المرافعة أمام محكمة جنايات الإسكندرية في الجناية رقم 4676 لسنة 2005 جنايات المنشية والمقيدة برقم 270 كلي شرق .
المعروفة بقضية ” المحاماة ” للأستاذ أحمد جمعة المحامي بالنقض . وهاكم نص المرافعة
” بسم الله الرحمن الرحيم ”
” أيها السادة : أرجو أن يتسع لنا صدرُكم بالذي ضاق به صدرُنا ، وبذات القدر من الليل البهيم الذي أرق مضجع المتهم .
وأرجو إبتداءً أن تسجل مُرافعاتنا كاملة بمحضر الجلسة .. لأننا نُؤمن أن هذه القضية سوف يذكرها التاريخ يوماً ما فتكون حُكماً لنا أو علينا .. وإسمحوا لي أن أذكر أن القضية الآن بعد أن وصلت إلي هذا الطور لم تعد قضية المتهم ….. وصاحبه …. بل هي قضية المحاماة جميعاً . وإذا كان البعض قد أراد لنا أن نُحاكم …. فإننا نقبل المحاكمة ، ومن حقنا أن نقول ما نشاء بدون خجلٍ أو مؤاربة أو حياءٍ .. نعم سنكون في هذه المحاكمة صُرحاء …. أشد ما تكون الصراحة ، حتى ولو كانت موجعة للبعض ، أو تورم منها أنوف آخرين .. لأننا وحتى هذه اللحظات كنا نعتقد أن صوت العقل سيغلب ، وأنَّ المصلحة العليا ستُغلب .. لكن قرت عُيون البعض بتلك المُحاكمة .. وقُرت عيون آخرين بوجودنا خلف القضبان ، فلتكن المُحاكمة إذاً هي نهاية المطاف .. وليكن حكمكم هو غاية العدل ومنتهى الإنصاف ، ولتكن مشيئة الله هي العليا .. ولو تواعدتم لاختلفتم في الأمر في الميعاد ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليحي من حيَّ عن بينه ، ويهلك من هلك عن بيينه .
والحقُ أقول لكم ، وحقٌ أقول أنه إذا كان في الحكم علي الأستاذ … المحامي شفاءٌ لما في الصدور فاحُكموا عليه ، وإذا كان ميزان العدالة سيستقيم بالحكم عليه فاقضوا عليه . وإذا كان الحكم عليه قرباناً للعدالة وإرضاءً للآلهة فإننا نقدمه مختارين طائعين .
أما إذا كان في الحكم عليه مساساً بقيم المحاماة وأعرافها ، وحُسن العلاقة بيننا وإفتئاتاً علي القانون، فإننا نحتج .. ونعترض ..
ونقول ….
ما الذي جعل العلاقة بين القضاء والمحامين وهم أبناء رحمٍ واحد وغاية واحدة ، تصل إلي هذا المنحنى وذلك المنعطف الخطر ؟!
أقول لكم ..
لم نبدأ نحنُ بالعداوة .. لم نتسلل إلي محرابكم .. ولكننا أصحاب حقٍ وأصحاب قضية وأصحاب رسالة .. وما آتينا نُمارس هذه الرسالة إلا بمقتضى القانون ومن منطق العدالة .. فلسنا دخلاء أيها السادة وليس الأمر منوط بالقضاة وحدهم .. فالعدالة لا تستقم علي قدمٍ واحدة.
ونحنُ القدم الأخرى ..
والقول بغير ذلك يهدم ميزان العدالة ويقوضها .. أليس للميزان كفتين ؟!
ولئن كان الله خلق الإنسان من عينين ، وشفتين ، وأذنين ، وكفين ، وقدمين . فقد خلق الإنسان بقلبٍ واحد .. ولسانٍ واحد .. فأنتم أيها السادة القلب ، ونحنُ اللسان ، ومخطئ من ظن يوماً أن يضن علينا بالكلام ، وأُقر مطمئناً أن طبيعة عمل المحامي وخبرته المكتسبة من ممارسة المهنة ، لا يُمكن أن تحمله علي الإعتداء علي القاضي أبداً ..
