شناني عدد المشاركات >> 172 التاريخ >> 14/5/2003
|
الأخوة الأكارم
( هل قانون الاستثمار ... يخدم الاقتصاد ...)
أريد أن أجيب وأعقب برأيي ... ولكن مع ملاحظة أن المقصود في ردي هو غالبية الدول العربية ... وليس مصر وحدها والتي اقتصر عليها السؤال ..
قد يصاب المرء بمشكلة ... وتمر ... بسلام .. وهنا لا مشكلة .. وعادي
وقد يخطئ خطأ .. ثم ينتبه .. فيعالجه ... وترجع المياه إلى مجاريها .. وأيضا عادي الأمر هنا ..
ولكن هناك مشاكل أو أخطاء أعتبرها ( انشطارية ) ..
أي يترتب عليها أخطاء ومشاكل ومصائب تتوالد وتتكاثر مثل السلاحف ( التي تبيض عشرات البيوض دفعة واحدة ) م
ومشكلتنا في الدول العربية ... أننا نريد أن نبني أهرامات على جزر متحركة ..أو ناطحات سحاب على أرضية هشة سرعان من تنزلق .. لتنطح الأرض ...
ونتجاهل دائما أن هناك شيء اسمه ( شروط موضوعية ) و( بيئة صحية ) لأي بناء ولأي مشروع ولأي خطة ..نريدها أن تنجح
والخطأ أو المشكلة التي اعتبرها ( انشطارية ) وتولد عنها أخطاء ومشاكل هي بنية النظام العربي نفسه ..
فالمعروف أن هناك فارق كبير بين مفهومي الدولة السياسية والدولة الاقتصادية
والمعروف أيضا أن الدولة العربية هي دولة تسيس كل شيء فيها من الثقافة وحتى الاقتصاد ..
فالاقتصاد العربي لا يخضع لقوانينه العلمية الخاصة .. وإنما يخضع لقوانين السياسة .. وللإرادة السياسية وليس لقواعد الاقتصاد ..
فالقرار الاقتصادي في البلاد العربية هو في حقيقته إرادة سياسية
ويصدر بناءا على مصالح سياسية وليست اقتصادية .. وبالتالي ، يخضع الاقتصاد للعبة السياسة .. فيضيق ويشح حتى يدخل في أزمة .. لا يجد النظام لها حلا إلا بالاقتراض المستمر .. في محاولة دائمة للتهرب من مواجهة المشكلة والاعتراف بالخطيئة ..
والقرار الاقتصادي في الدول المتقدمة يخرج بناءا على حاجات السوق ومصالح رجال الأعمال وتوازنات العرض والطلب وحضور نقابات العمال ...
ولكن عندنا القرار الاقتصادي ليس له من كل ذلك أي نصيب ... فهو يعبر عن إرادة سياسية تأتي من فوق بدون دراسة وتهيئة الأرضية والشروط الموضوعية لنجاح القرار الاقتصادي .. ومع تجاهل كبير لشروط نجاحه في أرض الواقع ..
ودائما نضحك على أنفسنا .. فنحاول أن نبدأ البناء من فوق ...
فالاستثمار وتشجيعه في البلاد العربية اقتصر على مجرد ( الحوافز ) والإعفاءات الضريبية ... وهو ما ألحق خسائر فادحة في اقتصاديات الدول العربية التي اتبعت هذا النهج مثل سوريا ..
ولكن دولنا تجاهلت أن تشجيع الاستثمار هو ليس فقط إعفاء ضريبي وحوافز ..
هو أولا بيئة اقتصادية وإدارية سليمة ..
هو قضاء مستقل ..
هو سلطات مستقلة ونزيهة ..
هو أمان وحرية ..
هو وجود أجهزة مستقلة قادرة على المحاسبة بدون استثناء
في ظل الفساد الإداري والمالي المسيطر على أجهزة الدولة العربية لا يمكن الحديث عن تشجيع الاستثمار ..
