، وكان أحد الضباط يضربه بخشبة ..