اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية      القانون التجاري      عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في الأوراق المتداولة التي تنتقل فيها الملكية بالتحويل

        
 
  المؤلف : حامد فهمي المحامي   المصدر : مجلة المحاماة - مصر سنة 1925
    عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في الأوراق المتداولة التي تنتقل فيها الملكية بالتحويل

مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة الخامسة - مارس سنة 1925

بحث قانوني
عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في الأوراق المتداولة التي تنتقل فيها الملكية بالتحويل

المراد بهذه الأوراق سندات الدين التي سهل القانون التجاري تداولها بما وضعه لها من الصور الشكلية المعروفة وقرره من الأحكام المخصوصة (السندات التي تحت الإذن لحاملها الكمبيالات).
والمراد بعدم جواز الاحتجاج بالدفوع فيها منع الملزمين بدفع قيمتها من الدفع في وجه حاملها بما كان يجوز له أن يدفع به في وجه من حررت أو سحبت له لتمتاز بذلك عن السندات المعتادة بالتطهر في كل عملية من عمليات تداولها مما عساه تعلق بها من أسباب البطلان أو الفساد أو الفسخ أو الانقضاء.
ومع أنه لا أصل لهذه القاعدة في نصوص القوانين التجارية المعروفة فهي مع ذلك مقررة من عهد بعيد وكادت تصبح من البديهيات ولذلك لم يهتم بعض الشراح بالتعرض لها بالتعليل والتفسير.
والظاهر أن الضرورة القاضية بسرعة التداول في الأوراق التجارية هي التي فرضتها دفعًا للحاجة ثم امتد العمل بها إلى السندات المدنية عند بعض الفقهاء وفي بعض أحكام المحاكم.
وقد عالج الفقهاء تعليل هذه القاعدة وربطها بأصل فقهي رغبةً منهم في إقامة حدودها على أساس علمي ولكن أغلبهم لا يزال يعترف بالعجز عن إيجاد تعليل صحيح ويقف عند وجوب التسليم بأخذها عن العرف والجري في تحديدها على ما جرى عليه.
ولما كانت هذه الآراء تقوم على فهم طبيعة التنازل عن الديون (Cession des créances) والإحالة بها Délègation وعلى حقيقة علاقة المدين بمشتري الدين أو المحتال به رأيت أن أتعهد بموجز فيهما قبل ذكر هذه الآراء المختلفة فأقول.
ينتقل الدين عند بيعه للمشتري بالصفة التي كان بها عند بائعه فيجوز للمدين إذن أن يدفع في وجه المشتري بجميع ما كان يجوز له أن يدفع به في وجه الدائن الأصلي (البائع) من الدفوع بعدم وجود سبب للمدين أو بأن سببه غير مشروع أو بأنه باطل أو فاسد أو مفسوخ أو منقضٍ بأي كان من أوجه البطلان أو الفساد أو الفسخ أو الانقضاء ولم يستثنِ الشارع الفرنسي إلا المقاصة بنص المادة (1295)، فإنه لم يجز الدفع بها للمدين إذا كان قد قبل بيع الدين قبولاً مجردًا عن أي تحفظ ولا خلاف بين الفقه والقضاء في اعتبار هذا النص استثناءً لا يجوز تعديه حكمه إلى غيره من الأوجه الأخرى.
أما الإحالة فهي قسمان إحالة كاملة وهي التي يصرح فيها المحال (le délégataire) ببراءة ذمة المحيل déléguant من دينه مع تجديده بدين آخر بذمة المحال عليه (le délégué)، وناقصة وهي التي لا يصرح فيها بذلك فيبقى الدين القديم بتأميناته بذمة المحيل مع الدين الجديد بذمة المحال عليه.
وإذا أردت معرفة سبب التزام المحال عليه بالدين لتعرف أحكام الإحالة وجواز الدفع منه بالدفوع وعدم جوازه وجب أن تبحث عنه لا في علاقة المحيل بالمحال وإنما في علاقة المحال عليه بالمحال، وإذا رجعت إلى هذه العلاقة تبين لك أن المحال عليه يقبل على الالتزام إما بقصد التبرع للمحيل أو بقصد تأدية خدمة له أو لإقراضه أو لكونه مدينًا بدين يقصد انقضاءه.
ولخفاء هذا المقصود وبقائه في ضمير المحتال عليه يبقى خارج عملية الالتزام ويصبح التزامه إذن في علاقته مع المحال منفكًا عن سببه ويقتضي هذا النظر إنه إذا انكشف المحال عليه بعد الالتزام أنه لم يكن مدينًا للمحيل سواء أكان ذلك لأن دينه لم ينعقد أصلاً أم انعقد وتعلق به سبب من أسباب الفساد وسواء أأصبح بلا سبب لعدم وفاء المحيل بما كان قد التزمه مقابلاً لالتزامه بعقد من عقود المعارضة أم لا يكون له أن يدفع بشيء من ذلك في وجه المحال لأن التزامه له يبقى صحيحًا ولو زال سببه لانفكاكه عنه في علاقته معه.
أما إذا أظهر المحال عليه عند التزامه رغبته في إيصال الالتزام بسببه وربطه بما كان من التزامه للمحيل من قبل صار التزامه الذي كان معرى عن سببه التزامًا عاديًا يقوم على سببه ويزول بزواله، فإذا التزم مشتري العقار بدفع ثمنه للمرتهن بطريق الإحالة فظاهر أن التزامه هذا لا يقوم إلا على حكم اعتبار بقائه ملزمًا بالثمن فإذا استحق المبيع، كان له أن يدفع في وجه المرتهن بانقضاء التزامه لانعدام سببه.
