المأمون عدد المشاركات >> 9 التاريخ >> 21/10/2004
|
أخي شناني ..
لك تحياتي وتقديري..
سرني أن نظرتك محايدة..
وأسعدني أننا متفقان على أن السياسة هي التي شرخت ولا تزال تنخر في البناء الواحد..
وآية ذلك أنه لم يعترض أحد على أسس الإسلام المتفق عليها..
وأنا أدرك أنك تنظر للأمور نظرة علمية وعملية..
أما العلمانية التي نعرف.. فأعيذك بالله منها..
العلمانية التي أذاقت إخواننا في البوسنة والهرسك .. في قلب أوربا.. الويل..
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)..
اغتصبت النساء المؤمنات القانتات.. ثيبات وأبكارا..
ولا يزال الصعاليك بمنأى عن أي محاكم.. رغم صدور أوامر التوقيف من محكمة الجزاء الدولية.. ورغم معرفة مكان كل واحد منهم..
ولكن المتابعة والملاحقة هي للمسلم وللعربي المغلوب على أمره.. الذي عليه أن لا يخرج صدقته ، رغم بؤسها ، حتى تعلم العين الشمال لوكالة المخابرات 'العلمانية' ما فعلت يمينه..
ولو أُعدم كل سفهاء أوربا.. فلن يعيد ذلك الشرف المسلوب.. ولا الكرامة الجريحة.. ولن يشفي الآلام الدفينة .. ولا القلب المكلوم .. ولا الفؤاد الكسير.. ولا الكبد المنفطر.. لن تعود للعين البريئة بريقها.. ولا للثغور العفيفة بسماتها.. ولا للحياة الطاهرة دفئها..
العلمانية التي أرت أشقاءنا في الشرق على يد الاتحاد السوفيتي 'العظيم' .. الثبور..
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)..
دفنت الكتب وأطمر الناس معها وهم أحياء..
حولت المساجد إلى مستودعات..
وبين أيدينا كتاب الشيخ محمد الغزالي ، يرحمه الله ، الإسلام في وجه الزحف الأحمر..
ودوننا توثيق الإعلامي اليلمعي أسعد طه في برنامجه الممتاز والذي تبثه قناة الجزيرة تحت اسم 'يحكى أن' ..
وهي ذات العلمانية التي تفننت ، وهي مشتقة من كلمة الفنان.. وهي كما تعلم أيها الأريب تعني أيضاً 'الحمار' ، في نشر سمها.. وطعننا في أعماق أعماق معتقداتنا..
وإليكموها .. موقع اسمه معهد علمنة المجتمع الإسلامي ، ينضح بما فيه.. فهاهة وسفاهة وبذاءة.. منتهى السخف.. وغاية الخطل..
إن البغاث بأرضنا يستنسر..
كناطح صخرة يوماً ليكسرها فما أصابها وأوهى قرنه الوعل
وهي نفس العلمانية التي يقول فقهاؤها بعدم 'قانونية' الحجاب وفي نفس الوقت 'بمشروعية' غطاء الراهبات ..
حيث يقول البروفيسور فرديناند كيرشهوف الذي صاغ تشريع منع الحجاب في بادن بألمانيا: إن رداء الرأس الذي تلبسه الراهبات لا يدخل ضمن الملابس الدينية بل الملابس التي تميز أصحاب حرفة ما ولذا فيجب ألا يسري عليه ما يسري على الحجاب الإسلامي الذي هو ديني خالص وليس مهنياً كما هو الحال بالنسبة لـ'مهنة' الرهبنة. ومن الطريف إن هذا القول رفضته حتى الكنيسة الكاثوليكية..
أزدوج في المعايير .. واعوجاج في التفكير..
والإسلام كما تعلم ، أيها الفاضل ، يدعو إلى التفكير .. وأفرد له العقاد ، يرحمه الله ، كتاباً اسماه: التفكير فريضة إسلامية..
ولا توجد في الإسلام وساطة بين الإنسان وربه حتى تتحكم في تفكيره.. وفي مسيره ومصيره .. مما يمكنها من أن تكون سلطة ذات جبروت وأسرار لا تعرفها إلاّ هي.. ولذلك لا توجد عقدة تاريخية لسيطرة وسيط ، أياً كان اسمه أو رسمه ..
والعلمانية باختصار ، هي سلخ الدين من الحياة.. وهذا ليس قولي.. إنما هو تعريف دائرة معارف أهلها لها..
لقد سبق وأن حوم حكيم الشام وشيخ المعرة في سماء الفكر ولخص جولته بالحد الأدنى قائلاً:
قال المنجم والطبيب كلاهما لا تحشر الأجساد قلت : إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسـار عليكما
ويقول الشيخ محمد الغزالي في مؤلفه الرائع (عقيدة المسلم) ، ومما يستشهد به على صحة عقيدة أبي العلاء قوله المذكور..
