اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
خالد عبد اللطيف
التاريخ
8/11/2007 4:47:57 AM
  حد الردة بين الشريعة و القانون       

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"ان الدين عند الله الاسلام"

 الملاحظ فى هذه الايام ان من اراد ان يحلل شىء لا يرى الا الاحاديث المشكوك فيها دون الاحاديث الصحيحة ،  و يتناسى مع ما شرعه الله و رسوله بداية نسأل انفسنا لماذا قال المفتى ذلك , الاجابة لانه يخشى على منصبه و قال عمرو خالد مثل هذا الرأى الجاهل بحرية المسلم فى تعيير دينه بتفسيره الخاطىء "لا اكراه فى الدين" ليكون داعية عصرى عند حسن ظن الغرب ـ رغم ان الاية واضحة جدا اننا لا نكره غير المسلم على اعتناق الاسلام و سبب نزول الاية هو ان رجل من الانصار كان له ولدان تنصرا قبل هجرة النبي (ص) الى المدينة  ولم يدركا الاسلام ، و لما اراد ابوهما ان يدخلهما الاسلام بالاكراه رفضا و نزلت الايه الكريمة (راجع نفسير القران لابن كثير و محمد على الصابونى فى صفوة التفاسير الاية 255 و 256.سورة البقرة

:مشروعية الحد

المراجع فى حد الردة كثيرة اشهرها ان ابى بكر الصديق حارب المرتدين من اجل ردتهم و اتباعهم المتنبين مثل مسيلمة والعنسى و كذلك راجع الحد على الفاسق الذى يجلد ولا تقبل له شهادة ليوم الدين كذلك الزانى المحصن يرجم حتى الموت كذلك شارب الخمر يجلد والمرتد الكافر مطلوب ان نقول له روح يا وحش ؟؟؟؟؟؟ 

:والسؤال لماذا يجب قتل المرتد ؟:

المرتد يزعزع كيان المجتمع بلا شك بردته والامثلة كثيرة فى عصرنا :

 ـ كان هناك سيدة تدعى فيبى عبد المسيح منصرة قبطية نظاهرت بانها اسلمت و تسمت باسم ناهد متولى و بعد فترة ارتدت و اقامت موقع لها على النت و قالت فيه على الاسلام ما قالت و هى اصلا المساعد الاول لزكريا بطرس الذى يسب الاسلام فى قناة الحياة .

 ـ محمد حجازى و زوجته و صورة لهما مع صورة من صور النصارى مسنفزة لمشاعر المسلمين ، لو كان ايمانه فى قلبه كما يقول البعض ، لماذا هذه الضجة و الصحف والصور و كأنه لا يحلو له قراءة الانجيل الا فى الصحف ، اليس الهدف هنا  زعزعة ايمان المسلمين .

 ـ ارجعوا يا سادة الى تاريخ زوال الاسلام من الاندلس والهند ( راجع كتاب الشيخ رحمة الله الهندى اظهار الحق ) ستجد ان حد الردة بسبب عدم اقامته تنصر من الهند خلق كثيرين و  انضم المرتدين الى الهندوس و الانجليز بعد ان صار المسلمين اقل من الهندوس و انتهى الامر الى انهم اجبروا الكثير من المسلمين بالاكراه على الارتداد و اذلوا من بقى على الاسلام .

 ـ لماذا فى التجسس نعتبر الامر خيانة و نطلب الاعدام لانه خرج عن نظام المجتمع فالحرية فى اختيار الدين اولى منها الحرية فى اختيار الوطن اى  لو طبقنا هذا المبدأ نوقف حبس الجاسوس فهو حر فى اختيار وطنه مع العلم ان المرتد مثل الجاسوس كذلك راجع الحد على الفاسق الذى يجلد ولا تقبل له شهادة ليوم الدين كذلك الزانى المحصن يرجم حتى الموت كذلك شارب الخمر يجلد والمرتد الكافر مطلوب ان نقول له متعملش كده تانى او كخ يا حبيبى " .

 ـ الكل يقول ان واحد او اثنين لا يفرق كثيرا ، و اقول لا والله انها لمسألة خطيرة لماذا ؟ لان المليون يبدأ من واحد و ينتهى بالمليون و بفرض لو ان مليون صاروا مثل حجازى و تبعه اخرون لاصبح لدينا اعداد  تتزايد ثم تطلب الانقسام و ما ادرانا ربما يطلبون البلد نفسها و ما ادراك كم واحد ممكن ان يرتدوا اذا لم يجد المرتد الجزاء الدنيوى بالحد سيصبح الامر خطيرا جدا .

 ـ بعض المتحزلقين يقولون ان ميثاق الامم المنحدة يقول كذا و هؤلاء اشفق على جهلهم بسبب ان الوقت الذى اهدرته فى مطالعة ميثاق الامم المتحدة كنت اقرأ من باب اولى كتاب فقه السنة فى حد الردة و كتاب البخارى فصل المرتد ، ان الغرب ليس له هم الا محاربة الاسلام بالامس القريب شككوا فى الحجاب ارجع للفتاوى لن تجد فتوى واضحة فى الحجاب لان اغلب كبار المسئولين فى الدولة نسائهم غير محجبات فكيف سيقول المفتى ان الحجاب فريضة  ومن قبل كان الخلاف حول الجهاد و اليوم حد الردة ولا تنسى انهم شككوا فى السنة والاحاديث و قالوا ان سيدنا ابو هريرة كذا وكذا لاخره ، ادخلوا منتدى الكنيسة القبطية و انظر ما يقول المرتدين و غيرهم على النبى (ص) و نسائه و ما يكتبون من سجع على وزن القران و يسخرون من القران بكلام بنبى لسانى على ذكره .

 ـ نحن المسلمون هل نجرؤ ان نتدخل و نتكلم فى عقيدة النصارى او اليهود و ان نحاول ان نعدل دينهم وان نجيز للمسيحى التعدد فى الزوجات  كلا ، انظر ماذا فعل النصارى عند اسلام وفاء قسطنطين هاجوا لماذا لانهم يا سادة لا يعتقدون كما تعتقدون ، ان من يترك دينهم يقتلوه غيرة على دينهم ـ رغم انه لا يوجد لديهم نص يبيح قتل المرتد لكن الكنيسة تتعامل معه بطريقتها التى تحافظ بها على دينها ، بمنطق الخوف على المجتمع المسيحى .

 ـ ان مواثيق الامم المتحدة وضعت لنطبق علينا نحن فقط ، و لو كان واضعوه يؤمنون به لماذا لم يمنحوا المسلمون فى فرنسا حرية الحجاب و لماذا سكتوا على التطهير العرقى فى يوجوسلافيا و كم مسجد فى امريكا و اوروبا ، فهم وضعوا المواثيق لتبديد و تفتيت المسلمين و اذا كان هناك من يميل لحرية تغير العقيدة هل يقبل ان يغير احد اقاربه ابنه وابنته  دينه ؟

 ـ اننا ابتلينا فى ديننا بعلماء يرغبون فى عرض الدنيا ابتغاء رضاء الحكام و التطلع للمناصب .

 ـ لابد ان يوضع هذا الحد حتى لا يصبح الاسلام لعبة يعتنقه الفرد اليوم فقط وبكره يبقى مسيحى ولو الهندوس دفعوا اكثر يبقى يعبد البقر لانه قريبا جدا ستجد دعاوى قضائية من مسيحين فى الاصل اسلموا بهدف معين و هو ان يرتدوا فجأة لدينهم و يقيموا دعاوى قضائية جملة واحدة بهدف زعزعة ايمان من بقى على الاسلام تذكروا كلامى هذا جيا جدا جدا جدا .

اين يوضع حد الردة لو نص عليه ؟ :

اقترح ان يوضع فى قوانين الاحوال الشحصية لانه مسألة تخص المسلمين وحدهم مثلها مثل الطلاق و النفقة وغيرها و يوضح فيه ان من يعتنق الاسلام لا يكره على ذلك ، وان العقد بيننا وبينه اذا رغب فى الدخول فى الاسلام نحذره ان هناك حد ردة يقام عليه اذا ارتد سيقتل .

 فارجعوا الى الله ولا تموتن الا وانتم مسلمون .

خالد عبد اللطيف

 


  مستخدم محذوف    عدد المشاركات   >>  20              التاريخ   >>  11/8/2007



وجهة نظر أخرى

لاعقوبة على المرتد

هذا البحث القيم منقول

 

عن حد الردة وحكم المرتد

 

 


هذا الموضوع كان أحد المواضيع التي شغلتني منذ فترة، وكان الوصول إلى حل واضح ونتيجة محددة فيه هو الدافع وراء بحثي فيه وقراءتي لما كتب عنه من كل الأطراف وفي جميع الاتجاهات. وما يلي هو ما توصلت إليه بعد طول قراءة في الموضوع، مع الأخذ في الاعتبار بأن ما سيأتي هو تجميع لأقوال العديد من العلماء مع صياغتها بطريقتي وبأسلوبي، أي أنني لن آتي بجديد أو غريب، وإنما كل ما سأقوله هنا قاله عالم أو جاء في كتاب فقه.

ومن الجدير بالذكر قبل البدء في الموضوع أن غالبية مادة هذا الموضوع جاءت من الكتاب القيم (في أصول النظام الجنائي الإسلامي) للدكتور محمد سليم العوا.

ولنبدأ في الموضوع والذي يبحث في حكم الردة في الإسلام، ومحاولة الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح من بين ثلاثة آراء تم الاختلاف حولها. الرأي الأول يقول بأن الردة عقوبتها عقوبة حدية وهي القتل، حيث لا يجوز تغيير أو تخفيف هذا الحد بأي حال من الأحوال، فمتى حدث الفعل وجب الحد.

الرأي الثاني يقول بعقوبة الردة عقوبة تعزيرية وأنها ليست بحد ثابت، مع التسليم بتجريمها وإنزال العقوبة على مرتكبها.

الرأي الثالث يقول بأن الردة ليست مجرمة في الإسلام، وليس لها عقوبة لا حدية ولا تعزيرية.

هذه هي الآراء الثلاث التي يدور حولها حكم الردة، مع الأخذ في الاعتبار أن الحديث ينصب على الردة المجردة والتي لا تشمل محاربة الله ورسوله والمسلمين، فهذه الحال مجرمة بالاتفاق وينطبق عليها في كل الأحوال عقوبة حد الحرابة.

لهذا فلنبدأ في البحث ولننظر أولا في الأدلة التي تساق للتدليل على وجود حد للردة. فإذا بدأنا بالقرآن لوجدنا أنه لا توجد فيه أي آية تشير إلى وجود عقوبة دنيوية تم تطبيقها من قبل السلطة الشرعية على المرتد، وإنما كل الآيات التي تتحدث عن الارتداد والمرتدين إنما تتوعدهم بالعقاب الشديد في الآخرة، ماعدا الآية 74من سورة التوبة والتي تتضمن وعيدا بالعذاب في الدنيا والآخرة. وكل هذه الآيات إنما تتحدث عن عقاب الله للمرتدين، ولكنها لا تذكر أي عقاب دنيوية يطبقه الحاكم على المرتد. وعلى كل الأحوال فلا أحد يأخذ من آيات القرآن دليلا على وجوب حد الردة.

 

 

__________________

 

 

أما من السنة النبوية سواء القولية أو الفعلية فعليها التركيز ومنها تؤخذ النصوص والأفعال النبوية والتي يتم التأكيد بها على وجوب حد الردة. ولنبدأ بعرضها أولا.

*
روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". وقد روى هذا الحديث أيضا أبو داود في سننه، والإمام مالك في الموطأ وغيرهم

*
ما صح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين المفارق للجماعة"
*
حديث المحاربين من عكل وعرينة حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه: "أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا، فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ قالوا: بلى. فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأُدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا". وفي بعض الروايات أنه كان للإبل "رعاة" وأن العرنيين قتلوهم ومثلوا بهم.

هذه هي الأحاديث التي يؤخذ منها حد الردة، وهي الأحاديث التي لو جمعنا فهمها فهما صحيحا إلى بعض الأحاديث الأخرى مع آيات القرآن الكريم، لوجدنا أن القول بوجوب حد للردة هو قول ضعيف لا يقوى أمام التمحيص والنظر السليم.

فبالنسبة لحديث المحاربين من عكل وعرينة فالرأي السائد بين الجمهور هو أن النفر من عكل وعرينة لم يقتلوا لمجرد الردة، وإنما قتلوا لكونهم محاربين. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "هؤلاء قتلوا مع الردة، وأخذوا الأموال، فصاروا قطاع طريق، ومحاربين لله ورسوله".
فلا يمكن بحال من الأحوال أخذ هذا الحديث كدليل على وجود حد للردة، فإن هؤلاء لم يقتلوا بسبب الردة وإنما بسبب الحرابة، والحد الذي تم تطبيقه هنا هو حد الحرابة لا حد الردة.