بينما طبيعة عمل القاضي الذي يؤدي وظيفته بين إحترام الجمهور ، ووسط الإبتسامات المتملقة ، والخضوع المغري من كل جانب تجعله يعتبر أن أي طلب يطلب منه أو مناقشة بينه وبين المحامي في عملهما المشترك خروجاً علي كرامة القضاء ..
والغريب أن الخلافَ قد قام بين الفريقين عن أصلٍ واحد هو صون الكرامة ، فكيف يتفق الطرفان علي المبدأ ثم يختلفان عند التنفيذ..
أو بمعنى آخر ..
ما هو مفهوم الكرامة عند الطرفين ؟!
إن طبيعة عمل الفريقين جد مختلفة .. فالمحامي يرجو ويتوسل ويترافع علناً ويكتُب مذكراته .. ويؤكد في كل كلمة ثقته بعدالة قاضيه .. بينما طبيعة عمل القاضي السكوت ، علاوةً علي أنه لا يتكلم عن آداب المأمورية المشتركة بينهما .. بل لعله لا يراها كذلك ..
ويعمل المحامي جاهداً علي إستمالة القاضي تمهيداً لإقناعه بحق موكله .. والقاضي لا يبغي شيئاً من المحامي .. ومن ثم لا تهمه حالته النفسية ، وقد يرى أن تكرار الخضوع حقاً خالصاً له ..
فإذا قلنا بالمساواة والإخلاص بين الإثنين .
أيها السادة : فإنما نرجو تلك المساواة الداخلية في التقدير والإحترام ، لا المساواة الخارجية المستمدة من خوف الجماهير وتحيات الجنود والحراس . فذلك مما لا مطمع لنا فيه ، ولا حاجة لنا به .
نحن نعاني أيها السادة .. نعاني من إضطهاد السلطة وتهميشها لنا .. نعاني من عسف الإدارة وجهلها .. نعاني من ظلم الموكلين وأكلهم بالباطل حقوقنا ..
بل ونعاني من ساعة دخولنا المحكمة ، وطمع صغار النفوس فينا .. ونعاني من صدود بعض القضاة وضيق صدورهم بنا .. نعاني في إنتظار بدء الجلسة والتي تتأخر لساعات .. فإذا ما إنصرفنا لقضاء مشاغلنا .. ثم عدنا .. يرفض القاضي أن يعيد القضية رغم أنه لا زالت الجلسة منعقدة .. كنص قانون المرافعات .. وهو الذي تسبب لنا في هذا الإرتباك .. وحينئذٍ تبدأ المُشاحنة التي ينتصر فيها القاضي دائماً .
نعاني في حضورنا الجلسة وإبداء دفاعنا ، وما نعتقد أنه صواب ونؤمن به .. غير أن بعض القضاة يظهرون عدم الإكتراث بما نقول .. ويعرض عنا بصورة فيها إمتهان لكرامتنا .. ونلتزم في ذلك غاية اللياقة والأدب .. ونطوى الصدر عن ألمٍ دفين ..
ثم يصدر القاضي حكمه .. وقد يكون خاطئًا .. فإذا ما طعنا علي ذلك ، نذكر في طعننا تأدباً ورقاً أن الحكم قد أخطأ ، ولا نقول أن القاضي هو الذي أخطأ ..
نحنُ اللذينَّ ننتظر لساعات لبدء الجلسات ..
نحنُ اللذينَّ نقف إجلالاً لكم حال دخولكم القاعة ..
ونحنُ اللذينَّ نقف إحتراماً عند إنصرافكم ..
ونحنُ اللذينَّ لا نتحدث بين أيديكم إلا بإذن ، ولا نصمت إلا بإذن ..
نحنُ اللذينَّ تعلمنا من أسلافنا العظام الإنحناء في محرابكم تقديساً للعدالة ..
ونحنُ اللذينَّ لا نخاطبكم إلا بالإحترام الكامل .. والتوقير اللازم ، ونلتمس ونبتهل ونتضرع ونفوض لكم الأمر من قبل ومن بعد ..
