اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية      أبحاث شرعية      بعض مسائل الحضانة

        
 
  المؤلف : محمود عدنوس   المصدر : مجلة المحاماة الشرعية - مصر 1930 - 1931
    بعض مسائل الحضانة

مجلة المحاماة الشرعية
السنة الثانية - 1349 - 1350هـ، 1930 - 1931م

بحوث ومقالات
بعض مسائل الحضانة

انتقال الحاضنة بالصغير إلى بلد لا حق لها في الانتقال إليه لا يترتب عليه إبطال حق الحضانة - عمل المحاكم على خلاف ذلك - انتقال والد الصغير من جهة إلى أخرى هل يتبعه انتقال الحاضنة بالصغير إلى مكان يسهل على الأب مطالعة صغيره من غير مشقة - قلة النصوص في هذا الموضوع - ما يجب على القاضي حيال ذلك.
مع كثرة ما ذكره الفقهاء في باب الحضانة من المسائل والفروع إلا أن بعض مسائل الحضانة لا يزال محل نظر ومن ذلك ما أجملناه في أول هذه الكلمة.
إذا تأملنا ما ذكر في باب الحضانة حق تأمله يظهر لنا أن الفقهاء لاحظوا فيها ثلاثة حقوق: (حق الصغير) و(حق الحاضنة) و(حق الأب) إلا أن هذه الحقوق بعضها أقوى من بعض وأهمها هو حق الصغير فإذا أمكن التوفيق بين هذه الحقوق المختلفة وجب المصير إلى ذلك وعند عدم إمكان التوفيق تقدم مصلحة الصغير على مصلحة الحاضنة والأب، مثلاً: إذا كان من مصلحة الأم عدم الحضانة ولكنها تعينت لها أجبرت على الحضانة تقديمًا لحق الصغير على حقها، وإذا كانت مصلحة الأب في بقاء صغيره معه حتى لا يكلف بدفع أجر الحاضنة وهو موسر أجبر على دفعه للحاضنة مع إلزامه بأجرها تقديمًا لحق الصغير على حقه.
يقول ابن عابدين في رسالته المسماة بالإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة: ويظهر ليّ أن كلاً من الحاضن والمحضون له حق الحضانة - أما الحاضنة فلأنه ليس للأب مثلاً أخذه منها وكذا من كان أبعد منها لا حق له فيها - وأما المضحون فلأنها إذا تعينت لم يكن لها الامتناع، وبعد جملة من الكلام قال: وأقوى الحقين في الحضانة للصغير وإذا أسقطت الزوجة حقها فلا تقدر على إسقاط حق الصغير أبدًا.
وقال في حاشيته على الدر، عند قول صاحبه: لو تزوجت الأم بآخر فأمسكته أم الأم في بيت الراب فللأب أخذه قال لما قد علمت إن سقوط الحضانة بذلك لدفع الضرر عن الصغير فينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة يراعي الأصلح للولد فإنه قد يكون له قريب مبغض له يتمنى موته ويكون زوج أمه مشفقًا عليه يعز عليه فراقه فيريد قريبه أخذه منها ليؤذيه ويؤذيها أو ليأكل من نفقته أو نحو ذلك - وقد يكون له زوجة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه زوج أمه الأجنبي وقد يكون له أولاد يخشى على البنت منهم الفتنة لسكناها معهم فإذا علم المفتي أو القاضي شيئًا من ذلك فلا يحل نزعه من أمه لأن مدار أمر الحضانة على نفع الولد.

متى يسوغ للأم الانتقال بالصغير

بين فقهاؤنا الحالات التي يسوغ فيها الانتقال بالصغير والتي لا يسوغ أجلى بيان - جاء في كتاب الفتاوى الهندية تحت عنوان (مكان الحضانة) أن مكان الحضانة هو مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة حتى لو أراد الزوج أن يخرج من البلد فأراد أخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء ليس له ذلك حتى يستغني عنها، وإن أرادت المرأة أن تخرج من المصر الذي هو فيه إلى غيره فللزوج أن يمنعها من الخروج سواء أكان معها ولد أم لم يكن، وكذلك إذا كانت معتدة لا يجوز لها الخروج مع الولد وبدونه ولا يجوز للزوج إخراجها كذا في البدائع.
