|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 11/18/2004 7:00:00 AM
|
بعد الفلوجة .... الا من معالم للطريق
|
لا انكر ولا اخفى اننى فى وضع نفسى ومعنوى منهك من جراء ماحدت ويحدث فى الفلوجة ولااخفى اننى مثل الابن الفاقد لوالديه تائها مرعوبا خائفا من ما هو قادم متسائلا "هل اولادى فى مأمن" فأجد ان الاجابة الوحيدة على هذا السؤال هى انهم غير امنين ومن الممكن والجائز ان اجد مدينتى تتحول الى فلوجة اخرى تتكالب عليها قوى الشر من الكفار والمنافقين
واتساءل الى اين اذهب.... وكيف احميهم .....اتلفت حولى لعلى ارى مخرجا او طريقا امنا .... طريق!!!؟.....اتذكر بعد غفلة طويلة مايجب الا ننساه.
معالم على الطريق ...ايمكن ان يرشدنى الى الطريق ....هل يمكن؟؟؟؟
يقول الشيخ الملهم / سيد قطب في كتابه العظيم/ معالم على الطريق : إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام منهجاً إلهياً ، جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض ، وعبودية البشر جميعاً في الأرض ، وعبودية البشر جميعاً لإله واحد ، ويصب هذا التقرير في قالب واقعي ، هو المجتمع الإنساني الذي يتحرر فيه الناس من العبودية للعباد ، بالعبودية لرب العباد ، فلا تحكمهم إلا شريعة الله ، التي يتمثل فيها سلطان الله ، أو بتعبير آخر تتمثل فيها ألوهيته .. فمن حقه إذاً أن يزيل العقبات كلها عن طريقه ، ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز ولا موانع مصطنعة من نظام الدولة السياسي ، أو أوضاع الناس الاجتماعية .. أن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو ، واعتباره نظاماً محلياً في وطن بعينه فمن حقه أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية ! هذا تصور .. وذاك تصور .. ولو أن الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد .. ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد وأهدافه ونتائجه ، يختلف اختلافاً بعيداً ، يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه . إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء ، فالإسلام ليس نحلة قوم ، ولا نظام وطن ، ولكنه منهج إله ، ونظام عالم .. ومن حقه أ، يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية ((الإنسان)) في الاختيار ، وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته ، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة ، المفسدة للفطرة ، المقيدة لحرية الاختيار . من حق الإسلام أن يخرج ((الناس)) من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .. ليحق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين ، وتحرير الناس أجمعين وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي ، فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم ، حاكمهم ومحكومهم ، أسودهم وأبيضهم ، قاصيهم ودانيهم ، فقيرهم وغنيهم ، تشريعاً واحداً يخضع له الجميع على السواء .. أما في سائر الأنظمة ، فيعبد الناس العباد ، لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد ، وهو من خصائص الألوهية ، فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه ، فقد ادعى الألوهية اختصاصاً وعملاً ، سواء ادعاها قولاً أم لم يعلن هذا الادعاء . وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية ، سواء سماها باسمها أم لم يسمها ! والإسلام ليس مجرد عقيدة ، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان ، إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس ، والتجمعات الأخرى لا تمكِّنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو ، من ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام ، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله ، فلا تكون هناك دينونية ولا طاعة لعبد من العباد لذاته ، كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقوم على عبودية العباد لعباد ! إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر وتحت هجوم الاستشراق الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة ، لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة ، والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست هي الحقيقة ، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمة الإسلام ، بنفي هذا الاتهام ، فيلجأون إلى تلمس المبررات الدفاعية ! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته ، وحقه في ((تحرير الإنسان)) ابتداء . وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة ((الدين)) .. وأنه مجرد ((عقيدة)) في الضمير ، لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة ، ومن ثم يكون الجهاد للدين ، جهاداً لفرض العقيدة على الضمير ! ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام ، فالإسلام منهج الله للحياة البشرية ، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وتنظيم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية ! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام ، أما العقيدة فأمر موكول إلى حرية الاقتناع ، في ظل النظام العام ، بعد رفع جميع المؤثرات .. ومن ثم يختل الأمر من أساسه ، وتصبح له صورة جديدة كاملة . وحيثما وجد التجمع الإسلامي ، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي ، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام ، مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ، فإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد ، فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ ، مسألة مقتضيات حركة لا مسألة عقيدة .. وعلى هذا الأساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة ، في المراحل المتجددة ، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية ، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل . لا اله إلا الله منهج حياة العبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية المتمثل في شهادة : أن لا إله إلا الله ، والتلقي عن رسول الله ( - في كيفية هذه العبودية - هو شطرها الثاني ، المتمثل في شهادة أن محمداً رسول الله . والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطريها ، لأن كل ما بعدهما من مقومات الإيمان ، وأركان الإسلام ، إنما هو مقتضى لها ، فالإيمان بملائكة اله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وكذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم الحدود والتعزير والحل والحرمة والمعاملات والتشريعات والتوجيهات الإسلامية .. إنما يقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده ، كما أن المرجع فيها كلها هو ما بلَّغه لنا رسول الله ( عن ربه . والمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه تلك القاعدة ومقتضياتها جميعاً لأنه بغير تمثل تلك القاعدة ومقتضياتها فيه لا يكون مسلماً . ومن ثم تصبح شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ( ، قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها ، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة ، كما أنها لا تكون حياة إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة ، أو قامت على قاعدة أخرى معها ، أو عدة قواعد أجنبية عنها : ((إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، ذلك الدين القيم)) ... [يوسف : 40] ((من يطع الرسول فقد أطاع الله))... [النساء : 80] * * * هذا التقرير الموجز المطلق الحاسم يفيدنا في تحديد كلمة الفصل في قضايا أساسية في حقيقة هذا الدين ، وفي حركته الواقعية كذلك : إنه يفيدنا أولاً في تحديد ((طبيعة المجتمع المسلم)) . ويفيدنا ثانياً في تحديد ((منهج نشأة المجتمع المسلم)) . ويفيدنا ثالثاً في تحديد ((منهج الإسلام في مواجهة المجتمعات الجاهلية)). ويفيدنا رابعاً في تحديد ((منهج الإسلام في مواجهة واقع الحياة البشرية)) . وهي قضايا أساسية بالغة الخطورة في منهج الحركة الإسلامية قديماً وحديثاً . * * * إن السمة الأولى المميزة لطبيعة (المجتمع المسلم) هي أن هذا المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله .. هذه هي العبودية التي تمثلها وتكيفها الشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ( . وتتمثل هذه العبودية في التصور الاعتقادي ، كما تتمثل في الشعائر التعبدية ، كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء . فليس عبداً لله وحده من لا يعتقد بوحدانية الله سبحانه : ((وقال الله لا تتخذوا إلـهين اثنين ، إنما هو إلـه واحد فإياي فارهبون . وله ما في السماوات و الأرض وله الدين واصباً . أفغير الله تتقون ؟)) ... [النحل : 51 - 52] ليس عبداً لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لأحد غير الله - معه أو من دونه : ((قل : إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)) ... [الأنعام : 162 -163] وليس عبداً لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله ، عن الطريق الذي بَلَّغَنَا لله به ، وهو رسول الله ( : ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟)) ... [الشورى : 21] ((وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا)) ... [الحشر : 7] هذا هو المجتمع المسلم ، المجتمع الذي تتمثل العبودية لله وحده في معتقدات أفراده وتصوراتهم ، كما تتمثل شعائرهم وعباداتهم ، كما تتمثل في نظامهم الجماعي وتشريعاتهم .. وأيما جانب من الجوانب تخلف عن الوجود فقد تخلف الإسلام نفسه عن الوجود ، لتخلف ركنه الأول ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ( . ولقد قلنا : إن العبودية لله تتمثل في ((التصور الاعتقادي)) .. فيسحن أن نقول ما هو التصور الاعتقادي الإسلامي ..إنه التصور الذي ينشأ في الإدراك البشري من تلقيحه لحقائق العقيدة من مصدرها الرباني ، والذي يتكيف به الإنسان في إدراكه لحقيقة ربه ، ولحقيقة الكون الذي يعيش فيه - غيبه وشهوده - ولحقيقة الحياة التي ينتسب إليها - غيبها وشهودها - ولحقيقة نفسه .. أي لحقيقة الإنسان ذاته .. ثم يكيف على أساسه تعامله مع هذه الحقائق جميعاً ، تعامله مع ربه تعاملاً تتمثل فيه عبوديته لله وحده ، وتعامله مع الكون ونواميسه ومع الأحياء وعوالمها ، ومع أفراد النوع البشري وتشكيلاته تعاملاً يستمد أصوله من دين الله - كما بَلَّغَهَا رسول الله ( - تحقيقاً لعبوديته لله وحده في هذا التعامل .. وهو بهذه الصورة يشمل نشاط الحياة كله . * * * إن هذا المجتمع لا يقوم حتى تنشأ جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده ، وأنها لا تدين لغير الله .. لا تدين بالعبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور ، ولا تدين بالعبودية لغير الله في العبادات والشعائر .. ولا تدين بالعبودية لغير الله في النظام والشرائع .. ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها على أساس هذه العبودية الخالصة .. تنقي ضمائرها من الاعتقاد في ألوهية أحد غير الله - معه أو من دونه - وتنقي شعائرها من التوجه بها لأحد غير الله - معه أو من دونه - وتنقي شعائرها من التلقي عن أحد غير الله - معه أو من دونه - . عندئذ - وعندئذ فقط - تكون هذه الجماعة مسلمة ، ويكون هذا المجتمع الذي أقامته مسلماً كذلك .. فأما قبل أن يقرر ناس من الناس إخلاص عبوديتهم لله - على النحو الذي تقدم - فإنهم لا يكونون مسلمين .. أما قبل أن ينظموا حياتهم على هذا الأساس فلا يكون مجتمعهم مسلماً .. ذلك أن القاعدة الأولى التي يقوم عليها الإسلام ، والتي يقوم عليها المجتمع المسلم - هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ( - لم تقم بشطريها .. وإذن فإن قبل التفكير في إقامة نظام اجتماعي إسلامي ، وإقامة مجتمع مسلم على أساس هذا النظام .. ينبغي أن يتجه الاهتمام أولاً إلى تخليص ضمائر الأفراد من العبودية لغير الله - في أية صورة من صورها التي أسلفنا - وأن يتجمع الأفراد الذين تخلص ضمائرهم من العبودية لغير الله في جماعة مسلمة .. وهذه الجماعة التي خلصت ضمائر أفرادها من العبودية لغير الله ، اعتقاداً وعبادة وشريعة ، هي التي ينشأ منها المجتمع المسلم وينضم إليها من يريد أن يعيش في هذا المجتمع بعقيدته وعبادته وشريعته التي تتمثل فيها العبودية لله وحده .. أو بتعبير آخر تتمثل فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ( . هكذا كانت نشأة الجماعة المسلمة الأولى التي أقامت المجتمع المسلم الأول .. وهكذا تكون نشأة كل جماعة مسلمة ، وهكذا يقوم كل مجتمع مسلم . إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله - معه أو من دونه - إلى العبودية لله وحده بلا شريك ، ثم من تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية .. عندئذ يتم ميلاد جديدي لمجتمع جديد ، مشتق من المجتمع الجاهلي القديم ، ومواجه له بعقيدة جديدة ، ونظام للحياة جديد ، يقوم على أساس هذه العقيدة ، وتتمثل فيه قاعدة الإسلام الأولى بشطريه .. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ( .. وقد ينضم المجتمع الجاهلي القديم بكامله إلى المجتمع الإسلامي الجديد وقد لا ينضم ، كما أنه قد يهادن الجديد أو يحاربه ، وإن كانت السنة قد جرت بأن يشن المجتمع الجاهلي حرباً لا هوادة فيها ، سواء على طلائع هذا المجتمع في مرحلة نشوئه - وهو أفراد أو جماعات - أو على هذا المجتمع نفسه بعد قيامه فعلاً - وهو ما حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ نوح ( ، إلى محمد ( ، بغير استثناء . قوة الاعتقاد والتصور ، وقوة الخلق والبناء النفسي ، وقوة التنظيم والبناء الجماعي ، وسائر أنواع القوة التي يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي ويتغلب عليه ، أو على الأقل يصمد له ! حين تكون الحاكمية العليا في مجتمع لله وحده - متمثلة في سيادة الشريعة الإلـهية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر .. وتكون هذه هي ((الحضارة الإنسانية)) لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ، ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع .. ولا حرية - في الحقيقة- ولا كرامة للإنسان - ممثلاً في كل فرد من أفراده - في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون ! ولا بد أن نبادر فنبيِّن أن التشريع لا ينحصر فقط في الأحكام القانونية - كما هو المفهوم الضيق في الأذهان اليوم لكلمة الشريعة - فالتصورات والمناهج ، والقيم والموازين ، والعادات والتقاليد .. كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه ، وحين يصنع الناس -بعضهم لبعض - هذه الضغوط ، ويخضع لها البعض الآخر منهم في المجتمع ، لا يكون هذا المجتمع متحرراً ، إنما هو مجتمع بعضه أرباب وبعضه عبيد - كما أسلفنا - وهو - من ثم - مجتمع متخلف .. أو بالمصطلح الإسلامي .. ((مجتمع جاهلي)) ! والمجتمع الإسلامي هو وحده المجتمع الذي يهيمن عليه إلـه واحد ، يخرج الناس فيه من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، وبذلك يتحررون التحرر الحقيقي الكامل ، الذي ترتكز إليه حضارة الإنسان ، وتتمثل فيه كرامته كما قدرها الله له ، وهو يعلن خلافته في الأرض عنه ، ويعلن كذلك تكريمه في الملأ الأعلى .. * * * وحين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة ، ويكون هذا كله صادراً من إلـه واحد ، تتمثل فيه السيادة العليا للبشر ، وليس صادراً من أرباب أرضية تتمثل فيها عبودية البشر للبشر .. يكون ذلك التجمع ممثلاً لأعلى ما في ((الإنسان)) من خصائص .. خصائص الروح والفكر .. فأما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي الجنس واللون والقوم الأرض .. وما إلى ذلك من الروابط ، فظاهر أن الجنس واللون والقوم الأرض لا تمثل الخصائص العليا للإنسان .. فالإنسان يبقى إنساناً بعد الجنس واللون والقوم الأرض ، ولكنه لا يبقى إنساناً بعد الروح والفكر ! ثم هو يملك - بمحض إرادته الحرة - أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته ، ولكنه لا يملك أن يغير لونه ولا جنسه ، كما إنه لا يملك أن يحدد مولده في قوم ولا أرض .. فالمجتمع الذي يجتمع فيه الناس على أمر يتعلق بإراداتهم الحرة واختيارهم الذاتي هو المجتمع المتحضر .. أما المجتمع الذي يجتمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو لمجتمع المتخلف .. أو بالمصطلح الإسلامي .. هو ((المجتمع الجاهلي)) ! والمجتمع الإسلامي وحده هو المجتمع الذي تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية ، والذي تعتبر فيه العقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأسود والأبيض والأحمر والأصفر والعربي والرومي والحبشي وسائر أجناس الأرض في أمة واحدة ، ربها الله ، وعبوديتها له وحده ، والأكرم فيها هو الأتقى ، والكل فيها أنداد يلتقون على أمر شرعه الله لهم ، ولم يشرعه أحد من العباد ! إن المجتمع المتحضر .. الإسلامي .. لا يحتقر المادة ، ولكنه لا فقط يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص ((الإنسان)) ومقوماته ! .. وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته .. إلى آخر ما تهدره المجتمعات الجاهلية من القيم والفضائل والمحرمات لتحقيق الوفرة في الإنتاج المادي ! وحين تكون ((القيم الإنسانية)) و ((الأخلاق الإنسانية)) التي تقوم عليها ، هي السائدة في مجتمع ، ويكون هذا المجتمع متحضراً ، والقيم الإنسانية والأخلاقية الإنسانية ليست مسألة