ونحنُ اللذينَّ فتحنا أبواب نقابتنا للقضاة عام 69 بعد أن ذبحتُهم السلطة وأسقطت عنهم حصانتهم .
ونحنُ اللذينَّ لا زالت أبواب نقابتنا مفتوحة لمن أراد منكم أن يعمل بالمحاماة بعد تقاعده .. بل ومن أكره منكم علي التقاعد ..
فماذا فعل القضاة بنا ؟!
عطلوا نصاً من نصوص القانون يوجب أن يكون ربع المُعينين في ولاية القضاء من المحامين ، فتحملت نقابة المحامين وحدها وزر هذا الموقف .. وحُرم القضاء من خبرات عظيمة .. ألم يكن عبد العزيز باشا فهمي محامياً .. ونقيباً للمحامين .. ثم أصبح رئيساً لمحكمة النقض بل أول رئيساً لمحكمة النقض ، ووزيراً للعدل ..
ألم يكن عبد الفتاح باشا الطويل محامياً ثم صار وزيراً للعدل .. وفتحي الشرقاوي ، ومصطفى مرعي .. والسنهوري .. وغيرهم كثيرين ممن شرفوا المُحاماة .. كما شرفوا القضاء سواءً بسواء .. وكان هذا هو بداية الفصام النكد ..
ثم ماذا يفعل بعض القضاة معنا يومياً ؟!
يضيق صدر بعضهم .. ويقطب جبين البعض الآخر .. بل ويصل الأمر أحياناً إلي حد التعريض بعملنا .. أليس هذا إنتقاصاً من الكرامة ؟!
فقد نصت المادة (1) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 علي أن ” المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون ، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ” .
سؤال يلح أيها السادة .. ويعيينا الجوابُ ..
لماذا هنا عليكم .. ولماذا هان قدرنا لديكم .. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟!
نحنُ لسنا عالة علي أحد أيها السادة ..
كيف يرتضي قاضٍ لنفسه يعتلي منصة القضاء السامقة ، أن يزجر مدافعاً بأنه إذا لم يسكت فسيقوم بإخراجه خارج القاعة .. ويستجوب المتهم رغماً عنه .. مُخالفاً لنص المادة (274) إجراءات جنائية التي نصت علي أنه ” لا يجوز إستجواب المُتهم إلا إذا قبل ذلك ” ..
كيف يرتضي قاضٍ لنفسه أن ينادي علي الحرس أن يضعوا مُحامياً في القفص مع المتهمين .. ماذا يسمى ذلك ؟!!!
لماذا يستكثر البعض أن يكون القاضي مخطئاً .. ويُداري من ذلك أن الخطأ يجري من إبن آدم مجرى الدم في العروق .. إن المدعي بالحق المدني هو الذي خلق هذه الأزمة .. برعونته وقلة خبرته فيُسأل هو عن النتيجة التي حدثت .. أليس هذا هو الموقف عقلاً وقانوناً ..
فقد نصت المادة (49) من قانون المحاماة علي أن ” للمحامى الحق في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة ” ، غير أن هذا الإحترام لا يصل إلي غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ علي المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته ، فلا جدوى من ترك واجب الإحترام للآخرين يبذلونه متى شاءوا ويفنون به متى أرادو ”
أيها السادة : الأستاذ المحامي عفواً المتهم لم يقتحم عليه غرفته كما ذكر .. ولكنه سعى إليه مستأذناً إلي إثبات حقه .. أليس هذا هو القانون ؟! فما كان من القاضي إلا أن أمر الزبانية بالإعتداء عليه ومنعه ..
إن القاضي هو الذي تخلي عن منصته العالية .. ودلف إلي غرفته .. ورفض إثبات طلبات المتهم وهي حقُ له .. ألا يعد ذلك تزويراً بالترك ..
ثُم سؤالٌ آخر .. لماذا إستنفر نادي القضاة من أجل هذه الواقعة .. ولماذا لم يسأل قاضيه عن حقيقة ما حدث .. أليس القاضي ملزم بأن يسمع الطرفين ؟!
