اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
جيهان
التاريخ
9/5/2004 5:10:12 PM
  من عجائب الدعاوى القضائية       

في عام ۱٩٢٦ أقيمت دعوى غريبة من نوعها، لم تكن مألوفة في قضايا الخاصة بالميراث. صاحبة الدعوى كانت حفيدة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (الأميرة نامقة) التي كانت تعيش في المنفى بعد نفي كل منتسبي العائلة العثمانية الى خارج الحدود التركية، وذلك عقب اعلان الجمهورية التركية في ٢۳ نيسان ۱٩٢۳. وقد شهدت العديد من دول العالم التي كانت تخضع للسيادة العثمانية دعاوى تتعلق بالميراث في الأموال غير المنقولة من قبل الورثة العثمانيين من أفراد العائلة المالكة.

كانت أهم هذه الدعاوى، الدعوى التي أقامتها الأميرة نامقة ابنة الأمير سليم أكبر أنجال السلطان عبد الحميد، للحصول على أراض و عقارات في غزة تعود ملكيتها إلى جدها. كانت مساحة الأرض العائدة للسلطان تقع في منطقة (المحرقة الكبيرة) بغزة وتتألف من ٤٥٨۰ دونما. وكان محامي الأميرة نامقة هو الأستاذ الياس المر، وهو أحد أساتذة كلية الحقوق في بيروت.

بدأ المر، بالبحث والتقصي عن العقار موضوع الدعوى في سجلات دائرة العقارات في يافا التي كانت تخضع آنذاك للحماية البريطانية. وكانت هيئة من القضاة العرب والبريطانيين يبتون في القضايا بصورة مشتركة. وفي الوقت الذي أيد فيه القاضي البريطاني أحقية حفيدة السلطان عبد الحميد في ملكية العقار موضوع الدعوى، رفض القاضي العربي النظر في الموضوع قائلا " لا علاقة للسلطان عبد الحميد بغزة. هذه أرض فلسطينية". لكن الدعوى لم تنته عند هذا الحد فقد استمرت جهود ورثة السلطان عبد الحميد للحصول على تركة جدهم على الرغم من أن القاضي العربي في المحكمة العليا بالقدس رفض بدوره حق الورثة في التركة على أساس أن حكومة (الاتحاد والترقي) التي عزلت السلطان عبد الحميد بعد انقلاب 1908 صادرت الأموال غير المنقولة للسلطان المخلوع، الأمر الذي ينفي حق ورثته في المطالبة بتركة السلطان من تلك الأموال.

 بعد هذا القرار من المحكمة العليا لم يعد لقرار القاضي البريطاني أية أهمية فتم على أثره تحويل أوراق القضية بعد هذه المرحلة إلى الدائرة القانونية التابعة للمجلس الملكي البريطاني. وقد ألغى المجلس القرار الصادر من المحكمة العليا في القدس. وبعث أوراق الدعوى ثانية إلى يافا لإعادة النظر في القضية من جديد ولكن هذه المرة في القدس وليس في يافا.

 بدأ القاضي البريطاني (روبرت ويندهم) من محكمة العقارات بفتح ملف الدعوى من جديد. استمرت الدعوى خمس سنوات. وحينما أحست المنظمة الصهيونية العالمية أن الأميرة نامقة على وشك أن تكسب الدعوى المرفوعة، بدأت بالاتصال بها وعرضت عليها شراء العقار موضوع الخلاف دون انتظار النتيجة وبالمبلغ الذي تحدده هي. وذلك كمحاولة خبيثة من المنظمة الصهيونية للإيعاز في حالة الموافقة على الصفقة بأن عائلة السلطان العثماني عبد الحميد تؤيد بموافقتها على هذه الصفقة، هجرة اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها. لكن الأميرة نامقة رفضت العرض الصهيوني، وأعلنت أنها ستنتظر القرار النهائي للمحكمة. تماما مثلما رفض جدها السلطان عبد الحميد محاولات المنظمة الصهيونية قبل سنوات شراء أرض فلسطين منه مقابل ذهب وأموال طائلة.