وإذا وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته فأرادت أن تخرج بالولد عند انقضاء عدتها إلى مصرها فإن كان النكاح وقع في مصرها فلها ذلك وإن كان النكاح وقع في غير مصرها فليس لها ذلك إلا أن يكون بين موضع الفرقة وبين مصرها قرب بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد يمكنه الرجوع إلى منزلة قبل الليل فحينئذٍ هذه بمنزلة محال مختلفة في مصرها ولها أن تتحول من محلة إلى أخرى.
ولو أرادت أن تنتقل لبلد ليس ببلدها ولم يقع فيه النكاح فليس لها ذلك إلا إذا كان بين البلدين قرب على التفصيل الذي قلنا.
ولو انتقلت من مصر إلى مصر ليس بقريب ولم يكن مصرها لكن أصل العقد كان بها ليس لها ذلك على رواية المبسوط وهو الصحيح.
وإذا كانت المرأة والزوج من أهل السواد (سكان القرى) وأرادت أن تنقل الولد إلي قريتها وقد وقع النكاح فيها فلها ذلك وإن كان وقع في غيرها فليس لها نقله إلى قريتها ولا إلى القرية التي وقع فيها النكاح إذا كانت بعيدة وإن تقاربتا بحيث يمكن للأب نظر الصبي ويعود قبل الليل فلها ذلك.
وإن كان الأب متوطنًا في المصر وأرادت نقل الولد إلى القرية فإن تزوجها فيها وهي قريتها فلها ذلك وإن كانت بعيدة من المصر وإن لم تكن قريتها فإن كانت قريته ووقع أصل النكاح فيها فلها ذلك كما في المصر وإن لم يقع النكاح فيها فليس لها ذلك وإن كانت قريبة من المصر.
وإن أرادت نقله من قرية إلى مصر جامع وليس ذلك مصرها ولا وقع النكاح فيه فليس لها ذلك إلا أن يكون المصر قريبًا من القرية على التفسير الذي قلنا.
وليس للمرأة أن تنقل ولدها إلى دار الحرب وإن كان قد تزوجها هناك وكانت حربية بعد أن يكون زوجها مسلمًا أو ذميًا وإن كان كلاهما حربيين فلها ذلك، هذا ما يتعلق بانتقال الأم، أما غيرها من الحاضنات كالجدة مثلاً فليس لها أن تنقل الولد إلى مصرها وإن كان أصل العقد فيه، ففي واقعات المفتين: فإذا ماتت الأم فصار الولد إلى جدته من الأم أو لبعض من يجب له أخذه من النساء فأرادت أن تخرج الولد من المصر الذي فيه الأب إلى مصر آخر لم يكن لها ذلك؛ وإن كان ذلك المصر هو المصر الذي كانت وقعت فيه عقدة نكاح أم الصبي إنما هذا الحق للأم خاصة لأن الأم إنما كان لها أن تخرج بالولد إلى ذلك المصر بحكم العقد الذي جرى بينهما في ذلك المصر وعقد النكاح جرى بين الزوج وبين الأم خاصة.
هذا بيان الحالات التي يجوز فيها الانتقال والتي لا يجوز فيها فإذا فرض أن من له حق الحضانة انتقل بالصغير إلى بلد لا يجوز لها الانتقال إليه فلا يترتب على ذلك إبطال حق الحضانة وإسقاط أجرها، ولبيان ذلك نقول إن الفقهاء نصوا على الصفات الواجب توافرها في الحضانة بطريق الحصر، قال ابن عابدين في حاشيته على الدر قال الرملي: ويشترط في الحاضنة أن تكون حرة بالغة عاقلة أمينة قادرة وأن تخلو من زوج أجنبي: قال ابن عابدين: وينبغي أن يزيد بعد قوله حرة أو مكاتبة ولدت في الكتابة، وأن يزيد أن تكون رحمًا محرمًا، ولم تكن مرتدة ولم تمسكه في بيت المبغض للولد ولم تمتنع عن تربيته مجانًا عند إعسار الأب، ولم يذكر من شروط أهلية الحضانة إمساك الصغير في مكان الحضانة فإذا توافرت هذه الشروط في المرأة كانت أهلاً لحضانة الصغير وكان لها كل حقوق الحاضنات، وهي وإن كان واجبًا عليها أن تقيم في البلد الذي لها حق الحضانة فيه إلا أن مخالفة هذا الواجب لا يترتب عليها سقوط الحق في الحضانة، لأن هذا الحق لم يعطِ للمرأة في مقابلة هذا الواجب حتى يزول بزواله - بل حق الحضانة ثبت لها إذا تحققت فيها الصفات المذكورة، وليس هذا من بينها، لأن كل شروط الأهلية ملاحظ فيها حق الصغير خاصة، أما عدم النقلة فملاحظ فيه حق الأب ولهذا إذا أسقط حقه فيه سقط.
