المأمون عدد المشاركات >> 9 التاريخ >> 3/11/2004
|
المشـــــــــــــاغبة
حب إثارة الحوار .. أو الولع بإشعال الجدل.. أو الوله بتبني الرأي الغائب.. أو الغرام بتسخين النقاش ، كما يقول فيصل القاسم ، هو سمة الشغب (بكسر الغين) أو المشاغب..
ولعل حب المشاغبة ، وكما يقول العقاد ، هو مفتاح شخصيتيّ كل من شناني وديك الجن..
شناني يهاجم العرب إلى حد السلخ ، أو المصر أو الغسيل (حسب اللهجة التي تفضلها) حين أنه يقاتل مدافعا عن العروبة..
وديك الجن يهجو العرب ، إلى حد الانسلاخ من جلده ، في موضع.. ولكنه يفتخر في موضع آخر بأنه ينتمي إلى قبيلة عربية..
و قد يبدو هذا أنه تناقض..
ولكنه في رأيي هو مجرد مشاغبة ..
شناني مثلاً يصف العرب بالغباء فيقول: وبدل تعبير : العقل العربي = تعبير : السطل أو الجاط العربي.
ويقول : فأنا ( متعود ) على سوء فهم طروحاتي دائما لدى العربان.
ويقول: في الدول العربية والإسلامية المتخلفة فقط ، تثار مثل هذه المسائل والخلافات نظرا لارتفاع نسبة الجحشنة والتناحة في العقل العربي.
ويقول: نحن قوم ليس لنا دين ، هجناء ، غرباء ليس لنا أرض ولا سماء.
ويقول: وبدل تعبير : الجماهير المؤيدة ، تعبير : الحمير الهائمة .
ويقول: وفي كل رمضان ، وفي كل عام ، وكل عيد ، نقول : كل عام وأنت بخير وقد قلت قبل هذه المرة ، بأن هذه المعايدة لا تجوز للمواطن العربي ، لأنه حاله من سيئ إلى أسوأ ، وفي كل عام ، ينحدر فيه مصيره إلى الهاوية أكثر من العام الذي سبقه.
لذلك ، عندما جئت لأنزل معايدتي بشهر رمضان الكريم ، تذكرت بعضا من علامات انحطاط الشعب العربي. وهي النفاق ، وهناك مشكلة أعمق كان يجب أن تدركيها من حديثي ، وهي تحول الدين إلى طقوسية وشكلانية بدون التزام بأخلاقه ومبادئه.
ويقول: وإلى متى ستبقى الجحشنة على حساب العقلنة في الوطن العربي الذي بدأ يخرج من مؤخرة التاريخ بالفعل.
ويثبت الموقفين في جملة واحدة فيقول : بقي أن أقول لك أنني أتفهم مشاعرك ، ونؤيدك فيها ، ولاشك أننا كلنا مع عودة الوفاق العربي بشكل عام ومع التضامن العربي وكل الشعارات القومية الأخرى ووقف مسلسل الانحدار والانحطاط العربي هذا..
ولكنه لا يتردد في الإفصاح عن حبه للعروبة قائلاً : ونحن جميعا متفقون على أن كل الدول العربية تشكل جسدنا جميعا ، وإذا مرض عضو تداعى له سائر الجسد
ونحن لا نفضل بمحبتنا وعروبتنا أي بلد عربي على آخر
وكلنا في الهم عرب ، وكلنا في سلة واحدة بالنسبة للمطامع الصهيونية الأميركية
لابد من تجاوز جراحات الماضي
لسبب بسيط
هو أن الشعوب العربية ليست مسؤولة عنها
وفي الوقت ذاته
هي التي تدفع الثمن باستمرار
يجب أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.
ولعل نعيه وفاة الشيخ زايد ، يرحمه الله ، هو أحدث الأمثلة على حبه للعروبة.
ويقول ديك الجن هاجياً العرب (1) :
إني ببابـــــــك لا ودي يقربني ولا أبي شافع عندي ولا نســبي
أو كنت وافقته يوماً على نسب فأضمم يديك فإني لست بالعربي
إني امرؤ في ذروتي شـــرف لقيصــر ولكسرى محتدي وأبي
وقال يهجو أهل بلده :
سمعوا الصلاة عن النبي توالي فتفرقوا شــــيعاً وقالوا: لا ، لا
ثم استمــر على الصلاة إمامهم فتحزبوا ورمى الرجال رجالا
يا آل حمص توقعوا من عارها خزياً يحـــــــــل عليكم ووبالا
شاهت وجوهكم وجوهاً طالما رغمت معاطسها وساءت حالا
إن يثن من صلى عليه كرامـة فالله قد صـــــــــلى عليه تعالى
ثم يقول في موضع آخر مفتخراً بعروبته:
كلب قبيلي وكلب خير من ولدت حواء من عرب غر ومن عجم
شناني ينتقد الرمز الديني ، ولكن بحذر.. ويكاد يلامس الحمى .. ولكنه يضع لنفسه حداً لا يتجاوزه..
