أولاً :
بداءة يمكن تكييف هذه القضية من خلال المعطيات والوقائع المعروضة ، إذ تعتبر من اختصاص القضاء الإداري ، وذلك لتعلق أطراف الخصومة بين أحد موظفي القطاع العام وبين جهة الإدارة . وينبني على هذا التكييف تحديد القانون الواجب تطبيقه ، وهو القانون الذي يفصل في المنازعات الإدارية .
ثانياً :
من المسلم به فقها وقضاءً أن القانون إذا صدر ، فإن تطبيقه يكون بأثر فوري ، ما لم ينص بذا القانون ما يخالف ذلك . ومن المتضح أن المرسوم الذي صدر ، يقضي بتعيين أحد مساعدي القضاة إلى مرتبة قاضِ ' يعني ذلك ترقية ' على أن يعمل به بمنتصف إبريل عام 2003م وهو التاريخ الذي صدر فيه المرسوم ، ويترتب على ذلك تغيير المراكز القانونية قبل الأطراف المعنيين بالمرسوم ، وأيضا يترتب على هذا الصدور وضع المرسوم في موضع التنفيذ بأثر فوري من قبل أطرافه اعتبارا من التاريخ الذي أشار إليه المرسوم ، وبالتالي لا يجوز في هذه الحالة على الأطراف المعنيين مخالفة أحكام هذا المرسوم ، ما لم يكن يخالف القانون الذي يستند إليه في ديباجته القانونية ، أو يخالف النظام الأساسي أو الدستور للدولة . ويتضح هنا جليا أن الإدارة ماطلت في تنفيذ المرسوم بدليل أنها أصدرت تعليماتها إلى المعين قاضيا تقضي باستمراره في الدورة التدريبية حتى انتهاءها . وإذا ما رأينا وقت صدور هذه التعليمات فسوف نلاحظ أنها جاءت بعد صدور المرسوم ، وهذا يدل على أن الإدارة فعلا ماطلت في تنفيذ أحكام المرسوم ، والذي من المفترض على الإدارة وضع أحكام المرسوم في وضع التنفيذ الفوري ، وعدم إصدار أي تصرف من شأنه يعيق تنفيذ المرسوم ، وهذا يخالف أحكام القانون ومبدأ التنفيذ الفوري .
ثالثاً :
من حيث القوة الملزمة في تدرج القوانين ، فمن المسلم به أيضا عند الفقه والقضاء ، أن التشريع الأدنى لا يجب عليه أن يخالف التشريع الأعلى عنه . فالتشريع العادي لا يجب عليه أن يخالف الدستور ، واللوائح التنفيذية لا يجب عليها أن تخالف التشريع العادي أو الدستور ، وكذلك الحال بالنسبة للقرارات الإدارية لا يجب عليها أن تخالف اللوائح التنفيذية لها ، وكذلك يخضع لنفس الحكم بالنسبة للتعليمات أو التوجيهات .
ولكون أن جهة الإدارة أصدرت تعليماتها نحو الذي صدر المرسوم بشأنه القاضية باستمرار المعني بالقضية على الوضع الذي هو عليه قبل صدور المرسوم ، فإن هذه التعليمات لا ترقى إلى مستوى المرسوم من حيث القوة الإلزامية ، وهي في حقيقة الأمر تخالف المرسوم الذي يسمو عليها من حيث قوة الإلزام المعروف عنها في تدرج القوانين . ومن هنا تتضح صورة مماطلة الإدارة في تنفيذ المرسوم ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر لما كان التدريب الإداري يعتبر واجب وظيفي ، والملتحق في التدريب الإداري كمن يمارس عمله ، إذ أنه يؤدي واجبه الوظيفي ، فلا يجوز للموظف أن يقوم بتصرفات تؤدي إلى تعطيل أو تراخي في تأدية واجبات الوظيفة مما يشكل ذلك إخلالا بالواجب الوظيفي ومخالفا لأحكام القانون ، فمن باب أولى على الإدارة أن لا تقوم هي بهذا التصرف المخل للواجبات الوظيفية ، وبالتالي فقيامها بإصدار التعليمات تعتبر من قبيل تعطيل واجبات الموظف الوظيفية ، وهذا يخالف القانون .
رابعاً :
مما تلاحظ عليه أن جهة الإدارة قامت بتوجيه لفت نظر إلى المعني بالقضية بحجة عدم الانصياع إلى الأوامر التي صدرت ممثلة بالتعليمات . ومن المعروف قانونا أن لفت نظر الموظف هو نوع من العقوبة الإدارية . وأيضا قامت الإدارة باستبعاد اسم المعني بالقضية من ضمن جدول توزيع القضاة ، وهذا التصرف يعد أيضا عقوبة إدارة أخرى توقع على المعني بالقضية ، وكذلك قامت الإدارة بامتناعها عن تكليف المعني بالقضية القيام بعمله الجديد ، ويعد هذا التصرف أيضا من قبيل العقوبة الإدارية .
وإذا ما كيفنا هذه التصرفات التي قامت بها الإدارة وأمعنا النظر بتلك التصرفات ، فسوف يلاحظ أن الإدارة أوقعت ثلاث عقوبات إدارية على المعني بالقضية بفعل واحد نتيجة عدم الانصياع إلى الأوامر التي صدرت بحقه بموجب التعليمات . وبجانب ما استقر عليه الفقه والقضاء أنه لا يجوز توقيع على الموظف أكثر من عقوبة في فعل واحد ، وهنا نرى أن الإدارة أوقعت ثلاث عقوبات إدارية لفعل واحد ، وهذا بحد ذاته يخالف القانون .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
|