اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية           في الأوامر على العرائض أو اختصاص القاضي الإداري

        
 
  المؤلف : عبد الفتاح السيد   المصدر : مجلة المحاماة - مصر سنة 1923
    في الأوامر على العرائض أو اختصاص القاضي الإداري

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة الرابعة - ديسمبر

في الأوامر على العرائض
أو اختصاص القاضي الإداري

يُحسن بنا في موضوع كهذا عظيم الشأن أن نبدأ بلمحة تاريخية عن سلطة القاضي الإدارية وأن نتناول بحثه وتمحيصه من عهد القانون الروماني لما في ذلك من جليل الفائدة وتعرف ما للتقاليد من الأثر في التشريع مهما تقادم عليها العهد وقد نستخلص من استعراض الماضي البعيد ولو بطريق الإيجاز نتائج يصح التعويل عليها في مختلف المباحث إذ لا يكفي لمعرفة أحكام القانون وتفهم حقيقة نصوصه وإزالة ما يحيط بها من اللبس الناتج من اقتضاب النصوص وخلوها من الجلاء والوضوح أن نرجع إلى القانون الفرنسي وحده بل ينبغي أيضًا أن نبحث عن بعض القواعد على ضوء العصور الغابرة فقد تكون كفيلة بأن توصلنا إلى حالتنا التي ننشدها.
لذلك نقسم الكلام هنا إلى المباحث الآتية:
1 - القانون الروماني.
2 - القانون الفرنسي القديم.
3 - القانون الفرنسي الحديث.
4 - الشريعة الإسلامية.
5 - القانون المصري.
6 - الطعن في أوامر الصرف وحجز الدين.
وهاك بيان كل من هذه المباحث:

(1)
القانون الروماني

كان للقضاة في القانون الروماني نوعان من الاختصاص القضائي، وهما الاختصاص القضائي Attribution de juridiction والاختصاص الإداري Imperium.
والمقصود بالاختصاص القضائي هو ما كان للقاضي الروماني من حق الفصل في المشكلات التي تُرفع إليه في شكل دعاوى بالمعنى الصحيح وهذه المهمة كانت معهودة في روما إلى قاضيين الأول قاضي الشكل Magistrat وكانت مهمته مقصورة على صوغ الإجراءات في قالب قانوني دون تدخل في موضوع الدعوى - الثاني قاضي الموضوع judex وهو الذي تحال إليه الدعوى من الأول فيفصل فيها وكان هذا القاضي يختار من بين أفراد الناس، أما الأول فكان موظفًا حكوميًا.
أما القضاء الإداري فكان عبارة عن الأوامر التي يصدرها القاضي بما له من الولاية العامة Imperium بغير تحرٍ لوقائع الدعوى كالأمر الصادر لشخص بوضع يده على عقار Missiones in Possessionem أو الأمر الصادر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه Les restitutiones in integrum وذلك بإبطال حكم الالتزام وإرجاع المغبون إلى حالته التي كان فيها قبل التعاقد.
ويُفهم مما تقدم أن وظيفة القاضي الروماني في المسائل الإدارية أو بعبارة أخرى الإرادية (Volontaires) أهم بكثير من وظيفته القضائية إذ هذه كما ذكرنا كانت منحصرة في تحضير الدعوى وتيسير الأمر على أرباب الحقوق من أجل الوصول إليها في الدور الأول من الخصومة in judicio أما الأوامر فكان القاضي ينشئ بها الحقوق بمعنى أنه كان المصدر الذي يستمد منه طالب الحق حقه.
وكان يدخل في سلطة القاضي الإدارية الإشراف على الانتقال الحقوق العينية والعتق والتبني بطريقة الدعوى الصورية in jure cessio ومن مقتضى إجراءات هذه الدعوى أن المدعي يطالب بحقه فيسكت المدعى عليه ولا يدفع الدعوى بأي وجه فيكون من القاضي عندئذٍ تدوين ما حصل أمامه وتكون النتيجة في الواقع انتقال الحق من يد المدعى عليه إلى يد المدعي.
ومن الممكن أن نلخص الفروق بين السلطة القضائية والسلطة الإدارية في القانون الروماني فيما يأتي:
1 - استعمال القاضي سلطته الإدارية خارج محكمته وما كان هناك من ضرورة لحضور الضابط الذي كان يتحتم أن يتقدم القاضي عادةً عند قيامه بوظيفة القضاء الحقيقي.
2 - لا يفقد القاضي حق استعمال سلطته الإدارية خارج دائرة ولايته القضائية إذ هذا الحق من المزايا المرتبطة بشخصه بصفة فخرية a titre honorifique.
3 - كان للقاضي حق إتيان الأعمال الإدارية لأهله وذويه بخلاف الأعمال القضائية المتعلقة بهم فكان ممنوعًا منها.
4 - للقاضي إجراء الأعمال الإدارية حتى في أيام الأعياد وليس الأمر كذلك فيها بالنسبة للسلطة القضائية.

(2)
القانون الفرنسي القديم

كان للقانون الروماني كما كان لأحكام الديانة المسيحية تأثير تام في تكوين نظرية القضاء الإداري في التشريع الفرنسي القديم إذ تبين مما ذكرنا عن القانون الروماني أن الاتفاقات التي تحصل أمام القاضي كالبيع والعتق والتبني وغير ذلك تُعد من قبيل القضاء الولائي أو الإداري.
وكانت تقضي مبادئ الشريعة المسيحية أيضًا بأن هناك وظيفتين للقضاء: الأولى إدارية وهي المقررة للمسائل الروحية أو شبه الروحية كالأوامر الصادرة بالترخيص بالتبشير والإرشاد وبقبول أحد الأفراد في سلك الرهبنة وغير ذلك وكانت سلطة إصدار هذه الأوامر محولة للأسقف أو وكيله، والثانية قضائية وكان يقوم بها قاضٍ خاص إذا ما طرأ نزاع بين أحد رجال الكهنوت وأحد أفراد الناس.
وكان من نتائج تأثير النظريتين الرومانية والمسيحية أن أعمال القضاء الإداري أصبحت على نوعين: الأول وهو الذي يكفي فيه أن يتم أمره على يد السلطة القضائية أو يقع بتصديق منها، والثاني وهو الذي يجب أن يصدر بشأنه من القاضي قرار ويشمل النوع الأول التبني adoption وإثبات الرشد emancipation والعتق manumission ويشمل الثاني بيع عقار الصغير وعتق رقيق الصغير.
وكان من مقتضى النظرية القديمة عد الموثقين كموظفين قائمين بشطر من سلطة القضاء الإدارية.

(3)
القانون الفرنسي الحديث

جاء القانون الفرنسي الحديث خلوًا من أية إشارة خاصة إلى سلطة القضاء الإدارية.
نعم أن القانون المدني أشار إلى اختصاص غرفة المشورة chambre du conseil بإصدار الإذن في بعض المسائل غير أنه لم يكن ليضع قواعد صحيحة تصلح لتكييف نظرية السلطة الإدارية للقاضي.
كذلك نصت المادة (588) مرافعات على اختصاص رئيس المحكمة بإصدار أوامر حجز الدين Saisie arrêt .
وهناك نصوص أخرى متعلقة بالأوامر التي يصدرها رئيس المحكمة أو غرفة المشورة لا نرى حاجة لبيانها إلا أن النصوص خالية من بيان ما يجب اتباعه من الإجراءات وطرق الطعن في هذه الأوامر، وقد كان صمت النصوص داعيًا إلى أن يضع أهل العلم والدراية من رجال القانون قواعد لهذه السلطة تحديدًا لنطاقها وتبيانًا لطرق الطعن فيها.
وقد فرقوا بين السلطة القضائية والسلطة الإدارية وقالوا بأن مجال الأولى في الخصومات بالمعنى الحقيقي أي المنازعات التي تقوم بين مدعٍ ومدعى عليه، أما الثانية فتكون في غير الخصومات وينبني على ذلك في عرفهم أن هناك مميزات ثلاث للأمر الإداري وهي:
أولاً: الأمر الإداري لا يحوز على العموم قوة قضاء القاضي وهو ما يسمح للقاضي بسحب الأمر بعد منحه.
ثانيًا: يجوز الطعن في الأمر الإداري بالبطلان بصفة أصلية.
ثالثًا: الأوامر الإدارية غير قابلة للطعن مبدئيًا ولو أن هذا الفارق الأخير محل خلاف كما سيأتي.
أما منشأ هذا الخلاف الذي أشرنا إليه فهو أن بعضهم يرى أن الأوامر الإدارية لا يمكن إلغاؤها بعد صدورها وغاية ما هنالك أن إزالة أثرها لا تكون إلا بدعوى بطلان أصلية تُرفع من المأخوذ ضده الأمر ويرى آخرون جواز التظلم منها ثم الطعن فيها بعد أن تكون قد تحولت إلى خصومة حقيقية.
ولا حاجة بنا إلى زيادة التوسع فيما هو عليه الحال في فرنسا إذ فيما قلناه الكفاية للمقارنة بالقانون المصري ومعرفة ما كان للتشريع والقضاء الفرنسيين من الأثر في تشريعنا.