ولماذا دعى إلي عقد جمعية عمومية طارئة بتاريخ 18/3/2005 مستغلاً هذا الحدث ومطالباً بإستقلال السلطة القضائية والتي سميت حينئذٍ بـ ” إنتفاضة القضاة ” ..
ونحنُ أول من طالب إلي جانبه بإستقلالها .. لكن أن يتخذ من المحاماة وسيلة مطوية إلي هذا الغرض .. فبئست الغاية وساءت المطية ..
فقد إتخذت الجمعية العمومية الغير عادية عدة توصيات :
أولها : سرعة الإنتهاء من تحقيقات النيابة العامة في شأن تعطيل جلسة محكمة جنح سيدي جابر والتصرف فيها بما يحفظ للقضاء هيئته وإحترامه ..
.. وهذه التوصية .. ما هي إلا تحريض للنيابة بإنهاء التحقيقات شريطة أن يحفظ للقضاء هيبته .. وهذا ما جرى .. ففي اليوم التالي أمرت النيابة العامة بضبط وإحضار المتهمين وعرضهما مقبوضاً عليهما ..
ثم سألت النيابة العامة المتهمين في 23/3/2005 واللذين طلبا شهود نفي فأرجأتها النيابة لجلسة 28/3/2005 لشهود النفي .. إلا أننا فوجئنا بأن القضية قد أحيلت دون إستيفاء المطلوب .. بل وحددت محكمة الإستئناف جلسة 9/4 للمُحاكمة في غير دورها .. فماذا يدعى ذلك ؟!
التوصية الخامسة : مُطالبة المستشار وزير العدل بإنهاء ندب المستشار رئيس محكمة الإسكندرية الإبتدائية .
التوصية السادسة : تكليف مجلس إدارة نادي القضاة بالإسكندرية بإسقاط عضوية المستشار رئيس محكمة المنصورة الإبتدائية .
.. وهكذا غلب علي هذه التوصيات صوت الشباب الثائر ، واللذين أسموا أنفسهم كذلك ، وأهانوا رجلاً من العصر الجميل وهو المستشار رئيس المحكمة الإبتدائية .. لا لشيء .. إلا لأنه نزل إلي حجرة المحامين لرأب الصدع وإحتواء الأزمة ..
وما دروا أنه بنزوله إلينا .. قد إرتفعت قامته في نظرنا إلي عنان السماء ..
ونحن لا نعترض لا نعترض أن يعقد القضاة جمعيتهم العادية وغير العادية .. لكن أن تعلن الحرب علينا جملةً واحدة .. فهو أمر تأباه العدالة وتأباه حكمة الشيوخ .. وصدق الله العظيم .. ” ولا يجرمنك شنآن قومٍ علي ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى ” .
وفي المقابل .. عندما رُعت البلاد مؤخراً في الإعتداء الآثم من الشرطة علي بعض القضاة بالضرب وبالإهانة العمدية ، وعدم الإنصياع لأوامرهم .. بل وإصدار الأوامر لبعضهم ..
نقول .. ماذا كان موقف القضاء .. ومجلسه الأعلى .. والنائب العام ..
صرحوا بأن ما حدث هو تجاوزات لا تشكل جريمة .. بل وصلوا إلي حد أن نعتوا بعض القضاة اللذين طالبوا بالتحقيق بأنها فئة مارقة ..
.. أي وربي حدث ذلك ..
لكن ما وقع من الأستاذ المحامي …. زوداً عن حقه هو الجريمة .. وغدا المطالبة بالثأر واجباً مقدساً ما لهم كيف يحكمون .. ومن أي فئة ينتصرون ؟!
أليس غريباً أيها السادة أن يدفع المحامون وحدهم الجزئية في القرن الواحد والعشرون ؟!
نحنُ أيها السادة : في كل ذلك لا نطلب أن تقضوا لنا بحق لسنا أهلاً له .. ولكننا نطالب فقط بالإنصاف .. نطالب بالعفو عند المقدرة ..