وقد كان فقهاء الرومان يعللون حكم عدم جواز الدفع من المحال عليه بما كان يجوز له إبداؤه في وجه المحيل بأن المحال قد رضي عند الإحالة بانقضاء دينه بذمة المحيل مقابل ما استجد له من الدين بذمة المحال عليه، ومن الظلم أن يفسد عليه دينه الجديد بتجويز الدفع ضده بهذه الأوجه.
أما حكم عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في الإحالة الناقصة فلم يكن متفقًا عليه وذلك لخفاء تحقيق معنى العدالة فيها، فإن المحتال لما لم يُبرئ ذمة المحيل فلا يتضرر من تجويز الدفع بالدفوع من المحال عليه لبقاء دينه سليمًا بذمة المحيل.
ولهذا المعنى كان قليلاً من الفقهاء من يقول بالتسوية بين حكم الإحالة الكاملة والإحالة الناقصة في عدم أحقية المحال عليه في الدفع بما كان له أن يحتج به في وجه المحيل، وحجة هؤلاء أن دين المحيل بذمة المحال عليه لم يكن هو سبب التزام هذا الأخير للمحال بل كان مجرد باعث لا يؤثر في عملية الالتزام بأثر ما، وللعلامة كابيتان حجة أخرى حاصلها أن التزام المحال عليه قد وقع منفكًا عن سببه في علاقته مع المحال وسواء إذن أكان المحال قد أبرأ المحيل من دينه أم استبقاه بجانب ما استجد من الدين بذمة المحال عليه وإذن فلا فرق بين الإحالة الكاملة والناقصة ويقول في كتابه الذي وضعه في نظرية السبب أن رأيه هذا هو المتبع قضاء (راجع الهامش نمره (1) بصحيفة (388) من كتابه الذي وضعه في نظرية السبب).
أما وقد عرفت حكم الاحتجاج بالدفوع في بيع الدين والإحالة فلنستعرض أمامك مذاهب الفقهاء في تعليل قاعدة عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في السندات المتداولة التي لحاملها أو التي تحت الإذن أو الكمبيالات.
يرى بعضهم في عملية إنشاء الكمبيالة بيعًا للدين يكون فيه ساحب الكمبيالة بائعًا والمسحوب له مشتريًا والمسحوب عليه قابلاً للبيع بقبول الكمبيالة ويرون في كل تحويل بقيمتها وفي كل تحويل للسندات التي تحت الإذن بيعًا يكون فيه المسحوب له (بائعًا) والمحول له مشتريًا ولما كان هذا النظر يقتضي أن يكون كل حامل للورقة على التعاقب خليفة لصاحبها الأصلي في حقوقه وواجباته رأوا أن يعتبروا المدين قد رضي سلفًا عند قبوله الكمبيالة أو عند التوقيع على السند الذي تحت الأمر والإذن بما عساه يقع من البيوع المتكررة وأنه قد تنازل بذلك ضمنًا عن كل ما يجوز له أن يدفع به.
ولا شك أنك لا تجد في هذا تعليلاً وأنك تراه مجرد افتراض تقريري لا يمكن الاعتماد عليه في التعليل في جميع الأحوال وبخاصة في الأحوال التي يراد الدفع فيها ببطلان الدين لانعدام الرضاء أو لفساده لأنك لا تدري مع استمساكك بالبطلان كيف يمكن اعتبارك راضيًا حقًا بالتنازل عنه ضمن رضائك الباطل بالالتزام والصحة والبطلان لن يجتمعا في محل واحد وباعتبار واحد.
هذا فضلاً عن أنه لا يمكن اعتبار كل من الساحب والمحيلين مجرد بائع للدين لأن القانون قد اعتبرهم ضامنين متضامنين عند الاستحقاق المادة (118) فرنسي، والمادة (117) تجاري أهلي مع أن بائع الدين لا يضمن يسار المدين واقتداره على الدفع إلا بالشروط وإذا ضمن ففي وقت البيع فقط إلا بالشرط، ورأى بعضهم أن في الأمر بيعًا وكفالة معًا يكون به الساحب والمحيل ضامنين ليسار المدين عند الاستحقاق ويرد عليهم أن الكفيل إذا أصبح دائنًا لرب الدين برئت ذمته وذمة المكفول قصاصًا، ولكن الساحب إذا أصبح دائنًا للمسحوب له لا يستطيع أن يحتج بالمقاصة على من احتالوا بالكمبيالة على التعاقب إذا رجعوا عليه عند عدم الوفاء من المدين.
ويرى ثاللر أنه لا يترتب قانونًا على قبول الإحالة اعتبار المحال عليه متنازلاً عما كان له من أوجه الدفع المتعلقة بدينه الأصلي فإذا أريد ربط المحال بالمحال عليه برباط مبتدأ وجب أن تقع الإحالة على نية بقاء الدين بذمة المحيل وضم ذمة المحال عليه إلى ذمته على أن يكون كفيلاً له وأن يكون سبب كفالته مجرد قبوله الإحالة كما هو معنى قولهم.