أما القول بإسقاط حقها في الحضانة بمجرد الانتقال فلا مبرر له، قال صاحب لسان الحكام: وإذا أردت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك لما فيه من الإضرار بالأب إلا أن تخرج به إلى وطنها وقد كان الأب تزوجها فيه لأنه التزم المقام فيه عرفًا وشرعًا.
وعلى ذلك يمكن أن نقول: إن أبا الصغير إذا طلب ضمه إليه وإبطال أجرة الحضانة بانيًا ذلك على نقل حاضنته إلى بلد ليس لها حق الحضانة فيه، لا يجاب إلى طلبه ولا تسمع دعواه بذلك ما دامت شروط الحضانة المار ذكرها متوافرة في الحاضنة، وها هي نصوص الفقهاء نضعها بين يدي القراء.
1 - في فتاوى ابن نجيم ما نصه: سئل عن رجل طلق زوجته ولها منه ولد صغير قرر له فرضًا في كل يوم قدرًا معلومًا ثم سافرت به مدة بغير إذن الأب فحضرت وطالبته بالنفقة المستحقة عليه بمقتضى أنه أذن لها في الاقتراض والإنفاق، فهل تسقط عن الأب النفقة في مدة سفرها أم لا تسقط وتستحقها وكذا أجرة حضانتها ؟ أجاب: لا تسقط النفقة ولا أجرة الحضانة بمقتضى سفرها من غير إذنه سواء أكانت مقيمة أم مسافرة.
2 - وقد جاء في رسالة لأحد قضاة المحاكم الشرعية سابقًا اسمها الكواكب المشرقة في باب الحضانة ما يأتي: (فرع) لو سافرت الحاضنة بالولد فيما ليس لها فيه السفر بلا إذن أبيه لا تسقط نفقته ولا أجرة الحضانة حيث كانت مقررة، وهذا يتفق مع ما جاء في فتوى ابن نجيم السابقة.
3 - في مختصر الفتاوى المهدية: لا تسقط أجرة الرضاع لانتقال المطلقة بالولد سواء أكان بإذن الزوج أم بدون إذنه، ولا نفقة الصغير وأجرة حضانتها، كما أفاده قارئ الهداية في فتاواه، وفيها أيضًا: إذا وقع الطلاق وأرادت السفر بالولد إن كان البلد الذي قصدته بلدها وكان التزوج فيه فلها ذلك، وليس للزوج منعها وإن لم يكن بلدها، أو كانت بلدها لكن التزوج ما وقع به فللأب أن يمنعها أن تسافر بالولد إليه، هذا هو الصحيح، وفيها أيضًا: ليس للمطلقة بعد عدتها الخروج بالولد من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت، فلو بينهما تقارب بحيث يمكنه أن يبصر ولده ثم يرجع في نهاره لم تمنع، سواء أكان وطنها أم لا، وقع العقد فيه أم لا، أذن لها الأب أم لا.