ولحسن الحظ أن أثبت المعنيون أنهم لا يعبدون الأفراد.. والدليل على ذلك أنهم لو كانوا يعبدون الخلق لما سكتوا على المساس بمعبوديهم.. وأحسب أن هذا يفرحك كما يفرح كل منصف..
الكلام عن التقسيم يصيب المرء بقشعريرة..
ورغم أن كل الدلائل ، لا صدقت ، تشير إلى أن التقسيم قادم ، إلاّ أنه ليس الحل الوحيد..
السبب بسيط..
وهو أن التقسيم يعني انشقاق.. ثم تحزب.. ثم تشرذم.. ثم يتفرغ ابن العم لابن عمه.. ثم يتفرغ الأخ لأخيه.. ثم يكن للمرء من نفسه شغلا .. ثم انشطار ينبطح قاعاً صفصفاً أو يتناثر هباء منثوراً..
ومن ناحية ثانية ، فإن النظرة 'العلمية' للأمور تقتضي أن نضع عدة حلول للمشكلة الواحدة..
وكلما كبر المجموع كلما تضاءلت الخلافات..
وقديماً قال شناني (أسوأ ما يقع فيه المرء ، هو أن يفقد قدرته على تقييم الأحداث بشكل صحيح
وأفضل ما يريده لنا العدو .. هو هذا
ضبابية في الرؤية .. ضياع .. تفرق .. تخبط .. فقدان الثقة بكل شيء .. حتى تصل إلى مرحلة العجز والاستكانة ومن ثم التسليم المطلق .. كما تشاهد يوميا على شاشات التلفزة
إن مبدأ التشكيك لمجرد التشكيك يهدم كل شيء ، ويجعلنا ننظر إلى الحياة بمنظار أسود ، ويتم إفراغ كل جهد وكل عمل من محتواه ، ويجعلنا نعتقد بأنه لم يعد هناك مواطن عربي شريف يحمل الهم العربي بإخلاص
ومبدأ التشكيك هذا يجعلنا نفقد الإيمان بأي فعل يقدم عليه أي منا ، ومن ثم نفقد قدرتنا على العمل والنضال والمقاومة
وسيأتي من يقول : هذا استشهد لأنه يائس ، وليس إيمانا بالقضية وبالله
إنها مقولات خطيرة ، إذا تسللت إلى العقلية العربية فإنها أخطر من الصواريخ والقنابل .. لأنها تضرب الإرادة ذاتها .. إرادة المقاومة والنضال ).انتهى.
إن عظمة هذه الأمة أنها تستنبط من ضعفها قوة وتستلهم من استضعافها ثورة..
قال أبو الطيب:
من نفعه في أن يهاج وضره في تركه لو تفطن الأعداء
وأهم من هذا وفوقه الوعد القرآني في سورة النور..
القول بأن من إنجازات القوانين الوضعية ..أنها تنص على معاقبة كل من يثير النعرات الطائفية بين عناصر الأمة هو قول صحيح ولكن يجب أن لا يفهم منه أنها هي أول من ابتدرت ذلك..
فالقران الكريم قبل القوانين الوضعية بألف عام منع قتل الإنسان (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
ومنع الاعتداء على المقدسات ، وذكر المقدسات الأخرى قبل المساجد (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ومنع أن تسخر فئة من أخرى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)..
وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما ترى هاهنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه ) يعني بالتقوى ونزلت : ' ولا تنابزوا بالألقاب '.
الحكم في الردة ، قتله الفقهاء بحثاً.. وما يثار حوله ليس بجديد..
سبق قوله.. وسبق الرد عليه..
هي محاولة لإعادة اختراع العجلة..
ولكن قد يكون مفيداً أن يحدثنا مرتد عن أسباب ارتداده..
لا أن نتحدث نحن عن حيثيات الحكم عليه ونجرمه أو نبرئه قبل أن نستمع إليه..
'نريد أن نسمع من فم الحصان'.. لا أن ينسب قول إلى مجهول كما هو موجود في الموقع السقيم المسمى علمنة المجتمع الإسلامي..
وأخيراً..
دعنا ندعو إلى توحيد الصف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا..
قال صناجة الشام نزار قباني يرحمه الله:
ما دخل اليهود حدودنا
وإنما
تسربوا مثل النمل من عيوبنا..
ونسأل الله الكريم..
أن يغفر لنا ولأهل الشام..
وأن يمطر رحمته على أرض الشام (1)..
وطـــــــاب صيـــــــــــــــــــــامكم
___________________________
(1) أرض الشام هي أيضاً بنت محمد هاشم وهي جدة أبي يرحمها الله.
مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها |
|