(II se doit à sa signature)

وعلى هذا الأساس تكون عملية إنشاء الكمبيالة إحالة وكل تحويل يقع عليها إحالته أيضًا فيكون المسحوب له محيلاً والمحول إليه محالاً والمسحوب عليه بقبوله الكمبيالة وتعهده بدفعها للمسحوب له وتحت أمره محالاً عليه وكل محيل يصبح محالاً عليه في التحويل الجديد وهكذا.
وظاهر أن مذهب ثاللر يقوم على أمر حكمي هو مظنة إرادة الموقعين على الكمبيالة أو السند الذي تحت الإذن أن يكونوا كفلاء بعضهم لبعض كما يقوم مذهب غيره على مظنة تنازل المحول عليه عما كان له من أوجه الدفع.
وأنت تعرف أنه ليس من الواجب أن يقع على الدوام قبول المحول عليه على نية أن يكون كفيلاً للمحيل كفالة خاصة يكون سببها مجرد الرغبة في الكفالة بصرف النظر عن سبب الدين الأصلي وعما لحقه من أسباب البطلان أو الفساد أو الانقضاء.
وإذا سلمنا إمكان ذلك في الأحوال التي لا يكون فيها المحول عليه مدينًا للمحيل حيث يمكن اعتبار قبوله للإحالة دالاً إما على نيته في تأدية خدمة للمحيل بالالتزام بدفع دينه معه وإما على نية الكفالة به فلا يمكن التسليم بذلك في الصور الأخرى الغالبة وقوعًا وهي التي يكون فيها المحول عليه مدينًا للمحيل ويطلب منه المحيل أن يدفع الدين للمحتال حيث لا يمكن افتراض المحول عليه بقبوله الإحالة قد أراد أن يغير مركزه فيعتبر متنازلاً في علاقته مع الدائن الجديد عما كان يجوز له أن يحتج به من أوجه الدفع في وجه دائنه الأصلي.
وقد قال العلامة (أسمن) في نقد مذهب (ثاللر) أنه إذا أمكن اعتبار المسحوب عليه الذي قبل الكمبيالة محالاً عليه بناءً على تكليفه من الساحب بدفع القيمة إلى المحال فاعتبار كل محيل محالاً عليه لدفع الكمبيالة لمن سيكون حاملاً للكمبيالة أو السند فيه شيء كثير من التكلف.
وزاد على ذلك فقال وإذا سلمنا بجواز إنشاء الكمبيالة أو تحويلها إحالة وكفالة معًا لتفسر بهما عدم جواز الاحتجاج بالدفوع المتعلقة بالدين الأصلي فلن يتيسر لك أن تفسر بهما عدم جواز الاحتجاج بالدفوع الخاصة بنفس قبول المحول عليه للحوالة كالدفع ببطلانه بالغش أو الإكراه مثلاً.
ولقد نقد العلامة كابيتان مذهب العلامة ثاللر فقال (المعروف من حكم الإحالة أنها لا تغير مركز المحيل، فيبقى مدينًا للمحال كما كان إذا لم يبرئه، أما في الكمبيالة فالمعروف أن الساحب يصبح ضامنًا للوفاء عند الاستحقاق لا للمسحوب له فحسب بل لجميع حاملي الكمبيالة، كذلك المعروف من أحكام الإحالة أنها لا تقتضي تنازل المحيل إلى المحال عن دينه عند المحال عليه بل يبقى هذا الدين في ملك المحيل إلى أن يحصل الدفع من المحال عليه، وليس الأمر كذلك في الكمبيالة فإن المسحوب له يصبح مالكًا لمقابل الوفاء من يوم قبول المسحوب عليه الكمبيالة عند الفقهاء أو من يوم إنشاء الكمبيالة على ما جرى عليه القضاء الفرنسي (نوته 188 في رسالة نظرية السبب لكابيتان) أما العلامة كابيتان فمذهبه يقوم على نظرية السبب التي تولى الدفاع عنها في رسالته المشهورة التي نشرها: يقول إن الورقة إذا لم تشتمل على شرط الأمر والإذن لا يمكن تداولها تداول النقود ولا يمكن انتقالها من يد إلى أخرى إلا ببيع الدين وإذا انتقلت به فلا يكون للمشتري أكثر من حقوق البائع فيكون للمدين الحق في الدفوع التي كان يجوز له الدفع بها في وجه البائع، وإذن فكأن الورقة تحمل معها عند انتقالها كل ما تعلق بالدين من أسباب البطلان والفساد والفسخ والانقضاء، أما إذا ورد بها شرط الإذن والأمر سهل تحويلها بغير القواعد المعروفة في بيع الدين فإنها تنتقل بتأثير مفعول هذا الشرط طاهرة من كل ما التحق بالدين من أسباب البطلان والفساد والفسخ والزوال، وعملية التطهير هذه تقوم عنده على أصلين: الأول أن التزام الموقع على السند الذي تحت الإذن هو التزام ينشأ عن مجرد ظهور رغبته في الالتزام بالتوقيع عليه وثانيهما أنه التزام معرى عن سببه، ويقول في شرح الأصل الأول أنه متى قبل المسحوب عليه الكمبيالة فقد التزم بالدفع للمسحوب له ولمن تنتقل إليه بالتحويل ممن لا يعرفهم الآن على التحديد والتعيين وإن عرفهم بعد ذلك ولهذا الالتزام خاصتان يمتاز بهما عن غيره من الالتزامات الأولى أنه التزام لا يتولد عن اتفاق بين اثنين وإنما يتولد من جهة المسحوب عليه فحسب عند القبول وهو ظاهرًا لا تراه يلتزم لأناس لا يعرفهم ولم يتبادلوا معه الرضاء ولقد حاول بعضهم أن يدرج هذا الالتزام في عداد العقود بجعل التزام المسحوب عليه إيجابًا للعقد من جهة على أن يضاف فيما بعد إلى قبول كل محتالٍ بالكمبيالة فيتم العقد بالإيجاب والقبول ولكنه لم يفلح لأن من خصائص إيجاب العقد الانفساخ بإرادة الموجب والتزام المسحوب عليه لا يقبل الانفساخ بمحض إرادته استقلالاً.
