اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
al-zaeem
التاريخ
10/27/2004 4:57:57 AM
  نشأة النظام التجاري الدولي الجديد وتطوره      

نشأة النظام التجاري الدولي الجديد وتطوره ([1])

 

منذ العصور الوسطى حتى القرن السادس عشر لم يكن للدول أن تتدخل في التجارة الدولية أو تفرض قيوداً عليها نسبة لدور الدولة الحارسة آنذاك باعتبار أن النشاط التجاري من خصوصيات الأفراد ووظيفة الدولة مكرسة في تحقيق الأمن والعدالة وحمايتها من العدوان.

وظلت التجارة الدولية من غير قيود حتى ظهرت نظريات التجاريين والتي تمثل أساس الفكر التجاري الذي أدى إلى إخضاع التجارة الخارجية للعديد من القيود الحمائية حيث يرى أنصار هذا الفكر أن ثروة الأمم تقاس بما لدى الدول من معادن ثمينة كالذهب والفضة دون النظر إلى مواردها وثرواتها الطبيعية الأخرى وظهرت بعد ذلك نظريات الطبعيين في القرن الثامن عشر التي جاءت عكس نظريات التجاريين حيث قامت على رفض تدخل الدولة في التجارة الخارجية انطلاقاً من ضرورة ترك التجارة حره غير خاضعة لأية قيود.

وتمثل التعاون التجاري بين الدول آنذاك من خلال الاتفاقات الثنائية التي تتناول العلاقات التجارية فيما بينها ونجد أنه خلال الفترة الممتدة من عام 1919 وحتى عام 1947 حصل تطور كبير في مجال التعاون التجاري الدولي حيث انتقلت الاتفاقات الثنائية في التجارة الخارجية إلى اتفاقيات متعددة الأطراف وظهر ذلك من خلال التعاون التجاري الإقليمي والتعاون التجاري متعدد الأطراف.

ولكن في ذلك الوقت لم تكن الهيئات والاتحادات التي تم إنشاؤها في ميادين خاصة مثل اتحاد التلغراف الدولي وغيره تستطيع الادعاء بإقامة نظام تجاري دولي كما أنها لم تستطيع التدخل في كيفية تنظيمها للتبادل التجاري مع بقية الدول لأنها تعتبر من قبيل الشؤون الداخلية للدول حسب منظور الفكر التقليدي للدول وعلى النقيض من ذلك خلال الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية أصبح التدخل في شؤون الدولة التجارية يظهر في صور كثيرة ومتعددة بسبب البحث عن مهرب من الركود وفرض الدول قيود وعقبات أمام حركة التجارة العالمية وكان لأساليب الحماية أثر كبير على جميع الدول دون استثناء سواء بالنسبة للدول التي تفرض الحماية أو الدول الأخرى لأنها تعوق التبادل التجاري.

إزاء ويلات الحرب العالمية الثانية وما ألحقته باقتصاديات معظم دول العالم من خسائر عمدت هذه الدول إلى أن تخطو الخطوة الأولى في سبيل تخفيض القيود الجمركية المفروضة على تجارتها الخارجية وإزالتها وبانتهاء الحرب عام 1945 وبانتهاء فكرة إعادة تنظيم اقتصاديات الدول التي دمرتها الحرب بدأت العديد من الدول في إعادة الحرية النسبية إلى حركة التجارة الدولية وأصبح الجو مهيئاً لبذل مجهودات في هذا الإطار والقيام بمحاولات على نطاق دولي لتنظيم التبادل التجاري في جو من الثقة المتبادلة ولوضع مجموعة من القواعد المتناسقة الكفيلة بتوحيد المفاهيم في مجال سياسة التجارة الخارجية بحيث يؤدي لتحرير وتنمية حركة التجارة الدولية واقترحت تلك الدول عقد مؤتمر دولي للتجارة في هافانا سنة 1948 بعد أن سبقته سلسلة من الاجتماعات للإعداد له.

ولا شك أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً كبيراً بعد أن شعرت أنها تواجه تدهوراً في قوتها الاقتصادية النسبية وتحدياً في دول صاعدة الأمر الذي دفعها للبحث عن أدوات ووسائل قوة للمحافظة على وضعها المهيمن واسترداد زمام المبادرة في المجال الاقتصادي وبخاصة في الصناعات المتقدمة تكنولوجياً وقد اختارت الولايات المتحدة بعض أدوات الضغط الاقتصادي التي تهيمن عليها وهي الصندوق والبنك الدوليين واتفاقية الغات حيث تم إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير في السنة الأخيرة للحرب العالمية الثانية بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أيقنت أنها ترث عالماً متباعداً الأطراف من دول استعمارية أنهكتها الحرب ودمرتها بينما تملك تفوقاً عسكرياً واقتصادياً وتم توقيع اتفاقية بريتون وودز عام 1944 والتي نتج عنها إنشاء (الصندوق والبنك) الدوليين والاتفاق على اعتبار الدولار عملة العالم مقابل تعهد الولايات المتحدة بتحويلة إلى ذهب عند الطلب.