وحديث "لا يحل دم امرئ مسلم.." يتخذ منه الكثيرون أيضا دليلا على حد الردة، من حيث أن أحد أسباب إباحة دم المسلم تركه للدين. على أن هذا الرأي غير مسلم به، ففي رواية لهذا الحديث ما رواه أبو داود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان، فإنه يرجم، ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسًا فيقتل بها "
ويعلق ابن تيمية على هذا الحديث فيقول أن المروق من الدين والمفارقة للجماعة لا يكون بمجرد الردة ولكن بالمحاربة وقطع الطريق، وهذا ما يتضح وتؤكده رواية الحديث التي رواها أبو داود.

يتبقى بعد هذا حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، وهو الحديث الأساسي الذي يؤخذ منه حكم حد الردة. وهو حديث وإن كان ظاهره يوحي بأن عقوبة الردة عقوبة حدية، إلا أن النظر السليم فيه يجعل الرأي يختلف، حيث أن هناك من القرائن المرتبطة بالموضوع ما تصرف الأمر في الحديث من كونه أمرا عن طريق الوحي واجب النفاذ إلى معان أخرى

 

 

وقبل أن نخوض في هذه القرائن وجب أن نوضح أمرا هاما، وهو أن الفقهاء قد قسموا تصرفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأوامره إلى قسمين: قسم بالرسالة والفتيا، وقسم بالحكم والإمامة. فقسم الرسالة والفتيا وجب فيه اتباع تصرفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأوامره اتباعا دينيا ينبع من كون الرسول (صلى الله عليه وسلم) مبلغا عن ربه. أما قسم الحكم والإمامة فقد كان تصرف الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأمره مما يندرج تحت ذلك القسم هو ما فعله بصفته حاكما سياسيا للدولة وليس كرسول مبلغ عن ربه عن طريق الوحي. وفي هذا القسم فلا يجب الاتباع ولا أخذ الأوامر أو النواهي الواردة تحته على سبيل الإلزام. ومن أشهر الكتب التي تحدثت في هذا الموضوع هو كتاب الإمام القرافي المالكي (الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرفات القاضي والإمام).

وهناك العديد من الأمثلة التي ضربها الفقهاء واختلفوا حولها، هل هي بالفتيا أم بالإمامة. وسنذكر مثالا واحدا منها منعا للتطويل، وهو قوله (صلى الله عليه وسلم): "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق". فقيل أن هذا تصرف بالفتيا، فكل من أحيا أرضا ميتة فهي له يملكها بلا توقف على إذن إمام أو حكم حاكم، وقيل هو تصرف بالإمامة فلا تملك الأرض الميتة بالإحياء إلا إذا أذن الإمام في ذلك أولا.

وهناك العديد من الأمثلة الأخرى والتي لا مجال لسردها كلها الآن، ولكنها تبين في وضوح أن ما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليس كله تشريعا لازما للأمة في كل حين، بل منه ما هو كذلك، وهو الأغلب، لأن وظيفته الأولى هي التبليغ، ومنه ما هو قضاء وحكم بنى على ما قام عنده من الدلائل والبينات وهي وقائع جزئية يشير إليها الفقهاء كثيرا في مناقشاتهم بقولهم: (قضية عين لا عموم لها). ومنه ما بني على المصلحة التي قامت في زمنه (صلى الله عليه وسلم)، وهذا يجب أن يتبع المصلحة ويجور معها، فما حقق المصلحة أجريناه وما عارضها أو ألغاها توقفنا عن إجرائه وإلا كنا مخالفين للأمر الرباني بطاعة رسول الله، فإن طاعته – على الحقيقة – في أن نسلك سبيله التي سلكها، فندير هذا النوع من الأحكام على المصلحة.

لهذا فإذا نظرنا إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من بدل دينه فاقتلوه" وجدنا أن القرائن كلها تشير إلى أن هذا الأمر ليس أمرا دينيا واجب النفاذ في كل الأحوال وفي كل الأوقات، ولكنه أمر سياسي بني على واقع محدد، وهو أن ترك الإسلام في ذلك الوقت كان غالبا ما يرتبط بالخروج على الإسلام ومقاتلة أهله، فكان من يخرج من الإسلام يخرج عليه ويحاربه في ذات الوقت، لهذا كان قتله واجبا. وهذا المعنى يؤيده رواية أبي داود لحديث ما يحل دم المسلم به، حيث كانت الثالثة هي " ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسًا فيقتل بها".

ويؤيد هذا المعنى أيضا ما يأتي:

أولا: أن الأحاديث التي ورد فيها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتل مرتدا أو مرتدة أو أمر بأيهما أن يقتل لا تصح من حيث السند، وقد أورد هذه الأحاديث الشوكاني في نيل الأوطار وبين ضعف إسنادها جميعا. ومن ثم فإنه لا يثبت أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عاقب على حد الردة بالقتل.

ثانيا: ما رواه البخاري ومسلم ‏أن أعرابيا بايع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على الإسلام فأصاب الأعرابي ‏ ‏وعك ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏فجاء الأعرابي إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله ‏‏ أقلني ‏‏ بيعتي فأبى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ثم جاءه فقال ‏‏ أقلني ‏‏ بيعتي فأبى ثم جاءه فقال ‏‏ أقلني ‏‏ بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنما ‏ ‏المدينة ‏ ‏كالكير ‏ ‏تنفي ‏ ‏خبثها ‏ ‏وينصع ‏ ‏طيبها.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر والإمام النووي نقلا عن القاضي عياض وغيره من العلماء أن الأعرابي كان يطلب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إقالته من الإسلام. فهي حالة ردة ظاهرة، ومع ذلك لم يعاقب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الرجل ولا أمر بعقابه، بل ترك يخرج من المدينة دون أن يعرض له أحد.

ثالثا: ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "‏كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ ‏ ‏البقرة ‏ ‏وآل ‏ ‏عمران ‏ ‏فكان يكتب للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري ‏ ‏محمد ‏ ‏إلا ما كتبت له ‏ ‏فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد ‏ ‏لفظته ‏ ‏الأرض.." الحديث. ففي هذا الحديث أن الرجل تنصر بعد أن أسلم وتعلم سورتي البقرة وآل عمران ومع ذلك فلم يعاقبه النبي (صلى الله عليه وسلم) على ردته.

رابعا: ما وردت حكايته في القرآن الكريم عن اليهود الذين كانوا يترددون بين الإسلام والكفر ليفتنوا المؤمنين عن دينهم ويردوهم عن الإسلام، قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (آل عمران:72) وقد كانت هذه الردة الجماعية في المدينة والدولة الإسلامية قائمة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) حاكمها، ومع ذلك فلم يعاقب هؤلاء المرتدين الذين يرمون – بنص القرآن الكريمإلى فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عنه.

 

 

 

 

فهل مع وجود كل هذه الأدلة التي سبق سوقها يمكننا القول بأن عقولة الردة هي القتل حدا، أو القول بعقاب المرتد من الأساس؟ وهل يمكن أن يخالف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حدا من حدود والله ويقوم بتعطيله ولا ينفذه؟

إن هذا الفهم للحديث المذكور كان موجودا عند الصحابة والتابعين وعند العديد من علماء السلف، فهو ليس فهما جديدا ولا مستحدثا. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يسمع عن النفر من بني بكر بن وائل أنهم قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، ويسأله أنس رضي الله عنه عما يكون صانعا بهم لو أخذهم، فيقول عمر: كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن.

فهذا عمر بن الخطاب قد فهم أنه ليس للردة حدا واجب النفاذ، وكان يرى جواز عقاب المرتد بالسجن فقط. مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الذي ارتدوا لم يكتفوا بالارتداد بل لحقوا بالمشركين أيضا، وهو ما يؤكد ما أكدنا عليه من قبل أن الارتداد لم يكن موقفا عقليا فكريا فقط بل كان مع ذلك موقفا فعليا بترك المسلمين والانضمام لأعدائهم.

ومن الآثار المروية عن عمر بن عبد العزيز أن قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلا حتى ارتدوا، فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إليه عمر أن رد عليهم الجزية ودعهم.

ومن آراء التابعين رأي إبراهيم النخعي في المرتد أنه يستتاب أبدا. وقد رواه عنه سفيان الثوري وقال: هذا الذي نأخذ به.

ومن ذلك ما يورده الأحناف من قيد على حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، حيث يرون أن المرتدة لا تقتل، وأن الحديث مقصور على المرتد من الرجال دون من ترتد من النساء. وقد علل الحنفية ذلك بأن المرأة لا تقاتل، وبأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد نهى عن قتل النساء، والنهي عام فيجري على عمومه ليشمل المرتدة.

فعلة قتل المرتد عند الأحناف أنه قد يقاتل المسلمين مع الكفار أو المشركين فلذلك يقتل، أما المرأة فليست من أهل القتال فلا تقتل. أي بعبارة أخرى فإن الأحناف يرون بهذا الرأي أن المقصود من هذا الحديث هو المرتد المحارب للإسلام وليس من يقتصر ارتداده على تحويل العقيدة فقط. ولكن لأن الارتداد كما قلنا كان مرتبطا بمحاربة الإسلام والمسلمين فلم يتم التفريق بين المرتد المحارب والمرتد غير المحارب

 

 

 

 

وللدكتور عوض محمد عوض رأي منطقي مفصل في هذا الأمر، رأيت أنه من جماله أن أنقله لكم كما هو من كتاب الدكتور سليم العوا. يقول الدكتور عوض: "ونرى أن المنهج السليم يفرض علينا البدء بتحرير الموضوع قبل الخوض في تفاصيله؛ لأن كثيرا من وجوه الخلاف مردها إلى اللبس في فهم المراد بمصطلح الردة. والردة التي يتعين البحث في حكمها هي الردة المحضة، أي مجرد الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين . أما الخروج على الإسلام، سواء باللحاق بأعدائه، أو بالتشنيع عليه والكيد له، أو بالتغرير بالآخرين واغرائهم بالخروج منه فليس من طبيعة الردة ولا هو من لوازمها. والبحث في مدى جواز العقاب على هذه الأفعال يخرج عن نطاق البحث في موضوع الردة، وإذا وجب العقاب على هذه الأفعال فلا شأن لذلك بحرية الاعتقاد، وانما هو من باب السياسة الشرعية.

والذي نراه أن الحديث عن حرية الاعتقاد وتصنيفها ضمن مجموعة الحريات التي تنص الدساتير والتشريعات المعاصرة على كفالتها، فيه قدر من المجاز والتسامح، ذلك أن الاعتقاد بطبيعته لا يكون إلا حرا. واذا لم يكن له في التصور المجرد إلا حال واحدة فلا معنى لسلكه في عداد الحريات العامة ووضعه في صعيد واحد مع حرية التعبير وحرية التنقل وحرية العمل ونحوها، فهذه الحريات يمكن أن تكفل وأن تسلب أو تقيد، بل الحرية الكبرى، وهي اللصيقة بصفة الإنسانية، تعرضت للانكار والسلب لفترات طويلة من التاريخ، استرق الإنسان فيها أخاه، وأسقط عنه صفة الإنسانية، وأحاله (شيئا).

إن الحرية من خصائصها القابلية للسلب والتقييد، أما ما لا يقبل أن يسلب من الإنسان أو يقيد فلا يصح وصفه بأنه حرية، وإنما هو فطرة وجبلة، والاعتقاد - ومثله التفكير - من هذا القبيل، فالعقيدة فكرة ترسخ في النفس، وتصمد في وجه كل عوامل النفي، وتسمو إلى مرتبة المسلمات، وهي تبلغ هذا المدى إما لقبولها ابتداء باتباع وتسليم، أو بعد تمحيص واقتناع؛ ولأن الاعتقاد حالة باطنية وليس حركة عضوية فإنه يستعصي على الإرغام.

ومن هنا فنحن نرى أن قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة :256) هو خبر قبل أن يكون حكما، أو هو حكم معلل بالواقع . فالاعتقاد - لكونه اختيارا حرا - يستعصي على الإجبار، ومتى تبين الرشد من الغي فلكل امرئ أن يختار لنفسه مايشاء؛ ولأن الأمر هكذا فلا يجوز لأحد أن يكره غيره على الدخول في أي دين، كائنا ما كان، أو على البقاء فيه؛ لعدم جدوى هذا الإكراه. وإذا صح فهمنا للنص القرآني على هذا الوجه، جاز لنا القول مع الباحث بأنه لا يقبل النسخ؛ لأن النسخ لا يرد على الأخبار.

