التمويل الأخضر أحمد عبد الظاهر فى يوم الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من شهر مايو 2023م، وفى كلمته بمناسبة افتتاح الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الأفريقى للتنمية، التى تستضيفها مصر، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إن «إشكالية التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية لا تنحصر فى نطاق دولة دون غيرها، أو إقليم بعينه وإنما هى قضية وجودية، ينبغى أن تأتى على رأس الأولويات الاستراتيجية لجميع دول العالم». وأوضح الرئيس عبدالفتاح السيسى أنَّه «على عكس ما قد يعتقد البعض، فإن الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، تتزايد على الدول الأقل نمواً وهو ما يظهر بوضوح فى دول القارة الأفريقية إذ تؤدى هذه التغيرات إلى ارتفاع معدلات الجفاف واتساع رقعة التصحر، وتراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتشير التقديرات إلى أنّ المخاطر المرتبطة بالجفاف فقط فى دول القارة الأفريقية أدت إلى خسائر تجاوزت قيمتها 70 مليار دولار فضلاً عن تسببها، فى خفض نمو الإنتاجية الزراعية للقارة بنحو 34% وتقدر الاحتياجات التمويلية، لمواجهة الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية فى أفريقيا، بنحو 3 تريليونات دولار حتى عام 2030م». والواقع أنه مع احتدام أزمة توفير العملات الأجنبية فى مصر، ثار التساؤل بين الاقتصاديين عما إذا كانت التمويلات الخضراء للمشروعات يمكن أن تحل أزمة الدولار. إذ تبرز تمويلات المشروعات الخضراء كمصدر هام لتوفير النقد الأجنبى، خاصة أنها عادة تكون ذات غرض تنموى ويمكن تسديدها على المدى الطويل. ويعكس حجم التمويلات الدولية ثقة المؤسسات حول العالم فى أن الاستثمارات من هذا النوع ستجد أرضاً خصبة فى القاهرة، إذ حصلت الدولة على ما يقارب مائتى مليون يورو من مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر التابع للبنك الأوروبى، فى إطار المرحلة الأولى من برنامج إعادة الإعمار، كذلك قام صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة بتقديم تمويلات لعدد أربعة مشروعات فى مصر، بقيمة إجمالية مقدارها 297 مليون دولار فى قطاعات متعددة. كذلك، وفى يوم الأربعاء الموافق الخامس من شهر أبريل 2023م، أعلن مجلس الوزراء المصرى أن تحالف البحر الأحمر لطاقة الرياح وقّع اتفاقية إغلاق مالى بقيمة 680 مليون دولار لمشروع إنشاء مزرعة رياح فى منطقة خليج السويس بقدرة 500 ميجاواط، ووفقاً للبيان الصادر عن مجلس الوزراء فى هذا الشأن، فإن الاتفاقية تم توقيعها من قبل ممثلى شركة البحر الأحمر لطاقة الرياح وجهات التمويل، وهى بنك التعاون اليابانى والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية. وجديرٌ بالذكر فى هذا الصدد أنّ الدول الصناعية الكبرى يقع عليها التزام وواجب توفير تمويلات بقيمة مائة مليار دولار سنوياً، وذلك وفق ما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى 2009م فى كوبنهاجن، لكنها لم تلتزم بذلك حتى الآن. ومع ذلك، لا يخفى على أحد زيادة نسبة التمويلات الخضراء التى حصلت عليها مصر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. ويبدو أن استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27) قد أسهم بشكل كبير فى زيادة حجم التمويلات الخضراء المقدمة إلى الحكومة المصرية. وربما يكون من المناسب فى هذا الصدد أن تبرز الدولة المصرية جهودها الحثيثة فى مكافحة التغير المناخى وإظهار عزمها الأكيد على التخفيف من آثار هذه الظاهرة، وذلك من خلال تضمين الدستور النص على مكافحة التغير المناخى، وكما كانت مصر أولى الدول العربية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى إجراء تعديل دستورى لدستور 1971م للنص على الحق فى البيئة، فالمأمول أيضا هو أن يتم إجراء تعديل دستورى للدستور الحالى بالنص على التزام الدولة بتعزيز جهودها نحو مكافحة التغير المناخى. بيان ذلك أن النص الأصلى لدستور 1971م لم يتضمن أى مادة تتعلق بالحق فى بيئة نظيفة أو أى مادة عن التزام الدولة بحماية البيئة. ولكن، وبموجب التعديل الدستورى الحاصل فى التاسع والعشرين من شهر مارس 2007م، تم تعديل المادة التاسعة والخمسين من دستور 1971م، بحيث غدا نصها على النحو التالى: «حماية البيئة واجب وطنى، وينظم القانون التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة الصالحة». وكان نص هذه المادة قبل التعديل يجرى على النحو التالى: «حماية المكاسب الاشتراكية