بسم الله الرحمن الرحيم
إن أول ما يجب أن نوضحه هو ماذا تعني كلمة ( الدفع ) فتعريفه من حيث اللغة هو الإزالة بقوة يقال دفع الشيء دفعاً إذا محاه بقوة و أزاله بقوة و دفع إليه بكذا أي أعطاه إياه و دفع القول أي رده بالحجة و منه المدافعة و منه قوله تعالى ( إن الله يدافع عن الذين أمنوا )
أما من حيث المصطلح القانوني فهو ما يجيب به المدعى عليه عن الدعوى طالباً من خلاله رفضها و بمعنى أوسع و فهو( كل وسيلة من وسائل الدفاع يقصد بها المدعى عليه إلى منع الحكم عليه بطلبات المدعي ) و سواء تعلق الدفع متعلق بذات الخصومة أو بإجراء من إجراءاتها أو موجه إلى أصل الحق أو إنكارا لحق الخصم في رفع الدعوى .
و جميع ما سبق هو ما أشارت إليه المادة (133) من قانون المرافعات رقم (28)لسنة 1992م القديم حيث عرفته بأنه ( دعوى يبديها المدعى عليه لو ثبتت لبطلت دعوى المدعي في الادعاء القائم أو في الحق المدعى به ) حيث علق على هذه المادة الدكتور إبراهيم محمد الشرفي شارحاً لها بقوله( و عليه فالدفع هو جواب الخصم على إدعاء خصمه بقصد منع الحكم له بما يدعيه).
و مع كل ذلك فإن المادة (133) من القانون القديم قد قصرت حق تقديم الدفع على المدعى عليه من خلال النص و هو أيضاً ما سار عليه شراح القانون من خلال تعليقهم على القانون عند التعرض لتعريف الدفع و لم يتعرض المشرع أو الشراح إلى وجوب ذكر أحقية المستأنف ضده في تقديم الدفوع مواجهةً للطعن المرفوع ضده و إن تعارف فقهاً و قضاءً على قبول الدفع المقدمة من المستأنف ضده إلا أن المشرع اليمني من خلال قانون المرافعات رقم (40) لسنة 2002م حاول تلافي ذلك القصور إلا انه وقع في خطاء أخر و هو أساس هذا المقال و صلب موضوعه حيث أن المشرع اليمني من خلال المادة (179) م عرف الدفع بأنه ( الدفع دعوى يبديها المدعى عليه أو الطاعن اعتراضاً على موضوع الدعوى أو الطعن أو شروط قبولها أو أي إجراء من إجراءاتها ) .
و قد و ضعت خط تحت النقاط التي تمثل أخطاء لا أعلم أهي أخطاء قانونيه أم مطبعية حيث أنني أتفق مع أن الدفع حقاُ من حقوق المدعى عليه و لا يعارضني في ذلك أحد أما كون أن من حق الطاعن أن يقدم دفع أمام محكمة الدرجة الثانية يعترض من خلاله على موضوع الطعنه الذي هو أصلاً يعترض من خلاله على الحكم الصادر ضده من محكمة أول درجة ، و من حيث الأصل فإن المستأنف لا يحق له تقديم أي نوع من أنواع الدفوع أمام المحكمة الاستئنافية كونه أصلا في منزلة المدعي الذي لا يحق له تقديم الدفوع كون الدفوع كما سبق و يتضح من خلال التعريف أنه من حق المدعى عليه ، و أضيف و انه من حق من في حكم المدعى عليه و هو المستأنف ضده و ما يؤكد ذلك ما أوردته المادة (186) م حيث عددت أنواع الدفوع طبعاً على سبيل المثال لا الحصر و أشارت إلى أحد الدفوع المقدمة أمام المحكمة الاستئنافية أو العليا و هو الدفع بعدم قبول الطعون لفوات الميعاد و هذا النوع من الدفوع لا يتمكن من حيث الواقع و هو الأصل من تقديمه سوى المستأنف ضده . كما أن الأصل أن الدعوى تعترض من خلال الدفع و يعترض على الحكم من خلال الطعن و يعترض على الطعن من خلال الدفع الذي يكون من حق المستأنف ضده .