ثم يلاحظ الأستاذ بعد ذلك أن القضاء الفرنسي لا يزال لا يعرف إلا الالتزامات المتولدة عن اتفاق بين اثنين فأكثر ولا يزال يعارض في الاعتراف بوجود التزام ينشأ عن إرادة واحدة فيجري في نقده قائلاً: إن في هذا الإنكار تغاضيًا عن الأمر المحسوس ومع ذلك فإنهم يسلمون بصحة الالتزام الحاصل في منفعة الغير يقولون (stipulation pour autrui) .
ألم يروا شركات التأمين تلتزم للمؤمن ثم تلتزم لمن يجب دفع التأمين له وهو التزام وإن نشأ من العقد إلا أنه حاصل لمنفعة شخص لم يشترك فيه ولم يقبله بعد، أليس الأمر كذلك في السندات القابلة للتداول بالتحويل، ألا ترى أن الموقع على السند قد تعاقد مع دائنه والتزم بالدفع له ثم التزم كذلك بالدفع لغيره ممن يقع السند في يده بالتحويل والتزامه الأول ناشئ عن الاتفاق والتعاقد مع دائنه والتزامه الثاني حصل لدائنين آخرين لم يعرفهم بعد.
ألا تجد في ذلك أن هناك التزامًا عقديًا بين اثنين وبجانبه التزام آخر حصل من طرف واحد لأجنبي لم يدخل في عملية الاتفاق، فلم لا نعترف بطبيعة هذا الالتزام كما اعترفنا بطبيعة الالتزام الحاصل لمنفعة الغير.
أما كون هذا الالتزام معرّى وهو الأصل الثاني فيقول في شرحه أن التزام المسحوب عليه لكل من المحتالين بالسند على التعاقب مستقل بنفسه عن التزامه لغيره من السابقين عليه لأنه قد التزم بالدفع لمن يكون حاملاً للسند وقت الاستحقاق وهذا يقتضي تنازله عن الدفوع التي تكون له على من سبق حامل السند في حمله قبل تحويله إليه، ألا ترى أن السند الذي تحت الإذن موضوع للتداول وأنه يتضمن الالتزام بدفع قيمته لمن عساه يوجد تحت يده فوجب أن يكون بينه وبين كل حامل للسند علاقة خاصة لا تتأثر بما كان له من علاقة مع من سبقه في حمل السند وخلاصة هذا الرأي أن قبول المسحوب عليه يولد في ذمته التزامين أحدهما التزام عقدي بين اثنين والثاني التزام من جانبه فقط وكلاهما معرى عن سببه، ويضيف على هذا فيقول: أن التزام غير المسحوب عليه ممن وقع على السند كالتزام المسحوب عليه نفسه في أنه التزام من جانب واحد ومعرّى، وعلى هذا يكون التزام الساحب وكل من المحيلين بالدفع لكل من المحتالين على التعاقب كضامنين متضامنين هو التزام حاصل مباشرةً وبصفة معراة لكل من هؤلاء على التعاقب (راجع نظرية السبب لكابيتان نوته نمرة 191 و192 و193 و194)، ويعترف كابيتان بعد هذا الشرح أن هذه الآراء لم تقبل للآن في الفقه الفرنسي ولكنها تدخل فيه شيئًا فشيئًا وأن للأستاذ لاكور فضل الدفاع عنها في مؤلفه في القانون التجاري طبعة ثانية نوته نمرة (1070) وما بعدها، ونمرة (1288).
ويرى العلامة (أسمن) أن أساس هذه القاعدة هو توزيع واجبات التحري في التعامل بين المتعاملين على نسبة ما يستطيعه كل منهم، فالمحول عليه وهو أعلم بحقيقة دينه وملابساته وظروفه وما اتصل به من أسباب البطلان والفساد وما التحق به من أسباب الانقضاء والوفاء ينبغي أن يمتنع عن قبول الحوالة إذا كان له دفع وجيه على المحيل فإذا قبل الحوالة فلا يلومن إلا نفسه إذا لم يستطع الاحتجاج به على المحتال لأنه يجب عليه أن لا ينخدع في أمر هو أعلم به من المحتال ومن حق هذا عليه أن يركن إلى قبوله مستوثقًا بصحة لدين والحوالة.