وقد وردت في القرآن الكريم إشارات عديدة تؤكد المعنى الذي فهمناه، ونكتفي هنا بالاستشهاد بآيتين غنيتين بالدلالة. قال تعالى في سورة الأعراف {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (الآية 88). وقال تعالى في سورة هود على لسان نوح {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (الآية 28).فهذا شعيب يسفه قومه؛ لأنهم يريدون إكراهه هو ومن معه على الخروج من دينه والعودة في ملتهم، ودليله على سفههم أنهم يظنون الإكراه سبيلا للايمان. وهذا نوح يصارح قومه بأن الله قد آتاه بينة من عنده فعرضها على قومه، فآمن من آمن وكفر من كفر؛ ولأنه يدرك حقيقة الدين وطبيعته فقد استبعد إكراه المخالف على الدخول في دينه حثا له في المقابل على الكف عن حمله هو ومن معه على العدول عن دينهم والعودة إلى دين قومهم. ونلاحظ من سياق الآيتين أمرين: الأول: أن كلا منهما ختمت باستفهام استنكاري لا يحتمل غير جواب واحد، وذلك للدلالة على سخف المخاطب الذي يتجاهل الطبيعة البشرية ويتعامى عن المسلمات. والثاني: أن كلا من النبيين الكريمين لم يدلل على فساد منطق قومه بأنه ومن معه على الحق وأنهم على الباطل، بل دلل على فساد منطقهم بالتعجب من أن يكون الإكراه في اعتقادهم سبيلا لحمل إنسان على ترك دين آمن به والدخول في سواه، وذلك بغض النظرعن صحة هذا الدين أو فساده؛ لأن الإكراه ليس من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق هذا الغرض، ومن ثم فإن اللجوء إليه لا يجدي".

 

 

__________________

 

 

وهو يرى أن القرآن الكريم لا يتضمن أي ذكر لعقوبة لجريمة الردة بينما يتضمن عقوبات محددة لجرائم أقل شناعة منها. وأنه لو جاز أن يأمرنا الإسلام بقتل من ينسلخ منه بعد الدخول فيه لوجب أن يكون أمرنا كذلك بقتل من يرفض ابتداء الدخول في الإسلام؛ وذلك لاتحاد العلة وهي الكفر. والتفرقة بين الكفر الأصلي والكفر الطارئ لا تصمد – في رأي الدكتور عوض محمد عوض – للنقد؛ لما تنطوي عليه من تكلف. وهو يؤكد هذا الرأى بقوله: "والحق أن معصية الكفر تختلف عن سائر المعاصي في أنها تقع عدوانا على حق الله الخالص. ونقصد بهذاالمصطلح هنا معنى يختلف عن المعنى المتداول في كتب الفقه والذي يرادف حق الجماعة، فالفقهاء يصفون الزكاة بأنها حق الله، ويعتبرون البر بالوالدين وصلة الرحم وأداء الشهادة واماطة الأذى عن الطريق من حقوق الله، وهذه الحقوق واقع أمرها مقررة للجماعة؛ لأن نفعها عائد إليهم، وانما أضيفت إلى الله من باب المجاز؛ إعلاء لشأنها، وتنبيها لأهميتها، وتأكيدا لوجوب كفالتها. ولهذا كان العدوان على هذه الحقوق موجبا للعقاب الدنيوي عليها؛ لأن هذا العدوان يورث اضطرابا في حياة الناس ويلحق الأذى بهم، فكان العقاب عليه من أجلهم ودفاعا عن مصالحهم. وليس الأمر كذلك بالنسبة لإيمان الناس بالله والتزامهم بعبادته، فهذا من حقوق الله الخالصة التي لا يتعلق بها حق لأحد من البشر.

فليس لأحد من حق في أن يؤمن الآخرون بالله وأن يعبدوه حق عبادته. واذا كان إخلاصنا لله وحبنا لإخواننا في الإنسانية يفرضان علينا هداية الآخرين إلى الله ليظفروا بنعمة الإيمان وجزائه ، فليس لأحد منا الحق في تجاوز حدود الدعوة واللجوء إلى استعمال القوة التي تصل إلى حد القتل لحمل الآخرين على الإيمان بالله، إلا أن يكون ثمة نص قطعي الثبوت والدلالة يفوضنا - نيابة عن الله – في قتل من يرفض الإيمان أو من يخرج منه بعد الدخول فيه. وليس لهذا النص وجود؛ ولا نتصور أن يكون له وجود، ذلك أن الله لو شاء أن يحمل الناس جميعا على الإيمان لفعل ، هذا ما يصرح به النص القرآني: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } (يونس:99). تأمل طلاقة القدرة في قوله تعالى:{ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}. وإذا كان الله قد أراد لنا أن نختار بملء حريتنا بين الإيمان والكفر، ونهى رسوله عن حمل الناس على الإيمان به كرها، فكيف يقبل عقلا أن يفوضنا في قتل من يرتكس في الكفربعد إيمانه. والله ، بعد، غنى لا يزيد في ملكه أن يعبده الناس، ولا ينقص من ملكه أن يكفروا به، { وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (إبراهيم:8).

إذا كان الله لم يحرم أحدا من خلقه من عطاء الربوبية، فوسع ملكه البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وكان قادرا على أن يعطل الأسباب فلا تستجيب لمن كفر، وكان قادرا على إزهاق روحه، بل على ألا يخلقه ابتداء، فكيف نضيق بمن لم يضق به ربه في ملكه، وكيف نزهق حياة من منحه ربه الحياة بدعوى بدعوى أنه لا يؤمن به، وكأننا أغيرعلى دين الله من الله .

ومما يدعو إلى الحيرة أن في القرآن إشارات كثيرة تدل على أن عقاب المرتد موكول إلى الله في الآخرة ، أما في الحياة الدنيا فلا عقاب عليه لمجرد ارتداده، ولا ندري لم لم يلاحظ كثير من الفقهاء دلالة هذه الإشارات.

وأخيرا فإن القائلين بوجوب قتل المرتد أو بعقابه بما دون ذلك لا ينصرون الإسلام كما يظنون؛ فلا فائدة للإسلام ممن أضله الله بعد إذ هداه، ولا خير للاسلام فيمن أبطن الكفر وأظهر الإسلام تقية مخافة العقاب؛ فمثل هذا ضرره أكبرمن نفعه، وإن الإسلام لا يعنيه الاستكثار من المنافقين، وانما ينتصرفحسب بالمؤمنين الصادقين، وإذا كان الإسلام يذم النفاق ويحذر المؤمنين من كيد المنافقين، فكيف يصح لنا أن نصنع بأيدينا وأن نقيم بين أظهرنا فئة من المنافقين، خرج الإسلام من قلوبهم، وأخرس خوف العقاب ألسنتهم، فغم علينا أمرهم، نحسبهم معنا وهم يد علينا، يضمرون للإسلام الشر ويتربصون به الدوائر؟ وهذا بالضبط ما يؤدي إليه تقرير العقاب على الردة، فليس من شأن التهديد بالعقاب عليها حمل المرتد على الرجوع إلى الإسلام، وانما شأن التهديد بالعقاب جعله منافقا يظهرالإسلام ويبطن الكفر، وحكمة الله في التشريع تتنزه عن ذلك".

 

__________________

 



  خالد عبد اللطيف    عدد المشاركات   >>  31              التاريخ   >>  11/8/2007



بداية احب ان اخبرك ان الكتور سليم العوا قال انه يجب مصادرة كل كتب احمد ديدات لانه رجل يثير الفتنة .

 مما لاشك فيه ان السنة المطهرة هى المصدر الثانى للشريعة الاسلامية و قد ذكر الكاتب الاصلى للمقال(المنقول وليس الحاجب) ان القرأن خلا من نص صريح فى هذا الحد مثل باقى الحدود مردود عليه ان هناك امور لم ترد فى القران انما ترك امرها للسنة و ذلك من باب الحث على طاعة النبى (ص) فما امرنا به النبى نأخذه و ما نهانا  عنه نتجنبه فمثلا كلنا نؤمن بقدوم قتنة المسيخ الدجال رغم انه لم يرد نص به فى القران و كذلك الصلوات الفجر ركعتين و الظهر اربعة هل عندكم شك فى صحة ذلك رغم انه لم يرد فى القران اذن من يؤمن بالسنة اما ان يأخذها كلها او يتركها كلها والسند الذى نتفق عليه هو الحديث الصحيح فى البخارى و المسند بان دم المسلم لا يحل الا بثلاث منها المفارق لدين الجماعة .

هل يوجد نص فى السنة يخالف هذا الحديث نص على ان المرتد لا يقتل ؟؟؟؟؟

اخى العزيز صدقنى انهم يريدون ان يفضوا الاسلام عروة عروة بالامس البعيد كان الجهاد و بعده الحجاب و اليوم الردة و غدا ما ادرانا ربما يحلون الزنا .

تقبل تحياتى و اشكرك من قلبى .

خالد عبد اللطيف



  ahmedms    عدد المشاركات   >>  74              التاريخ   >>  11/8/2007



لا فض فوك وهنيئا لنا هذه الوجبة الشهية من أبحاثك  يا أستاذ خالد

وكما أشرت فى البداية أن المفتى او غيره من هؤلاء الشيوخ يخافون على مناصبهم, نعم اوافقك على ذلك ولكن مثل هؤلاء الشيوخ واهل العمم والمفروض انهم رموز العلم الدينى نقتدى بهم فى امور ديننا وهم الذين يجب عليهم ألا يخافوا فى الحق لومة لائم

مثل هؤلاء هم أشد خطرا على الدين الإسلامى من الجهلاء الذين يفتون بغير علم, فأهل العلم بهذه المقولات يفتنون الناس فى دينهم ويشككون  الناس فى دينهم ويلعبون فى جوهر الدين الإسلامى الحنيف, وأعتقد ان مثل هؤلاء يكون عقابهم مثل عقاب المنافقين فى الدنيا والآخرة

اللى مصبرنى أن هذا الدين الحنيف مر فى مختلف العصور السابقة بمحن أشد وطأة من الآن ولكنه نفض عن كاهله مثل هؤلاء ويرجع مثل ما كان


أحمد محمود جمعة 

 

بسـم الله الرحمن الرحيم

"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"


  ابن القانون    عدد المشاركات   >>  1              التاريخ   >>  12/8/2007



قد نختلف مع بعض اراء فضيلة المفتى او غيره لكن نحترمه ونوقره ولا نلقى باتهامات لا نملك عليها دليل الا اذا شققنا قلبه   يجب مناقشة الراى المخالف بالحجة والبرهان ووصفه بالخطا  بدلا من وصفه بالجهل للحفاظ على مستوى النقاش    ويجب الاعتراف والقبول بمبدا الخلاف فى الراىوالا فلا نتيجة للنقاش الا التجريح الشخصى وفساد قضية الود


عماني


  مستخدم محذوف    عدد المشاركات   >>  20              التاريخ   >>  12/8/2007



أخى الكريم

البحث اورد عديد من التساؤلا الهامة ينبغي الرد عليها

وأخيرا فإن القائلين بوجوب قتل المرتد أو بعقابه بما دون ذلك لا ينصرون الإسلام كما يظنون؛ فلا فائدة للإسلام ممن أضله الله بعد إذ هداه، ولا خير للاسلام فيمن أبطن الكفر وأظهر الإسلام تقية مخافة العقاب؛ فمثل هذا ضرره أكبرمن نفعه

 وإن الإسلام لا يعنيه الاستكثار من المنافقين، وانما ينتصرفحسب بالمؤمنين الصادقين، وإذا كان الإسلام يذم النفاق ويحذر المؤمنين من كيد المنافقين، فكيف يصح لنا أن نصنع بأيدينا وأن نقيم بين أظهرنا فئة من المنافقين، خرج الإسلام من قلوبهم، وأخرس خوف العقاب ألسنتهم، فغم علينا أمرهم، نحسبهم معنا وهم يد علينا، يضمرون للإسلام الشر ويتربصون به الدوائر؟ وهذا بالضبط ما يؤدي إليه تقرير العقاب على الردة، فليس من شأن التهديد بالعقاب عليها حمل المرتد على الرجوع إلى الإسلام، وانما شأن التهديد بالعقاب جعله منافقا يظهرالإسلام ويبطن الكفر

وحكمة الله في التشريع تتنزه عن ذلك"

وهل الله سبحانة وتعالى يريد أمة من المنافقين  فهم فقط يمكن لهم ان يتجنبوا الحد بقول ما يخالف مايبطنونة   انة ليس حد للردة أنة دعوة للنفاق ومحمد سليم العوا وهو بالمناسبة الامين العام لهيئة علماء المسلمين ليس رجل جاهل يقول مالايعلم وانما هو عالم وقانونى ومحامى يعرف جيدا مايقول

أن الاسلام اقوى من اى نفر وأن الله تعالى قال لا اكراة في الدين  وفي المعنى ايضا لااكراة في الاستمرار في الدين

الاسلام ليس حظيرة  مواشي أن تخرج قطعنا رأسك

الاسلام اقوي  بنفض مثل تلك الفتاوى عنة وهى تشبة فتاوى رضاع الكبير وغير ذلك كما ان الحد دعوة لمخالفة احكام الله فالرجل الذى ارتد وخاف من الحد هو غير مسلم لكننا نسمح لة بزواج  المسلمة وبميراث المسلم

ارجو اعادة التفكير في الامر دون تعصب فالناس في الكثير منهم اسري عادى اكثر من كونهم اسري عيادة.

