التابع والمتبوع
منذ أن خلق الله الأرض وجدت التبعية بما تستلزمه من متبوع وتابع وعلاقة سببية ، وستظل هذه التبعية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد ورد فى كثير من أى القران حديث عن هذه التبعية ، كما نظمها القانون المدنى ضمن المسئولية عن عمل الغير ، فهل التعبية خير كلها ، أم هى شر كلها ، أم هى بين ذلك قواما
المتبوع
يعد الأهم فى التبعية المتبوع ، فهو الذى يسخر الأتباع لطاعته واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، والأصل أن يكون الكافة تابعين لله تعالى ، فهو الذى خلقهم ، وسواهم ، وأحسن صورهم ، ولم يشأ الله تعالت قدرته أن يجل هذه التبعية سخرة وكرها ، والا لانزل من السماء أية فظلت أعناق الناس لها خاضعين ، بل ترك لهم الخيرة من أمرهم ، فكان أول خارج عن هذه التبعية الشيطان الرجيم بعصيانه لأمر ربه حين أمره بالسجود
ولم يكتف الشيطان بما تقدم ، بل أخذ عهدا من الله بأن يكون متبوعا ، وأن ينظره الله الى يوم القيامه ، ثم أقسم بعزة الله وجلاله أن يصير من البشر أتباعا له ، وقد بشره الله بأنه ومن أتبعه من الغاوين ، وأن جهنم موعدهم أجمعين
ثم كثر المتبوعين عقب ذلك ، فمنهم من نازع الله الالوهية كفرعون الذى قال أنا ربكم الأعلى ، ومنهم من لم تصل به المنازعة ذلك الحد ، بل استهدف بهذه التبعية تحقيق مصلحة جماعية ، أو شخصية ، مشروعة ، أو غير مشروعة
ملكات المتبوع
يتميز المتبوع بملكات تمكنه من السيطرة على التابعين ، وهى ملكات تتنوع بحسب قدرات المتبوع ، كما تتطور هذه الملكات بتطور الزمان والمكان ، فقد تكون هذه الملكات سلطة المال بما له من سحر ينسى كثير من الرجال عهودهم ، كما قد تكون نفوذا وسلطانا ، أو سحرا وبيانا ، أو قبولا يسمونه فى العصر الحديث بالكاريزما الشخصية
وقد ورد بالقران كثير من الايات من ملكيات التبعية ، فقال تعالى فى شأن سطوة المال (( قال نوح رب أنهم عصونى واتبعوا من مالم يزده ماله وولده الا خسارا ))
صفات التابعين
للتابعين صفات يعرفون بها ، وهى صفات تتنوع بتنوعهم ، فنفر ورثوا طبائع بشرية تجعلهم فى ركاب التابعين ، فهم لايصلحون الا ليكونوا من الأتباع ، ونفر وهبه الله من الملكات فسخرها لخدمة المتبوع ، علما كان أو مالا أو جاها أو سلطانا فى تزاوج يستهدف المصلحة كتزاوج المال والسلطة
ويتنوع التابعون عند المتبوع الى أقسام عدة ، أولها وهى الأكثرها اخلاصا ، وأكثرها استفادة ، وهى طائفة من التابعين تفتدى متبوعها بنفسها ، وتقدم من أجله على ارتكاب احط الجرائم ، ولاتجد غضاضة فى اتيان كل وسيلة من شأنها علو المتبوع لاعتقادها أن فى علوه علوا لها ، وأن فى هلاكه هلاكها ، وهى طائفة لاتغادر متبوعها ولو هجره كثير من الاتباع
وهذه الفئة هى الأخطر على المتبوع ، فهى التى تصور له أنه الملهم ، وأنه الأعظم ، وأنه الزعيم ، وان البشرية لن تنجب مثله ، ثم تبدأ فى أن تخلع عليه صفة الربوبية والقداسة ، فترهب من ينقده ، وتنهش من يتجرأ على مقامه ، فيجد المتبوع له كل أمر مطاع ، وكل نهى مستجاب ، فيخيل اليه صحة هذه المزاعم ، فيبدأ بالاستخفاف بغيره وبعقولهم ، ، فيجب أن يرون مايرى ، وأنه الذى يهديهم سبيل الرشاد ، فان لم يروا مايرون فهم من خصومة الناكرين لفضله ، والغير مدركين لمواهبه