4 - وأصرح من ذلك جميعه ما جاء في الفتاوى المهدية صفحة 313 من الجزء الأول وهو بنصه:
سئل في رجل من أهالي رشيد تزوج بكرًا من أهالي رشيد أيضًا ودخل بها في رشيد ورزق منها ببنت وبعد مضي سنتين طلقها ودفع لها حقوقها الشرعية وقرر عليه الحاكم الشرعي لمطلقته المذكورة كل شهر قدرًا معلومًا في نظير نفقة وحضانة البنت المذكورة وصار يدفع كل شهر ما هو مقرر عليه لمطلقته المذكورة وبعد مدة سافرت المطلقة المذكورة إلى الإسكندرية وأخذت البنت المذكورة معها بغير إذن والدها وسكنت بالإسكندرية وبعد مضي عشرة أشهر وكلت والدها في قبض ما تجمد لها بذمة مطلقها المذكور وطالبه والدها بذلك فامتنع من دفعه متعللاً بأن مطلقته لا حضانة لها ولا نفقة ما دامت مقيمة بالإسكندرية وطلب من والدها إحضار ابنته إليه برشيد، فهل تجبر المطلقة المذكورة على تسليم البنت المذكورة لوالدها ما دامت مقيمة بالإسكندرية وإذا أراد المطلق سكنى مطلقته برشيد وامتنعت من ذلك وأرادت السكنى بالإسكندرية تسقط حضانتها (أجاب) ليس للمطلقة المذكورة الخروج من وطنها المنكوحة فيه إلى بلدة أخرى بينهما تفاوت وحينئذٍ تجبر على ردها إلى بلد العقد الذي به الأب ولا يظهر القول بسقوط المقرر من نفقة الصغيرة وأجرة حضانتها لمجرد السفر بلا إذن فليحرر - ثم رأيت في فتاوى قارئ الهداية جوابًا عن سؤال - أن الأم تستحق الفرض مقيمة كانت أو مسافرة بإذن أو بغير إذن ولا تسقط بذلك نفقة الصغير وأجرة حضانتها: أهـ)، وهو مفيد بالمقصود، أما القول بسقوط حقها في الحضانة فلا وجه له وهو يشبه أن يكون ضربًا من التعزير وضع عقوبة لزجر الحاضنة عن الانتقال ولكن هذه العقوبة كما وقع ضررها على الحاضنة وقع على الصغير وفيها تقديم حق الأب على حق الصغير مع أن مصلحة الصغير مقدمة عند التعارض.
وأنت إذا تأملت كلام الفقهاء ترى أنهم يقولون في حالة الخروج بالولد تمنع من السفر أو لا تمنع ولم يقولوا مرة واحدة سقط حقها في الحضانة أو لم يسقط، وإنما للأب أن يمنعها من السفر لأن ذلك حق من حقوقه كما له أن يمنع زوجته من الخروج بغير إذنه بخلاف ما إذا فقدت الحاضنة صفة من الصفات السابق ذكرها فتراهم يقولون: سقطت حضانتها.
وهل المرأة المطلقة إذا انتقلت بالصغير إلى بلد ليس لها حق النقلة إليه تكون أكثر عصيانًا من الزوجة إذا نشزت وقد صرح الفقهاء بأن نشوز الزوجة لا يسقط حق الحضانة بل تؤمر الزوجة بطاعة زوجها حيث كان قائمًا بحقوق الزوجية وما ذلك إلا لأن الحضانة ملحوظ فيها مصلحة الصغير.
وصرحوا بأن الأم إذا سافرت بولدها إلى بلد ليس لها حق الإقامة فيه من غير إذن أبيه كان له حق إرجاعه إلى بلده كما مر في بعض النصوص السابقة.
وربما يشتبه الأمر على كثير من الناس في أن يكون لوالد الصغير حق إرجاعه إلى البلد وله منع الحاضنة من السفر وليس له حق ضمه وإسقاط أجرة حضانته، ولكن بالتأمل في هذه المسألة يزول هذا الاشتباه، لأن حق الحضانة جعل للأم نظرًا لمصلحة الصغير فما دامت تجمع صفات الحضانة فحقها فيها ثابت لا يزيله مزيل إلا إذا تنازلت عنه من تلقاء نفسها ولها بعد هذا التنازل أن ترجع إلى طلب الحضانة مرة أخرى مراعاة لحق الصغير.
أما الإقامة في بلد الحضانة فهو حق من حقوق والد الصغير فإذا أرادت النقلة منه بغير إذنه فله منعها وإذا انتقلت بالصغير فله حق إرجاعه إلى البلد وليس له حق ضمه - هذا ما يعطيه نص الفقه.
غير أن المحاكم على اختلاف درجاتها لا تسير على ذلك - اللهم إلا محكمة واحدة أو اثنتين فيما أعلم - فقد رأيت حكمًا لمحكمة دمياط الشرعية نشر في العدد الثالث من مجلة المحاماة الشرعية في سنتها الأولى حامت فيه حول هذا الموضوع فقد جاء في حيثيات حكمها (ومن حيث إنه بالرجوع إلى أركان الحضانة وشروطها لم يوجد من بينها عدم انتقال الحاضنة بالصغير من بلد أبيه فإذًا تكون الحضانة قائمة مع وجود هذه المخالفة)، وقد جاء في أخرى (ومن حيث إن الحضانة روعي فيها مصلحة الصغير قبل كل شيء ولا تفوت هذه المصلحة بمجرد الانتقال ولذا لم يجعل الفقهاء من موجبات سقوط الحضانة الانتقال بالصغير).