راجعوا أيُها السادة .. كيف تولت النيابة العامة التحقيق .. إنفردت وحدها بالأمر وسألت من شاءت وأشاحت بوجهها عن سؤال شهود النفي ..
وأمرت بضبط وإحضار المتهم وعرضه عليها مقبوضاً عليه .. وصالت وجالت .. أتلك هي العدالة .. أهذه صلة الأرحام ..
أليس غريباً أيها السادة أن يسأل المُحقق .. الحاجب .. هل ما بدر من القاضي يُعد إمتهاناً لكرامة المحامي والمحاماة .. وهل يفهم الحاجب مثل هذه الأمور ؟!
إن سؤال الحاجب عن هذا الشأن .. هو عين الإمتهان لكرامتنا .. فهل الحاجب هو الذي يحكم علينا ويُعلق علي تقديره ..
إن شئتم فسئلوا أهل الذكر .. إن كنتم تريدون ..
ثم .. أو يملك الحاجب ، وأمين السر ، والمجند بالأمن المركزي . أن يقول عكس ما يريده سيده ورب نعمته ..
نحنُ نرى أيها السادة هذه الأيام أنوفاً كبيرة ، ورؤساً أكبر قد إنبطحت ولا تملك إلا تنفيذ أوامر أسيادها ، بل وتزيين الباطل لها ..
فلماذ سئل المحقق هؤلاء التابعين وأتباع التابعين .. ولم يسأل شهود المتهم ؟!
أمن أجل تقوية الدليل الواهن ضد الزميل .. وكأنه عدوٍ مبين ..
أليس أوهن البيوت هو بيت العنكبوت ..
وهذا ما يدفعنا لأن نقرر مطمئنين أن النيابة كانت غير محايدة .. بل كانت خصماً خصيماً مما يبطل تحقيقاتها وما ترتب عليه من آثار ..
ولا حظوا أيها السادة أقوال هؤلاء التابعين كيف جاءت متطابقة واللغة التي أجابوا بها يقيناً ليست أقوالهم .. ولكنها مملاة عليهم ..
أليست أولويات وضمانات التحقيق الإبتدائي هو حياد التحقيق لأنه أول الضمانات التي تكفل الوصول إلي الحقيقة ..
ومن أجل ذلك يجب ألا يكون المُحقق طرفاً من أطراف القضية وإنما حكماً بين أطرافها ، ويجب عدم الخلط بين حياد التحقيق ، ونزاهة المحقق لأن عدم حياد التحقيق لا يشمل عدم نزاهة المُحقق ، بالإضافة إلي حالات الخطأ المهني الجسيم وهي حالات الخروج عن الحيدة دون قصدٍ من المُحقق ، وجميعها تؤدي إلي بطلان التحقيق ..
أهذه هي الحيدة والشفافية من المُحقق ..؟!
ثم من الذي أوحى إلي وكيل النيابة بأن يُسجل .. حسب روايته .. ما جرى من هاتفه المحمول ، وهو الذي ذكر أنه كاد أن يختنق من شدة الزحام ، أليس هذا خرقاً للقانون ..
ولماذا لم يُضم هذا الهاتف إلي أوراق الدعوى .. ولماذا هو الذي شعر بالإختناق ، وفي القاعة من هو أكبر من أبيه .. ثم لم يذكر أحداً أن القاضي منع عُنوه أو أن يداً قد طالته لتمنعه من الخروج .. فكيف دخل الضباط وخرجوا إذاً .. وما هو مفهوم الإحتجاز أيها السادة ..
ثم لا حظوا كيف أضاف القاضي في مُذكرته بأن ما بدر منعه من أداء عمله من الذي أوحى إليه بذلك .. ثم ألا يعد ذلك تزويراً ؟!
ثم أخيراً .. ما غاية هذه الدعوى .. أن يُحكم علي الزميل .. وأن تحكموا علي المحاماة .. وأن يسكت صوت الحق في هذه الأمة .
تملكون ذلك .. ونحن نملك أيضاً حق الرد علي ذلك .. نملك أيها السادة أن نُثبت في محاضر الجلسات أن القاضي بدء الجلسة في الثانية عشر ظهراً في حين أنه أثبت أنها بدأت في التاسعة صباحاً .. علي غير الحقيقة مما يعد معه تزويراً ..