ودعمها والحفاظ عليها واجب وطنى». وهكذا، فقد ورد النص لأول مرة فى الدساتير المصرية المتعاقبة على حماية البيئة، منظوراً إليه باعتباره واجباً وطنياً. ومع ذلك، فقد لاحظ بعض الفقه -بحق- أن هذا النص جاء عاماً إلى حد كبير ومبالغاً فيه، مؤكداً ضرورة حماية البيئة، من دون أى تفريق بين واجب الدولة وواجب الأفراد فى هذا المجال. ثم جاء دستور 2012م أكثر تفصيلاً، بنصه على أن «لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية، بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة والحفاظ على حقوق الأجيال فيها» (المادة الثالثة والستون). وعلى هذا النحو، وبإمعان النظر فى النص المشار إليه، يبدو جلياً أن مفهوم حماية البيئة قد تطور من مجرد إعلان هدف أو قيمة معينة إلى منظور حقوقى ينص على حق كل إنسان فى بيئة صحية سليمة. ولما كان كل حق لشخص ما يستتبع وجود التزام على عاتق شخص آخر أو على عاتق الدولة ذاتها، لذا فقد ألقى دستور 2012م على الدولة التزاماً بالحفاظ على البيئة واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذه الغاية.أما الدستور الحالى الصادر عام 2014م، فقد قطع شوطاً كبيراً فى اتجاه تعزيز حماية البيئة وتقرير التزامات تفصيلية على الدولة فى هذا الشأن. وباستعراض النصوص ذات الصلة بالموضوع فى دستور 2014م، يبدو سائغاً القول إن حجر الزاوية فى هذا الشأن يتمثل فى المادة السادسة والأربعين من الدستور الحالى، بنصها على أن «لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطنى. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها». ولم يكتف المشرع الدستورى المصرى بالنص على كفالة الحق فى بيئة صحية سليمة، وإنما حرص على تقرير التزام الدولة بالحفاظ على أهم عناصرها. وفيما يتعلق بالبيئة المائية تحديداً، ومنظوراً إلى الأهمية الكبيرة لنهر النيل، الأمر الذى دعا هيرودوت إلى القول إن «مصر هبة النيل»، تنص المادة الرابعة والأربعون من الدستور على أن: «تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها، كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائى ودعم البحث العلمى فى هذا المجال. وحق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». ولما كانت مصر تطل على كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتحتضن العديد من البحيرات، لذا فإن المادة الخامسة والأربعين من الدستور تنص على أن: «تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدى عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن فى التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء فى الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون». كذلك، وارتباطاً بحماية البيئة، حرص المشرع الدستورى المصرى على تقرير مبدأ التنمية المستدامة التى تراعى الاعتبارات والمتطلبات البيئية وتراعى حقوق الأجيال القادمة. وهكذا، تقرر المادة السابعة والعشرون من الدستور مبدأ النمو المتوازن جغرافياً وقطاعياً وبيئياً. وتنص المادة التاسعة والعشرون على تنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية. وتنص المادة الثلاثون على تمكين الصيادين من مزاولة أعمالهم دون إلحاق الضرر بالنظم البيئية. وتنص المادة الثانية والثلاثون على التزام الدولة بالحفاظ على الموارد الطبيعية وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. كما تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار فيها. ولا شك أن النصوص الدستورية سالفة الذكر تنهض دليلاً دامغاً على اهتمام الدولة المصرية بحماية البيئة، بما يصب فى نهاية المطاف فى مكافحة التغير المناخى. ولعل ذلك يتحقق بشكل واضح وجلى من خلال العمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار فيها، الأمر الذى ورد النص عليه فى المادة الثانية والثلاثين، كما أوضحنا سالفاً. ومع ذلك، فإن مصطلح التغير المناخى لم ترد أدنى إشارة إليه فى نصوص الدستور الحالى. ولذلك، نرى من الملائم إضافة بعض المواد التى تنص صراحة على مكافحة التغير المناخى، وتقرر بعض الالتزامات الدستورية وثيقة الصلة بهذا الموضوع، وذلك أسوة بما هو وارد فى بعض الدساتير المقارنة. وقد يكون من المناسب النص فى الدستور على تحقيق هدف اقتصاد خالٍ من الكربون بحلول عام معين. وقد يكون من المناسب كذلك النص على تعزيز الاقتصاد الأخضر ودعم الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة التغير المناخى. حفظ الله البشرية من كل مكروه وسوء.
الانتقال السريع اختــــار