(4)
الشريعة الإسلامية

يقسم علماء الفقه القضاء إلى ثلاثة أقسام:
قولي وفعلي وضمني. وقد رأينا أن نأتي على تعريف كل منها وإن كان لا يهمنا من أمرها سوى الأول والثاني إلا أن تمام الفائدة يقضي علينا بالإتيان على تعريفها جميعًا.
فالقضاء القولي: يرجع إلى سلطة القاضي القضائية ومحله الخصومات بالمعنى الصحيح.
والفعلي: وهو بعينه القضاء الإداري ومرجعه الولاية العامة للقاضي فلا يحتاج إلى دعوى بل يكفي فيه إذن القاضي أو أمره بتزويج الصغير واليتيم وشراء وبيع مال اليتيم وقسمة عقاره مثلاً ومن المعلوم أن بعض ما ذكر أصبح مخولاً الآن للمجالس الحسبية.
والقضاء الضمني: يكون المحكوم فيه غير مقصود بالذات بل هو داخل ضمن المحكوم به قصدًا كما لو شهد اثنان بأن زوجة وكلت زوجها في أمر من الأمور على خصم منكر وحكم القاضي بتوكيلها كان هذا الحكم قضاءً بالزوجية وإن لم تكن الدعوى في حادثة الزوجية.
وقد جاءت اللائحة الشرعية بنصوص تتفق كل الاتفاق مع تقسيم القضاء إلى قولي وفعلي والأول هو الاختصاص الأصلي فلا حاجة للتعرض له بأكثر مما تقدم. أما الثاني فهو اختصاص تبعي وقد نصت المادة (28) من لائحة الإجراءات على أن التصرفات في الأوقات من إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر واستبدال وإذن بعمارة أو تأجير أو استدانة أو بخصومة وغير ذلك تكون من خصائص هيئة المحكمة التي تكون في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكثر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل توطن الناظر كما نصت المادة (29) على أن الإذن في غير الأوقاف بجميع مقتضياته الشرعية من اختصاص رؤساء المحاكم والقضاة الجزئيين في دائرة اختصاصهم وكذا تزويج من لا ولي له من الأيتام وغيرهم.
ويلحق بما تقدم إشهادات تحقيق الوفاة والوراثة وأوامر تقدير أجور الخبراء ومصروفاتهم ونحو ذلك مما نصت عليه اللائحة.
وكانت هذه المسائل فيما سبق غير قابلة للاستئناف على اعتبار أنها أوامر إدارية، أما الآن فقد أصبح الاستئناف جائزًا بمقتضى القانون نمرة (33) المعدل للمادة (7) في المسائل الآتية:
( أ ) إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر وإذن أحد الناظرين بالانفراد ولو في عمل خاص ورفض الإذن بالخصومة والإذن بمخالفة شرط الواقف مهما كانت قيمة الأعيان الموقوفة.
(ب) الموافقة على الاستبدال أو عدم الموافقة عليه والإذن بالاستدانة والتحكير والتأجير لمدة طويلة وبيع العقار الموقوف لسداد دين إذا كانت قيمة الأعيان الموقوفة تزيد على خمسمائة جنيه مصري.
أما ما خرج عن دائرة التصرفات المذكورة سواء في الأوقاف أو في غيرها وكذا جميع المسائل الإدارية الأخرى كل ذلك يكون غير قابل للاستئناف طبقًا للمادة (31) من اللائحة ونصها (متى نُظر شيء مما ذُكر بمادتي (28) و(29) لدى من له حق النظر فيه فليس لغيره نظرة).
أما ما لم يُذكر بهاتين المادتين فلا يطعن فيه أيضًا إذ حكمه كحكم سائر الأوامر الإدارية وبمعزل عن الأحكام.
هذا وتجوز المعارضة في تقدير أجرة أهل الخبرة وتفصل فيها المحكمة المختصة بالقضية الأصلية نهائيًا (م 236 إلى 239 من اللائحة).
ونلاحظ أن تعديل المادة (7) كان يقتضي تعديل المادة (31) التي جاءت في حكمها منطبقة على كل ما ورد بالمادتين (28) و(29) مع أن جُل ما تضمنته المادة (28) أصبح استئنافه جائزًا، ومهما كانت المسألة قليلة الشأن في حد ذاتها إلا أن انسجام النصوص وانتفاء كل تعارض ولو ظاهريًا كان يقتضي أن يضاف إلى المادة (31) عبارة تؤدي إلى أن ما جاء بها لا يخل بالتعديل الطارئ على المادة (7).
ومما تقدم يتبين أن هناك أوجه شبه بين القواعد الأساسية في السلطتين القضائية والإدارية في كل من القانون الروماني والشريعة الإسلامية.

(5)
القانون المصري

لاحظ الشارع المصري ما في القانون الفرنسي من نقص فأراد تلافيه بما أتى به من النصوص في فصل خاص مسترشدًا في ذلك بآراء رجال العلم وقضاء المحاكم، وإنا لنورد فيما يلي المواد المتعلقة بهذا الموضوع لتسهيل الإلمام والرجوع إليها في بحثنا هذا.
(م 127):
في الأحوال التي يكون للخصم فيها وجه في طلب صدور أمر يقدم عريضة بذلك إلى رئيس المحكمة أو إلى القاضي المعين للأمور الوقتية - تطابق (م 130) مختلط.
(م 128):
يجب على رئيس المحكمة أو القاضي المذكور أن يكتب أمره في ذيل العريضة ولو كان بعدم قبولها - تطابق (م 131) مختلط.
(م 129):
يترك مقدم العريضة نسخة منها عند رئيس المحكمة أو القاضي ليسلمها مع صورة من أمره ممضاة منه إلى كاتب المحكمة بغير تأخير - تطابق (م 132) مختلط.
(م 130):
لمن قدم العريضة وللخصم الذي أعلن الأمر إليه الحق في التظلم من الأمر إلى المحكمة مع تكليف الخصم الآخر بالحضور أمامها بمقتضى علم خبر إنما لا يترتب على هذا التظلم توقيف تنفيذ الأمر تنفيذًا مؤقتًا إذ أنه واجب حتمًا.
ويجوز أيضًا أن يكون التظلم من الأمر منضمًا بالتبعية إلى الدعوى الأصلية في أي حالة كانت عليها الدعوى بدون أن يترتب على ذلك سقوط حق بسبب مضي الميعاد - تطابق (م 133) مختلط.
(م 131):
لا تُذكر في الأوامر الأسباب التي بنيت عليها إنما الأوامر التي تكون منافية لأمر سابق صدوره من نفس الآمر أو غيره لا بد أن تكون مشتملة على بيان الأحوال الجديدة التي اقتضت إصدارها وإلا كانت لاغية - تطابق (م 134) مختلط.
(م 132):
وفضلاً عما ذُكر يكون للخصم الذي صدر عليه الأمر الحق دائمًا في أن يتظلم من نفس الأمر مع تكليف الخصم الآخر بالحضور بمقتضى علم خبر - تقابل (م 135) مختلط ونصها:
(للخصم الذي صدر الأمر عليه الحق أيضًا في أن يتظلم منه لنفس الآمر ويكون التظلم إليه بصفة كونه في هيئة محكمة الأمور المستعجلة).