ويرجع إنشاء اتفاقية الغات إلى الدورة الأولى للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التي انعقدت في شباط عام 1946 حيث تقرر بالإجماع عقد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والعمالة بهدف وضع مشروع ميثاق منظمة تجارية دولية.

وأنشئت لجنة تحضير لهذا الغرض كان من ابرز أعمالها وضع الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (G ATT) في عام 1947 تم التوقيع على اتفاقية الغات وكان بناء هذه المؤسسة يستهدف أساساً العمل على تنمية الاقتصاد العالمي من خلال تجنب الإفراط في الإجراءات الحمائية الجمركية التي كانت قد انتشرت نتيجة الركود الاقتصادي كما تهدف إلى الإبقاء على شبكة إمبريالية موحدة بطريقة أو بأخرى تستهدف توسيع نطاق التجارة الحرة وإبقاء السيطرة على المستعمرات السابقة ومنح الشعوب التي ترغب في الانعتاق من رقبة هذه الشبكة بالحرب أو الوسائل الأخرى .

وتعتبر الاتفاقية العالمية للتعريفات الجمركية والتجارة الأساس لما يمكن تسميته بالنظام المتعددة الأطراف للعلاقات التجارية ويعتبر نظام العلاقات التجارية الدولية سلسلة من المبادئ والمعايير التي تشكل أساس التوافق الدولي فيما يتعلق بدور الحكومات في إدارة التجارة الدولية هذا بالإضافة إلى اشتماله على مجموعة من الحقوق والالتزامات التعاقدية التي تحكم تنظيم وتنفيذ السياسات التجارية.

وكانت اتفاقية الغات بمثابة محفل تبحث فيه الدول الأعضاء المشكلات التجارية المعلقة بينها ولذا صممت الغات أساساً لأغراض نظام اقتصادي موجه نحو السوق يكون بموجبه الاختلاف بين الأسعار الدولية والأسعار المحلية هو المحدد الرئيسي لتدفق التجارة الدولية وكان على التعريفة أن تصبح الوسيلة المقبولة لتنظيم المنافسة في مجال الواردات وتم تحريم القيود الكمية من ناحية المبدأ ولكن يمكن تطبيقها في إطار محدود جداً وفي ظروف تم تعريفها بعناية وضمنت المعاملة الوطنية كما عرفت في المادة الثالثة في اتفاقية الغات "عدم إخضاع السلع بمجرد عبورها الحدود لتدابير ذات طابع تمييزي في مواجهة السلع المنتجة محلياً".

خلال العقود الأولى التي أعقبت إنشاء الغات كللت الجهود المبذولة لتحرير التجارة الدولية بالنجاح ويرجع ذلك جزئياً إلى قلة عدد المتنافسين على الأسواق الدولية واقتناع الدول المتاجرة الرئيسية بضرورة تحرير القيود الكمية ونجاح الدول في ذلك الوقت في جعل ميثاق هافانا يحتوي على نص يعالج التعمير والتنمية معاً وهو الفصل الذي انعكس في المادة الثامنة عشر في اتفاقية الغات.

وقد مرت اتفاقية الغات بالعديد من الجولات حتى أوصلت إلى وضعها الحالي.

مضمون الجولات السبع الأولى

لقد مرت الاتفاقية العامة بالتعريفات الجمركية والتجارة بسبع جولات قبل وصولها إلى جولة الأرغواي وتتمثل هذه الجولات فيما يلي:

أولاً: جولة جنيف عام 1947 كانت تلك أول محاولة لوضع لائحة لتنظيم التجارة وخفض التعريفة الجمركية على خمس حجم التجارة العالمية.

وقعت عليها 23 دولة وسميت حين ذاك بالاتفاقية العامة في قصر الأمم بجنيف وتمت بعد جولة محادثات تجارية دولية غير مسبوقة.

في بداية عام 1948 دخلت الاتفاقية مرحلة التنفيذ حيث تم تشكيل أمانة عامة مؤقتة للإشراف عليها كما تقرر إنشاء هيكل جديد لها تحت اسم منظمة التجارة الدولية في وقت لاحق.

ويجدر بنا الإشارة أن لبنان وسوريا كانتا من الدول الثلاثة والعشرين المؤسسين لاتفاقية الغات إلا أن انضمام الكيان الصهيوني عام 1951 إلى الاتفاقية أدى لانسحاب القطر العربي السوري احتجاجاً([2]).

في 24 آذار عام 1948 اتفقت 53 دولة في العاصمة الكوبية هافانا على تشكيل منظمة التجارة الدولية وإكسابها سلطات مشابهة لتلك التي يتمتع بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلا أن الكونغرس الأمريكي أحجم عن إقرارها لدخول الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية المؤقتة طوراً جديداً حيث غدت آنذاك منظمة ذات صفة دائمة.

ثانياً: جولة نيس عام 1949 حيث انعقدت تحت إشراف اتفاقية الغات في مدينة نيس الفرنسية واتفقت هناك 13 دولة من الدول الأعضاء في الاتفاقية (أطلق عليها اسم الأطراف المتعاقدة) على تخفيض التعريفة الجمركية على 500 سلعة.