 بعد ۱۱ عاما بالتمام والكمال، أعلن القاضي البريطاني (ويندهم) عن قراره في 17 كانون الأول (فبراير) من عام ۱٩٤٦. وكان القرار بمثابة ضربة قاصمة لأمال حفيدة السلطان عبد الحميد. جاء في حيثيات القرار ما يلي " أن ملكية الأراضي الواقعة في غزة تعود إلى السلطان العثماني عبد الحميد. ونظرا لقيام حكومة الاتحاد والترقي بمصادرة الأموال العائدة للسلطان العثماني في ۱٩۰٩ والتي أصبحت اعتبارا من ذلك التاريخ ملكا للحكومة التركية فليس من حق ورثة السلاطين المطالبة بحق الميراث على تلك الأموال. وبموجب المادة ٦۰ من معاهدة لوزان فأن ملكية الأراضي العثمانية التي تقع حاليا خارج حدود الدولة التركية تعود إلى الدول الجديدة التي اقيمت في تلك الأراضي. وعلى ضوء هذا الواقع فأن ملكية منطقة (المحرقة الكبيرة) بغزة تعود إلى الحكومة الفلسطينية، وليس إلى ورثة السلطان العثماني عبد الحميد. وبذلك أسدل الستار على قضية مثيرة شغلت أروقة القضاء قرابة ربع قرن.

 

سينما في القصر العثماني

في بدايات عام ۱٨٩٦ ظهر في أزقة استانبول أوربي يحمل في يده علبة غريبة. وقد بدأ رجال الشرطة السرية بتتبع خطواته، فقد كانوا على قناعة أنه يبغي شرا مع علبته الغريبة تلك.

كان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني قابعا في قصر (يلدز) يتابع كل صغيرة وكبيرة في عاصمة الدولة العثمانية. وكان العملاء السريين ينالون عطايا سخية لقاء خدماتهم وتقاريرهم.

كان تجول الرجل الغريب في استانبول قد اثار مخاوف رجال الدولة. وكانت التقارير تنهال على القصر :

 صباح هذا اليوم ركب الرجل المشبوه قاربا.

 اليوم تجول الغريب مرارا على ضفاف الخليج جيئة وذهابا عدة مرات.

الغريب يقوم بحركات غريبة مع علبته التي يحرص على حملها دائما بتوجيهها إلى جهات متعددة.

نفح الرجل، صاحب المركب بخشيشا جيدا، ثم توجه إلى غرفته في (فندق بيرا بالاس(.

نعتقد بأنه جاسوس، وهو يخطط لاغتيال الذات السلطانية المعظمة.

كان الرجل هو الكسندر بروميو، وهو المندوب الذي بعثه الأخوان لوميير إلى استانبول. وكانت العلبة الغريبة التي في يده، والتي أثارت فضول الشرطة السرية جهاز (سينوغراف) لتصوير الصور المتحركة.

قبل عام بعد نجاح عرضهم الأول قام الأخوان لوميير، بارسال مخرجين إلى شتى بقاع العالم لتصوير بعض الأفلام. وكان بروميو في استانبول يقوم بمهمة سبق له القيام بها بمدينة فينسيا في إيطاليا. وحينما كان يذرع مياه خليج استانبول، فأنه كان يتهيأ لإنجاز ثورة في عالم السينما.

في تلك الفترة كان ثمة رجل في استانبول على علم باختراع هذه الآلة العجيبة، وهو المصور (فافيداس أفندي) وكان يخطط للحصول على تلك الآلة المعجزة. وكان في الأساس مغرما بآلات التصوير في الاستديو الذي يملكه، حيث كانت الحسان العثمانيات يقصدنه على خفر.

قبل ذلك التاريخ بنصف قرن كانت استانبول قد تعرفت عرض للصور فوق شاشة بيضاء شفافة، وبحركات ضوئية، كان يتم إيهام المتفرجين بتحرك الرسوم.

 قام فافيداس أفندي، بإرسال رسالة إلى الأخوين لوميير للحصول على معلومات تفصيلية حول جهازهم، ولشراء الجهاز. لكن الأخوين لم يردا على رسالته، ولم يرسلا الجهاز له، مفضلين بدلا من ذلك إرسال مندوب عنهم لتصوير بعض المناطق باستانبول، لعلمهم أن ذلك سيكسب شركتهما أرباحا هائلة من الذهب.