حدود القضاء الإداري

لم يبين القانون الدائرة التي يعمل فيها القاضي بما له من الولاية الإدارية بل ضرب لنا أمثلة كثيرة في بعض مواده وإنا لنورد كثيرًا منها لنقف على ما إذا كان يمكن بناؤها على أساس ثابت وإرجاعها إلى قواعد معينة بحيث إنها تكون لنا نموذجًا يساعدنا على تعرف الأعمال الإدارية والوقوف على كنهها وحقيقتها والفصل بينها وبين غيرها من الأعمال التي تقتضي بطبيعتها أن تكون موضوع خصومة بالمعنى الحقيقي.
( أ ) تنقيص المواعيد القانونية في تحديد الجلسات للدعاوى (م 49/ 38 و39 و40).
(ب) توقيع حجز ما للمدين لدى الغير عند عدم وجود سند بيد الدائن أو كان السند الموجود غير خالٍ من النزاع (م 412/ 473).
(جـ) الحجز التحفظي المخول للمؤجر على ما بالعقار من المنقولات (م 668/ 669 و670/ 760 و761).
(د) الحجز المخول للمالك على منقولاته التي بيد الغير (م 678/ 767).
(هـ) حق الاختصاص المخول للدائن على عقارات مدينه إذا كان بيده سند رسمي (م 681/ 769).
(و) تعيين يوم للتحقيق (م 183 و258 و285/ 211 و299 و326).
(ز) أمر تقدير مصروفات الدعوى (م 116/ 121).
(ح) صدور الأمر بإجراء التوزيع (م 514/ 578).
(ط) الأمر بإعفاء الراسي عليه المزاد من تقديم كفالة (م 575/ 657).
(ي) الأمر بتوقيع الحجز على المدين الذي ليس له مقر بالديار المصرية (م 671/ 764).
(ك) توقيع الحجز لحامل الكمبيالة أو السند تحت الإذن (م 675/ 764).
(ل) الأمر بتنفيذ أحكام المحكمين (م 725/ 814).
(م) أوامر قاضي التفليسة (م 236/ 244 تجاري).
(ن) الإذن للمرتهن التجاري ببيع المنقولات المرهونة (م 78/ 84 تجاري).
(س) الإذن للوكيل بالعمولة ببيع البضائع الموجودة تحت يده لحصوله على دينه (م 89/ 92 تجاري).
(ع) الأمر بالمطالبة بدفع قيمة كمبيالة ضائعة (م 150/ 157 تجاري).
(ف) وضع الأختام على أموال المدين المفلس أو عمل أي طريقة أخرى من الطرق التحفظية (م 204/ 213 تجاري).
بقي علينا بعد أن أوردنا الأمثلة المتقدمة أن نبحث عما إذا كان لهذه الحالات كما قلنا قاعدة قانونية يمكن إرجاعها إليها واعتبارها طابعًا لها يميزها عن سواها.
إنا لا نرى ذلك وغاية ما يمكن أن يقال إن خاصية الأمر الإداري هي أنه صادر بناءً على عريضة تُرفع للقاضي بينما الحكم القضائي لا يكون إلا بناءً على عريضة تعلن للخصم إلا أن هذه الخاصية لا تؤدي إلى تعرف العمل الإداري إذ هي لا ترجع إلى طبيعة موضوع الطلب ذاته بل إلى الإجراءات التي تُتبع لدى القاضي. ولكن المهم أن يعرف كنه العمل الإداري قبل الشروع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحصول عليه حتى تزل قدم الطالب فيخطئ من جهة طلب أمر في مسألة قضائية صرفة. وقد يجوز أن يرتكب العكس فيرفع دعوى حيث كان يكفيه أن يستصدر أمرًا من القاضي بطلباته.
ومما يؤيد قولنا إن هذه الحالات التي خول القانون صاحب الشأن فيها استصدار أمر من القاضي لإجراء مقتضياتها تختلف أغراضها وتتباين أسبابها إننا إذا نظرنا إلى الحجز التحفظي خلناه لا يعطى إلا بناءً على خصومة في بدء التكوين والظهور إلا أنها خصومة بالمعنى الحقيقي إذ لدينا مؤجر ومستأجر تتعارض مصلحة كل منها ومصلحة الآخر ولا يكون للحجز أثر ما إلا إذا نظرت المحكمة الدعوى وفصلت فيها لمصلحة الحاجز.
أما الذي برر وقوع الحجز بناءً على عريضة هو مصلحة المؤجر التي أراد الشارع أن تكون محلاً لرعايته فخول القاضي أن يأذن بتوقيع الحجز على غرة من المستأجر حتى لا يعبث بتلك المصلحة بمبادرته إلى تهريب الأمتعة إذا كان لا بد من أن تكون الدعوى سابقة على الحجز إذ يجب فيها إعلان الخصم بادئ ذي بدء.
أما أمر التقدير فيكون بأمر بناءً على أن المصروفات محكوم بها قضاءً ولم يبقَ سوى معرفة مقدارها وليس هناك من داعٍ لأن يكون هذا التقدير موضوع خصومة في بدء الأمر.
ووضع الأختام بأمر من رئيس المحكمة على منقولات المفلس لم يكن المقصود منه إلا التناهي في السرعة.
وإنا نكتفي بما أوردناه من أسباب استصدار الأوامر المتقدمة وما على القارئ إلا الرجوع إلى كل حال على حدة إذ منها يتبين له بلا عناء السبب الداعي إلى استصدار أمر قاضي الأمور الوقتية أو خلافه فيها.
على أنه مع ذلك سواء في الأهلي أو المختلط نرى في الغالب الأوامر متعلقة بخصومة مرفوعة أو على وشك أن تُرفع إلى القضاء والمرجع في ذلك كله النصوص القانونية المبعثرة في مختلف القوانين وكذا القياس وحُسن تصرف القضاة وما يستعملونه في القيام بولايتهم الإدارية من الفطنة والحذق وما تمليه عليهم درايتهم وحُسن خبرتهم.
وإليك بعض الأمثلة التي لم يرد في القانون نصوص خاصة بشأنها إلا أن التصرف فيها يرجع إلى سلطة القاضي الإدارية:
1 - حجز المقلدات فقد ألف من يقع عليهم ضرر التقليد في مصنوعاتهم أن يلجأوا إلى القاضي ليصدر أمره بحجز المقلدات توطئة لرفع الدعوى.
2 - الأمر في جني المحصولات والثمار المحجوز عليها لعدم احتمالها الإرجاء.
3 - الأمر ببيع المحجوزات التي يتسارع إليها الفساد.
أما في القضاء الشرعي فقد يصدر القاضي أو رئيس المحكمة أوامر بناءً على عرائض بدون أن تكون هناك خصومة قائمة حالاً أو أنها ستقام بعد حين ومن الأمثلة على ذلك التصرفات في الأوقاف وزواج من لا ولي له وغير ذلك مما ذكرناه آنفًا.

التفريق بين الأوامر الإدارية والأحكام القضائية

ذكرنا ما هو مقرر في كتب الشراح الفرنسيين من أوجه الفرق بين الأوامر والأحكام وأنا مع إقرارنا الفرقين الأول والثاني وهما:
1 - كون الأوامر ليس لها قوة قضاء القاضي.
2 - إمكان الطعن فيها بالبطلان بطريقة أصلية.
نقول إن الفرق الثالث المختلف فيه في فرنسا لا يمكن التسليم به في مصر لأن النصوص عندنا صريحة في إمكان التظلم من الأوامر سواء لنفس الآمر أو للمحكمة - أما من جهة الاستئناف فإن الأمر بعد رفعه إلى المحكمة يتحول إلى خصومة بالمعنى الحقيقي ويكون بذلك قد خرج من ولاية القاضي المعبر عنها بلفظة imperium في القانون الروماني إلى سلطة المحكمة المعبر عنها بلفظة judictio ويمكن أن يقال بعبارة أخرى إنه بالتظلم إلى المحكمة قد تحولت الإجراءات الإدارية إلى إجراءات قضائية كما هو الحال في استبدال الدين بآخر وذلك بانتقالها من إجراءات ذات طرف إلى إجراءات ذات طرفين.
الإجراءات: أما الإجراءات التي تُتبع في استصدار الأوامر فمبينة في المواد التي أوردنا نصوصها فيما سبق وهي في غنى عن الإيضاح.

القاضي المختص بإصدار الأوامر

لما كانت المواد المتعلقة بالأوامر على العرائض (127) إلى (132) مأخوذة عن المواد المختلطة (130) إلى (135) وكان القانون المختلط أحال النظر في الأوامر على قاضي الأمور الوقتية سواء كان رئيس المحكمة أو من يندب لذلك دون أن يعهد بهذه المهمة للقاضي الجزئي بصفة أصلية كان المتبادر لأول وهلة من تلاوة هذه المواد أن الاختصاص الوارد بها هو لرئيس المحكمة أو القاضي الأمور الوقتية في المحكمة الكلية إذا كان هذا القاضي هو غير رئيس المحكمة.
ولكن لما كان قاضي الأمور الجزئية في القضاء الأهلي هو في آنٍ واحد قاضٍ للأمور الوقتية في حدود وظيفته بدليل تخويله حق إعطاء الأمر بتوقيع الحجوز التحفظية المختلفة بخلاف زميله المختلط إذ لا يملك هذا الحق بل انفرد به رئيس المحكمة أو قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكلية كما تقدم، قلنا لما كان الأمر كذلك تحتم التوسع في تفسير المواد المشار إليها بحيث إن نصها يجب حتمًا أن يشمل في آنٍ واحد القاضي المذكور دون التقيد بما عليه الحال في القضاء المختلط لاختلاف القواعد فيما يتعلق بالاختصاص في كل من التشريعين عن الآخر.
وعدا ما تقدم فإن هناك أحوالاً خاصة يكون إصدار الأوامر فيها من قضاة آخرين كما هو الحال بالنسبة لقاضي التفليسة وهذا واضح من الأمثلة المتعددة التي سبق أن أتينا عليها كما هو الحال بالنسبة لأتعاب المحاماة وأجر الخبير فإن تقدير كل منهما يكون من اختصاص المحكمة التي نظرت الدعوى سواء كان القاضي الجزئي أو قاضي الأمور المستعجلة.
وقد تكون السلطة الإدارية موكولة في بعض الأحيان إلى هيئة المحكمة كما هو الشأن في القضاء الشرعي فقد سبق أن ذكرنا أن التصرفات في الأوقاف من اختصاص هيئة المحكمة الابتدائية مما يعبر عنه في القضاء الأهلي في مثل هذا المقام بغرفة المشورة.