والمستثمر الأجنبي ليس غبيا إلى الدرجة التي نتصورها بأنه يريد فقط إعفاءات مالية وضريبية ...
إن رأس المال يريد شروط موضوعية حتى ينمو ويتطور ويزدهر وينشئ مشاريع وصناعات ..
يريد بيئة صالحة للاستثمار ..
بدون قضاء نزيه ومستقل فإن رأس المال يهرب .. حتى الوطني يخشى العمل داخل بلده .. وخصوصا بعد أن تحول الاقتصاد العربي إلى مزارع للمسؤولين وأبنائهم والعائلة الحاكمة وأبنائها ..
وفي غياب المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص لا يمكن الحديث عن تنمية وعن استثمار ناجح ..
وبدون جهاز إداري كفؤ وصالح ونزيه ( يطفش ) رأس المال والاستثمار ..
وفي ظل فساد أخلاقي وحكومي وشيوع الرشاوى والصفقات المشبوهة والعمولات السرية لا يمكن الحديث عن الاستثمار ...
تشجيع الاستثمار يحتاج إلى إصلاح سياسي بالدرجة الأولى .. وإصلاح إداري بمكافحة الفساد والبيروقراطية ..
وبدون تنمية الموارد البشرية ، بأن نخلق الإنسان ذو الذهنية العلمية القادرة على استيعاب قوانين عمل الاقتصاد وفنونه المتجددة باستمرار .. فإن أي خطة أو قانون لتشجيع الاستثمار ، ولمجرد إعفاءات ضريبية ، سيكون مصيرها الفشل الذريع ..
مشكلة القرار عندنا في الدول العربية ، سواء أكان قرارا سياسيا أم اقتصاديا أم إداريا ، أنه قرار تأخذه الدولة بالنيابة عن المجتمع وفي غيابه ، بينما القرار السليم هو الذي يأخذه المجتمع نفسه من خلال المؤسسات ، أو ما تقرره الدولة من خلال المجتمع ومن خلال العلاقة الحيوية بين المؤسسات .
والحقيقة أن الدولة القوية حاليا هي دولة المجتمع المنتج .
والمصيبة هي عندما طغت السياسة في الدول العربية على كل شيء ، وتم تسييس كل شيء حتى الاقتصاد ..
وتم تجيير كل شيء لصالح خدمة المصالح السياسية ... ونشأت علاقات اقتصادية ريعية وطفيلية تقوم على الصفقات السريعة ( استيراد الحديد مثلا وقت الأزمة أو الاسمنت أيضا ) وكذلك العمولات والسمسرة واحتكار المشاريع ذات الربح السريع والمضمون من قبل ( مافيات اقتصادية ) تعمل بشكل مخالف للقانون مثل الشركات المسيطرة على بعض قطاعات الاتصالات ( الخليوي مثلا ) .
وفي بداية الخمسينيات نصح خبراء البنك الدولي اليابان بعدم الدخول في صناعة السيارات لأن ذلك لا يتوافق مع ثقافتها الموروثة !! ولكن بعد أربعة عقود ، يذهب الرئيس بوش الأب ، وفي زيارته لآسيا ، مصطحبا معه رؤساء مجالس إدارة شركات السيارات الأميركية الكبرى لكي يتعلموا من اليابانيين صناعة السيارات الأكثر جودة والأقل استهلاكا للوقود !!!م
وموضوع إبعاد الاقتصاد عن الايديولوجيا أمر هام وحيوي ... لأن الاقتصاد موضوعي علمي وفني يجب أن يسير ويعمل وفق قوانينه الموضوعية والذاتية التي تتطور مع الظروف المختلفة ..
ولكن خطأ العرب دائما أنهم يخضعون كل شيء للايديولوجيا ...
وتصدر القرارات دون استشارة من سينفذها ومن له علاقة مباشرة بها ..