 



  خالد عبد اللطيف    عدد المشاركات   >>  31              التاريخ   >>  13/8/2007



اخى الكريم الفاضل الحاجب

بداية اشكرك على اهتمامك بهذا الامر و انا مثلك فى هذه المسألة و اعوذ بالله يا اخى ان اكون افتى سواء بجهل او علم فالافتاء كما تعلم لها رجالها و جميعنا تشغلنا هذه المسألة بلا شك لذلك ان ما نقلته فى مقالى كان من مرجع فقه السنة للشيخ السيد سابق و كتاب صفوة التفاسير فى تفسير القران و كتاب تفسير القران العظيم لابن كثير و ليس لكتاب من عندى و قتال ابا بكر للمرتدين ثابت فى التاريخ و ليس من تأليفى اما فتوى ارضاع الكبير لست انا من قالها والائمة الكبار ذات يوم اختلفوا فى امور بعض العبادات و  لقد جاء استنادى لحديث النبى (ص) لا يحل دم امرىء مسلم الا بثلاث و منها كان المرتد المفارق لدين الجماعة هذا حديث صحيح لست انا قائله انما جاء فى البخارى ارجو فى النهاية ان تتقبل رأى بصدر رحب بدون انفعال فكل منا غيور على دينه حفظ الله بلادنا و ديننا من كل سوء .

ولشخصكم الكريم خالص تحياتى

اخيك

خالد عبد اللطيف



  مستخدم محذوف    عدد المشاركات   >>  20              التاريخ   >>  13/8/2007



استاذى الكبير خالد عبد اللطيف

شكرا على حسن ردك

واسمح لى بالمزيد

 
من كتاب الدكتور طه جابر علوانى بعنوان " لا إكراه فى الدين – إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام حتى اليوم"
إقتباسات من الكتاب   
آيات قرآنية تؤكد على حرية الإعتقاد بشكل مطلق بلا تقييد وعام بلا تخصيص كما يذهب البعض
لست عليهم بمسيطر            الغاشية:22
وما انت عليهم بجبار            ق:45
فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب             الرعد:4
ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً             الأنعام 107
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة          النمل 125
ومن الآيات التى تؤكد ان عقاب الإرتداد عن الدين الإسلامى هو عقاب أخروى فقط بلا أى حد :
ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل         البقرة 108
ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون             البقرة 217
إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً  لن تقبل توبتهم    آل عمران 90
كل هذه الآيات وغيرها تؤكد أن المرتد متوعد بالعقاب الأخروى دون ترتيب اى عقوبة دنيوية على فعله ، وكل الآيات صريحة لم تذكر ولا مره واحدة أى حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، ولو كان هناك حد لذكر فى القرآن فى أى من تلك الآيات
 
إذا كانت مبادىء القرآن وهى مبادىء الرحمة قد اكدت على حرية الإعتقاد على نحو عام ومطلق  بلا تقييد للمطلق او تخصيص للعام  ، فلا يعقل ان ننسب للسنة النبوية المطهرة بتفسيراتنا واجتهاداتنا البشرية خلاف ذلك .
 
ولا يجوز القول بالإجماع لأن رأى عمر بن الخطاب عارض حروب الردة
 
ومن وقائع وأخبار السنة قصة صلح الحديبية وما تضمنه من شروط قبلها الرسول (ص)على أن من اتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليهم .) والشرط يدل على موافقة الرسول على ترك المسلم المرتد ليذهب إلى المشركين ، ولو كان هناك فى الدين الإسلامى حد للردة هو القتل لما قبل الرسول أن يتنازل عن تطبيق حد من حدود الله
  

 

.



  خالد عبد اللطيف    عدد المشاركات   >>  31              التاريخ   >>  15/8/2007



استاذنا الفاضل / الحاجب

وجدت انه من الامانة نظرا لاهتمامك ان انقل لك رأيين الاول للاستاذ سليم العوا و الاخر للدكتور القرضاوى و اتتركك تستمتع بالرأيين

قضية الردة.. هل تجاوزتها المتغيرات؟

عقوبة الردة تعزيرًا لا حدًّا

أ. د. محمد سليم العوا

 

د. محمد سليم العوا

تمهيد:

"الردة" لغة تعني: الرجوع، وشرعًا تعني: كفر المسلم بقول أو فعل يُخرجه عن الإسلام (1). والرأي السائد في الفقه الإسلامي يذهب إلى اعتبار الردة جريمة حد، يُعاقب عليها بالقتل؛ أي الإعدام (2).

وجرائم الحدود تجُبُّ عقوباتها كحق لله تعالى (أي لتحقيق مصلحة عامة)، ويجب توقيع الحد كلما ثبت ارتكاب الجريمة الموجبة له، بحيث لا يجوز العفو عنها أو تخفيضها.

ودراسة الردة تقتضي أن نتبين مدى انطباق أحكام جرائم الحدود وعقوباتها عليها؛ لنرى بعد ذلك ما إذا كانت تُعتبر من جرائم الحدود أم لا؟ وما إذا كانت تُعتبر عقوبتها حدًا مقدرًا لا يقبل التغيير؟ أم أنها تدخل في إطار نوع آخر من الجرائم، وتدخل عقوبتها كذلك في إطار نوع آخر من العقوبات؟

ولذلك فسوف نقسِّم دراستنا لهذه الجريمة على نحو يحقق الوصول إلى إجابة عن هذا التساؤل؛ فنبدأ بدراسة النصوص القرآنية في شأن الردة، ثم نستعرض الأحاديث النبوية المتعلقة بها، ونناقش بعد ذلك ما انتهى إليه الفقه الإسلامي، أو الرأي السائد فيه، من اعتبار الردة جريمة من جرائم الحدود، يُعاقَب عليها بعقوبة مقدرة ذات حدٍ واحد، وهي عقوبة الإعدام.

ومن الجدير بالبيان –بادئ ذي بدء– أننا في دراستنا لجريمة الردة إنما نناقش فحسب وضع العقوبة بين عقوبات الحدود أو في نطاق غيرها من العقوبات. أما تجريم الردة، ووجوب فرض عقاب عليها، فهما أمران مسلَّمان، ولا يدخلان بالتالي في نطاق بحثنا.

وبعبارة أخرى فإن السؤال الذي نحاول هنا أن نجيب عنه –مع التسليم بأن الردة جريمة في النظام الجنائي الإسلامي– هو: هل تعتبر العقوبة المقررة لهذه الجريمة من عقوبات الحدود، بحيث ينطبق عليها تعريف هذه العقوبات وتثبت لها خصائصها؟ أو أنها عقوبة أخرى، ليست من عقوبات الحدود، ولها بالتالي خصائصها المستقلة؟ وفي إطار محاولة الإجابة عن هذا السؤال فقط تدور دراستنا لجريمة الردة وعقوبتها.

آيات القرآن الكريم في شأن الردة:

ورد ذكر الكفر بعد الإيمان -أي الردة- في القرآن الكريم في بضع عشرة آية. عبَّر القرآن الكريم في بعضها بلفظ "الردة"، وفي بعضها بتعبير "الكفر بعد الإسلام".

أما تعبير الردة، فقد ورد في قوله تعالى: "… وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 217). وفي قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ" (محمد: 25 – 27).

وأما تعبير الكفر بعد الإيمان، فقد ورد في قوله تعالى: "مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (النحل: 106 – 109). وفي قوله تعالى: "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" (البقرة: 108). وفي قوله تعالى: "كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ " (آل عمران: 86– 90). وفي السورة نفسها نجد قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (آل عمران: 177).

ويرد التعبير بالكفر بعد الإيمان أيضًا في سورة النساء في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً" (النساء: 137). وفي سورة التوبة: "لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ" (التوبة: 66).

ويرد التعبير بالكفر بعد الإسلام في سورة التوبة أيضا في قوله تعالى: "يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (التوبة: 74).

ومن بين هذه الآيات الكريمة نلاحظ أن آية واحدة هي مما نزل في مكة من القرآن الكريم، وهي الآية: 106 من سورة النحل، في حين أن الآيات الأخرى هي آيات مدنية، نزل بها الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة بعد الهجرة، وبعد أن أقام الرسول الدولة الإسلامية، وكان هو حاكمها، وكان الإسلام قانونها الذي يخضع له رعاياها من مسلمين وغير مسلمين بحكم الاتفاق الذي أبرمه الرسول مع أهل المدينة ومواطنيها عند الهجرة، وهو وثيقة أو صحيفة المدينة (3)، وبحكم السيادة الفعلية والقانونية للإسلام في الدولة.

وعلى الرغم من ذلك فإن الآيات الكريمة التي قدمنا نصوصها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتُوقَّع على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة، ويُستثنى من ذلك ما أشارت إليه آية سورة التوبة رقم: 74، التي يتضمن نصها الوعيد بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.

وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الآية لا تفيدنا في تحديد عقوبة الردة؛ لأنها إنما تتحدث عن كفر المنافقين بعد إسلامهم. ومن المعلوم أن المنافقين لا عقوبة دنيوية محددة لهم؛ لأنهم لا يُظهِرون الكفر، بل يخفونه ويظهرون الإسلام. والأحكام القضائية في النظام الإسلامي إنما تُبنى على الظاهر من الأعمال أو الأقوال، لا على الباطن الذي انطوت عليه القلوب أو أسرَّته الضمائر. وفي ذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضيَ له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو يتركها" (4).

وهكذا، فإننا لا نجد في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها. يكفي أن الله سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين بمغفرة الذنوب جميعا، في الوقت الذي توعد فيه من كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا بأنه لن يغفرَ لهم ولن يهديهم سبيلاً. فالردة في حكم القرآن الكريم معصية خطيرة الشأن وإن لم تُفرض لها آياته عقوبة دنيوية.

هل نُسِخَ قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"؟

ومن ناحية أخرى فإن القرآن الكريم يقرر في وضوح أنه "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 256 – 257).

واستنباط عقوبة المرتد أو تأسيسها على فهم بعض الآيات المتقدم ذكرها، التي تبين عقاب المرتد في الآخرة ينافي صريح قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: 256). وقد فطن ابن حزم -رحمه الله- إلى هذا التعارض بين تقرير عقوبة المرتد استنادًا على بعض الآيات التي فيها وعيد المرتدين، وقوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، فذهب إلى أن هذه الآية الأخيرة من منسوخ القرآن، وأن حكمها بالتالي غير محكم. وأن الإكراه مباح في الدين (5).

ولكن دعوة النسخ في هذه الآية غير مسلمة؛ فالنسخ لا يكون إلا بنقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول: "آية كذا نُسخت بآية كذا"(6). و"لا يُعتمَد في النسخ بأقوال عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح ولا معارضة بيِّنة (أي تعارض آيتين)؛ لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد (7).

ولا يُحتج في إثبات نسخ قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، بالأحاديث النبوية الصحيحة، التي فيها ذكر قتل المرتد، والتي سوف يأتي ذكرها؛ إذ إن المقرر في أصول الفقه أن القرآن لا ينسخه إلا قرآن مثله، أو سُنة متواترة، وذلك ما يقول فيه الشافعي: "إنما نُسخ ما نُسخ من الكتاب بالكتاب، إن السنة ليست ناسخة، وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصًا، ومفسرة معنى ما أنزل الله منه مجملاً" (8)، وغير الشافعي من الأصوليين يضيفون السنة المتواترة إلى القرآن (9).