الطعن في الأوامر

نصت المادة (130/ 134) على جواز رفع التظلم إلى المحكمة ونصت المادة (132/ 135) على إمكان رفع التظلم لنفس الآمر من الخصم الذي صدر عليه الأمر أما التظلم إلى المحكمة فحق لمقدم العريضة وللخصم الذي أعلن إليه الأمر بصريح النص.
ولكن التظلم إلى الآمر نفسه لا يكون إلا من الخصم الذي صدر الأمر ضده وهو المحجوز عليه دون سواه تطبيقًا لنص المادة (132/ 135).
إلا أن إحدى المحاكم قضت في العهد الأخير بإمكان حصول التظلم من كل من يصيبه ضرر من الحجز ارتكانًا إلى اختلاف التعبيرين في كل من المادتين (130) و(132) إذ ذكرت الأولى الخصم (المعلن إليه) contre laquelle l'ordonnance a eté signifiée بينما ورد في الثانية (من صدر الأمر عليه) contre laquelle l'ordonnance a été rendue ومما قالت المحكمة في حكمها (إن هناك معنيين متفاوتين فعبارة (من صدر الأمر عليه) يصح أن يقال باحتمالها معنى أوسع من عبارة (أعلن الأمر إليه) إذ قد ينصرف التعبير الأول دون الثاني إلى من يصيبه ضرر من الأمر الصادر من القاضي).
ثم حاولت المحكمة أن تؤيد نظريتها هذه بقولها إن المادة (132) التي استعمل فيها هذا التعبير (من صدر الأمر عليه) هي الخاصة بالتظلم السريع أي التظلم أمام مصدر الأمر أمكن إدراك حكمة خفية قد تكون هي الداعي إلى تعمد هذا التباين في التعبير وتلك الحكمة هي أنه في حالة التظلم أمام المحكمة طبقًا للمادة (130) يمكن من أصابه ضرر من الأمر أن يدخل خصمًا ثالثًا أمامها في دعوى التظلم أو في الدعوى الأصلية أو يرفع دعوى استرداد مستقلة إذا كان الأمر صدر بالحجز وكل هذه الإجراءات متقاربة الأجل فلا داعي إذن لأن ينص بعبارة (من صدر عليه الأمر) تلك العبارة الواسعة المدى واكتفي بذكر (من أعلن إليه) الأمر - أما في حالة المادة (132) عندما يكون التظلم أمام مصدر الأمر فإن اختصاص القاضي اختصاص إداري لا يمكن معه دخول خصم ثالث أمامه وقد يكون الخصم الظاهر متواطئًا مع مستصدر الأمر فلا يتظلم للقاضي الآمر ولا للمحكمة من أجل ذلك قد توسع الشارع في ذكر من يمكنهم رفع التظلم فيشمل الحق كل من أصابه ضرر من أمر القاضي. ويلاحظ هنا أنه يوجد رأي يقول إن التظلم أمام القاضي مصدر الأمر يحرم من التظلم فيما بعد للمحكمة وهذا مما يجعل الحكمة في مد حق التظلم أمام القاضي لكل من يصيبه ضرر أكثر نصوعًا (راجع حكم الزقازيق 12 فبراير سنة 1920 منشور في المجموعة الرسمية سنة 1920 صفحة 95) [(1)].
هكذا رأت المحكمة وإنا لا نجاريها فيما قررت بل إن كل ما استند إليه بعيد عن الصواب.
فقد استندت إلى اختلاف التعبيرين مع أنه لا يتعدى الألفاظ لكن المعنى واحد إذ المعلن إليه هو نفسه من صدر الأمر عليه وكل ما يمكن أن يقال إن حالة المادة (130/ 133) تقتضي الإعلان لأن التظلم سيُرفع إلى المحكمة نفسها فمن اللازم أن تكون الصورة في يد المتظلم يبني عليها تظلمه وتكون أساسًا للمرافعة. أما حالة المادة (132/ 135) فإنها مستعجلة لا تتوقف على إعلان ويكفي فيها أن يكون الأمر قد أصدره القاضي ومن السهل الفصل في التظلم على أصل الأمر الموجود بقلم الكتاب.
وفضلاً عما تقدم فإنه ليست هناك إشارة تفيد أن الشارع أراد غير من صدر ضده الأمر وهو الذي انفرد بإمكانه التظلم من أمر الحجز المأخوذ ضده بطريقتين مختلفتين أخذًا بالرأي الراجح في فرنسا نظرًا لعدم وجود نص هناك كما قدمنا.
وإذ كنا إزاء نصوص جاءت على خلاف القاعدة العامة ومن قبيل الشذوذ عن الأصل فقد وجب علينا عدم التوسع في التفسير والسير في تطبيقها بحذر تام حتى لا نخرج عن مؤداها بحسب المبنى والمعنى دون التلاعب بالألفاظ.
أما ما جاء في الحكم من أن حرمان (الغير) من التظلم للآمر قد يعود عليه بالضرر لعدم وجود من يلجأ إليه للتخلص من الأمر لا سيما إذا أخذنا بالرأي القائل بأن التظلم إلى الآمر يحرم من التظلم إلى المحكمة فليس له أساس.
أولاً: لأن الغير لا يعدم الوسائل التي تبعد الشر عنه إذا أراد اتخاذها وذلك أما بالاستشكال في تنفيذ الأمر أو برفع دعوى، أصلية ببطلان الأمر وما ترتب عليه وقد يستطيع أن يرفع دعوى مستعجلة تزيل أثر ما لحقه من الضرر ولو بصفة مؤقتة - نعم قد يكون المؤدي واحدًا في التظلم المنصوص عليه في الأوامر على العرائض من قبل المحجوز عليه وفي هذه الطرق المختلفة التي قلنا إن للمتضرر حقًا فيها إذ الغاية التي يتوخاها المتضرر ليست إلا إسقاط مفعول أمر الحجز ولكن المسألة على كل حال متعلقة بنصوص قانونية جاءت على سبيل الاستثناء فيتعين إذن تطبيقها بمنتهى الدقة خصوصًا إذا لاحظنا أن رفع الإشكال قد يؤدي إلى نتيجة أنجع من طريقة التظلم إذ هذه لا توقف التنفيذ (م 130/ 133) بينما الإشكال يتعين رفعه إلى القاضي المستعجل لا قاضي الأمور الوقتية ووقف التنفيذ محتم عندئذٍ حتى يأمر القاضي بما يراه على افتراض أن التنفيذ لم يتم.
ثانيًا: إن الرأي القائل بأن رفع التظلم إلى الآمر يحرم من التظلم إلى المحكمة غير صواب بالمرة وسنبينه فيما بعد بما فيه الكفاية.
وكأننا بالحكم وقد شعر بضعف حجته ووهن أدلته فلجأ إلى العدالة يبرر بها هذا التأويل الذي نعته (بالاحتمالي) على أنه في غنى عن تلمس العدالة من النصوص قسرًا واستخلاصها من ثنايا التعبير كرهًا إذ قد بينا أن (الغير) الذي قد يلحقه ضرر من تنفيذ الأمر لا يعدم الوسائل القانونية لدفع هذا الضرر عنه.
هذا وقد جاء النص المختلط بأن التظلم أمام نفس الآمر يكون بصفة مستعجلة، ومن المتفق عليه قضاءً أن الحكم الصادر بهذه الصفة لا يعد حكمًا مستعجلاً بالمعنى الصحيح ومن ثم قابلاً للاستئناف أمام محكمة الاستئناف العليا بل هو أمر إداري يجب أولاً رفع التظلم منه إلى المحكمة المختصة مدنية كانت أو تجارية لتفصل فيه طبقًا للمادة (133) ثم بعد ذلك يجوز استئنافه أمام المحكمة العليا أسوةً بسائر الأحكام الصادرة من المحاكم الكلية [(2)].
هذا ويلاحظ أن قاضي الأمور المستعجلة في المختلط وإن كان له الحق في تقدير المصروفات كأتعاب المحامي وأجر الخبير في القضايا المرفوعة أمامه أسوةً بسائر القضاة إلا أنه لا يفصل في المعارضة التي تُرفع في مثل هذه الأوامر وما السبب إلا كون هذا القاضي لا ينظر في الموضوع مطلقًا واختصاصه مقصور على الأمور المستعجلة [(3)].
إلى أي وقت يجوز التظلم: ليس هناك من ميعاد لرفع التظلم في مواد الأوامر على العرائض بل نصت المادة (132) على إمكان حصول التظلم دائمًا أي toujours وذُكرت هذه الكلمة في النص الفرنسي لكل من المواد (130) و(132/ 133) و(135) ويلوح لنا أن واضع النص العربي تصرف في الترجمة بعدم إيراد لفظة (دائمًا) في المادة (130) على أن هذا لا يغير من مدلول المادة لأن عدم تحديد ميعاد في المادة يجعل تطبيقها جائزًا في كل وقت يمكن استعمال الحق فيه.
وينبني على ما تقدم أن رفع التظلم سواء إلى المحكمة أو إلى القاضي الآمر غير مقيد بميعاد ويجوز حصوله في كل وقت من أدوار النزاع طالما لم يحصل تنازل عنه وغاية الأمر أن اختيار طريق المحكمة يمنع من الرجوع إلى الآمر ذاته [(4)] أما العكس فجائز وهو ما سنبينه فيما يلي.
وقد أراد الشارع بذكر لفظة (دائمًا) (toujours) أن يأخذ بالرأي القائل بأن رفع الدعوى إلى المحكمة لا يحرم من الالتجاء إلى الآمر ذاته للمحو والتبديل في أمره لأن المسألة موضوع خلاف شديد في فرنسا حتى مع اشتراط بعض رؤساء المحاكم شرط الرجوع إليهم عند طروء نزاع في تنفيذ الأمر.
انقسام الرأي في التظلم: للمحاكم رأيان في رفع التظلم نلخصهما أولاً ثم نأخذ في بيان كل منهما بعد ذلك.
الرأي الأول: للمأخوذ ضده الأمران يرفع التظلم إلى الآمر نفسه أو إلى المحكمة المختصة وليس له أن يجمع بين الأمرين.
الرأي الثاني: للمأخوذ ضده الأمر الجمع طريقي التظلم بطريقة رفعه إلى الآمر أولاً ثم إلى المحكمة بعد ذلك.