نَمِلك أيها السادة أن نثبت أن القاضي قد أثبت في حكمه أنه تلقى تقرير التلخيص ، رغم أنه لم يكتب أصلاً ولم يُنطق به .. مما يعد مخالفاً للحقيقة ويعد معه الأمر تزويراً ..
نملك أيها السادة أن نثبت أنه لم يتم إيداع أسباب الأحكام في مدتها القانونية .. بل نملك أن نثبت أنه ليس هُناك أسباب علي الإطلاق ..
نملك الكثير أيها السادة من أخطاء ترد يومياً ونغضُ الطرف عنها ، لأننا نقدر القضاء وجلال دوره .. وتصوروا مدى إضطراب العدالة لو أننا تمسكنا بكل ذلك ..
لكننا لن نفعل .. نعم .. ولن نفعل أي أمر من شأنه التهوين من مقامكم العالي .. فقيمكتم عندنا غالية وقامتكم في نظرنا عالية ..
أيها السادة الأجلاء ..
علموا شباب القُضاة أننا شركاء في الأمر وأن غايتنا واحدة ..
علموهم أن يتعاملوا معنا بالإحترام اللازم فنحنُ أولى بهذا الإحترام وتلك المودة من الضباط نزولاً علي نص المادة (49) من قانون المحاماة .
علموهم أن لنا دوراً لا يقل عن دورهم .. طبقاً لنص المادة (1) من قانون المحاماة التي نصت علي أن ” المحاماة مهنه حره تُشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة ، وفي تأكيد سيادة القانون ، وفي كفالة حق الدفاع ” .
علموهم أن عمل المحامي بالنسبة للقاضي هو العدسة التي تكشف له التعاريج والمنحنيات الدقيقة التي يعتمد عليه الخصوم في تكييف الواقعة .. وأن القاضي مهما كان ذكياً وفطناً ، ومهما توافر له الوقت لبحث الخصوم في حاجة لذلك المنظار ..
علموهم أيها السادة أن المحامي ليس في مرتبة أدنى من القاضي ..لأن الأخير يجلس علي منصته العالية ، ونحن نؤدي رسالتنا وقوفاً .. فإنما المحامي أمام القاضي وأمام الناس ليُشهدهم ، ويُشهد الله قبلهم أنه رسول العدالة .. وأنَّ من طُرق العبادة ما نؤديه وقوفاً أو جلوساً .. فكلا الموقفين يستويان ، ومن الناس من يعبد الله قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم ..
علموهم أن المحامي إنما يقف في مكان مُنخفض مرتدياً السواد حُزناً .. ليكون قريباً مع من قهرتهم شهوة الإنسان والسُلطان ليسمع أناتهم فيُرسلها إلي قلب القاضي ..
نحن بحاجة إلي أن نتصارح أيها السادة .. والأمر أكبر من أن نداري أو نهمس في شأنه .. وليس أمامنا سوى أن نأخذه مأخذ الجد لا هزل فيه ..
.. بقيت في كنانتي كلمة واحدة..
أجد من المناسب أن أُذكركم بها علَ الذكر تنفع المؤمنين .. وهو يوم الحديبية .. عندما منعت قريش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصدته عن المسجد الحرام والبلد الحرام ، فقال :
” والله لا تدعوني قريش إلي خُطة توصل فيها الأرحام .. وتُعظم فيها الحرمات إلا أجبتم ” .. صدق رسول الله ..
ما أحوجنا أيها السادة إلي تعظيم الحرمات .. وإلي وصل الأرحام ..
أيها السادة الأجلاء ..
هذه هي قضيتنا .. وهذا بعض من معاناتنا ..
وهذه هي قضية المدعي المدني والنيابة العامة .. جاءت خاوية علي عُروشها .. فبئر مُعطلةٌ وقصر مشيد ..
فأي القضيتين أحقُ بالأمر ..
والأمر إليكم فانظروا ماذا تأمرون ..