ويقول الإمام الشافعي في الاحتجاج لرأيه: "وفي قوله: "مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي" (يونس: 15) بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه. فكما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه -جل ثناؤه-، ولا يكون ذلك لأحد من خلقه، وفي كتاب الله دلالة على ذلك؛ حيث قال الله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة: 106)، فأخبر الله أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله" (10)، ولمخالفيه ردود عليه ليس هنا محل بيانها (11).

وقد جمع السيوطي -رحمه الله- الآيات التي صح فيها عند العلماء أنها منسوخة وهي إحدى وعشرون آية، وقال: "لا تصح دعوى النسخ في غيرها" (12)، وليس من بين هذه الآيات قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ".

وعلى ذلك فإن قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" محكم غير منسوخ، وهذا هو المتفق مع ما تكرر تقريره في القرآن الكريم من حرية الفكر والرأي والاختيار، على نحو يشعر بأن ذلك من أصول الإسلام التي لا يدخل مثلها النسخ ولا التبديل (13).

ومما يجدر بيانه هنا أن الفقهاء لا يستندون بصفة أساسية إلى آي القرآن الكريم في إثبات عقوبة للمرتد، وإنما مستندهم الأساسي في ذلك هو أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما ترد آيات القرآن الكريم في بحث الفقهاء لعقوبة الردة بيانا لوعيد الله سبحانه وتعالى للمرتد بالعقاب الأخروي. ويقودنا ذلك لبحث حكم الردة، الذي قررته السنة النبوية، في ضوء الأصل الذي سبق تقريره من أنه "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، وفي ضوء الحقائق الأخرى المأخوذة من السنة أيضا، والتي نناقشها في الفقرات التالية.

الأحاديث النبوية في شأن عقوبة الردة:

لا يكاد يخلو كتاب من كتب الفقه الإسلامي من الإشارة إلى بعض آيات الكتاب العزيز تتحدث عن الردة، وما توعد الله عز وجل به المرتد في الآخرة. غير أن الأساس الذي يستند إليه الفقهاء في شأن عقوبة المرتد وكونها من عقوبات الحدود هو بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأكثر هذه الأحاديث تداولا على أقلام الفقهاء وفي كتبهم ثلاثة أحاديث هي:

أ - حديث المحاربين من عكل وعرينة، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

ب - والحديث الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: "من بدل دينه فاقتلوه".

جـ - والحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة".

ونناقش فيما يلي هذه الأحاديث الثلاثة لنرى إلى أي مدى يمكن أن يصح استنباط عقوبة القتل حدًا للمرتد من هذه الأحاديث كلها أو بعضها.

أولاً: حديث المحاربين من عكل وعرينة:

روى هذا الحديث الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه: "أن نفرًا من عكل ثمانية (14) قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا، فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ قالوا: بلى. فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأُدرَكوا فجِيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا" (15). وفي بعض الروايات أنه كان للإبل "رعاة" وأن العرنيين قتلوهم ومثَّلوا بهم.

وقد فهم بعض العلماء من هذا الحديث أن العقوبة التي وقَّعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي العقوبة المقررة للمرتد؛ فكرروا الحديث تحت عنوان "حكم المحاربين والمرتدين" (16)، أو "باب المحاربين من أهل الكفر والردة" (17). وقد أدت هذه العناوين إلى أن يزعم بعض المستشرقين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يكره الناس على الإسلام أول الأمر بتعذيبه من يرتد عنه (18).

أما الرأي السائد بين جمهور العلماء -وهو الصحيح من وجهة نظرنا– فهو أن النفر من عكل وعرينة لم يُقتلوا لمجرد الردة، وإنما قتلوا لكونهم محاربين. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "هؤلاء قتلوا مع الردة، وأخذوا الأموال، فصاروا قطاع طريق، ومحاربين لله ورسوله" (19).

وعلى ذلك فإن حديث العرنيين -أو المحاربين من عكل وعرينة – لا يصح أن يكون مستندًا للقائلين بأن عقوبة الردة هي القتل حدًا؛ لأن جريمة العرنيين لم تكن الردة فحسب، وإنما كانت جريمتهم هي الحرابة؛ ولذلك عُوقِبوا بعقوبتهم. أو عُوقِبوا قصاصًا منهم لما فعلوه برعاة الإبل التي سرقوها، حيث إنهم قتلوا الرعاة ومثَّلوا بهم فاقتُصَّ منهم بمثل ما فعلوا.

أما ورود لفظ الردة أو المرتدين في بعض كتب الحديث عند رواية حديث العرنيين فهو – فيما نرى– من باب حكاية حال هؤلاء النفر؛ إذ أنهم جمعوا إلى حرابتهم الردة عن الإسلام، فليس معنى ذكر ردتهم أن ما عُوقبوا به هو عقوبة كل مرتد.

ثانيًا: حديث الأسباب المبيحة لدم المسلم:

بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قتل المسلم لا يُباح إلا في حالة من ثلاث حالات، أو بسبب من ثلاثة أسباب: "النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين المفارق للجماعة". والسببان الأولان لا علاقة لهما بالردة وعقوبتها، إنما فسَّر كثير من الفقهاء "المارق من الدين المفارق للجماعة" بأنه المرتد، وقرَّروا بناء على ذلك أن المرتد يُقتل حدًا بنص هذا الحديث الصحيح.

وهذا التفسير ليس محل اتفاق بين الفقهاء. فابن تيمية رحمه الله قرر أن المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المارق من الدين المفارق للجماعة" يحتمل أن يكون المحارِب قاطع الطريق لا المرتد. ويستند ابن تيمية في رأيه هذا إلى أن رواية للحديث المذكور، قد جاءت مُفسَّرة على هذا النحو عن عائشة رضي الله عنها، وذلك هو ما رواه أبو داود بسنده عن عائشة -رضي الله عنها- أن -رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان، فإنه يُرجم، ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يُقتل أو يُصلب أو يُنفى من الأرض، أو يقتل نفسًا فيُقتل بها" (20). وأخذًا بهذا الحديث، قال ابن تيمية: "فهذا المستثنى هو المذكور في قوله: التارك لدينه المفارق للجماعة. ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة" (21).

فإذا صح هذا التفسير، وهو عندي صحيح، فإن الأسباب المبيحة لدم المسلم والمذكورة في حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه البخاري ومسلم هي نفسها التي وردت في حديث عائشة الذي رواه أبو داود. ويكون النص في هذا الحديث على المروق من الدين ومفارقة الجماعة مقصودًا به من ارتد ثم حارب الله ورسوله، وليس بمجرد الردة. وعلى ذلك فإن حكم المرتد الذي لم تقترن ردته بمحاربة جماعة المسلمين التي عبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بمحاربة الله ورسوله" لا يُستَدلُّ عليه بهذا الحديث.

وبعبارة أخرى، فإن الحديث الذي نحن بصدده لا يقرِّرُ حكم الردة المجردة، وإنما يقرر حكم المحارب. والمحارب يُقتل سواءً أكان مسلما أو غير مسلم. فلا يسوغ الاستناد إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "المارق من الدين المفارق للجماعة" في إثبات عقوبة القتل حدًا للمرتد.

ثالثا: حديث من بدل دينه فاقتلوه:

روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". وقد روى هذا الحديث أيضا أبو داود في سننه، والإمام مالك في الموطأ وغيرهم (22). وهذا الحديث هو أقوى ما يؤيد المذهب السائد في الفقه الإسلامي من أن المرتد يعاقب بالقتل حدًا.

وقد حاول بعض المعاصرين أن ينفي تقرير الإسلام لأية عقوبة على الردة، أو بعبارة أخرى أن ينفي تجريم الردة، فذهب إلى أن الحديث يشير إلى المحارب المرتد، وهو يعني بالمحارب ذلك الذي يشارك فعلاً في قتال قائم بين المسلمين وأعدائهم. وعندئذ فإن القتل الذي يجيزه هو القتل في القتال وبسبب القتال، وليس القتل باعتباره عقوبة لجريمة معينة هي جريمة الردة. ويرى صاحب هذا الرأي أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمنع أن نقع في تناقض حين نقرر قتل المرتد حدًّا، ونقرر في الوقت نفسه حرية العقيدة، التي كفلها الإسلام بقوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (22).

ويتساءل صاحب هذا الرأي: كيف يمكن أن نقبل هذا الحديث على عمومه، الذي يفيد شموله لكل من غيّر دينه، ومن ثم فإن اليهودي الذي يتنصر، أو المسيحي الذي يعتنق الإسلام يدخل تحت حكم الحديث فيجب قتله حدًا؟

والواقع أن الفقهاء لم يقولوا بسريان الحكم الوارد في هذا الحديث على كل من بدَّل دينه، وإنما كما يقول الإمام مالك: "ولم يعن بذلك، فيما نرى والله أعلم، من خرج من اليهودية إلى النصرانية، ولا من النصرانية إلى اليهودية، ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها إلا الإسلام. فمن خرج من الإسلام إلى غيره، وأظهر ذلك فذلك الذي عُني به والله أعلم" (24). وعلة ذلك أن لفظ الدين إذا أُريد به الدين الحق فهو الإسلام، فتبديل الدين يُراد به تبديل الإسلام لا غيره.

ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية وبعض الشافعية. وقد بيّن ابن حزم رأي الظاهرية بقوله فيمن خرج من كفر إلى كفر أنه "لا يترك، بل لا يُقبل منه إلا الإسلام أو السيف" (25). أما الشافعية الذين رأوا قتل من غيّر دينه إلى دين آخر من أهل الكفر، فقد نقل رأيهم الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري، وكذل نقله ابن حزم في المحلى (26).

والحديث على الراجح عند العلماء ليس على عمومه؛ لأن العموم يشمل من ترك دينًا غير الإسلام، إلى دين الإسلام، وليس هذا مرادًا بالحديث باتفاق الجميع. وقد احتج الجمهور لمذهبهم في عدم انطباق نص الحديث على من يغير دينه من غير المسلمين إلى غير الإسلام بأن "الكفر ملة واحدة، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر، وكذا لو تهوَّد الوثني. فواضح أن المراد من بدَّل بدين الإسلام دينا غيره؛ لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام، حيث قال تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ" (آل عمران: 19)، وما عداه فهو بزعم المدعي" (27).

ويُورِد الأحناف على الحديث قيدًا آخر يخصصون به عموم لفظه، حيث يرون أن المرتدة لا تقتل، وأن الحديث مقصور على المرتد من الرجال دون من ترتد من النساء. وقد علل الحنفية ذلك بأن المرأة لا تقاتل، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل النساء، والنهي عام، فيجري على عمومه ليشمل المرتدة (28).

فعلة قتل المرتد عند الأحناف أنه قد يقاتل المسلمين مع الكفار أو المشركين فلذلك يقتل، أما المرأة فليست من أهل القتال فلا تقتل. وقد عدّد بعض متأخري الأحناف من يُستثنون من تطبيق الحديث الشريف: "من بدل دينه فاقتلوه"، فجعلوهم أربعة عشر صنفا من المرتدين (29)، ويصح لذلك أن يُقال: إن أصحاب هذا الرأي يخصِّصون عموم هذا الحديث بالأدلة التي يحتجون بها في عدم قتل هذه الأصناف الأربعة عشر من المرتدين.

غير أن تخصيص عموم الحديث، أو تقييد إطلاقه، على النحو المتقدم، سواء ما كان منه موضع اتفاق بين الفقهاء، أو ما كان موضع خلاف بينهم، لا يؤدي – في النظر الصحيح إليه– إلى النتيجة التي قال بها صاحب الرأي السابق الإشارة إليه من أن الإسلام لم يقرر للمرتد عقابا.

ويبدو أن الروح الاعتذارية، التي سيطرت على صاحب هذا الرأي في كتابه كله هي التي قادته إلى هذه النتيجة هنا. ولذلك فإننا نعلن اختلافنا معه في رأيه، ونسلم بما اتفق عليه جمهور فقهاء المسلمين من أن الردة عمل مجرَّم في الشريعة. غير أن الذي يجب أن يتساءل المرء عنه هو أي نوع من العقوبات قرره الإسلام لهذه الجريمة؟ وهل يوجب حديث السول –صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" عقوبة القتل حدًّا للمرتد؟ أم أن المسألة تحتمل أن يكون ثمة وجه آخر للنظر فيها؟

رأي في عقوبة الردة

خلصنا فيما تقدم إلى أن القرآن الكريم لم يحدد للردة عقوبة دنيوية، وإنما توعدت الآيات التي فيها ذكر الردة بعقوبة أُخروية للمرتد. وبينَّا أن الفقهاء يستندون على أحاديث نبوية صحيحة لبيان حكم المرتد، وأنهم يذهبون -بصفة عامة- إلى أن المرتد يُقتل لردته عملاً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" (رواه الجماعة إلا مسلمًا).