وثانيها : وهى الأقل اخلاصا لارتباطها بالمتبوع ارتباط المصلحة ، فان انتفت المصلحة هجرت متبوعها لتبحث عن غيره ، فارتباطها بمتبوع يدور مع هذه المصلحة دوران العلة مع المعلول
وثالثها : وهى التى تشايع المتبوع قناعة بما أداها اليها عقلها ، وهى فئة تزيد وتنقص بحسب قدره المتبوع ، فان كان المتبوع على حق كانت هذه الفئة فى زيادة ، وأن كان غير ذلك انحسرت هذه الفئة بحسب درجات عقولها ، فمنهم يدرك سراعا كذب المتبوع وخداعه ، ومنهم من يظل مخدوعا بمتبوعه لمدة غير قصيرة حتى يبين له الخبيث من الطيب
فان اراد الله خيرا بمتبوع كانت هذه الفئة هى الغالبة ، وهى التى تعينه على الخير وتأمره به ، وتنهاه عن الشر ، وتنصح له ، وان اراد به غير ذلك قيض له أتباعا فاسقين يوردونه ويوردون أنفسهم موارد التهلكة
نظرة القانون للتابع
من اللافت للنظر أن القانون المدنى نظم علاقة التابع والمتبوع ضمن حالات المسئولية عن الغير ، وأدرج هذه التبعية ضمن علاقات منها القصر ، أو نقص الحالة العقلية ، أو الجسيمة ، أو عدم البلوغ فدل ماتقدم على نظرة المشرع للتابع
هل التبعية خير كلها أو شر كلها ؟
التبعية على الوجه الأعم افة تصيب العقل فتعدمه ، أو تقلل من تأثيره وفعاليته ، وبهذا القدر تدور بين الخير والشر ، فان كانت التبعية لمدرسة علمية نافعة ، أو مدرسة دينية مستنيرة كانت خيرا ، وان كانت غير ذلك فهى شر كلها
وأخطر التبعية هى عبادة الشخص والايمان بكل قول له ، وتصديق كل فعل ، فلايزن قول المتبوع بميزان العقل ، ولايعرضه على المنطق ، فيسلم به ، وكان المتبوع يفكر نيابة عنه ، فالغاء العقل فى الاسلام جريمة
المتبوع والتابعين
تضمنت ايات القران أن الله يحشر المتبوع وتابعيه معا ، تجد ذلك فى قوله تعالى عن فرعون ( يقدم قومه فأوردهم النار ) ، كما يحشر الله المجرمين جماعة ، ويحشر المتقين جماعة ، ويحشر الشيطان وأتباعه جماعة
حوار المتبوع والتابعين
اذا كان المتبوع قد ضيع الأمانة ، ولم يؤدها بحقها وتمامها ، وخدع أتباعه حشره الله معهم فى جهنم ليدور بينهم حوار رائع ، يبدأ التابعين بقولهم (( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا فى أصحاب الجحيم )) ، ثم يبدأون فى القاء اللوم على متبوعهم ، ويطلبون من الله أن يصليه ضعفين من العذاب ، وأن يلعنه لعنا كبيرا ، فيجيبهم الله بأن لكل ضعف
وهل يعدم المتبوع وهو من كان يملك سحر البيان على اتباعه فى الدنيا حجة فى الاخرة ، فيرد على أتباعه بأن طبيعتهم هى التى سولت له أن يسخرهم ، ثم يلعنهم كما لعنوه ، فيرد التابعون مجددا بأن مكر الليل والنهار اذ كان يأمرهم بما يأمرهم به ، فيعقب عليهم المتبوع فى حجة ترد على حجتهم ، ثم يظلون فى جهنم يتلاومون ، ويطلبون من الله أن يعيدهم الى الدنيا ليكونوا من المتبوعين لا من التابعين ، ويعلم الله تعالى أنهم لو عادوا لردوا الى ذات ماكانوا عليه ،،، فاللهم لاتجعلنا تابعين لأحد ، وأحفظ علينا عقولنا التى نميز بها من المتلاعبين بالعقول بزخرف من القول غرورا ، واحشرين اللهم مع المتقين الذين قلت فيهم ( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين )) صدق الله العظيم