ثالثاً: جولة توركواي عام 1950 وعقدت في إنجلترا حيث تبادلت 38 دولة عضواً في الغات تخفيضات جمركية على 8700 سلعة مؤداها تخفيض قرابة 25% من قيم التعريفات المتفق عليها عام 1948 واستمرت تلك الجولة طوال الفترة الواقعة بين أيلول 1950 ونيسان 1951.

رابعاً: جولة جنيف عام 1956 والتي تمخضت عن خفض التعريفات الجمركية بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار واختتمت في أيار في ذلك العام.

خامساً: جولة ديلون عام 1960 والتي سميت على اسم وكيل وزارة الخارجية الأمريكية دوغلاس ديلون الذي اقترح إقامتها وضمت 26 دولة اجتمع ممثلوها في جنيف وتركزت مفاوضاتهم على تنسيق اتفاقات التعريفة مع دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية وانتهت هذه الجولة في تموز عام 1962 وبإقرار 4400 امتياز تعريفي يغطي تعاملات تجارية بقيمة 4.9 مليارات دولار كما أقرت هذه الاتفاقية مبدأ التعويضات للدول التي خيرت تجارياً من إنشاء المجموعة الأوروبية.

سادساً: جولة كنيدي عام 1964 والتي سميت باسم الرئيس الأمريكي جون كنيدي الذي اغتيل في تلك الفترة وعقدت في جنيف أيضاً وقد أسفرت عن تخفيض عالمي للتعريفة الجمركية بنسبة تقترب من 30% على المنتجات الصناعية وتحدد جدول زمني لهذا التخفيض يبدأ في عام 1968 حتى عام 1972 كما صيغت عدة إجراءات لمكافحة سياسة الإغراق وتم التوصل أيضاً إلى مجموعة اتفاقيات دولية لتنظيم أسواق الحقول الزراعية وقد وقعت 62 دولة مشاركة فيها تطلع بنحو 75% من التجارة العالمية على الفصل الأخير في هذه الجولة في حزيران في عام 1967 وقدرت قيمة التعريفات التي تم الاتفاق على امتيازاتها آنذاك بأربعين مليار دولار.

وقد كانت هذه الجولات الست فعالة لحد كبير في مجال تخفيض التعريفات الجمركية ولكنها كانت ذات أثر محدود في المجالات الأخرى([3]).

سابعاً: جولة طوكيو عام 1973 والتي عقدت على مستوى الوزراء في العاصمة اليابانية ومن ثم انتقلت إلى مقر الاتفاقية في جنيف وشاركت فيها 102 دولة تفاوضت حول اتفاقيات تتعلق بضرورة إزالة الحواجز غير الجمركية التي تعوق التجارة واستبدالها بحواجز صناعية هدفها الحماية التجارية بأساليب غير التعريفة الجمركية مثل تحديد المواصفات الفنية للسلعة أو اشتراط مستوى معين من الأمان الطبي أو الصحي ووضع قيود في مجال منح تصاريح الاستيراد والتصدير وتقديم الدعم السعري للمنتجات الوطنية وخاصة الزراعية.

ونجحت جولة طوكيو في تخفيض التعريفات الجمركية المباشرة للمنتجات الصناعية التي تحمل شهادات منشأ من 9 دول صناعية كبرى فقد شاركت 99 دولة في جولة طوكيو وفي نوفمبر عام 1979 تم التوصل إلى اتفاقات تتناول وضع إطار قانون لسلوك التجارة الدولية ويتضمن الاعتراف بالمعاملات الجمركية وغير الجمركية لمصلحة الدول النامية وفيما بينها. وتتمثل المعاملات غير الجمركية في الدعم والرسوم الجمركية المضادة والحواجز التكنولوجية أمام التجارة وإجراءات منح الرخص كما تم الاتفاق على تحرير التجارة في الطيران المدني واحتوت الاتفاقات على شروط تفضيلية للدول النامية([4]).

ووافق المجتمعون على خفض التعريفات الجمركية على آلاف السلع الصناعية والمنتجات الزراعية وبلغت جملة الخفض 300 مليار دولار أمريكي



([1]) منظمة التجارة العالمية واتفاقيات الدول النامية ص10 – عبد الناصر العمادي – عمان 1999.

 

([2]) المحامون – العددان 7 و 8 لعام 1999 السنة 64 – ص609 والغات وجهة نظر. المحاميان معاوية الطباع وجواد المقداد

([3]) محمد عثمان – مفاوضات الغات وتحديات التكتلات الإقليمية. السياسة الدولية – العدد 112 – إبريل 1993 ص166، 167. (مجلة الحقوق – العدد2 لعام 1996).

([4]) د. محمد سعيد فرهود. الضريبة الجمركية في الكويت. مجلة الحقوق جامعة الكويت (السنة18 – العدد3 - سنة 1994 – ص652).


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2099 / عدد الاعضاء 62