الرأي الأول
عدم الجمع بين التظلم إلى الآمر والمحكمة

هذا رأي قديم لمحكمة الاستئناف المختلطة [(5)] وقد أخذت به بعض المحاكم الأهلية [(6)] واستندت إلى أن الشارع لم يقصد بما قرره في المادتين (130) و(131) أن يمنح لمن صدر عليه الأمر طريقتين للتظلم يستعملهما الواحدة تلو الأخرى ولكنه رأى أن الحالة قد تدعو أحيانًا إلى ضرورة سرعة الفصل في التظلم فخول من صدر عليه الأمر أن يقدم هذا التظلم على وجه السرعة إلى نفس الآمر سواء كان القاضي الجزئي أو قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الكلية فإذا اختار أحد الطريقين يكون قد استوفى حقه في التظلم.
وبإمعان النظر في هذا التدليل نراه غير متفق ومراد الشارع إذ أن هذا قصد بإمكان التظلم إلى الآمر نفسه من قبل المأخوذ ضده الأمر أن تكون هناك مساواة بين الطالب والمطلوب ضده الأمر إذ الأول قدم أوراقه إلى قاضي الأمور الوقتية وقد يكون أبدى ملحوظاته أيضًا فأعطى الأمر بناءً عليها بصفة إدارية من غير أن يكون قد سمع أقوال الخصم الآخر لذلك كان من الحق والعدل أن يلجأ هذا الخصم إلى نفس الآمر ليسمع منه تظلمه بصفة إدارية أيضًا في مواجهة الطالب، وإذ تمت معاملة الاثنين على قدم المساواة أصبح لأيهما حق التظلم إلى المحكمة الكلية في حالة صدور الأمر ضد مصلحته وعلى افتراض أن القضية من خصائصها والحكم الذي يصدر منها في هذه الحالة يكون قابلاً للاستئناف وما نقرره هذا موافق كل الموافقة لقضاء محكمة الاستئناف المختلطة في كثير من أحكامها وهي التي أشرنا إلى بعضها فيما تقدم.
وينبني على ما سبق أن التظلم إلى نفس الآمر لا يغير من طبيعة الأمر إذ يظل معتبرًا أمرًا إداريًا بحيث إنه لا يمكن الطعن فيه بطريق الاستئناف لأنه ليس بحكم حتى ينبني الطعن فيه بهذا الطريق إنما للمتضرر أن يحول الإجراءات الإدارية إلى إجراءات خصومة بالمعنى الحقيقي برفعه الأمر بطريق التظلم إلى المحكمة المختصة فتجرى عليه إذن الأحكام العامة للدعاوى.
وإذا كان طريق التظلم إلى الآمر نفسه اختياريًا للمأخوذ ضده الأمر كان له الالتجاء مباشرةً إلى المحكمة المختصة وليس لمستصدر الأمر وجه للتضرر من سلوك هذا السبيل إذ هو مقرر لمصلحة الطرف الآخر تسويةً له به فله أن يتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا.
وحاصل القول إن الخيار لم يكن إذن لحرمان المتظلم (وهو دائمًا المأخوذ ضده الأمر) إلى الآمر نفسه من الالتجاء إلى المحكمة الابتدائية بل المقصود منه تسويته بالطالب وتخويله حق المرور بقاضي الأمور الوقتية إذ لا يبعد أن يكون في سلوك هذا الطريق المختصر ما يغنيه عن التظلم إلى المحكمة الابتدائية ولكنه لا يحرمه منه بتاتًا كما أن له حق صرف النظر عنه ورفع التظلم إلى المحكمة الابتدائية مباشرةً كما سبق.
لما تقدم يكون الرأي القائل بأن اختيار طريق التظلم أمام الآمر يمنع من التظلم أمام المحكمة خطأ ولا محل للتعويل عليه أو الأخذ به.

