عندما فرضت زيادة الرسوم القضائية فمن المؤكد أو لنقل أنها لم تفرض إلا بغاية نبيلة وهامة ألا وهي تخفيف هذا الكم الهائل من الدعاوى التي تغرق أقواس المحاكم وتجعل القضاة والعاملين في خضم بحر متلاطم و لم تفرض عقوبة للمواطن وانتقاماً منه ولكن هل النوايا الحسنة تؤدي دائماً لغايات مزهرة وتحقق المطلوب ؟؟
بعودة لعقارب الساعة منذ بدأ تطبيق هذا المرسوم منذ 7 /10 / 2010 وبدراسة وجولة على هذا المناخ ماذا نرى ؟
النية الحسنة للمشرع لم تشفع في بروز سلبيات هذه الزيادة الكبيرة والمرهقة في الرسوم لدرجة أنها قد تخفف فعلاً من التقدم للقضاء ولكن لمن ؟؟ لذوي الدخل المحدود والمرهقين بالتزامات الحياة والباحثين عن حقوقهم المهدورة و المسروقة ولكن هذه الزيادة حالت بينهم وبين المطالبة بحقوقهم هذه لا بل إلى التوقف عن السير بالدعاوى القائمة فنحن كمحامين لا بد وأنه قد صادف الكثيرين منا هذه الحالة أن تستخرج الحكم وتجهز إيصالات الرسوم فيتجمد الموكل أمام هذا القدر من الرسم المتوجب عليه دفعه قبل الوصول لحقه قد يقال أنه سوف يلزم الفريق الخاسر بها عند التحصيل ولكن أن لهذا المسكين تدبر أموره لدفع الرسم وهو المنتظر للحصول على نتيجة الحكم لأنه يرى فيه العصا السحرية لكل أموره المالية فعلى سبيل المثال مبلغ تعويض / 75000 / خمس وسبعون ألف يلزمك قرابة / 6000 /آلاف لاستخراج القرار !!!!!!!! هل هذا مبلغ معقول لأسرة عادية ؟؟ في خضم التزامات الحياة الأخرى ؟
إضافة لذلك فقد أثرت الزيادة بشكل ملحوظ على عمل المحامين فمن المؤكد ولو فرضنا أن المحامين لم يضيفوا قرشاً واحداً حتى في ظل غلاء الأسعار ولكن من المؤكد سيزيد المبلغ المطلوب وذلك من أجل تكاليف الدعوى فيلحظ المراجع زيادة هائلة وملحوظة في المبلغ المطلوب من قبل المحامي ولا سيما إن سبق له التعامل معه هو أو مع غيره و دخول المحاكم فلم تكن هذه التكلفة ويظن المواطن أن المحامي يطلبها لنفسه فماذا تظنونه فاعل ؟؟؟؟ هنا تبرز المشكلة التي كانت موجودة والآن فرصة ممارسيها لأخذ دورهم أكثر فهؤلاء الذين يمارسون عمل القانون بكل بساطة من باعة الطوابع والمطبوعات أمام المحاكم يتلقفون هؤلاء البائسين غير القادرين على دفع التكاليف مع أتعاب المحامي و يوحي لهم بالحل السحري أنهم مقابل مبلغ بسيط (( بالطبع هو غير بسيط مقابل عدم معرفته )) فإنهم مستعدون لكتابة الدعوى لهم والمواطن يقدمها بنفسه للمحكمة ويسر المسكين من هذا الحل دون أن يتبصر نتائجه فهذا المتعدي على مهنة المحاماة غير الملم بأبسط مبادئ القانون الذي يكتب دعوى يورط المواطن بدعوى في الغالب خاسرة وبعيدة عن أصول القانون ولكن ما همه هو ؟؟ فمقابل سطور قليلة نقلها من طريقة المحامين وربما من كتاب ما يأخذ مبلغ محترم لكن يبقى بالطبع أقل من أتعاب قضية بمراحل تقاضي متعددة وينتهي دوره فهو غير مسؤول قانوناً عما تؤول إليه الدعوى مثل مسؤولية المحامي الذي توجد له وكالة بالدعوى ويتحمل نتيجة سيرها الخاطئ فهل عالجنا مشكلة زيادة كمية الدعاوى وهذه إحدى النتائج الخطيرة لزيادة الرسوم ؟؟؟ أم نكون قد أغرقنا المحاكم بدعاوى أسست بشكل غير صحيح ومن المؤكد أنها إما إن إمكن معالجة هذا الخطأ فسيتكلف وقتاً وجهداً كبيرين من المحامي الذي سيتابع الدعوى لاحقاً أو ربما لا يمكن معالجة هذا الخطأ فهناك أخطاء من النظام العام لا يمكن تداركها فيخسر المواطن الحق والمال الذي ذهب دون جدوى
أكرر النوايا الحسنة والغايات النبيلة للعمل لا تكفي للوصول لنتائج صحيحة وتامة لا بد من دراسة أخرى بعيدة عن زيادة الرسوم لمعالجة هذا الكم الهائل من الدعاوى في المحاكم وهذا موضوع وشجن آخر يحتاج لبحث مطول واقتراح حلول متعددة منها زيادة الرسوم لكن بشكل مدروس أكثر ومبرر
إذن نلخص ما أدت إليه زيادة الرسوم القضائية من سلبيات :
عدم قدرة المواطن البسيط و في أغلب الحالات على ولوج المحاكم التي ينص الدستور على مجانية التقاضي فيها للمطالبة بحقوقه نتيجة لتكاليف الرسوم
التأثير على عمل المحامين والحد من دورهم مما أفسح المجال لزيادة المشكلة الأخرى وهي :
زيادة دور المتطفلين على عمل القضاء ومهنة القانون وقيامهم بممارسة دور المحامي بفارق كبير وهو جهلهم بالقانون مما يتشعب عنه أو يزيد المشكلة الثالثة والتي أصلاً فرضت الزيادة لمعالجتها وهي :
إغراق المحاكم بدعاوى فاشلة تذهب بحقوق أصحابها أدراج الرياح
هذا كله في كفة إن استطاع المواطن تحمل الكلفة وولوج المحاكم فإن لم يستطع ما تراه فاعل ؟
أعتقد ليس هناك سوى طريقين يسلكهما :
إما تسليم أمره للقدر والتنازل عن حقه
أما الطريق الأخطر أن يلجأ لتحصيل حقوقه بنفسه وهذه مسألة يجب ألا يمر احتمالها دون اهتمام حيث لها نتائج قانونية واجتماعية كثيرة
فما رأي المشرع بعد هذه النظرة العاجلة على زيادة الرسوم ؟ ألا يستوجب ذلك وقفة وإعادة النظر بها بعد أن طبقت على أرض الواقع ؟؟
بقلم المحامية مجد عابدين