في جريمة جديدة من الجرائم البشعة التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، والتي تعكس أعلى درجات الاستهتار بأرواح المدنيين، بما في ذلك العاملون في منظمات الإغاثة والوكالات الدولية ونشطي السلام من اللجان الشعبية الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، سحقت جرافة عسكرية إسرائيلية في ساعات مساء يوم الأحد الموافق 16/3/2003، وبشكل متعمد، نشيطة سلام أميركية حتى الموت.
واستناداً للمعلومات التي جمعتها (القانون) من مصادر متعددة، ففي ساعات مساء اليوم المذكور، توغلت قوة عسكرية إسرائيلية، معززة بالدبابات، ترافقها جرافة عسكرية ضخمة، في حي السلام، بمدينة رفح، جنوبي قطاع غزة. وشرعت الجرافة بأعمال هدم لمنازل المواطنين الفلسطينيين. أعترض اثنان من نشطي السلام الأميركيين المتطوعين في حركة التضامن الدولية، من أصل ثمانية تواجدوا في المنطقة، الجرافة عندما اقتربت من منزل يستخدمه عدد من الأطباء سكناً لهم، وتحدثا باللغة الإنجليزية مع سائق الجرافة بعد أن لوّحا للجنود، إلا أن الجرافة دهست أحدهما، وهي النشيطة ريتشيل كوري ـ 23 عاماً ـ من مدينة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية، ذهاباً وإياباً، حتى الموت.
وذكر غرغ شنبل ـ 28 عاماً ـ وهو نشط أميركي من مدينة شيكاغو، وكان ملازماً للضحية، كما أوردت ذلك صحيفة "يديعوت أحرونوت" باللغة العربية على صفحتها الإلكترونية بتاريخ 16/3/2003، أنه كان يقف مع ريتشيل في مدخل المنزل الذي كانت الجرافة تنوي هدمه، و"لوحت للجنود، ثم سقطت، فصحنا: توقفوا، لكن الجرافة قامت بدهسها ذهاباً وإياباً". وذكر مركز الإعلام الآخر، الذي يمثل لجان نشطاء اليسار، أنه "طوال وقت عملية الهدم، كان واضحاً لقوات الجيش الإسرائيلي أن الاثنين هما من نشطاء حقوق الإنسان، فقد حمل الاثنان علامات مميزة، وتحدثا مع الجنود باللغة الإنجليزية". وأضافت نشطة بريطانية الجنسية، تدعى أليس، أنها جلست وكوري ثلاث ساعات أمام المنزل، ومن المؤكد أن سائق الجرافة شاهدهما وهما جالستان. وأضافت أن كوري صرخت من تحت الجرافة وقالت "ظهري كُسِر". وقال توم ديل، وهو نشط آخر في الحركة كان يقف على بعد خطوات من الضحية أن كوري "كانت ترتدي سترة برتقالية اللون، وقد سحبتها من تحت نصل الجرافة". والعلامات التي يحملها نشطاء السلام الدوليون معروفة لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد عن عام.
وفي اعتراف غير صريح باقتراف قواتها لهذه الجريمة بشكل متعمد، ذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية أن القتيلة ريتشيل كوري تظاهرت مع ناشط آخر قرب منزل فلسطيني حاول الجيش الإسرائيلي هدمه، في حي السلام في رفح، قرب الحدود مع مصر، ووجه الجنود نداءات إلى الناشطين بمغادرة المكان، كما حاولوا إبعادهما بالقوة، مطلقين الغاز المسيل للدموع باتجاههما كي يخليا المكان، لكن الاثنين رفضا التحرك والابتعاد عن المبنى، بل والتصقا به بقوة.
من الجدير بالذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي دأبت منذ وقت غير قصير على التوغل في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، والقيام بعمليات هدم واسعة النطاق لمنازل المواطنين الفلسطينيين تحت ذرائع متعددة، مما دفع ذلك الناشطين الدوليين للتوجه إلى هذه المناطق في محاولة منهم لحماية العائلات الفلسطينية المهددة منازلها بالهدم.
إن جمعية (القانون)، وفي الوقت الذي تؤكد فيه على أن مجمل الإفادات التي أوردها النشطاء الدوليون الذين كانوا يرافقون كوري أثناء مقتلها تشير إلى أن سائق الجرافة دهسها بشكل متعمد. كما وتذكر الجمعية بأن هناك حوادث أخرى جرت خلال الانتفاضة ذهب ضحيتها موظفون دوليون عاملون في وكالات إغاثة دولية، فإنها تؤكد أيضاً على أن تعريض قوات الاحتلال لحياة النشطاء الدوليين للخطر نابع من سياستها الهادفة لترويعهم وإبعادهم عن المناطق التي تعمل فيها ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم كونهم أصبحوا يشكلون حرجاً لها، ويفضحون جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين.
وفي ضوء ما تقدم، فإن جمعية (القانون) تطالب المجتمع الدولي بما يلي:
أولاً: فتح تحقيق في ظروف مقتل الناشطة الأميركية، وفي كافة حالات القتل التي نفذها جنود الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، وذلك استناداً للمادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تنص على تعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة، وبملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو الأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى المحاكمة.
ثانياًً: تشكيل لجنة تحقيق دولية استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1322) وتاريخ 7/10/2000 للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
ثالثاً: عقد مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 من أجل اتخاذ إجراءات عملية لضمان انصياع إسرائيل وإلزامها بموجب الاتفاقية.
رابعا: تشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين والمسؤولين عنهم.
خامساًً: وضع المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تحت الحماية الدولية.
سادسا: العمل الفوري على وضع حد لهذه الجرائم، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كافة، والتطبيق الفوري لقرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن.
جمعية (القانون |