الرأي الثاني
إمكان الجمع بين طريقي التظلم

إذا قلنا إن اختيار رفع التظلم إلى المحكمة يمنع من الالتجاء إلى قاضي الأمور الوقتية وما ذلك إلا لأنها هي صاحبة الاختصاص الأصلي فلا محل إذن للرجوع إلى قاضي الأمور الوقتية بعد أن تبين لنا أنه تنازل عن رفع التظلم إليه بالالتجاء إلى المحكمة ذاتها.
ونكرر القول أيضًا بأن رفع التظلم إلى قاضي الأمور الوقتية لا يحول دون الالتجاء إلى المحكمة بعد ذلك لكي تفصل في الأمر بصفة قضائية أي بحكم بالمعنى الصحيح وقد بينا صواب هذا الرأي عند تفنيدنا الرأي القائل بعدم الجمع.
ولكن هل يمكن الجمع في كل الأحوال بمعنى هل يتسنى الجمع بين طريقي التظلم في حالة ما إذا كان الأمر صادرًا من خلاف قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكلية.
يرى البعض أن النص يخول ذلك استنادًا إلى أن المادة (130) ذكرت رفع التظلم إلى المحكمة ثم جاءت المادة (132) تنص على الآمر فكأن التظلم للمحكمة أمر جائز في كل الأحوال وإنا ننقل هنا ما ورد في كتاب زميلنا الأستاذ أبو هيف بك (المرافعات صـ 761 هامش).
(وأما في الأهلي فالمسألة في منتهى الأشكال لأن المحاكم الجزئية قد أعطيت اختصاصًا واسعًا جدًا يشمل الأمر بإصدار الأوامر على العرائض بما فيها أوامر الحجوز الداخلة في اختصاص القاضي الجزئي وشعرت باستقلال لا خضوع فيه للمحاكم الكلية إلا من حيث استئناف الأحكام الصادرة منها ولذلك يصح الاختلاف في هذه النقطة والحكم الوحيد الذي نعرف أنه قضى فيها هو حكم المنصورة الذي أشرنا إليه في حاشية 3 صـ 763 فإنه قرر بأن المحكمة المختصة بنظر التظلم من أمر القاضي الجزئي هي المحكمة الجزئية لا الكلية بدليل ما جاء في الفقرة الثانية من المادة (130) من أنه يجوز أن يكون التظلم من الأمر منضمًا بالتبعية إلى الدعوى الأصلية ولو صح التظلم أمام المحكمة الكلية لما تيسر في المواد الجزئية نظر التظلم بالتبعية للدعوى الأصلية ولكانت النتيجة أيضًا منع المحاكم الجزئية من الفصل في تظلم من أمر تختص المحاكم بنظر موضوعه نهائيًا: الأمر المخالف لقاعدة (إن قاضي الأصل هو قاضي الفرع) والرأي الثاني وهو إباحة المعارض أمام المحكمة الكلية فيه مزية موافقته للمبدأ الذي قررته الدوائر المجتمعة المختلطة غير أنه ينبني عليه جواز التظلم للمحكمة الكلية في مادة قد لا تستأنف لعدم بلوغ النصاب ونحن نفضل هذا الرأي الأخير بالرغم من ذلك لأن مادة الأوامر على العرائض إدارية أكثر منها قضائية فلا ضرورة للتمسك فيها بكل قواعد الاختصاص القضائي لأن القاضي الجزئي لم يخرج عن كونه أحد قضاة المحكمة الكلية اُنتدب لقضاء خاص فيصح التظلم من أوامره أمام غرفة المشورة بالمحكمة الكلية وهذا لا يمس مطلقًا بحقه في نظر التظلم الفرعي إذا كان الموضوع أمامه.
وإنما الخلاف مقصور على التظلم الأصلي ونحن ننصح للخصوم من الوجهة العملية بالتظلم إلى المحكمة الجزئية أولاً في كل الأحوال باعتباره تظلمًا إلى الآمر نفسه (كما ذكرنا في كتاب التنفيذ بند 474 مكررًا) ثم ننصح للمحاكم الكلية بقبول التظلم من بعد ذلك باعتباره غرفة مشورة المحكمة التابع إليها القاضي الجزئي وحكمها يكون ابتدائيًا وانتهائيًا بحسب النصاب).
وإنا لا نجاري حضرة الأستاذ فيما رأى من إباحة المعارضة أمام المحكمة الكلية في كل الأحوال إذ ينبني على رأيه نتيجتان لا يمكن التسليم بهما.
الأولى: إمكان الخصم حرمان خصمه من إحدى درجتي التقاضي برفع التظلم إلى المحكمة الكلية مباشرةً إذ لا حرج عليه في ذلك.
الثانية: جواز رفع طائفة من الأوامر الصادرة في منازعات من حق القاضي الجزئي الفصل فيها انتهائيًا أمام المحكمة الكلية مباشرةً أو بعد أن تكون المحكمة الجزئية قد فصلت فيها بناءً على التظلم المرفوع إليها وفي هذا من الخروج عن القواعد الأصلية ما لا يمكن التسليم به. ومن المعلوم أن الفرع يتبع الأصل فإذا كانت الدعوى غير قابلة للاستئناف كان ما يتفرع عنها غير قابل للاستئناف كذلك اللهم إلا إذا نص القانون على العكس كما هو الشأن في الدفع بعدم الاختصاص من حيث جواز استئناف الحكم الصادر فيها مهما كانت قيمة الدعوى.
لذلك يكون المبدأ الذي ذكره حكم المنصورة الوارد ضمن كلام حضرة الأستاذ صحيحًا ومن المتانة بمكان وموافقًا لأحكم القواعد القانونية.
أما القول (بأن مادة الأوامر على العرائض إدارية أكثر منها قضائية فلا ضرورة إلى التمسك فيها بكل قواعد الاختصاص القضائي) فإنه مما لا يصح الركون الارتكان إليه أو التعويل عليه فقد فات حضرة الزميل أن الأمر الإداري يتحول إلى خصومة بالمعنى الحقيقي ويلبس ثوبها بمجرد أن يرفع أمره إلى المحكمة المختصة أيًا كانت لكي تفصل في موضوعه.
وما التدليل بكون القاضي الجزئي مندوبًا من المحكمة الكلية لقضاء خاص بآخذ بيد هذا الرأي بل إنه على النقيض من ذلك يثبت أن للقاضي الجزئي اختصاصًا معينًا لا يتعداه ولا يعتدي عليه وكما لا يصح أن يلجأ إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحاكم الكلية لاستصدار أمر من اختصاص القاضي الجزئي كذلك لا يجوز الالتجاء إلى المحكمة الكلية تظلمًا من أمر أصدره القاضي الجزئي في موضوع من اختصاصه الانتهائي.
وليس كذلك في الاستناد إلى ما قررته دوائر الاستئناف مجتمعة متعلقًا بأوامر قاضي الأمور المستعجلة ما يعزز هذا الرأي بل إن قرار الاستئناف لم يكن في الواقع إلا تطبيقًا صحيحًا للقواعد العامة من جهة أن القاضي المستعجل لا يفصل في المسائل الموضوعية فوجب إذن رفع التظلم إلى المحكمة. وليس الحال كذلك في القضاء الأهلي لأن القاضي المستعجل فيه هو دائمًا قاضٍ موضوعي ومن ثم يصح أن يكون رفع التظلم ممن له الحق فيه ليفصل في موضوعه بصفة قضائية.
وقد أشرنا فيما تقدم إلى ما قد يرد على الخاطر عند تلاوة المواد المتعلقة بالأوامر على العرائض من أن المقصود بالمحكمة في المادة (130) (المحكمة الابتدائية) دون سواها إذ الواقع أن لفظة (المحكمة) هنا عامة تتناول جميع المحاكم حتى محكمة الاستئناف العليا لأن القانون لم يخصص بمعنى أن الأمر إذا كان صادرًا من القاضي الجزئي كان رفع التظلم إليه بصفته قاضيًا للمحكمة أمرًا لا بد منه حتى لا يتسنى تخطي المحكمة الجزئية في هذه الحالة ورفع التظلم إلى المحكمة الاستئنافية كما تقدم - وإن ما ورد في نص المادة (130/ 133) من جواز رفع التظلم منضمًا بالتبعية إلى الدعوى الأصلية يؤخذ منه بأجلى وضوح أن المحكمة المقصودة بالذات هي التي تكون الدعوى الأصلية منظورة أمامها وأن القاضي الجزئي عند نظره التظلم ينظر فيه باعتباره قاضيًا للمحكمة الجزئية والحكم الصادر منه في التظلم يكون حكمًا قضائيًا وحالته هنا تخالف حالة قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكلية لأن هذا القاضي إنما يعمل كنائب عن المحكمة نفسها فالاختصاص يعود إلى نصابه برفع التظلم إلى المحكمة وعلى ذلك يكون رفع التظلم إلى المحكمة الجزئية في حالة صدور الأمر من قاضيها كرفعه أمام المحكمة الكلية في حالة صدور الأمر من قاضي الأمور الوقتية تمامًا.
لذلك لا يكون هناك محل لرفع التظلم من أمر القاضي الجزئي إلى المحكمة الكلية اللهم إلا إذا كان ذلك بطريق الاستئناف عملاً بالقواعد العمومية ولن يكون الأمر على هذا الوجه إلا بعد أن يفصل هذا القاضي في الموضوع بصفته قاضيًا بالمعنى الحقيقي أي بمواجهة الخصوم أسوةً بسائر الدعاوى، وقد سبق أن قلنا إن الأوامر الصادرة من قاضي الأمور الوقتية لا تستأنف إلا بعد أن تكون قد مرت على المحكمة لكي تلبس ثوب الخصومة الحقيقية، أما قبل ذلك فهي أوامر إدارية لا مطعن فيها على الإطلاق اللهم إلا بطريق التظلم كما بينا.
بهذا الرأي أخذ القضاء المختلط فقد قضى بأن التظلم الحاصل من أمر صادر بناءً على عريضة تبعًا لدعوى أصلية منظورة أمام المحكمة الجزئية يجب أن يرفع إلى نفس المحكمة المذكورة المختصة دون سواها بالفصل فيها [(7)].
والمحكمة التي يحق لها نظر التظلم هي تلك التي تكون مختصة بحسب موضوع النزاع فقد تكون المحكمة المدنية أو التجارية [(8)] فضلاً عن الجزئية كما سبق.
وينبني على ما تقدم أن طالب الأمر يحق له رفع التظلم إلى القاضي الجزئي نفسه بعد إعلان خصمه لكي يستصدر الأمر في مواجهة خصمه بعد الرفض وذلك أسوةً بتظلمه أمام المحكمة في حالة طلب الأمر من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكلية وما السبب في ذلك إلا لأن القاضي الجزئي في حالة رفع التظلم إليه إنما يفصل فيه بمقتضى سلطته القضائية لا الإدارية كما سبق الذكر غير مرة.
والحاصل مما تقدم أنه لا يمكن الجمع بين طريقتي التظلم في حالة صدور الأمر من القاضي الجزئي وغاية ما هنالك أن الاستئناف ممكن بعد أن يكون القاضي قد فصل في الأمر بصفته قاضيًا وكان الموضوع قابلاً للاستئناف.

