النظام السوري : الاصلاح غاية أم وسيلة؟؟
منذ أن ورث بشار الأسد السلطة في سوريا عام2000م عن أبيه الراحل حافظ الأسد واستتب له حكم البلاد والعباد بعد أن تم تعديل الدستور السوري على مقاسه خلال ربع ساعة فقط وبتصويت كل أعضاء مجلس الشعب (حاليا أصبح اسمه سوق عكاظ للمعلقات), بدأ الأسد الإبن يتحفنا في كل مناسبة بكلمات ومصطلحات فضفاضة عن ضرورة التغيير والإصلاح في سوريا ويخرج علينا بخطابات تاريخية (بالمناسبة جميع خطابات الرئيس السوري تلقب بالتاريخية منذ عام 1970م) تتحدث عن المستقبل المشرق الذي ينتظر الشعب السوري وأن سوريا ستصبح قريباً أفضل من سنغافورة واليابان في ظل ماأصبح يعرف بالجملكية العربية السورية (نظام جمهوري ملكي مهجن).
إن الحديث عن الإصلاح والتغيير في بلد تحجر نظامه السياسي وتقوقع إقتصاده وغرق في مستنقع الفساد, منذ العام 1963م أي بعد إنقلاب حزب البعث على الشرعية المدنية الدستورية وإستلام العسكر لمقاليد السلطة وقيادة الدولة, لهو شيء يشبه المعجزة بالنسبة للشعب السوري المسكين والمضطهد الذي عانى كل أنواع القهر الإجتماعي والسياسي على مدى يقارب 48 عاماً من سياسة الصمود والتصدي البعثية والتي وصفها في وقت ما شاعرنا الكبير المرحوم محمد الماغوط "هي الصمود على الكراسي والتصدي لكل من يقترب منها". وبالتالي فإن الغالبية المسحوقة من الشعب السوري فرحت واستبشرت خيراً بالإصلاح القادم على يدي الأسد الإبن أما العارفون بطبائع الإستبداد فدعوا ربهم ليل نهار أن لا يكون إصلاح الإبن شبيهاً بإصلاح الأب حافظ الأسد في مدينة حماة عام 1982 حيث قامت سرايا الدفاع في ذلك الوقت بتطبيق سياسة التغيير والإصلاح الديموغرافي في حينهاعلى مايقرب من 30000 ألف مواطن من سكان المدينة القديمة وتشريد الآلاف منهم فيما عرف لاحقاً "بمجزرة حماة" ويمكن أن يصبح مستقبلاً "مجزرة درعا"!!
حتى المثقفون والكتاب السوريون غرر بهم وانخدعوا بالاستخدام الفضفاض لمصلح "الإصلاح والتغيير" الذي نادى به الرئيس بشار الأسد في بداية عهده, واعتقدوا للوهلة الأولى بأن سوريا سيصبح لديها "هايد بارك" كالمملكة المتحدة, فبدوأ الدعوة لمنتديات حوار ثقافي وسياسي (ربيع دمشق) تناقش الأوضاع الإجتماعية والفساد الإقتصادي والإداري وتسلط أفرع الأمن والمخابرات على الحياة في سوريا. فما كان من النظام إلا أن أظهر وجهه الحقيقي (حكاية ليلى والذئب) وزج بهؤولاء المثقفين والمفكرين والإصلاحيين المندسين في أقبية أفرع المخابرات وقال عبارته الشهيرة التي يتغنى بها شبيحته الآن: الله سوريا بشار وبس.. وكلمة "بس" تعني في العامية السورية أن هذا كثيرٌ جداً ويجبُ أن يوضعَ له حداً. تماماً كما قال القذافي عبارته الشهيرة "من أنتم؟ من أنتم؟" ولكن بشار الأسد وكونه يحب النظافة ويكره القوارض لم يستفيض في وصف السوريين "بالجرذان والمقملين" كغيره.
المشكلة كانت أن بعض الناس ممن انخدعوا بكلمة "الإصلاح" تناسوا أن النظام السوري كما يقول المفكر السوري فاروق مردم بك "هو نظام عشائري لا يشبه في تركيبته المافياوية سوى النظام الليبي وقد جرى تأسيسه على مبدأ عبادة الفرد حيث تتركز السلطات في شخص الرئيس وبعض أفراد من أسرته مما يجعل إصلاحه مستحيلاً لأن الإصلاح يعني الإنهيار". أو كما يقول المفكر السوري برهان غليون " إن ما يميز النظام السوري عن معظم الأنظمة في العالم، هو أن لا سياسة فيه، بل مؤسسة أمنية لا وسطاء بينها وبين ما يفترض أن يكون المؤسسة السياسية المدنية. لذلك فلا مرونة عند النظام ولا قدرة على التفاوض."
يتبين من كل هذا أن مفهوم الإصلاح لدى نظام بشار الأسد هو وسيلة وليس غاية لأنه يعتبر سورية ملكية خاصة به وبأفراد عائلته حيث أن مصطلح مايسمى "بالدولة" لا وجود له في قاموس العشيرة الأسدية منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970م. والرئيس الأسد وفي أول ظهور علني له بعد أحداث القمع والقتل الأخيرة في مدينة درعا أكد هذا بوقوفه أمام مجلس الشعب السوري (سوق عكاظ) ومخاطبهم للشعب السوري بعنجهية وفوقية أنه أصبح قيصر سوريا, حيث بدأ أعضاء مجلس الدمى بالهتاف بحياته وإلقاء المدائح الشعرية التي تمجد بحياة القيصر الجديد. فالأسد الإبن ورث نفس الإعتقاد الذي كان لدى ابيه حافظ وهو أن هؤولاء النواب ليسوا ممثلين للشعب السوري وإنما هم ممثلين لآل الأسد وعليهم دائماً حسن الإستماع والطاعة والدعاء ببقاءه إلى الأبد. ولذلك وفي ظل الظروف الحالية والثورة الشعبية التي لم يتوقعها أحد يبدو أن القرار اليوم داخل النظام السوري كما يقول الكاتب السوري صبحي حديدي "هو في عهدة مجموعة أشخاص هم بشار وماهر وكبار الضباط، وهم جميعاً يتخبّطون ضمن الخيار الأمني، ولا خيار أمامهم أصلاً غير اللجوء الى العنف. وهم لن يستسلموا بسهولة، لذلك أعتقد أن ثمن المواجهة والتحرّر من حكمهم سيكون فادحاً".
"كاتب سوري مندس من شباب ثورة سوريا"