وعلى الرغم من الاتجاه الظاهر في الفقه الإسلامي إلى تضييق نطاق توقيع العقوبات، والتوسع الملحوظ في مختلف المذاهب في إعمال قاعدة درء العقوبات بالشبهات، فإننا نلاحظ أن اتجاها مغايرًا يظهر في شأن جريمة الردة وعقوبتها؛ حيث ثمة توسع في التجريم، يترتب عليه توسع في حالات تقرير وجوب توقيع العقاب (30).

ومع التسليم بتجريم الردة، فإننا نتردد في القطع بأن العقوبة التي قررها لها الإسلام هي عقوبة الإعدام، وأن هذه العقوبة من عقوبات الحدود.

وقد سبق إلى مثل هذا التردد المرحوم الشيخ محمود شلتوت، فقال بعد أن بيّن مستند الفقهاء في تقرير عقوبة الردة، وخلافهم في مدى إعمال الحديث النبوي في قتل المرتد: "وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذ لوحظ أن كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحًا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين" (31).

إن أقوى ما يستند إليه الفقهاء في إثبات عقوبة القتل حدًا للمرتد هو الأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". والسؤال الذي يجب أن نتصدى للإجابة عنه هنا هو: هل الأمر الوارد في هذا الحديث يفيد الوجوب، أو أنه أمر قد أحاطت به قرائن صرفته عن الوجوب إلى غيره؟

وقبل أن نجيب عن هذا السؤال يجدر بنا أن نبين أن الأصوليين (أي علماء أصول الدين) يختلفون اختلافًا كبيرًا حول موجب الأمر، وما وضعت له صيغته في اللغة. وقد أوصل بعضهم المعاني التي تفيدها صيغة الأمر إلى بضعة وعشرين معنى، وذهب بعضهم إلى التوقف في المراد بالأمر حتى يتبين من القرائن المعنى المراد منه (32). والصحيح من أقوال الأصوليين هو أن صيغة الأمر وضعت للوجوب، وأنها لا تصرف عن الوجوب إلى غيره، إلا إذا حفَّت بها القرائن التي تؤدي إلى ذلك (33).

فإذا تبين هذا، نظرنا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره لنسأل أنفسنا: هل نرى أي أنواع القرائن حفّت به؟

ولعل أول ما يرد على الذهن في هذا الشأن سكوت القرآن الكريم عن تقرير عقوبة دنيوية للمرتدين على ما قدمناه. على أن هذا السكوت لا يصلح وحده قرينة لصرف الأمر الوارد في الحديث النبوي عن موجبه ومقتضاه؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد جعل لنبيه أن يسنَّ لأمته فيما "ليس فيه نص حكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله والانتهاء إلى حكمه. فمن قبِل عن رسول الله فبفرض الله قبِلَ" (34).

ولكننا وجدنا في السنن الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يجعلنا نذهب إلى أن الأمر الوارد في الحديث بقتل المرتد ليس على ظاهره، وأن المراد منه إباحة القتل لا إيجابه. ومن ثم تكون عقوبة المرتد عقوبة تعزيرية مفوضة إلى الحاكم: أي القاضي، أو الإمام: أي رئيس الدولة، أو -بعبارة أخرى– مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، تقرر فيها ما تراه ملائمًا من العقوبات، ولا تثريب عليها إن هي قررت الإعدامَ عقوبةً للمرتد. وهذا -والله أعلم – هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من بدل دينه فيجوز أن يُعاقب بالقتل، لا أنه يجب حتما قتله.

وتتلخص هذه القرائن في الأمور التالية:

الأمر الأول: من هذه القرائن التي تصرف الأمر في الحديث عن الوجوب إلى الإباحة، أن الأحاديث التي ورد فيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل مرتدًّا أو مرتدة أو أمر بأيهما أن يُقتل، كلها لا تصحُّ من حيث السند. ومن ثم فإنه لا يثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاقب على الردة بالقتل (35).

الأمر الثاني: ما رواه البخاري ومسلم من أن "أعرابيا بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد أقلني بيعتي. فأبى ثم جاءه قال: يا محمد أقلني بيعتي؛ فأبى؛ فخرج الأعرابي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها" (36)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر، والإمام النووي نقلاً عن القاضي عياض (37) أن الأعرابي كان يطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إقالته من الإسلام (38)، فهي حالة ردة ظاهرة، ومع ذلك لم يعاقب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل ولا أمر بعقابه، بل تركه يخرج من المدينة دون أن يعرض له أحد.

الأمر الثالث: ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رجلاً نصرانيًا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران. فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيا. فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له. فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض…" الحديث (39). ففي هذا الحديث أن الرجل تنصر بعد أن أسلم وتعلم سورتي البقرة وآل عمران، ومع ذلك فلم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم على ردته (40).

الأمر الرابع: هو ما وردت حكايته في القرآن الكريم عن اليهود الذين كانوا يترددون بين الإسلام والكفر ليفتنوا المؤمنين عن دينهم ويردوهم عن الإسلام، قال تعالى: "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: 72). وقد كانت هذه الردة الجماعية في المدينة والدولة الإسلامية قائمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاكمها، ومع ذلك لم يُعاقب هؤلاء المرتدين الذين يرمون، بنص القرآن الكريم، إلى فتنة المؤمنين في دينهم وصدهم عنه (41).

وليس من اليسير علينا أن نسلم مع وجود هذه الوقائع المتعددة للردة ومع عدم عقاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمرتدين في أي منها، بأن عقوبة المرتد هي القتل حدًّا؛ إذ من خصائص الحدود -كما قدمنا– وجوب تطبيقها كلما ثبت ارتكاب الجريمة الموجبة لها.

وإذ كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" حديثا صحيحًا من حيث السند، فإننا نقول: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد بهذا الحديث -والله أعلم– أن يبيح لأمته قتل المرتد تعزيرا (42).

ويؤيد ما ذهبنا إليه عدد من الآثار المروية، والآراء الفقهية التي تذكر عقوبات أخرى للمرتدين غير عقوبة القتل. فمن هذه الآثار ما رواه عبد الرازق بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: "بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضي الله عنه، فسألني عمر، وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال فأخذتُ في حديث آخر لأشغله عنهم، فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل؟ فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء. قال: قلت: يا أمير المؤمنين وما كنت صانعًا بهم لو أخذتهم؟ قال: كنت عارضًا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن" (43).

ومن الآثار المروي عن عمر بن عبد العزيز "أن قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلاً حتى ارتدوا، فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر: أن رد عليهم الجزية ودعهم" (44).

وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه يسأله في رجل أسلم ثم ارتد، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: "أن سله عن شرائع الإسلام، فإن كان قد عرفها فأعرض عليه الإسلام، فإن أبى فاضرب عنقه، وإن كان لا يعرفها فغلظ الجزية ودعه" (45).

ومن آراء التابعين رأي إبراهيم النخعي في المرتد أنه يستتاب أبدًا، وقد رواه عنه سفيان الثوري وقال: "هذا الذي نأخذ به" (46).

وفي معرض رده على قول من ذهب إلى قتل المرتد وإن أعلن توبته، يقرر الباجي، وهو من أعلام المالكية، أن الردة "معصية لم يتعلق بها حد ولا حق لمخلوق كسائر المعاصي" (47)، وكل معصية ليس فيها حد ولا حق لمخلوق فهي مما يجيز العقوبة تعزيزًا بلا خلاف.

وإذا لم يكن في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المرتدين يحبسون، كما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا أن يُفرَّق بين من عرف شرائع الإسلام ومن لم يعرفها كما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز، ولا أن يعودوا إلى دفع الجزية ويتركوا على دينهم الذي ارتدوا إليه كما أمر به عمر بن عبد العزيز أيضًا، فإننا نقول: إن ذلك لا يكون إلا وقد فهم أصحاب هذه الآراء المتقدمة أن العقوبة الواردة في الحديث النبوي الشريف، إنما هي عقوبة تعزيرية وليست عقوبة حد.

وحاصل ما تقدم أن عقوبة الردة عقوبة تعزيرية مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، تقرر بشأنها ما تراه ملائما من أنواع العقاب ومقاديره. ويجوز أن تكون العقوبة التي تقررها الدولة الإسلامية للردة هي الإعدام. وبذلك نجمع بين الآثار الواردة عن الصحابة، والتي ثبت في بعضها حكم بعضهم بقتل المرتد، وفي بضعها الآخر عدم قتله. وعلى ذلك أيضًا نحمل رأي إبراهيم النخعي وسفيان الثوري في أن المرتد يستتاب أبدًا ولا يُقتَل (48).

وعلى الرغم من مخالفة ما انتهينا إليه لما ذهب إليه جمهور الفقهاء إذ رأينا جواز قتل المرتد عقابًا على الردة ورأوا وجوب كون العقوبة قتله، فإن ما قدمناه من أدلة يشهد -في نظرنا– له. فإن يك

صوابا فالحمد لله، وإن يك خطأ فمني وأستغفر الله (

 

و اليك يا اخى مقال ايضا للدكتور القرضاوى

خطورة الردة.. ومواجـهة الفتنة

أ. د. يوسف القرضاوي

 

د. يوسف القرضاوي

المجتمع المسلم ومواجهة الردة:

أشد ما يواجه المسلم من أخطار: ما يهدد وجوده المعنوي، أي ما يهدد عقيدته، ولهذا تعتبر الردة عن الدين: أي الكفر بعد الإسلام من أشد الأخطار على المجتمع المسلم. وكان أعظم ما يكيد له أعداؤه أن يفتنوا أبناءه عن دينهم بالقوة والسلاح أو بالمكر والحيلة. كما قال تعالى: "وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا" (البقرة: 217).

وفي عصرنا تعرض المجتمع المسلم لغزوات عنيفة، وهجمات شرسة، تهدف إلى اقتلاعه من جذوره، تمثلت في الغزو التنصيري، الذي بدأ مع الاستعمار الغربي، والذي لا يزال يمارس نشاطه في العالم الإسلامي، وفي الجاليات والأقليات الإسلامية، ومن أهدافه: تنصير المسلمين في العالم، كما وضح ذلك في مؤتمر "كلورادو" الذي عقد سنة 1978. وقُدِّمَت له أربعون دراسة حول الإسلام والمسلمين، وكيفية نشر النصرانية بينهم. ورصد لذلك ألف مليون دولار، وأسس لذلك معهد "زويمر" لتخريج المتخصصين في تنصير المسلمين.

كما تمثلت أحد مكونات تلك الهجمة في الغزو الشيوعي الذي اجتاح بلادًا إسلامية كاملة في آسيا، وفي أُوروبا، وعمل بكل جهد لإماتة الإسلام، وإخراجه من الحياة نهائيًا، وتنشئة أجيال لا تعرف من الإسلام كثيرًا ولا قليلاً.

وثالثة الأثافي: الغزو العلماني اللاديني، الذي لا يبرح يقوم بمهمته إلى اليوم في قلب ديار الإسلام، يستعلن حينًا، ويستخفي حينًا، يُطارد الإسلام الحق، ويحتفي بأشكال التدين الخرافي التي تعتبر نفسها من مظاهر الدين الإسلامي، والإسلام منها براء. ولعل هذا الغزو هو أخبث تلك الأنواع وأشدها خطرًا.

وواجب المجتمع المسلم – لكي يحافظ على بقائه – أن يقاوم الردة من أي مصدر جاءت وبأي صورة ظهرت، ولا يدع لها الفرصة حتى تمتد وتنتشر كما تنتشر النار في الهشيم.

هذا ما صنعه أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم حين قاتلوا أهل الردة، الذين اتبعوا الأنبياء الكذبة، مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي، وكادوا يقضون على دعوة الإسلام في مهدها.

ومن الخطر كل الخطر أن يبتلي المجتمع المسلم بالمرتدين المارقين، وتشيع بين جنباته الردة، ولا يجد من يواجهها ويقاومها. وهو ما عبر عنه أحد العلماء عن الردة التي ذاعت في هذا العصر بقوله "ردة ولا أبا بكر لها" (1).

ولا بد من مقاومة الردة الفردية وحصارها، حتى لا تتفاقم ويتطاير شررها، وتغدو ردة جماعية، فمعظم النار من مستصغر الشرر.