الطعن في أوامر التقدير وحجز الدين

هذان المبحثان مرتبطان أيضًا بالموضوع الذي نحن بصدده كل الارتباط إذ يلاحظ أن القانون لم يقتصر في مسائل الطعن في الأوامر على العرائض على النصوص التي أوردها في الباب المتعلق بذلك بل جاء بنصوص أخرى منها ما هو متعلق بأوامر التقدير (م 117 و118/ 122 و123) إذ المعارضة هنا يجب حصولها في ثلاثة أيام وهي تنظر بغرفة المشورة بالمحكمة الصادر منها الحكم وليس هذا الأمر إلا تطبيقًا لقاعدة التظلم من الأوامر التي تصدر على العرائض لا سيما أن التعبير عن التظلم والمعارضة واحد في النصوص المختلطة المقابلة للمواد الأهلية وهذا التعبير هو بلفظة (opposition).
ومن هذا القبيل ما نصت عليه المادة (414/ 474) مرافعات التي قضت بأن على القاضي أن يصدر أمره على العرائض (بالإجابة) في كل الأحوال فإذا حصل نزاع رُفع إليه وفي هذه الحالة يجوز له بعد سماع أقوال الخصوم بمواجهة بعضهم بعضًا أن يمحو ويثبت في تقديره السابق ويؤيد الحجز أو يرجع فيه على حسب ما يظهر له من صحة الطلب وعدمها.
ولما كانت عبارة المادة لا تخلو من بعض الغموض رأينا أن نتكلم على ما يزيله قبل الخوض في الطعن في الأمر ذاته لما بين الموضوعين من الصلة إذ الطعن إنما يوجه إلى الأمر وهو ما يجب أن نعرف حقيقته بادئ ذي بدء.
والمقصود هنا أن للقاضي بعد النظر في العريضة وفحص المستندات المقدمة إذا كان هنالك شيء منها أن يعطي الإذن أو يرفضه حسبما يرى بمعنى أنه إذا ظهر له أن الدين غير ثابت الثبوت الكافي أو غير واجب الأداء في الحال أو نحو ذلك رفض الإذن [(9)].
وللقاضي أيضًا الامتناع عن الإذن إذا تبين له أن الدين زهيد بحيث تكون المصروفات زائدة عليه أو مساوية له. وكذلك إذ اتضح أن حالة المدين ظاهرة اليسر مما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الحجز مطلوب من طريق المكيدة [(10)].
وقد يلاحظ هنا أن النص العربي للمادة (414) يخالف بعض الشيء النص الفرنسي الذي يعد أصلاً له في الواقع ونفس الأمر ذلك لأن قوله في النسخة العربية (على القاضي أن يصدر أمره بالإجابة في كل الأحوال فإذا حصل نزاع رُفع إليه) وقد يفهم منه أن إجابة طلب الحجز واجبة كيفما كانت الحال وأنها هي المقصودة بالذات من صدر المادة. أما النص الفرنسي فترجمته هكذا (على القاضي أن يصدر أمره بشرط أن يرجع إليه في كل الأحوال عند المنازعة) ولا يفيد هذا النص في الظاهر وجوب صدور الأمر من القاضي بالإجابة بل صدوره مقترنًا بشرط الرجوع إليه عند المنازعة.
ولكنا إذا أمعنا النظر وجدنا أن النص العربي على ما به من تشويه وركاكة أريد به تأدية المعنى الحقيقي للمادة (414) ذلك لأن ما تريده هذه المادة هو أن القاضي يصدر أوامر الحجز بشرط الرجوع إليه في كل الأحوال عند المنازعة وهذا هو المستفاد أيضًا من النص الفرنسي إذا ما دققنا النظر فيه. وكأني بمعرب القانون المختلط وقد استقى المقصود من النص الفرنسي الأصلي من واضعه ذاته ثم صاغه في القالب الذي راقه ولما حان أوان وضع القانون الأهلي كانت المادة (474) مختلط المقابلة للمادة (414) أهلي من المواد التي نُقلت إليه حرفيًا من أصل فرنسي وترجمة عربية.
ولأجل تفسير المادة (414) يجب الرجوع إلى المادتين السابقتين عليها ونصهما كله موجه للحالة التي تسوغ إصدار الأمر، فجاءت المادة (414) متشبعة بهذه الفكرة التي كانت متغلبة على ذهن الشارع فشاد المادة بناءً عليها وجاءت جميع كلماتها ناطقة بأن الأمر صادر بالإجابة وهي التي يتسنى معها التظلم من الأمر إلى الآمر نفسه لأن حالة الرفض لا تقتضي إلا التظلم من قبل طالب الأمر وهو لا يستطيع أن يرفع تظلمًا إلى قاضي الأمور الوقتية بالنظر إلى أنه سبق أن تقدم إليه مرة فلا محل لأن يتقدم إليه مرة أخرى متضررًا في نفس الطلب بل له أن يقدم طلبًا جديدًا إذا أراد، وما مثله إلا كمثل الخصم الحاضر في خصومة فإنه لا يستطيع المعارضة فيها بل إن هذا الحق مقصور على الغائب فكأن إمكان حصول التظلم من المحجوز عليه هنا يقتضي حتمًا أن الطلب قد أجيب.
ولكن قد يحصل التظلم من الطالب نفسه إلى القاضي الجزئي بعد أن يكون قد نظر في الطلب بصفته قاضيًا للأمور الوقتية وقد بينا أن السبب في ذلك هو أن القاضي المذكور إنما يعمل عندئذٍ بمقتضى سلطته القضائية بعد أن قُدم الطلب إليه ليصدر الأمر بناءً على سلطته الإدارية.
وفضلاً عما تقدم فإن عبارة (فإذا حصل نزاع رُفع إليه) تقتضي أن يكون هناك أمر صادر بالحجز واقتضى تنفيذه قيام نزاع من المحجوز عليه لأن حالة الرفض لا تستلزم سوى مجرد التضرر من قبل طالب الحجز ولم يكن هناك صدام قد وقع بين طرفين حتى تتولد عنه منازعة.
هذا ورفع التظلم من المحجوز عليه إذا كان ينازع في الأمر إلى القاضي يقتضي أن القاضي يعيد النظر في الأمر فله (أن يمحو ويثبب في تقديره السابق) (modifier) ويؤيد الحجز (accorder) أو يرجع فيه (retirer) وبمقارنة الألفاظ العربية بالأصل الفرنسي يتضح أن هناك فرقًا جسيمًا بين لفظة accorder وبين عبارة يؤيد الحجز لأن هذه اللفظة الفرنسية معناها (منح) مما قد يؤخذ منه أن المنح يقتضي أن القاضي كان قد رفض الإذن أولاً، وهذا لا يتفق مع ما قلناه من أن الحالة هنا تقتضي أن يكون الأمر قد صدر بالإجابة ولكنه يتفق كل الاتفاق مع التعبير العربي بلفظة (يؤيد) (confirmer) وهذا عين ما ذهب إليه المسيو إيمان عند ملاحظته على كلمة (accorder) من أنها لا تؤدي معناها الحقيقي بل المقصود منها التأييد كما جاء في الترجمة العربية للقانون المختلط (م 474) ويعزز هذا من جهة أخرى ما ذكرناه الآن من أن المعرب كان واقفًا على روح النص فعربه على مقتضى ذلك ولولا ورود الترجمة مشوهة الوضع سقيمة الشكل لما كان هناك من شيء يعاب على النص العربي، ولكان مما يلفت النظر أن يطلب الرجوع إلى النص العربي للمادة (474) مختلط سواء في ذلك الترجمة الأصلية أو نص المادة (414) أهلي المقابلة له تمامًا وذلك للوقوف على حقيقة معنى النص الفرنسي وتفسيره بما يطابق الحقيقة.
على أن المادة (414) ليست إلا تطبيقًا للقواعد الواردة في مواد الأوامر على العرائض ويلوح لنا أن الشارع لا يبعد أن يكون قد غفل عما قرره هناك وكان متأثرًا بالقضاء والفقه الفرنسيين يريد أن يقتبس منهما كل ما يراه مفيدًا في التشريع ذا أثر حسن في مجال العمل، ولما أن كانت نزعته هذه متغلبة عليه متغلغلة في نفسه عند وضع القانون أراد النص في المادة المتقدمة على ما هو متبع في فرنسا قضاءً وهو اشتراط الرجوع إلى القاضي عند حصول المنازعة في تنفيذ الأمر الصادر منه ولو أنه كان في غنى عن ذلك بما وضعه من القواعد العامة في جهة أخرى ولكن الجدل في فرنسا واختلاف الرأي في التفسير والتأويل إنما كان بخصوص المادة (558) مرافعات المتعلقة بحجز الدين.
على أن المادة مع ذلك لا تخلو من فائدة فإن العمل سائر على أن أوامر الحجز تكون دائمًا مشفوعة بشرط الرجوع إلى القاضي الآمر في حالة النزاع [(11)] وما ذلك إلا لكي يتسنى له تحري الحقيقة على ضوء ما يدور من المناقشة بين الطرفين أو على ما يقدمه المحجوز عليه من أوجه الدفاع.
يبقى بعد البيان الذي اضطرتنا إليه حال الترجمة العربية أن نرجع إلى نقطة البحث الأصلية ألا وهي مدى الوقت الذي تصح فيه المعارضة.
اختلفت الآراء اختلافًا بينًا وقد يكون من المفيد أن نأتي عليها بالإيجاز ثم نشفعها برأينا الخاص علنًا نوفق في ذلك للصواب.
ما عليه الحال في فرنسا: يُحسن بنا في موضوع كهذا نسج الشارع المصري برده من نصوص القانون وآراء العلماء وأحكام المحاكم في فرنسا معًا أن نأتي ببعض الشيء في صدد ما نحن فيه عن هذه العناصر الثلاثة التي كانت عما دنا في التشريع إذ ذلك لا يخلو من فائدة.
المادة (558) من قانون المرافعات الفرنسي تنص على إمكان استصدار أمر حجز الدين من رئيس المحكمة ولكن بالنظر لعدم النص على طريقة الطعن في أمره في حالة تضرر المدين
منه ووجود ما يبرر إلغاءه أو على الأقل تعديله اعتاد القضاة المختصون بأن يمنحوا هذه الأوامر تحت شرط الرجوع إليهم كلما طرأ نزاع في تنفيذها.
لا نزاع في مشروعية مثل هذا الشرط لأن القاضي الذي يملك الرفض بغير قيد ولا شرط له بلا مراء قبول الطلب وإصدار الأمر معلقًا على شرط.
ولكن المهم إنما هو الوقوف على مدى الوقت الذي يملك القاضي الآمر في خلاله حق التصرف في هذا الأمر الذي أصدره بناءً على تظلم المدين منه.
يرى البعض أن له هذا الحق لغاية رفع الدعوى المتعلقة بتأييد الحجز ولكن يعترض على هذا الرأي بأنه لما كان لا مانع يمنع من رفع الدعوى بالورقة نفسها التي توقع بها الحجز فكأن الحق يولد ميتًا وكأن شرط القاضي الآمر قد ذهب هباءً منثورًا.
ويرى فريق آخر أن القاضي الذي احتفظ بحق النظر في التظلم لا يحول دون نفاذ مفعول تحفظه هذا رفع الدعوى الموضوعية، وغاية الأمر أن بعض أنصار هذا الرأي يرون الوقوف في حق رفع التظلم عند اللحظة التي يبدي فيها كل من الخصوم طلباته إذ بذلك قد تبين أن المحجوز عليه متنازل عن حق رفع التظلم بينما يذهب البعض الآخر إلى أبعد مدى فيرى قبول التظلم في أي وقت من أوقات المرافعة حتى الفصل انتهائيًا في الدعوى.
رأي المسيو إيمان: يرى حضرته [(12)] أن الرجوع إلى القاضي نفسه أمر سائغ ما دام الحجز لم يتم إذ القاضي لا يجد نفسه إزاء أمر يؤيده أو يعدل عنه بل إزاء أمر واقع وموقف قانوني يجب أن يكون مصيره معلقًا على الفصل في الدعوى موضوعًا ولا يسلم حضرته بأن سلطة القاضي الآمر الاستثنائية الواردة في المادة (474) يمكن أن تصل إلى هذا الحد.
وقد ذهب حضرته إلى أن التظلم الوارد في المادة (474) (414 أهلي) هو غير نوعي التظلم الواردين في المادتين (133) و(135) (130 و132 أهلي) واستخلص من نظريته أن هناك ثلاثة طرق للتظلم وهي:
أولاً: تظلم المادة (474) المتقدم ذكره.
ثانيًا: التظلم بطريقة مستعجلة طبقًا للمادة (135) وهو ما تتبع فيه إجراءات الدعوى المستعجلة من جهة الشكل والنتائج معًا.
ثالثًا: التظلم أمام المحكمة طبقًا للمادة (133).
وقد أتى بأسباب قرار أصدره في هذا الموضوع بصفته قاضيًا للأمور الوقتية تأييدًا لوجهة نظره [(13)].
رأي المسيو فافنك: تناول حضرته في مقاله السابق الإشارة إليه بحث هذا الموضوع بطريقة ممتعة وأدلى بحججه لإثبات أن التظلم يمكن رفعه في أية حالة كانت عليها الدعوى قائلاً إن المادة (474) لم تكن لتخالف ما جاء في المادة (135) ولو أن عبارة كل منهما مخالفة للأخرى واستند كذلك إلى أن لفظة toujours الواردة في النص تفيد الوقت والحال معًا ويكون المعنى إذن أن التظلم يُرفع في جميع الأوقات والأحوال أي أن شرط الرجوع أمر لا بد منه في كل أمر بدون أي قيد فيما يتعلق بالوقت إلى أن يصدر في الدعوى الموضوعية حكم يحوز القوة القضائية الانتهائية.
رأي القضاء المختلط: تضمنت مقالة المسيو فافنك بحث منهج القضاء المختلط وما هو عليه من الاضطراب والتقلب في هذه المسألة.
كان قضاة الأمور الوقتية والمحاكم ينظرون التظلم المرفوع إليهم بالرغم من إعلان دعوى تأييد الحجز.
وقد نوه هذا العلامة برأي المسيو إيمان في القرار الصادر منه وقد أشرنا إليه فيما سبق ولما كان رأي المسيو إيمان يستلزم أن المحضر يجد المحجوز عليه وقت الإعلان وبذا يتسنى له الاعتراض على الحجز فقد قضت محكمة مصر المختلطة بأن الواجب في حالة عدم وجوده هو الأخذ بقواعد العدل طبقًا للمادة (11) من القانون المدني وتخويل المدين حق رفع التظلم طالما أنه لم يثبت علم المأخوذ ضده الأمر بصدوره [(14)].
ثم صدر بعد ذلك حكم الاستئناف العالي [(15)] قاضيًا بأن التظلم يصبح غير مقبول بمجرد إتمام حجز الدين ورفع طلب تأييده إلى محكمة الموضوع.
ثم أشار إلى أن قضاة الأمور الوقتية حاولوا بجميع الوسائل التوفيق بين ضرورات المعاملات ورأي الاستئناف ومن ذلك ما قضى به من قبول التظلم طالما لم تحصل مرافعة في الموضوع يرتبط بها الطرفان قضاءً [(16)].
كما ذهب آخرون إلى الوقوف عند قيد الدعوى في جدول الجلسات أي أنه طالما لم يحصل هذا القيد فالتظلم ممكن [(17)].
رأي القضاء الأهلي: عثرنا على حكم حديث صادر من محكمة الاستئناف الأهلية قاضٍ بأن (الحق المخول للقاضي بمقتضى المادة (414) مرافعات في أن يرجع في أمر أعطاه بتوقيع الحجز التحفظي على ما لمدينه لدى الغير لا يجوز استعماله إلا إذا كان طلب تثبيت الحجز لم يطرح على المحكمة بطريقة صحيحة) [(18)].
ولم نرَ غير هذا الحكم ولذا لا نستطيع أن نقول بأن للقضاء الأهلي رأيًا ثابتًا في هذا الصدد على أن هذا الحكم الوحيد الذي عثرنا عليه لم يكن ليروي غلة الباحث المنقب ويا حبذا لو كانت تلك المحكمة السامية أعارت هذا الموضوع بعض عنايتها وأشبعته بحثًا وتمحيصًا فكم كانت تفيدنا الآن لكي تُكون رأي صحيح لحمته قضاء المحاكم وسداه أقوال الفقهاء.
الرأي الذي نستصوبه: قلنا عند الكلام على التظلم من الأوامر على العرائض إنه ممكن في أية حالة كانت عليها الدعوى وما دام النص هنا لم يخالف هذه القاعدة بل بالعكس قد أتى مؤيدًا لها صراحةً حتى أن القضاة يدمجون في أوامرهم شرط الرجوع إليهم أمكن اعتبار هذا الشرط نافذًا على الطرفين وملازمًا للدعوى المرفوعة بشأن تأييد الحجز ولا يعد المحجوز عليه متنازلاً عنه بمجرد السكوت عن إبدائه بل يجب أن يكون هذا التنازل صريحًا أو مستنتجًا من ظروف خاصة.
وعلى ذلك يكون رأي المسيو فافنك قد أصاب كبد الحقيقة وجاء مطابقًا كل المطابقة لروح النصوص.
وإنا لا نجاري إذن كل من الاستئنافين المختلط والأهلي فيما ذهبا إليه من تقييد ميعاد التظلم برفع الدعوى لأن التظلم يصبح عندئذٍ أمرًا مستحيلاً إذ في أغلب الأحيان يقع الحجز وطلب الحضور لتأييد الحجز بورقة واحدة طبقًا للمادة (417/ 478) ومن المعلوم أن الدعوى تُعد مرفوعة بمجرد إعلان هذه الورقة.
وقد أراد المسيو إيمان أن يسلك سبيلاً وسطًا وأن يجعل لنص المادة (474) (414 أهلي) فائدة خاصة وهو رأي في ظاهره منصف جدًا ولكنه غير مبني على قاعدة ثابتة يمكن الأخذ بها في جميع الأحوال إذ هو يقتضي حضور المحجوز عليه وقت الإعلان واعتراضه على الحجز أما الحضور فأمر غير مضمون وليس يوجد من ميعاد محدد في حالة عدم الحضور كما أن ضرورة الاعتراض وقت الحجز فيها إحراج إذ قد لا يكون المحجوز عليه عالمًا بفائدة ذلك أو يكون غافلاً عنه وهو ما يترتب عليه ضياع حقه فيه بعد انصراف المُحضر فيبقى الحجز قائمًا معطلاً للأموال التي قد تكون جسيمة إلى أن يفصل في النزاع انتهائيًا.
وليس هناك محل للقول بوجود تظلم تجرى عليه أحكام القضاء المستعجل بل كل ما في الأمر أن يكون النظر بوجه السرعة ولكنه لا يغير شيئًا من طبيعة اختصاص القاضي ولا من طرق الطعن [(19)].
على أننا بالرغم من استصوابنا العمل برأي فافنك وأخذنا بنظريته نرى مثله أن الحاجة ماسة جدًا إلى رأي حاسم يصدر من الدوائر مجتمعة أو إلى نص قانوني من الشارع يكون فصل الخطاب في هذا الموضوع الهام.