كما توجد حالة تجيز لمن صدر الحكم في مواجهته من أن يتقدم بدفع لكن هذا الدفع لا يتعلق بما قضى به الحكم و إنما هو في مواجهة أركان الحكم و شروط صدور و هي ما تعرف بحالات الانعدام و هو ما نضمه القانون اليمني في الباب التمهيدي - الفصل الثامن من المادة (55) م و حتى المادة (58)م إضافة إلى المواد (13،12،11،9)م الباب التمهيدي - الفصل الثالث و كذا في حالة مخالفة المادة (128) م الباب الرابع -الفصل الأول حيث كل ما يتخذ مخالفاً لنصوص هذه المواد يجعل الحكم منعدماً و الملاحظ أن المادة(55) م يتضح من خلالها أن الدفع بانعدام الحكم هو في الأصل من حق المستأنف ضده في حالة ما إذا كان القضاء قد حكم لمن صدر الحكم لصالحه في بعض طلباته و لم يحكم له بالبعض الآخر مما اضطره لاستئناف الحكم الصادر و بالتالي فإن من صدر الحكم في مواجهته يتقدم بدفع بإنعدام الحكم الصادر ضده و هو دفع لا يتعلق بأصل الحق وإنما يتعلق بالحكم من حيث أركان الحكم ( كعدم توقيع رئيس المحكمة أو كاتب الجلسة على الحكم) أو بولايتها( الاختصاص النوعي ) و قد يتعلق بذات الخصوم لا بالخصومة و قد يتعلق بالقضاة و أعضاء النيابة و هي ما تعرف بحالة الامتناع الوجوبي . و كذا يكون للمنفذ ضده الحق في تقديم دفعاً بإنعدام الحكم أمام محكمة التنفيذ في شأن الحكم المراد تنفيذه و بعبارة أخرى فإن الدفع بإنعدام الحكم لا يوجه إلى الطعن أو إلى طلب التنفيذ و إنما يكون بمناسبتهما ( أي في حالة تقديم الطعن أو طلب التنفيذ ) . كما أن المشرع قد أعطاه الحق في رفع دعوى مبتدأه و هذا ما يعني أنه يتقدم بها في حالة عدم استئناف من صدر الحكم في صالحه استئناف جزئي أو طالب بتنفيذه أما إذا طعن فيه أو طالب بتنفيذه فإنه يتقدم بدفع بإنعدام الحكم .
و ليس معنى ما أوردته سابقاً في أن الطاعن لا يحق له تقديم أية دفوع بل إن المشرع قد أعطى للخصوم أياً كان منهم الحق في تقديم بعض الأنواع من الدفوع و التي أجاز المشرع التمسك بها و إبدائها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى طالما أنها من بالنظام العام و هو ما نضمه المشرع اليمني من خلال المادتين (188،187) م و أسماه -الدفع بعدم القبول أو بعدم جواز النظر- حيث أن أساس اعتراضي هو ( كيف يتقدم الطاعن بطعنه أمام المحكمة المختصة في الحكم الصادر ضده ثم يتقدم بدفع يعترض من خلاله على موضوع الطعن أو في شروط قبوله إلى غير ذلك ) و لذلك فإنه يجب إعادة صياغة المادة على النحو التالي (الدفع دعوى يبديها المدعى عليه أو من في حكمه....) أو (الدفع دعوى يبديها المدعى عليه أو المطعون ضده ..) أو (الدفع دعوى يبديها المدعى عليه أو من يعطيه القانون الحق في تقديمه ...... ) إلى غير ذلك من العبارات التي تعطي مفهوماً قانونياً سليماً لا يمكن معه الاختلاف على معنى النص أو التحايل عليه.
و أخيراً فانه يتضح أن ما جاء في المادة (179) م لا يعدوا أما خطأ قانوني أو مطبعي و في كلا الحالتين نرجو من المشرع اليمني تلافيه و من أساتذتنا المبادرة و السعي لتصحيح ذلك كما أرجو من أساتذتنا شراح القانون أن يبادروا إلى تصحيح ما ذكرته أن وجدوا بعض الأخطاء في فهمي القانوني .
وفوق كل ذي علم عليم