ولهذا يقول أن ما تقتضيه سرعة التداول في الأوراق يقتضي أن لا نكلف من يتداولها إلا بما يعطيه ظاهرها له من البيانات والمعلومات وما يمكن له التحري فيه، فمن واجبه أن ينظر شكل السند وما اشتمل عليه ليعلم إن كان قد استوفى ما أوجب القانون ذكره فيه وإلا كان باطلاً وأن يتحرى تتابع التحاويل وعدم انقطاعها ومطابقة أسماء المحيلين مع توقيعاتهم وأن يتأكد من اشتمال كل تحويل على البيانات الواجب ذكرها فيه قانونًا لاعتبار التحويل ناقلاً للملكية، كذلك يجب عليه أن يقرأ السند لمعرفة ما عساه قد ورد فيه من الشروط المخالفة للقواعد المعتادة كشرط عدم الضمان وشرط الرجوع بغير مصاريف مثلاً، كما يجب أن نفترض أن من أخذ ورقة فقد علم بذوات الموقعين عليها وأهليتهم ومقدرتهم على الدفع والصفات القانونية التي تعاملوا بها وحدودها القانونية لأنه يجب عليه أن يتحرى جميع ذلك كما يجب أن يتحرى عن صحة التوقيعات الموجودة على الورقة.
وإنك بعد هذا الذكر لقادر على أن تحدد ما هي أوجه الدفع التي يجوز الاحتجاج بها والتي لا يجوز وما عليك عند الاشتباه إلا أن تعرض المسألة على هذه الضوابط فتجد جوابها حاضرًا.
على أننا سنضبط بقدر الإمكان ما يجوز الدفع به وما لا يجوز فنقول أن هناك أسباب تمنع انعقاد الدين أو تفسده أو تزيله في حق الكل وكان النظر يقتضي أن يجوز الدفع بها في وجه أي شخص كان ممن يتداولون الورقة ولكن الشراح اعتبروا الالتزام بقيمة السند قائمًا على ما ارتكبه الملتزم من التفريط والإهمال الضارين بالغير ولذلك لم يجيزوا الدفع بها (راجع ثاللر وراجع ليون)، وهذه الأسباب هي:
( أ ) تسليم التوقيع على بياض، وصورة المسألة أن ينتهز الأمين على التوقيع فرصة وجود الورقة بين يديه فيملأ بياضها باسمه أو بأي اسم آخر ثم يحولها، وأنت ترى أن صاحب التوقيع لم يصدر منه ما يدل على رضائه بالتزام الدين ولكنه لإهماله وتفريطه في تسليم توقيعه اعتبر مسؤولاً وملزمًا بالدفع على أساس المسؤولية في الجنح المدنية.
(ب) الدفع بالقصر في صورة ما إذا تواطأ القاصر مع آخر فأنشأ معًا سندًا تحت الإذن أرخاه في غير تاريخه الحقيقي ليكون في أيام الرشد ثم قطعاه بالتحويل واقتسما ما قبضاه من قيمته - وسترى أن الدفع بعدم الأهلية يصح الدفع به في وجه الكل ولكنهم اعتبروا القاصر ممنوعًا عن التمسك في هذه الصورة فقط لارتكابه مع الدائن الأصلي جريمة مدنية هو مسؤول عنها.
(ت) الدفع بالتلجئة في سندات التلجئة [(1)] وصورتها أن يسحب أحدهم على آخر كمبيالة بغير أن يكون له عنده مقابل وفاء فيقبل المسحوب عليه الكمبيالة ثم يحولها المسحوب له لآخر، فإذا أراد المدين الدفع بالتلجئة فلا يقبل منه لأنه هو الذي أدخل الخديعة والغش على من تداولوا الكمبيالة بالتحويل (حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 28 فبراير سنة 89 المجموعة الرسمية للأحكام المختلطة سنة 14 صـ 154).
(ج) الدفع باصطناع الورقة بالتوقيع عليها بختم حقيقي أهمل صاحبه في حفظه فتمكن منه وزور به سندًا أو كمبيالة وحولها إلى غيره.
الدفع بالتزوير في قيمة الورقة بإضافة رقم عليها وكتابة القيمة كلها يعد تزويرها بالأحرف فيما ترك من الفضاء في صلبها - وصورتها أن ينشأ السند فيكتب في رأسه مبلغ الدين بالأرقام الهندية ويترك بعد ذلك بياض يسع كتابة هذا المبلغ بالحروف ثم يكتب صلب السند بغير ذكر له (كأن يُقال المبلغ المكتوب أعلاه) فيجيء صاحب السند وقد كان هو الكاتب له فيزيد في الأرقام الهندية رقمًا ثم يكتب فيما ترك من البياض المبلغ جميعه بالحروف، وأساس مسؤولية المزور عليه مدنيًا أو ساحبًا هو إهماله الفاحش في عدم كتابة الكمبيالة أو السند على الوجه الذي يمنع التزوير (راجع ثاللر صـ 844 شرح القانون التجاري).
(د) الدفع بتجاوز الموقع حدود وكالته بالتوقيع على ورقة لا حق له في التوقيع عليها بمقتضى سند الوكالة - اعتبر الأصيل ملزمًا بدفع القيمة على أساس ما يتحمله الأصيل قانونًا من المسؤولية عن أعمال القائمين مقامه في عمل من أعماله.
(هـ) الدفع بوفاء الدين لصاحب السند أو لأحد المحيلين السابقين، لا يصح إبداؤه في وجه الحامل رغم انقضاء الدين لتفريط المدين في عدم سحب السند عند الدفع في عدم التأشير عليه بالمخالفة (راجع نوته 1469 ثاللر شرح القانون التجاري وراجع ليون كان نوته 130 جزء 4) وراجع أحكام محكمة الإسكندرية المختلطة الصادرة في 10 فبراير سنة 1904 (المجلة سنة 16 صـ 133، و 18 فبراير سنة 1905 المجلة سنة 17 صـ 78).
