كرسي السلطة فتنة كبرى
كرسي السلطة فتنة كبرى قيل عنها نعم المرضعة وبئست الخاتمة ولكنها وسيلة هامة من وسائل الإدارة الشرعية حيث أننا أُمرنا إن كنتم ثلاثة فأمٍروا أحدكم؛ والشرع يفهمنا أنه يكون أكثرنا علماً بأحكام الدين؛ وربما يكون أكبرنا سناَ لو استوى الثلاثة في العلم والفقه؛ وربما يكون هناك أسباب أخرى للولاية؛ ليس على الثلاثة ولكن على المجتمعات الأكبر سواء كانت قرية أو مدينة أو محافظة أو بلد أو دولة صغرى أو كبرى؛ الشرع يأمرنا أن نؤمر علينا أفضلنا؛ والدعاء اللهم ولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا؛ وبني إسرائيل رفضوا الأمير لأنه لم يؤت سعة من المال؛ وهم كانوا يحبون المال لدرجة العبادة؛ بينما الله ولاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم؛ ونحن نولي علينا من لديه المال أكثر ممن لديه العلم والحكمة؛ بينما الله تعالى يقول ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا؛ ويقول المال والبنين زينة الحياة الدنيا؛ ونحن نختار صاحب المال والبنون ونترك صاحب الحكمة؛ ولكن في الغرب والشرق يختارون صاحب الحكمة؛ ولذلك نراهم متقدمون علينا ومتفوقون كثيرا في جميع المجالات؛ بينما نحن متخلفون لأننا لم نسمع كلام الله والرسول ونختار أفضلنا بالمقاييس الشرعية؛ كما لم نقلد الشرق والغرب ونختار أفضلنا بالمقاييس الدنيوية؛ وربما معظم دولنا محكومة بأشرسنا وأقوانا وأكثرنا مكرا ودهاء للجلوس على الكرسي وليس لخدمة المجتمع والناس والتفاني للحصول على خيري الدنيا والآخرة؛ فلقد نسينا الله فأنسانا أنفسنا؛ ونسينا أسباب التفوق في الدنيا الدنيا كذلك فتخلفنا عن غيرنا كثيرا ممن يستحقون الحياة الحرة الكريمة؛ وقيل شعراً إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر؛ وربد للليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر؛ فهل شعوبنا المرفهة أو الفقيرة تريد الحياة الكريمة التي أرادها الله لنا في عزة الإيمان بتحكيم الله فيما بيننا؛ أو هل تسعى شعوبنا للحياة الدنيا الكريمة وتسعي سعيها وفق المعايير المتعارف عليها دنيويا؛
أزعم أننا فشلنا في كلا الطريقين حيث لم نتق الله فلم يجعل لنا مخرجا ولم يرزقنا من حيث لا نحتسب؛ وكذلك لم نتوكل على الله ليكفينا؛ وكذلك لم ننصر الله لينصرنا في الدنيا والآخرة؛ وهذه من وعود الله تعالى لنا؛ والتي لو صدقناه النية والعمل لرزقنا العزة والكرامة والرزق والنصر على الاعداء؛
وأزعم أننا فشلنا أيضا في السعي الدنيوي فسبقنا الآخرون؛ تلك الشعوب التي ترفض الظلم ولو كان في معشار معشار ما تقبله شعوبنا المشغولة بمتاع الحياة الدنيا للمتعة واللهو فقط؛ ولكنها لا تفكر كثيرا كيف تمسك بأسباب التفوق في الدنيا؛ وكيف تكون الدنيا بأيديها وليست في قلوبها فقط؛ السعي ضعيف جدا لدينا؛ وقد يشترط أن تكون إبن فلان وعلان قبل أن يسمح لك بالسعي أو بالنصح أو بإفادة الناس؛
ولكن الأهم من كل ذلك أن نتغير ونتبدل ونتناصح ونتعاون ونتكاتف ونغير سلبياتنا ونكون أكثر إيجابية وأكثر تأثيرا وأكثر إهتماما بأمورنا العامة - وليست الخاصة فحسب؛ فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؛ وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ ومن واجبنا أن نعين السلطان الجالس على الكرسي من مواقعنا بدلا من أن نحسده أو نقلل من شأنه أو نطمع في الإطاحة به أو إحتلال مكانه؛ لقد اختار هذا المكان وملك القوة اللازمة لتحقيق هدفه ولم يسمح لنا بإختياره وانتهى الأمر فهل نقبل؟!
أظن أننا يجب أن نقبل ونسمع ونطيع ولكن فقط فيما لا يغضب الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولأن الفتنة أشر من القتل؛ والنزاع والفرقة هما عين الفتنة الواجب علينا البعد عنها؛ ولكن الإصلاح يجب أن يكون هدفنا الأول في الحياة؛ وإعانة الحاكم واجب بالنصح بما يرضي الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل ما يرضي الله؛ وإعانته تكون بتوضيح الحق وتشجيعه عليه وبيان ثوابه عند الله؛ وتحذيره من الباطل ونتائجه سواء عليه هو شخصيا أو على شعبه؛ ويكون الإصلاح المطلوب لجميع مساعدي الحاكم وليس له شخصيا فقط؛ فإصلاح موظف الحكومة أو المدير أو من حولهم هو إصلاح للحاكم؛ والإصلاح يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة دون سباب ولا لعان ولا تجاوز لحدود الأخلاق والأدب التي نتعلمها في ديننا الحنيف؛ ولابد أن نستعين بالصبر والصلاة والدعاء وتأليف القلوب على الطاعات عموما؛ وأن نصبر على ما يصيبنا فذلك من عزم الأمور؛ ولابد أن تثمر جهودنا عن نتائج مؤكدة لو كان غالبيتنا سالكين نفس الطريق؛ فإن كان أغلبنا غافلون أو غير مدركين فلابد أن يشجع بعضنا بعضا ونتعاون لزيادة الوعي ويتحرك الجميع في طريق واحد لابد أن يثمر خيرا؛
أخيرا الأمير ليس مقصود به الحاكم العام فقط؛ ولكنه قد يكون رئيسك في العمل أو إمامك في المسجد أو والدك في المنزل أو مندوبك في المجالس النيابية أو موظف الحكومة الذي تتعامل معه أو الصحفي والكاتب الذي تقرأ له أو التلفاز الذي تقضي وقتك أمامه أو الأستاذ الذي يدرس لك في الجامعة أو غير ذلك من الولايات الخاصة والعامة التي قد نجد منكرا في أدائها أو مخالفات واضحة لما أراده الله تعالى من مصالح عامة للأمة؛ فمن رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان - أي لا يجوز لمؤمن أو مسلم أن يرضى قلبه عن المنكر؛ فإن رضي فهناك خلل في فهمه أو خلل في إيمانه؛ وكان هذا هو السبب الأول لجعلنا خير أمة أخرجت للناس: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله - كما يؤمن باقي البشر بالله؛ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل؛ وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ مدحت عثمان |