ومن ثم أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل وهو رأي المذاهب الأربعة بل الثمانية.

وفيها وردت جملة أحاديث صحيحة عن عدد من الصحابة: عن ابن عباس وأبي موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبي هريرة ومعاوية بن حيدة.

وقد جاءت بصيغ مختلفة، مثل حديث ابن عباس: "من بدل دينه فاقتلوه" (رواه الجماعة إلا مسلما، ومثله عن أبي هريرة عند الطبراني بإسناد حسن، وعن معاوية بن حيدة بإسناد رجاله ثقات).

وحديث ابن مسعود "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (رواه الجماعة).

وفي بعض صيغه عن عثمان: "... رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (رواه الجماعة).

قال العلامة ابن رجب: والقتل بكل واحدة من هذه الخصال متفق عليه بين المسلمين (2).

وقد نفذ علي كرم الله وجهه عقوبة الردة في قوم ادعوا ألوهيته فحرقهم بالنار، بعد أن استتابهم وزجرهم فلم يتوبوا ولم يزدجروا، فطرحهم في النار، وهو يقول:

لما رأيت الأمر أمـرًا منكرا *** أججت ناري ودعوت قنبرا

وقنبر هو خادم الإمام علي رضي الله تعالى عنه (3).

وقد اعترض عليه ابن عباس بالحديث الآخر "لا تعذبوا بعذاب الله"، ورأى أن الواجب أن يُقتلوا لا أن يُحرقوا. فكان خلاف ابن عباس في الوسيلة لا في المبدأ.

وكذلك نفذ أبو موسى ومعاذ القتل في اليهودي في اليمن، والذي كان قد أسلم ثم ارتد. وقال معاذ: قضاء الله ورسوله (متفق عليه).

روى عبد الرازق: أن ابن مسعود أخذ أقوامًا ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عمر. فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها فخل عنهم وإذا لم يقبلوها فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله (4).

وروي عن أبي عمر الشيباني أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه، فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي فاستتابه فلم يتب، فقتله(5).

الردة نوعان: مغلظة ومخففة:

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن النبي صلي الله عليه وسلم قبل توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين. مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم. وأمر بقتل ابن أبي صرح، لما ضم إلى ردته الطعن والافتراء. وفرق ابن تيمية بين نوعين: أن الردة المجردة تقبل معها التوبة، والردة التي فيها محاربة لله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد لا تُقبل فيها التوبة قبل القدرة (6).

روى عبد الرازق والبيهقي وابن حزم: أن أنسًا عاد من سفر فقدم على عمر، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، قتلوا بالمعركة. فاسترجع عمر -أي قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون-، قال أنس: هل كان سبيلهم إلا إلى القتل؟ قال نعم، كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن (7). وهذا هو قول إبراهيم النخعي، وكذلك قال الثوري: وهو الرأي الذي نأخذ به (8). وفي لفظ له: "يؤجل ما رجيت توبته" (9).

والذي أراه أن العلماء فرقوا في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة، كما فرقوا في المبتدعين بين الداعية وغير الداعية، وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة الغليظة والخفيفة، وفي أمر المرتدين بين الداعية وغير الداعية.

فما كان من الردة مغلظًا كردة سلمان رشدي، وكان المرتد داعية إلى بدعته بلسانه أو بقلمه، فالأولى في مثله التغليظ في العقوبة والأخذ بقول جمهور الأمة وظاهر الأحاديث؛ استئصالاً للشر وسدًا لباب الفتنة، وإلا فيمكن الأخذ بقول النخعي والثوري، وهو ما رُوي عن الفاروق عمر.

إن المرتد الداعية إلى الردة ليس مجرد كافر بالإسلام، بل هو حرب عليه وعلى أمته؛ فهو مندرج ضمن الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا. والمحاربة كما قال ابن تيمية نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان. والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد، وكذلك الإفساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان قد يكون أعظم مما تفسده اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض بالفساد باللسان أوكد (10).

والقلم أحد اللسانين كما قال الحكماء، بل ربما كان القلم أشد من اللسان وأنكى، ولا سيما في عصرنا؛ لإمكان نشر ما يُكتب على نطاق واسع.

إلا أن المرتد محكوم عليه بالإعدام من الجماعة المسلمة؛ فهو محروم من ولائها وحبها ومعاونتها. فالله تعالى يقول: " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " (المائدة: 51)، وهذا أشد من القتل الحسي عند ذوى العقول والضمائر من الناس.

سر التشديد في عقوبة الردة

وسر التشديد في مواجهة الردة أن المجتمع المسلم يقوم أول ما يقوم على العقيدة والإيمان. فالعقيدة أساس هويته ومحور حياته وروح وجوده.

ولهذا لا يسمح لأحد أن ينال من هذا الأساس أو يمس هذه الهوية، ومن هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم في نظر الإسلام؛ لأنها خطر على شخصية المجتمع وكيانه المعنوي، وخطر على الضرورية الأولى من الضروريات الخمس التي حرص الإسلام على صيانتها عبر كل نسقه التشريعي والأخلاقي، وهي: "الدين والنفس والنسل والعقل والمال"، والدين أولها؛ لأن المؤمن يضحي بنفسه ووطنه وماله من أجل دينه.

والإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه، ولا على الخروج من دينه إلى دين ما؛ لأن الإيمان المعتد به هو ما كان عن اختيار واقتناع. وقد قال الله تعالى في القرآن المكي: "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس: 99)، وفي القرآن المدني قال تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة: 256).

ولكنه لا يقبل أن يكون الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم من يريد الدخول، ثم يخرج منه غدًا على طريقة بعض اليهود الذين قالوا: "آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: 72).

ولا يُعاقِب الإسلام بالقتل ذلك المرتد الذي لا يجاهر بردته ولا يدعو إليها غيره، ويدع عقابه إلى الآخرة إذا مات على كفره، كما قال تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 217)، وقد يعاقبه عقوبة تعزيرية مناسبة.

الإسلام يعاقب فقط ذلك المرتد المجاهر، وبخاصة الداعية للردة؛ حماية لهوية المجتمع وحفاظًا على أسسه ووحدته. ولا يوجد مجتمع في الدنيا إلا وعنده أساسيات لا يسمح بالنيل منها مثل: الهوية والانتماء والولاء، فلا يقبل أي عمل لتغيير هوية المجتمع أو تحويل ولائه لأعدائه وما شابه ذلك.

ومن أجل هذا اعتبرت الخيانة للوطن وموالاة أعدائه بالإلقاء بالمودة إليهم وإفضاء الأسرار لهم جريمة كبرى، ولم يقل أحد بجواز إعطاء المواطن حق تغيير ولائه الوطني لمن يشاء ومتى يشاء.

والردة ليست مجرد موقف عقلي، لكي يقتصر الحديث فيها على مناقشة مبدأ حرية الاعتقاد، بل هي أيضًا تغيير للولاء، وتبديل للهوية، وتحويل للانتماء. فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى، ومن وطن إلى وطن آخر، أي من دار الإسلام إلى دار أخرى، فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضوًا في جسدها، وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها، ويعبر عن ذلك الحديث النبوي بقوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه. وكلمة المفارق للجماعة وصف كاشف لا منشئ؛ فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة.

ومهما يكن من جرمه فنحن لا نشق عن قلبه، ولا نقتحم عليه بيته في غفلة منه، ولا نحاسبه إلا على ما يعلنه جهرة بلسانه أو قلمه أو فعله، وهو ما يكون كفرًا بواحًا صريحًا لا مجال فيه لتأويل أو احتمال، فأي شك في ذلك يُفسَّر لمصلحة المتهم بالردة.

إن التهاون في عقوبة المرتد المعالن الداعية يعرض المجتمع كله للخطر، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره وخصوصًا من الضعفاء والبسطاء من الناس، وتتكون جماعة مناوئة للأمة، تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها، وبذلك تقع الأمة في صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي قد يتطور إلى صراع دموي، بل إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.

وهذا ما حدث بالفعل في أفغانستان مجموعة محدودة مرقت من دينها واعتنقت العقيدة الشيوعية بعد أن درس أفرادها في روسيا، وجُنِّدوا في صفوف الحزب الشيوعي، وفي غفلة من الزمن وثبوا على الحكم، وطفقوا يغيرون في هوية المجتمع كله بما تحت أيديهم من سلطات وإمكانات. ولم يسلم أبناء الشعب الأفغاني لهم، بل قاوم ثم قاوم، واتسعت المقاومة التي كونت الجهاد الأفغاني الباسل ضد المرتدين الشيوعيين الذين لم يبالوا أن يستنصروا على أهليهم وقومهم بالروس يدكون وطنهم بالدبابات ويقذفونه بالطائرات ويدمرونه بالقنابل والصواريخ، وهكذا كانت الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات، وكان ضحاياها الملايين من القتلة والمصابين واليتامى والأرامل والثكالى، والخراب الذي أصاب البلاد، وأهلك الزرع والضرع.

كل هذا لم يكن إلا أثرًا للغفلة عن المرتدين، والتهاون في أمرهم والسكوت على جريمتهم في أول الأمر. ولو عُوقب هؤلاء المارقون الخونة قبل أن يستفحل أمرهم لوقى الشعب والوطن شرور هذه الحرب الضروس وآثارها المدمرة على البلاد والعباد.

محددات منهجية لا بد من مراعاتها

الذي أريد أن أذكره في هذا المقام جملة أمور:

الأول: أن الحكم بردة مسلم عن دينه أمر خطير جدا ويترتب عليه حرمانه من كل ولاء وارتباط بالأسرة والمجتمع، حتى إنه يفرق بينه وبين زوجة وأولاده إذ لا يحل لمسلمة أن تكون في عصمة كافر (11) كما أن أولاده يُفصَلون عنه؛ لأنه لا يكون مؤتمنًا عليهم، فضلاً عن العقوبة المادية التي أجمع عليها الفقهاء في جملتها.

ولهذا وجب الاحتياط كل الاحتياط عند الحكم بتكفير مسلم ثبت إسلامه؛ لأنه مسلم بيقين، فلا يزال اليقين بالشك. ومن أشد الأمور خطرًا تكفير من ليس بكافر وقد حذرت من ذلك السنة النبوية أبلغ التحذير.

الثاني: أن الذي يملك الفتوى بردة امرئ مسلم هم الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين يميزون بين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، وبين ما يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل، فلا يكفرون إلا بما لا يجدون له مخرجًا: مثل إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو وضعه موضع السخرية من عقيدة أو شريعة، ومثل سب الله تعالى ورسوله، أو كتابة ذلك السبِّ علانية، ونحو ذلك.

ومثال ذلك ما أفتى به العلماء من ردة الكاتب الإيراني سلمان رشدي، ومثله رشاد خليفة الذي بدأ بإنكار السنة؛ ثم أنكر آيتين من القرآن في آخر سورة التوبة؛ ثم ختم كفره بدعوى أنه رسول الله؛ قائلاً إن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وليس خاتم المرسلين. وقد صدر بذلك حكم الردة عليه من مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي. لكن لأهمية ودقة هذا الموقف لا يجوز ترك مثله للمتسرعين أو الغلاة، أو قليل البضاعة من العلم ليقولوا على الله ما لا يعلمون.

الثالث: أن الذي ينفذ هذا الحكم هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص؛ الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المحكمات البينات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المرجعان اللذان يُرجَعُ إليهما إذا اختلف الناس، وهو الأمر الذي أكد عليه الله تعالى بقوله: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ" (النساء: 59).

والأصل في القاضي في الضوابط الإسلامية أن يكون من أهل الاجتهاد، فإذا لم يتوافر فيه ذلك استعان بأهل الاجتهاد حتى يتبين له الحق، ولا يقضي على جهل، أو يقضي بالهوى فيكون من قضاة النار.

الرابع: أن جمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد قبل تنفيذ العقوبة فيه بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول": هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم. وبعض الفقهاء حدد مدة الاستتابة بثلاثة أيام وبعضهم بأقل وبعضهم بأكثر ومنهم من قال يستتاب أبدًا.

وقد استثنى بعضهم الزنديق؛ لأنه يُظهِر غير ما يبطن؛ فلا توبة له وكذلك ساب الرسول صلى الله عليه وسلم لحرمة رسول الله وكرامته، فلا تقبل ممن يسبه توبة. وقد ألف ابن تيمية كتابه في ذلك.