عبد الفتاح السيد
المدرس بالحقوق الملكية

[(1)] راجع الزقازيق الابتدائية 6 أكتوبر سنة 1921 المحاماة 3 صـ 171.
[(2)] استئناف مختلط أول ديسمبر سنة 1892 مجموعة التشريع والأحكام 5 صـ 41 و16 فبراير سنة 1908 المجموعة ذاتها 20 صـ 102 و30 مارس سنة 1910 المجموعة ذاتها 22 صـ 236.
[(3)] دوائر الاستئناف مجتمعة أول مارس سنة 1917 الغازيت 7 صـ 94 نمرة (274) وأبو هيف بك بند (1063) هامش 1 صـ 761.
[(4)] مقالة المسيو فافنك المستشار بالاستئناف المختلط المنشورة بمجلة مصر العصرية L. Egypte contemporaine سنة 13 عدد 67 صـ 463 هامش 3.
[(5)] 17 مايو سنة 1876 المجموعة الرسمية المختلطة 1 صـ 78.
[(6)] الزقازيق الابتدائية 23 مايو سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 صـ 130 والمنصورة الابتدائية 12 فبراير سنة 1920 المجموعة الرسمية 21 صـ 95.
[(7)] استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1889 مجموعة التشريع والأحكام 1 صـ 48.
[(8)] راجع مقالة المسيو فافنك التي سبقت الإشارة إليها واستئناف مختلط 6 يناير سنة 1908 مجموعة التشريع والأحكام 20 صـ 54 وحكم محكمة مصر التجارية أول يونيه سنة 1918 الغازيت 8 صـ 292 نمرة (390).
[(9)] استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1889 مجموعة التشريع والأحكام 1 صـ 176.
[(10)] لوزينا بك 2 صـ 256.
[(11)] مقالة المسيو ألبرت إيمان Mr. Albert Eeman المنشورة بالغازيت السنة الأولى صـ 29.
[(12)] الغازيت السنة الأولى صـ 29.
[(13)] قرار قاضي الأمور الوقتية بمحكمة مصر المختلط 32 ديسمبر سنة 1907.
[(14)] 9 يناير سنة 1911 الغازيت 1 صـ 69.
[(15)] 23 إبريل سنة 1919 الغازيت 9 صـ 176 نمرة (298) مجموعة التشريع والأحكام 31 صـ 265.
[(16)] قرار قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الإسكندرية المختلطة 21 يناير سنة 1920 الغازيت 10 صـ 52 نمرة (75).
[(17)] قرار قاضي الأمور الوقتية بمحكمة المنصورة المختلطة سبتمبر سنة 1920 الغازيت 11 صـ 10 نمرة (17).
[(18)] استئناف أهلي 18 مايو سنة 1920 المجموعة 24 صـ 4.
[(19)] مقالة المسيو فافنك السابق الإشارة إليها غير مرة والأحكام العديدة التي أوردها وأبو هيف بك رقم (474).


          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  1

            


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3391 / عدد الاعضاء 63