فيقول: نحن نعبد عمر وعلي وعثمان ومعاوية وعائشة وفاطمة..
ويقول إنه ينظر للأمور : نظرة علمانية يعني .. رغم ما تثيره هذه الكلمة عند بعض الجهلاء..
ويقول: الطائفية الحقيرة هذه من اصطناع بعض الحمير من المتمشيخين.
وكما قلنا فإن شناني يضع لنفسه خطاً أحمر لا يتجاوزه .. فيقول: حتى رجل الدين ، فأنا لا أعارضه على طول الطريق ، وقد بينت لماذا ومتى وربطت المعارضة بأسبابها الموجبة ، ولكن رجال الدين المتنورين ورجال الدين الذين قادوا الثورات وحرضوا عليها ضد الغزاة والمستعمرين قديما وحديثا ، فهؤلاء أيضا صورة أخرى لها كل الاحترام والتبجيل .
ويقول: فأنا لست ضد الصيام ، ولكني أنادي بإعادة الصيام إلى أخلاقه ومبادئه..
أما ديك الجن ، فيقول غير آبه:
أأترك لذة الصهباء عمداً لما وعدوه من لبن وخمر
حياة ثم مـوت ثم بعـــث حديث خرافة يا أم عمرو
وقال مشتطاً:
هي الدنيا وقـد نعموا بأخرى وتسويف النفوس من السوافي
فإن كذبوا أمنت وإن أصابوا فإن المبتليك هــو المعــــــافي
وأصــدق ما أبثــــك أن قلبي بتصديق القيامـــة غير صاف
وقال شاطحا:
لا زال من بغض الصيام مبغضاً يوم الخميس إلى والاثنين
ولكنك قد تفاجأ عندما تقرأ قوله:
وأغث واستغث بربك في الأزل إذا جلحت صروف الليالي
وقوله:
فأقعد وقم عالماً أن لو تطوقها بغير أحمد لم تقعد ولم تقم
وقوله:
جــــــــاد على قبرك من ميت بالروح رب لك لا يبخـل
وقوله:
وإن تعبسي لدم منا هريق بها فقد حقنا دم الإسلام فابتسمي
وقوله:
فوالله ما فارقتها عن قلى لها ولكن ما يقضى فسوف يكون
وقوله:
وإن الذي أزرى بشمس سمائه فأبداه نوراً والخلائق طين
تأنق فيه كيف شـــــــــاء وإنما مقالته للشـــيء كن فيكون
ولعل مشاغبة ديك الجن هي التي أوحت لأبي العلاء المعري أن يقول في رسالة الغفران: ورأى بعضهم عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن في النوم وهو بحسن حال فذكر له الأبيات التي فيها:
هي الدنيا وقـد نعموا بأخرى وتسويف النفوس من السوافي
أي: الهلاك. فقال: إنما كنت أتلاعب بذلك ولم أكن أعتقده.
وتأمل المشابهة بين شناني وديك الجن حتى في بعض الألفاظ كـ 'الصيام' و'الحمير' التي أوردها ديك الجن قائلاً:
أضبع غير علي كان رافعــــه محمد الخير أم لا تعقل الحمر
أما الأسماء ، وبعضها أورده شناني ، فإن ما قاله عنها ديك الجن لا يمكنني أن أرويه وإنما أشير فقط إلى ما قاله عنها مثلاً في قصيدته التي مطلعها:
ما أنت مني ولا ربعاك لي وطر الهم أملك بي والشوق والفكر
غير أني أود أن أعود إلى شناني متسائلاً ، ألا يجوز تفسير نقده اللاذع وهجومه بل وشتمه أحيانا للعرب من موقع حبه للعروبة؟. تماماً كما قد يشتم الوالد ابنه وقد يسمعه أنه لا فائدة منه ترجى ، وهو في قرارة نفسه لا يتمنى له إلاّ الخير.. وهذا المعنى ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان (2) ، كما ذكره العقاد في كتاب سعد زغلول (3). (الكتاب الكبير وليس الموجز الذي نشرته دار الهلال).
وطـــــــــــــــابت أوقاتكــــــــــــــــــــــــــم
مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها |
|