والمقصود بذلك الاستمهال، وتلك الاستتابة إعطاوه الفرصة ليراجع نفسه، عسى أن تزول عنه الشبهة، وتقوم عليه الحجة؛ إن كان يطلب الحقيقة بإخلاص. أما إن كان له هوى، أو يعمل لحساب آخرين فليوله الله ما تولى.

ومن المعاصرين من قال: إن قبول التوبة إلى الله وليس إلى الإنسان. ولكن هذا في أحكام الآخرة. أما في أحكام الدنيا فنحن نقبل التوبة الظاهرة، ونقبل الإسلام الظاهر، ولا ننقب عن قلوب الخلق. فقد أمرنا الله تعالى أن نحكم بالظاهر، وأن الله وحده يتولى السرائر. وقد صح في الحديث أن من قالوا لا إله إلا الله عصموا دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله: يعني فيما انعقدت عليه قلوبهم.

ومن هنا نقول: إن إعطاء عامة الأفراد حق الحكم على شخص ما بالردة، ثم الحكم عليه باستحقاق العقوبة، وتحديدها بأنها القتل لا غير، وتنفيذ ذلك بلا هوادة يحمل خطورة شديدة على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم؛ لأن مقتضى هذا أن يجمع الشخص العادي الذي ليس لديه علم أهل الفتوى، ولا حكمة أهل القضاء، ولا مسئولية أهل التنفيذ، سلطات ثلاثًا في يده؛ يفتي – أو بعبارة أخرى يتهم، ويحكم، وينفذ، فهو الإفتاء والادعاء والقضاء والشرطة جميعًا.

اعتراضات مردودة لبعض المعاصرين

ولقد اعترض بعض الكتَّاب في عصرنا من غير أهل العلم الشرعي على عقوبة الردة بأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولم ترد إلا في حديث من أحاديث الآحاد، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحدود، فهم لذلك ينكرونها.

وهذا الكلام مردود من عدة أوجه:

أولاً: أن السنة الصحيحة مصدر للأحكام العملية باتفاق جميع المسلمين. وقد قال الله تعالى: "قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" (النور: 54)، وقال أيضًا: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ" (النساء: 80).

وقد صحت الأحاديث الآمرة بقتل المرتد، ونفذها الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين.

والقول بأن أحاديث الآحاد لا يُؤخَذ بها في الحدود غير صحيح. فجميع المذاهب المتبوعة أخذت بأحاديث الآحاد في عقوبة شارب الخمر، مع أن ما ورد في عقوبة الردة أصح وأوفر وأغزر مما ورد في عقوبة شرب الخمر.

ولو صح ما زعمه هؤلاء من أن أحاديث الآحاد لا يعمل بها في الأحكام لكان معناه إلغاء السنة من مصدرية التشريع الإسلامي، أو على الأقل إلغاء 95% إن لم نقل 99% منها، ولم يعد هناك معنى لقولنا اتباع الكتاب والسنة.

فمن المعروف لدى أهل العلم أن أحاديث الآحاد هي الجمهرة العظمى من أحاديث الأحكام، والحديث المتواتر الذي هو مقابل الآحاد نادر جدًا، وبلغت ندرته حد أن زعم بعض أئمة الحديث أنه لا يكاد يوجد، كما ذكر ذلك الإمام ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة في علوم الحديث.

إلا أن كثيرًا ممن يتناولون هذا الأمر لا يدركون معنى حديث الآحاد، ويحسبون أنه الذي رواه واحد فقط. وهذا خطأ. فالمراد بحديث الآحاد ما لم يبلغ درجة التواتر، وقد يرويه اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من الصحابة، ويرويه عنهم أضعاف هذا العدد من التابعين.

وحديث قتل المرتد رواه جمع غفير من الصحابة، ذكرنا عددًا منهم، فهو من الأحاديث المستفيضة المشهورة.

ثانيًا: أن من مصادر التشريع المعتمدة لدى الأمة مصدر الإجماع. وقد أجمع فقهاء الأمة من كل المذاهب، السنية وغير السنية، والفقهاء من خارج المذاهب على عقوبة المرتد وأوشكوا أن يتفقوا على أنها القتل، إلا ما رُوي عن عمر والنخعي والثوري ولكن التجريم في الجملة مجمع عليه.

ثالثًا: أن من علماء السلف من قال إن آية المحاربة المذكورة في سورة المائدة تختص بالمرتدين، وهي قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا..." (المائدة: 33). وممن قال بأن هذه الآية للمرتدين أبو قلابة وغيره (12).

وقد نقلنا من كلام ابن تيمية أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد من المحاربة باليد وكذلك الإفساد في الأرض. ومما يؤيد ذلك أن الأحاديث التي قررت استباحة دم المسلم بإحدى ثلاث، ذكر منها "... ورجل خرج محاربًا لله ورسوله فإنه يقتل أو يُصلب أو يُنفى من الأرض" كما في حديث عائشة، بدلاً من عبارة ارتد بعد إسلامه أو التارك لدينه.. إلخ، وهو ما يدل على أن الآية تشمل المرتدين الداعين إلى ردتهم.

وفي القرآن يقول الله تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة: 54).

وهذا يدل على أن الله هيأ للمرتدين من يقاومهم، من المؤمنين المجاهدين الذين وصفهم الله بما وصفهم به، مثل أبي بكر والمؤمنين معه، الذين أنقذوا الإسلام من فتنة الردة.

وكذلك جاءت مجموعة من الآيات في شأن المنافقين، تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب كفرهم عن طريق الأيمان الكاذبة، والحلف الباطل لإرضاء المؤمنين، كما في قوله تعالى: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً" (المجادلة: 16)، "يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ" (التوبة: 96)، "يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ..." (التوبة: 74). فالآيات تؤكد أنهم ينكرون أنهم كفروا، ويؤكدون ذلك بأيمانهم، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر، فدل ذلك على أن الكفر إذا ثبت عليهم بالبينة، فإن جنتهم تكون قد انخزمت، وأيمانهم الفاجرة لم تغن عنهم شيئًا(13).

أعـظم الردة: ردة السـلطان

وأخطر أنواع الردة: ردة السلطان، ردة الحاكم، الذي يُفترَض فيه أن يحرس عقيدة الأمة، ويقاوم الردة، ويطارد المرتدين، ولا يُبقي لهم من باقية في رحاب المجتمع المسلم، فإذا هو نفسه يقود الردة، سرًا وجهرًا، وينشر الفسوق سافرًا ومقنعًا، ويحمي المرتدين، ويفتح لهم النوافذ والأبواب، ويمنحهم الأوسمة والألقاب، ويصبح الأمر كما قال الشاعر العربي:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها *** فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟!

نرى هذا الصنف من الحكام، مواليًا لأعداء الله، معاديًا لأولياء الله، مستهينًا بالعقيدة، مستخفًا بالشريعة، غير موقِّر للأوامر والنواهي الإلهية والنبوية، مهينًا لكل مقدسات الأمة ورموزها، من الصحابة الأبرار، والآل الأطهار، والخلفاء الأخيار، والأئمة الأعلام، وأبطال الإسلام. وهؤلاء يعتبرون التمسك بفرائض الإسلام جريمة وتطرفًا مثل الصلاة في المساجد للرجال، والحجاب للنساء. ولا يكتفون بذلك، بل يعملون وفق فلسفة "تجفيف المنابع" التي جاهروا بها في التعليم والإعلام والثقافة، حتى لا تنشأ عقلية مسلمة، ولا نفسية مسلمة. وهم لا يقفون عند هذا الحد، بل يطاردون الدعاة الحقيقيين، ويغلقون الأبواب في وجه كل دعوة أو حركة صادقة، تريد أن تجدد الدين، وتنهض بالدنيا على أساسه.

والغريب أن بعض هذه الفئات – مع هذه الردة الظاهرة - تحرص على أن يبقى لها عنوان الإسلام، لتستغله في هدم الإسلام، ولتعاملهم الأمة على أنهم مسلمون، وهم يقوضون بنيانها من الداخل. وبعضها تجتهد في أن تتمسح بالدين، بتشجيع التدين الزائف، وتقريب الذين يحرقون لها البخور من رجاله ممن سمَّاهم بعض الناس "علماء السلطة عملاء الشرطة".

وهنا يتعقد الموقف، فمن الذي يقيم الحد على هؤلاء؟ بل من الذين يُفتي بكفرهم أولاً، وهو كفر بواح كما أسماه الحديث النبوي الشريف؟ (14)، ومن الذين يحكم بردتهم وأجهزة الإفتاء الرسمي والقضاء الرسمي في أيديهم؟

ليس هناك إلا "الرأي العام" المسلم، والضمير الإسلامي العام، الذي يقوده الأحرار من العلماء والدعاة وأهل الفكر، والذي لا يلبث - إذا سدت أمامه الأبواب، وقطعت دونه الأسباب - أن يتحول إلى بركان ينفجر في وجوه الطغاة المرتدين. فليس من السهل أن يفرِّط المجتمع المسلم في هويته، أو يتنازل عن عقيدته ورسالته، التي هي مبرر وجوده، وسر بقائه.

وقد جرب ذلك الاستعمار الغربي الفرنسي في الجزائر، والاستعمار الشرقي الروسي في الجمهوريات الإسلامية في آسيا. ورغم قسوة التجربة وطولها هنا وهناك، لم تستطع اجتثاث جذور الهوية الإسلامية، والشخصية الإسلامية. وذهب الاستعمار والطغيان، وبقي الإسلام، وبقي الشعب المسلم.

غير أن الحرب التي شُنَّت على الإسلام ودعاته من بعض الحكام "الوطنيين" العلمانيين والمتغربين في بعض الأقطار - بعد استقلالها - كانت أحدَّ عداوة، وأشدَّ ضراوة من حرب المستعمرين.

الردة المغلفة: النفاق المعاصر

ولا يفوتنا هنا أن ننبه على نوع من الردة لا يتبجح تبجح المرتدين المعالنين، فهو أذكى من أن يعلن الكفر بواحًا صراحًا، بل يغلفه بأغلفة شتى، ويتسلل به إلى العقول تسلل الأسقام في الأجسام، لا تراه حين يغزو الجسم، ولكن بعد أن يبدو مرضه ويظهر عرضه، فهو لا يقتل بالرصاص المدوّي، بل بالسم البطيء يضعه في العسل والحلوى. وهذا يدركه الراسخون في العالم، والبصراء في الدين، ولكنهم لا يملكون أن يصنعوا شيئًا أمام مجرمين محترفين، لا يمكِّنون من أنفسهم، ولا يدعون للقانون فرصة ليمسك بخناقهم. فهؤلاء هم "المنافقون" الذين هم في الدرك الأسفل من النار.

إنها "الردة الفكرية" التي تطالعنا كل يوم آثارها؛ في صحف تُنشَر، وكتب تُوزَّع، ومجلات تُباع، وأحاديث تُذاع، وبرامج تُشاهَد، وتقاليد تروج، وقوانين تَحكُم.

وهذه الردة المغلفة - في رأيي - أخطر من الردة المكشوفة، لأنها تعمل باستمرار، وعلى نطاق واسع، ولا تقاوم كما تقاوم الردة الصريحة، التي تحدث الضجيج، وتلفت الأنظار، وتثير الجماهير.

إن النفاق أشد خطرًا من الكفر الصريح. ونفاق عبد الله بن أُبيِّ ومن تبعه من منافقي المدينة، أخطر على الإسلام من كفر أبي جهل ومن تبعه من مشركي مكة. ولهذا ذم القرآن في أوائل سورة البقرة: "الذين كفروا" (البقرة: 6) أي المصرحين بالكفر في آيتين اثنتين فقط، وذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية.

إنها الردة التي تصابحنا وتماسينا، وتراوحنا وتغادينا، ولا تجد من يقاومها. إنها – كما قال شيخ الإسلام الندوي - ردة ولا أبا بكر لها.

إن الفريضة المؤكدة هنا، هي محاربتهم بمثل أسلحتهم: الفكر بالفكر، حتى تنكشف أوراقهم، وتسقط أقنعتهم، وتُزال شبهاتهم بحجج أهل الحق.

صحيح أنهم ممكَّنون من أوسع المنابر الإعلامية: المقروءة والمسموعة والمرئية، ولكن قوة الحق الذي معنا، ورصيد الإيمان في قلوب شعوبنا، وتأييد الله تعالى لنا، كلها كفيلة بأن تهدم باطلهم على رؤوسهم: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" (الأنبياء: 18)، "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ" (الرعد: 17). وصدق الله العظيم.

و تقبل منى خالص تحياتى على حوارك الراقى

اخيك خالد عبد اللطيف



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2100 / عدد الاعضاء 62