 كان السلطان الذي كان يرتاب من كل شيء، بحكم حبه للروايات البوليسية، بدأ بالاهتمام جديا بموضوع السيد بروميو وآلته العجيبة. حيث أن السلطان بحكم إعجابه بالروايات البوليسية للكتاب الغربيين، كان يطلب ترجمتها إلى التركية في فترة قصيرة. ويقال انه بسبب الريبة التي خلقتها له الروايات البوليسية، أوصى بصنع عدة أبواب سرية لقصر (يلدز.(

غادر بروميو استانبول إلى بقعة أخرى في العالم للقيام بهدف التصوير. وبذلك نجا بجلده خاصة، وأن السلطان العثماني كان في حالة لا يحمد لها من الغضب، ذلك لأن الأنباء التي وصلت له كانت تؤكد أن نجله الأمير برهان الدين، أخذ يعيش قصة حب مع ابنة السفير الأمريكي، ويلتقي معها بصورة سرية، ومن المحتمل انه يبلغها بكل صغيرة وكبيرة في القصر العثماني. وقد زاد من غضبه، حضور والد الفتاة إلى القصر، وقوله للسلطان بصلافة " انهما يحبان بعضهما وعلينا أن نرضخ لهذا الحب، وأنا على استعداد للمساهمة بكل مليون ليرة تساهم بها في حفلة الزواج". ورغم اكتفاء السلطان بالابتسام أمام هذا العرض، إلا أنه في دخيلته اشتاط غضبا، وهو المعروف ببخله من هذا المارق، الذي لا يكتفي بان يختطف منه قرة عينه بل يطلب مالا أيضا !. . لم يكن هذا ما يقلق السلطان في تلك الفترة بل أن وفاة مربية صغرى كريماته (عائشة) وبكائها المستمر عليها (أريد مربيتي)، وبغية تسلية الأميرة الصغيرة قام (برتراند) مهرج القصر، بإظلام صالة الغرفة ووضع شاشة بيضاء ظهرت عليها بالفرنسية عبارة (وصول القطار إلى محطة جيوتا). هتف المهرج من الخلف بالتركية (سياحة بالقطار) لم يلبث أن ظهر قطار، وهو ينفث دخانا كثيفا. وظهر أشخاص يحملون مظلاتهم قرب القطار. ورغم انهم يشبهون سائر البشر إلا أنهم كانوا يمشون بسرعة، وبطريقة مضحكة، وكأنهم على عجلة في أمرهم. ثم بدأ القطار وهو ينفث الدخان بالحركة. وبدأت المربية الجديدة للأميرة الصغيرة 0بترديد الأدعية والصلوات من الرعب. وحينما بدا القطار، وكأنه ينطلق نحو الجالسين، وأنه على وشك أن تمزقهم، صرخ الجميع من الرعب.

لم تدم لحظات الرعب هذه إلا دقائق، بينما كان ظل ابتسامة خبيثة يتراقص على شفتي المهرج برتراند. وحينما اشعلت الأضواء، لم ير المتفرجون إلا الشاشة البيضاء.

وقف السلطان على قدميه مفكرا، وهو يرى الارتياح على وجه صغيرته، ترى كيف سيقابل العامة في استانبول اختراع الكفرة هذا ؟وهل سيستغل أعداء الإمبراطورية هذه الآلة ضده شخصيا؟ قرر السلطان أن يكلف عزت بك بإعداد تقرير عن هذا الموضوع. خاصة وأن

الأمة العثمانية بحاجة إلى تسلية جديدة.. وهو يعلم بأن الشعب الذي لا تسلية له، ينشغل معاذ الله بالسياسة.

كان السلطان سعيدا لأنه وجد تسلية جديدة لشعبه. لذلك عاد مرتاحا بعض الشيء لغرفته، وهو يستعد لقراءة رواية بوليسية جديدة.


  نشأت حيــدر    عدد المشاركات   >>  11              التاريخ   >>  6/9/2004



الموضوع  طويل   ولا  يمكن   متابعته 

لهذا  لا  رد  او  تعليق 

 


صوت الحق


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1363 / عدد الاعضاء 62