غامضة مائعة وليست كذلك قيما ((متطورة)) متغيرة متبدلة ، لا تستقر على حال ولا ترجع إلى أصل . إنها القيم والأخلاق التي تنمِّي في الإنسان خصائص الإنسان التي يتفرد بها دون الحيوان ، والتي تُغَلِّب فيه هذا الجانب الذي يميزه ويعزوه عن الحيوان ، وليست هي القيم والأخلاق التي تنمِّي فيه تُغَلِّب الجوانب التي يشترك فيها مع الحيوان . وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم ((وثابت)) لا يقبل عملية التمييع المستمرة . إن الإسلام يقرر قيمه وأخلاقه هذه ((الإنسانية)) - أي التي تنمِّي في الإنسان الجوانب التي تفرقه وتميزه عن الحيوان - ويمضي في إنشائها وتثبيتها وصيانتها في كل المجتمعات التي يهيمن عليها سواء كانت هذه المجتمعات في طور الزراعة أم في طور الصناعة ، وسواء كانت مجتمعات بدوية تعيش على الرعي أو مجتمعات حضرية مستقرة ، وسواء كانت هذه المجتمعات فقيرة أو غنية .. أنه يرتقي صعداً بالخصائص الإنسانية ، ويحرسها من النكسة إلى الحيوانية .. لأن الخط الصاعد في القيم والاعتبارات يمضي من الدرك الحيواني إلى المرتفع الإنساني .. فإذا انتكس هذا الخط - مع حضارة المادة - فلن يكون ذلك حضارة ! إنما هو ((التخلف)) أو هو ((الجاهلية)) ! وحين تكون ((الأسرة)) هي قاعدة المجتمع ، وتقوم هذه الأسرة على أساس ((التخصص)) بين الزوجين في العمل ، وتكون رعاية الجيل الناشئ هي أهم وظائف الأسرة على هذا النحو - في ظل المنهج الإسلامي - تكون هي البيئة التي تنشأ وتُنَمَّى فيها القيم الأخلاقية ((الإنسانية)) التي أشرنا إليها ، ممثلة في الجيل الناشئ ، والتي يستحيل أن تنشأ في وحدة أخرى غير وحدة الأسرة ، فأما حين تكون العلاقات الجنسية (الحرة كما يسمونها) والنسل (غير الشرعي) هي قاعدة المجتمع .. حين تقوم العلاقات بين الجنسين على أساس الهوى والنزوة والانفعال ، لا على أساس الواجب والتخصص الوظيفي في الأسرة .. حين تصبح وظيفة المرأة هي الزينة والغواية والفتنة .. وحين تتخلى المرأة عن وظيفتها الأساسية في رعاية الجيل الجديد ، وتُؤْثِر هي - أو يُؤْثِر لها المجتمع - أن تكون مضيفة في فندق أو سفينة أو طائرة ! .. حين تنفق طاقتها في ((الإنتاج المادي)) و ((صناعة الأدوات)) ولا تنفقها في ((صناعة الإنسان)) !! لأن الإنتاج المادي يومئذ أغلى وأغز وأكرم من ((الإنتاج الإنساني)) ، عندئذ يكون هنا هو ((التخلف الحضاري)) بالقياس الإنساني .. أو تكون هي ((الجاهلية)) بالمصطلح الإسلامي ! وقضية الأسرة والعلاقات بين الجنسين قضية حاسمة في تحديد صفة المجتمع .. متخلف أم متحضر ، جاهلي أم إسلامي ! .. والمجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية في هذه العلاقة لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة ، مهما تبلغ من التفوق الصناعي والاقتصادي والعلمي ! إن هذا المقياس لا يخطئ في المقياس لا يخطئ في قياس مدى التقدم ((الإنساني)) .. * * * وأخيراً فإنه حين يقوم ((لإنسان)) بالخلافة عن ((الله)) في أرضه على وجهها الصحيح : بأن يخلص عبوديته لله ويخلص من العبودية لغيره ، وأن يحقق منهج الله وحده ويرفض الاعتراف بشريعة منهج غيره ، وأن يُحَكِّم شريعة الله وحدها في حياته كلها وينكر تحكيم شريعة سواها ، وأن يعيش بالقيم والأخلاق التي قررها الله له ويسقط القيم والأخلاق المدعاة ، ثم بأن بتعرف بعد ذلك كله إلى النواميس الكونية التي أودعها الله في هذا الكون المادي ، ويستخدمها في ترقية الحياة ، وقي استنباط خامات الأرض وأرزاقها وأقواتها التي أودعها الله إياها ، وجعل تلك النواميس الكونية أختامها ، ومنح الإنسان القدرة على فض هذه الأختام بالقدر الذي يلزم له في الخلافة .. أي حين ينهض بالخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه ، ويصبح وهو يفجر ينابيع الرزق ، ويصنع المادة الخامة ، ويقيم الصناعات المتنوعة ، ويستخدم ما تتجه له كل الخبرات الفنية التي حصل عليها الإنسان في تاريخه كله .. حين يصبح وهو يصنع هذا كله ((ربانيا)) يقوم بالخلافة عن الله على هذا النحو - عبادة الله . يوم إذ يكون هذا الإنسان كامل الحضارة ، ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة
= = = = =
رحم الله الشهيد
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الانتقال السريع
|
|
|
عدد الزوار 1479 / عدد الاعضاء 62 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|