نقول بعد ذلك أنه يمكن تقسيم الدفوع إلى قسمين: قسم يشمل الأوجه التي لا شأن لعمليات التحويل المتكررة في تطهير الدين منها وتبقى على جواز الدفع بها في وجه الحامل للورقة، وقسم يشمل الأوجه التي من شأن التحويل أن يطهر الدين منها فلا يجوز الدفع بها في وجه الحامل للورقة.
القسم الأول ويعدون منه أولاً الدفوع المتعلقة بالعيوب الشكلية الخاصة بما يجب أن تشتمل عليه الورقة من البيانات التي أوجب القانون ذكرها فيها لاعتبارها قانونًا كمبيالة أو سند تحت الإذن، كعدم ذكر التاريخ وعدم ذكر محل الدفع وعدم وحدة أجل الاستحقاق وعدم وحدة الدين، والأمران الأخيران من الأركان الضرورية لاعتبار الورقة تجارية (راجع أحكام محكمة الاستئناف المختلطة الصادرة في 18 أكتوبر سنة 78 المجموعة الرسمية سنة 4 صـ 25، وحكم 27 مارس سنة 89 المجلة سنة أولى صـ 113 و14 نوفمبر سنة 1889 المجلة سنة أولى صـ 320 التي اعتبرت السندات المشتملة على التزام عدة مدينين كل منهم بدين خاص ومقسط إلى آجال خاصة (والسندات المتضمنة لالتزام شخص بدين مقسط على آجال مختلفة) سندات عادية، وكذلك حكمت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الورقة التي لا تتضمن الالتزام بدفع مبلغ معين في أجل معين بل تضمنت الالتزام بدفع مبلغ كذا عن كل قنطار يتأخر عن توريده في ميعاد معلوم لا تعتبر سندًا تحت الإذن يكون حامله في حمى من الدفع بالأوجه التي يصح إبداؤها في وجه الدائن الأصلي بل يكون للمدين بها حق الدفع في وجهه بجميع ما كان يجوز له إبداؤه ضد الدائن الأصلي (راجع حكم 18 يناير سنة 1905 المجموعة سنة 17 صـ 79).
ومن ذلك الدفع بوجوب تصفية الحساب بين المسحوب عليه والساحب أو المحيل إذا ذكر في الكمبيالة أو التحويل مثلاً أن القيمة بالحساب (راجع الحكم الصادر في 15 فبراير سنة 1877 المجموعة الرسمية سنة ثانية صـ 123 الذي صدر بقبول هذا الدفع وراجع الحكم الصادر في 22 مايو سنة 1900 المجموعة الرسمية سنة 25 صـ 229 الذي صدر بعدم قبول الدفع)، والأصل في الدفوع المتعلقة بالشكل جواز الاحتجاج بها في وجه الحامل لأنه يجب عليه التحري عن استيفاء الشرائط القانونية الشكلية لصحة الورقة واعتبارها ورقة تجارية.
(ب) ويدخل في هذا القسم الدفع بعدم الأهلية (القصر والحجر والإفلاس وعدم الإذن بالتجارة للمرأة أو للقاصر) لأننا إذا اعتبرنا المدين قد دخل في المداينة مع حامل الورقة مباشرةً وجب لصحة اعتباره مدينًا أن يكون من ذوي الأهلية للالتزام وهذا يقتضي أن يكون له الحق في الدفع ببطلان الدين بسبب عدم الأهلية في وجه الحامل.
غير أن القاصر مثلاً قد يصرح في الورقة بأنه أهل للتصرف وقد يعطي للورقة بناءً على طلب الدائن تاريخًا غير صحيح يقع في أيام رشده ثم ينتظر الدائن بلوغ القاصر الرشد فيحول الورقة لغيره فهل يكون للقاصر في الصورتين حق الدفع بعدم الأهلية أم لا، قال الأستاذ ثاللر إذا كان الدائن قد انخدع بما قرره القاصر له فلا يلومن إلا نفسه إذا صدقه بغير تثبت ولا وجه لاعتبار القاصر مسؤولاً بالقيمة على اعتباره مرتكبًا بإقراره هذا جريمة مدنية عملاً بالمادة (1310) وأذن فله الحق في الدفع بالقصر لا في وجه الدائن الأصلي فحسب بل وفي وجه من احتال بالدين بعده لتفريطه في التثبت في أهلية المدين، وكذلك أجاب ثاللر عن المسألة في صورتها الثانية وإن كان الظاهر فيها كان يقتضي أن لا يكون للقاصر حق الدفاع فقط لأنه لم يكذب في أمر ترشده فحسب بل خدع كل من يتداول الورقة وأعجزه عن معرفة الحقيقة من مجرد الاطلاع عليها وفي ذلك يقول إن القانون لم يوجب على القاصر مسؤولية ما يرتكبه من الجرائم المدنية إلا إذا كان سيء القصد أو كان مهملاً إهمالاً فاحشًا والقاصر في إعطائه للورقة تاريخًا غير تاريخها الحقيقي لم يكن إلا مستسلمًا لإرادة دائنه (راجع مقال الأستاذ ثاللر تعليقًا على حكم محكمة باريس الاستئنافية الصادر في 17 يوليه سنة 894 المنشور في مجلة دالوز الدورية سنة 95 جزء 2 صـ 25).