وفي ذلك يقول أحد الاقتصاديين الأجانب معلقا على فشل الخطط الخمسية في بعض الدول : (( .. وتتالت الخطط الخمسية دون استشارة من يفترض أن يقودوا تنفيذ هذه الخطط ، فالقرارات تتخذ على الدوام نيابة عن الناس ، بل من فوق إرادتهم ، ودون الحوار أو التشاور معهم . والخطط تعكس الرغبات السياسية أكثر من المعطيات الواقعية ، وتحدد الأهداف دون وسائل التنفيذ ، ويتولاها الأعوان والمحاسيب دون جهاز إداري مستقل عن السلطة السياسية وقائمة على الكفاءة والنزاهة ، وفي كل ذلك تغيب المحاسبة على الإنجاز ، وتنمو حول القطاع العام فئات من أصحاب المصالح الخاصة من المقاولين والموردين ، وترسو الصفقات عليهم بسبب علاقاتهم الخاصة وليس بسبب الكفاءة وعلى قاعدة المساواة ..
ويعلق الكاتب ( الفضل شلق ) في مقال له عن الدولة السياسية والدولة الاقتصادية بالقول :
(( إن الدولة العربية تسوس المجتمع بالرموز لا بالوقائع الاقتصادية ، بالشعارات لا بالقضايا الحقيقية ، بالحشد والتعبئة لا بالحوار المتواصل ، وتبقى الدولة العربية دولة سياسية أمنية لا دولة اقتصادية ، لكنها دولة لسياسة انقضى أجلها ولاقتصاد لم يوجد بعد . والدولة الحقيقية ، الآن أكثر من أي وقعت مضى هي الدولة الاقتصادية التي تقود المجتمع وتحفز الاقتصاد بالسياسة ، بالتواصل والحوار ، لا الدولة السياسية التي تعتمد الرموز والشعارات ..))م
إذن نصل إلى نتيجة مفادها أن الاستثمار يحتاج إلى شروط موضوعية لنجاحه ونموه .. وإلى بيئة صالحة ..
أما تشجيع الاستثمار عن طريق الإعفاءات الضريبية فقط والحوافز ... هو ضحك على اللحى ..
وتجاهل لحقيقة الأمور ... مثلما هي السياسة العربية دائما ..
لذلك ، أستطيع أن أقول بأن قانون الاستثمار في سوريا لم يشجع الاستثمار رغم أنه منح إعفاءات ضريبية ومالية كبيرة لمدة تصل إلى سبع سنين من بعد بدء عمل المشروع الاستثماري ..رغم أن الموظف البسيط ما زالت الدولة عاجزة عن إعفاء راتبه الهش من الضرائب !!!!م
وفي مصر ، رغم أن قانون الاستثمار منح المستثمرين الأجانب مزايا أكثر مما هو موجود عندنا في سوريا ، إلا أن عبد الله السناوي ، منذ يومين قال بأن ( كلو كلام فاضي ) وحجم الاستثمارات لم يتجاوز مبلغ نصف مليار دولار
وهذا المبلغ يتم قياسه ( استثمار حقيقي ) أي مشاريع قائمة وأصول ثابتة داخل البلد
وبعد أكثر من عشر سنوات على صدور قانون الاستثمار في سوريا ، فإن الحصيلة ما زالت متواضعة جدا ... وما زلت أذهب في فصل الصيف إلى اللاذقية لقضاء الإجازة على البحر .. ونتفرج على المناطق الخلابة والتصاق الجبال بالبحر .. إلا أن الرأسمال والاستثمار .. ما زال غائبا ..رغم الفرص الكبيرة ورغم الحوافز والإعفاءات الضريبية ..
ولكن أتمنى من الدولة يوما ما أن تعاملني كمستثمر أجنبي فتمنحني إعفاءا من فاتورة الانترنت على الأقل .
وتحياتي للجميع
المحامي
موسى شناني
سوريا
|