ويقتضي هذا النظر أنه إذا تبين أن القاصر قد تواطأ مع دائنه الأول على إنشاء السند ثم على قطعه بتحويله واقتسام قيمته بينهما لصرفها في سبيل ملذاتهما وجب أن يكون مسؤولاً بغير شبهة وأن لا يصح الدفع منه بعدم الأهلية (راجع قراري محكمة الالتماس الصادرين في 18 نوفمبر سنة 98 و21 مارس سنة 99 - 1 - صـ 225، وكذلك إذا أعطى ساحب الكمبيالة لها تاريخًا غير تاريخها الحقيقي ليجعل سحبها الحاصل حقيقة بعد الإفلاس واقعًا قبله فإن الكمبيالة تكون باطلة ويكون لوكيل الديانة الاحتجاج بهذا الدفع في وجه حامل الكمبيالة ولو كان حسن النية (راجع ثاللر في مؤلفه في القانون التجاري نوته سنة 1469).
(ج) الدفع بتزوير الختم أو الإمضاء بالاصطناع أو التقليد يجوز إبداؤه في وجه حامل السند لأنه معدم للالتزام من جهة ولأن المنسوب له الختم أو الإمضاء لم يفرط من جهة أخرى في أمر يمكن اعتباره مسؤولاً عنه مدنيًا (راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 21 ديسمبر سنة 904 بلتان سنة 18 صـ 42).
وتصعب المسألة إذا أريد معرفة ما إذا كان يصح لغير المزور عليه ممن يكونون مسؤولين عن دفع قيمة الكمبيالة أن يدفع بالتزوير أم لا، وصورتها أن تفرض التزوير واقعًا على الساحب عند إنشاء الكمبيالة أو على أحد المحيلين عند تحويلها وتفرض أن الحامل رجع بقيمتها على غير المزور عليه، وقد أجيب عليها بأن من وقع على الكمبيالة من المحيلين عبد حصول التزوير لا يجوز له أن يدفع به في وجه الحامل لأنه كان يجب عليه أن يتأمل في الكمبيالة ويتعرف صحتها عند قبولها قبل أن يدخل هذا الواجب في واجبات الحامل، أما الموقعون عليها قبل التزوير فيقولون في شأنهم أن المسحوب عليه يجب عليه دفع قيمة الكمبيالة لحاملها لأنه لا يجب عليه التحري إلا عن صحة توقيع الساحب ليس إلا فإن ظهر مزورًا يكن مقصرًا فيما وجب عليه ومسؤولاً عن الدفع أما الساحب والمحيلون فقد قالوا: كان مقتضى النظر الفقهي أن لا يصح منهم الدفع بالتزوير في وجه حامل الورقة لأن التزوير وقع بعد توقيعهم وبعد خروج الورقة من أيديهم ولأن حامل السند هو الذي كان عليه التحري عن صحة التوقيعات الموضوعة على الكمبيالة قبل قبولها ولكن القانون لما جعلهم ضامنين الوفاء بقيمة الكمبيالة فلا سبيل لإفلاتهم من هذا الالتزام إلا إذا أثبتوا أنهم إذا دفعوا لحامل الكمبيالة اضطروا لدفع قيمتها مرة ثانية لآخر (كما إذا حصلت المعارضة في الدفع من ذي شأن)، وعلى ذلك فلا يقبل منهم الدفع بالتزوير (راجع دالوز قرار محكمة الالتماس الصادر في 30 يناير سنة 50) (الدورية سنة 50 - 1 - 75).
(د) ويعدون من هذا القسم أيضًا الدفع بالإكراه فيجوزون إبداءه في وجه كل شخص سواء أكان هو الذي وقع منه الإكراه أم لا لأن الإكراه على ما تدل عليه المادة (111) من القانون المدني مبطل للعقد حتى لو كان المكره أجنبيًا عنه.
ويقول ثاللر أن الفقهاء مع ذلك قد ابتدأوا في التسوية بين الإكراه والغش، فمنعوا المكره من حق الدفع بالإكراه كما منعوا المغشوش من الدفع بالغش في وجه الحامل بناءً على تعذر انكشاف الإكراه والغش عليه بمجرد اطلاعه على الورقة (راجع ثاللر شرح القانون التجاري آخر نوته 1471).
أما القسم الثاني فيشمل أسباب إبطال الدين وأسباب انقضائه فيعدون في النوع الأول من هذا القسم الدفع بالغش وبعدم وجود سبب ما للالتزام وبعدم مشروعيته.
الغش فأما الغش فلا يصح الدفع به إلا في وجه الغاش وعلى ذلك فلا يجوز لقابل الكمبيالة المسحوبة عليه تحت تأثير الغش من الساحب أن يدفع ببطلان قبوله في وجه حاملها حسن النية (راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 10 فبراير سنة 1904 مجلة البلتان سنة 16 صـ 133).
الدفع بعدم وجود سبب ما للالتزام أو بعدم صحة سببه فإذا باع زيد لبكر عقارًا وكتب المشتري بالثمن سندًا لحامله ثم تبين أن البائع غير مالك لما باعه وانعدم السبب له، فلا يجوز للمشتري مع ذلك أن يدفع ببطلان الالتزام في وجه حامل السند الذي احتال بقيمته بعد أن دفعها.
وكذلك الدفع بعدم مشروعية السبب لمخالفته للقانون والآداب أو النظام فإذا كتب من خسر في لعب القمار سندًا فإنه لا يجوز له أن يدفع بعدم مشروعية السبب في وجه من احتال السند، وكذلك الدفع بالربا لا يصح الدفع به في وجه حامل الورقة (حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 27 مارس سنة 1901 بلتان سنة 13 صـ 217).
ويعدون تحت النوع الثاني من القسم الثاني أسباب الفسخ كالرد بالعيب والاستحقاق فإذا سحبت الكمبيالة أو حرر السند لدفع ثمن ثم ظهر بالبيع عيب خفي وفسخ البيع به فإذا بقى البائع صاحب الكمبيالة أو السند فللمشتري أن يدفع ببراءته من الثمن وإن خرجت من يده بالتحويل فلا يكون للمشتري الحق في إبداء هذا الدفع في وجه الحامل حسن النية.
وكذلك يعدون تحت هذا النوع أسباب الانقضاء كالدفع والمقاصة واتحاد الذمة فإذا صار المدين دائنًا لأحد المحيلين وأمكنت المقاصة في الدينين فلا يجوز له مع ذلك أن يدفع بهذه المقاصة في وجه حامل السند وإذا حول زيد الكمبيالة مثلاً إلى أمر وأذن بكر القابل لها من قبيل سداد لدين جد عليه له فأصبحت الكمبيالة في يده واجتمع في شخصه صفتا الدائن والمدين انقضى الدين باتحاد الذمة وأصبح لا يستطيع مطالبة نفسه بالدين من جهة ولا الرجوع بقيمتها على المحيلين ولا على الساحب لها لأنه بصفته قابلاً للكمبيالة قد ضمن لهم الوفاء بقيمتها، فإذا حولها لآخر وهذا لثانٍ وهذا لثالث مثلاً كان للحامل الأخير الحق في المطالبة بقيمتها فإذا اجتمعت صفتا الدائنية والمديونية في أحد المحيلين مثلاً فإنه لا يستطيع الرجوع بالقيمة على الموقعين بعده على الكمبيالة لأنه قد ضمن لهم وفاء قيمتها أما حقه في الرجوع على من سبقه من المحيلين وعلى المسحوب عليه فلا شبهة فيه وبهذا يظهر الفرق بين المحيل وبين القابل لكمبيالته (راجع ثاللر نوته سنة 1474 حسن النية في هذا الباب اشترطما فيما سبق إيراده لعدم جواز الاحتجاج بالدفوع أن يكون حامل الورقة حسن النية والظاهر أنه متى كانت العلة في عدم جواز الاحتجاج بالدفوع في وجه حامل السند هو حمايته مما لم يستطع العلم به مما عساه يبطل عليه الدين أو يفسده أو يزيله، وجب أن يحص الدفع بما علمه من الدفوع التي لم يمنعه العلم بها من تداول الورقة ويقول أسمن أنه هذا الذي جرى عليه القضاء (راجع قرار الالتماس في 19 مارس سنة 1860 سيريه سنة 61 - 1 - 68)، وقرار 18 أكتوبر سنة 86 سيريه سنة 86 - 1 - 470.
ويرى ليون كان وريتولت جزء رابع نمرة 131 وثاللر نونة سنة 1473 أن حامل السند لا يعتبر سيء النية إلا في صورة ما إذا كان إنشاء الورقة نتيجة لعمل غير شرعي اشترك فيه كالغش والإكراه وقصد أن يكون حاملاً للورقة ليفسد على صاحب الدفع دفعه أما في غير هذه الأحوال فلا يهم أن يكون حامل السند عالمًا بأوجه الدفع أو جاهلاً لها ما دام قد قبل الورقة في ظروف عادية وبعد أن دفع قيمتها.
ويقول الأستاذ بول أسمن أن الأخذ بهذا المذهب لا يصح إلا في الأحوال التي يكون فيها مجرد التوقيع على الورقة دالاً على التنازل الضمني عن الدفوع كالدفع بالمقاصة واتحاد الذمة أو التقادم لأنه لا يستقيم التوقيع على الورقة مع علم الموقع بما كان له من الدفوع إلا على حكم التنازل عن التمسك بها، أما الدفوع المتعلقة بالرضاء والسبب فلا يجوز مطلقًا أن يحرم صاحبها من الدفع بها في وجه من علمها وقبل مع ذلك تناول الورقة بقصد المطالبة بقيمتها لأنه يكون قد تدخل في عمل غير مشروع أو مخالف للقانون كان يجب عليه أن يبتعد عنه هذا فضلاً عن أن قاعدة عدم جواز الاحتجاج بالدفوع لا تقوم إلا على حماية من يتداولون الأوراق وهم غير عالمين بظروف وملابسات إنشائها وتحويلها.
ونظن أن سبب هذا الخلاف هو أن ليون كان وتاللر من أنصار ومذهب الالتزام الفردي الذي يقوم على اعتبار الورقة التجارية سندًا كاملاً بنفسه منفكًا معرى عن ظروف الأحوال والملابسات التي نشأ عنها كما يقوم مذهب العلامة أسمن على ما اقتضته ضرورة التعامل بالأوراق من توزيع واجبات التحري والاستعلام بين المسحوب عليه والمسحوب له والمحولين والمحتالين وحماية من يتداولون الأوراق مما عساه يجهلونه من ظروف تحريرها وتحويلها.

حامد فهمي
المحامي

[(1)] هذا اللفظ مأخوذ من تنقيح الفتاوى الحميدية الجزء الثاني صـ 48، وهو ترجمة effets de complaisance


          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  1

            


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 968 / عدد الاعضاء 63