وقبل أن نترك هذا البحث نقول: إن الفقهاء ذكروا شروط الحضانة على سبيل الحصر حتى عدوا منها الأشياء العدمية (عدم إمساك الصغير في بيت المبغض وعدم وجود متبرعة بالحضانة في حال عسرة الأب)، فإذا كان عدم النقلة شرطًا فكيف يترك في بيان الحصر فظاهر أنه ليس بشرط وأن الحضانة تتحقق بدونه ولا يمكن أن يؤثر عدمه في وجود هذا الحق فإذا عصت الحاضنة وانتقلت فيعاد إرجاعها، كما أن الزوجة إذا عصت بالنشوز فعصيانها لا يؤثر في حق الحضانة بل تؤمر بطاعة زوجها مع بقاء الحضانة لها.
وربما يقول قائل: وما ذا يصنع والد الصغير إذا انتقلت به الحاضنة إلى بلد لا حق لها في النقلة إليه والجواب عن ذلك سهل ميسور فلوالد الصغير أن يتقدم إلى المحاكم مطالبًا بإرجاع ولده إلى مكان الحضانة وبعد أن يثبت دعواه بالأوجه المعتبرة في الإثبات فعلى المحكمة أن تحكم بإرجاع الولد إلي بلد الحضانة ويكون الحكم من حيث تنفيذه داخلاً تحت عموم نص المادة (341) من القانون رقم (31) سنة 1910، وينفذ عليها قهرًا وهكذا يُعاد التنفيذ عليها كلما خرجت بالولد إلى بلد لاحق لها في الحضانة فيه فإن رجعت الحاضنة مع الولد إلى بلد الحضانة سلم لها المحضون لتحضنه فيه وإن لم تعد يكون للأب حق استلامه حتى لا يترك ضائعًا، فإن لم تعد إلى استلامه منه في البلد فللأب حينئذ أن يطلب إسقاط أجرة الحضانة عنه، لأن الحاضنة أصبحت بعد ذلك غير ممسكة للصغير ولا قائمة بالواجب عليها، وبذلك نكون راعينا مصلحة الأب ومصلحة الصغير في وقت واحد وكذلك مصلحة الحاضنة ولم نلحق ضررًا بواحد منهم إذ الصغير أبقيناه مع حاضنته وأرجعناه إلى البلد الذي لها حق الحضانة فيه نظرًا لحق والده.
في جميع ما تقدم من صور الانتقال ترى أن الأحكام مفروضة في انتقال الحاضنة بالصغير ولكن ما الحكم إذا طلقت الحاضنة في بلد ليس بلدها ولم يحصل العقد عليها فيه وانتقل والد الصغير إلى بلد آخر بعد ذلك كما هو الواقع الآن بين موظفي الحكومة مثلاً الذين ينقلون من بلد إلى آخر على حسب المصالح هل تلزم الحاضنة بالنقلة وراء الأب كلما انتقل إلا إذا ذهبت إلى بلد لها حق الحضانة فيه وإن لم يكن لها فيه مصلحة كأن كانت تعيش مع أبيها الموظف مثلاً في جهة غير بلد الحضانة ؟ في الفتاوى الهندية وفي المنتقى: عن ابن سماعة عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - رجل تزوج امرأة بالبصرة وولدت له ولدًا، ثم إن هذا الرجل أخرج ولده الصغير إلى الكوفة وطلقها وخاصمته في ولدها وأرادت رده عليها، قال إن كان الزوج أخرجه إليها بأمرها فليس عليه أن يرده ويقال لها اذهبي إليه وخذيه، قال: وإن كان أخرجه بغير أمرها فعليه أن يجيء به إليها.
ابن سماعة عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في رجل خرج مع المرأة وولدها من البصرة إلى الكوفة ثم رد المرأة إلى البصرة ثم طلقها فعليه أن يرد ولدها فيؤخذ بذلك لها كذا في الظهيرية.
وإذا أخذ المطلق ولده من حاضنته بزواجها له أن يسافر به إلى أن يعود حق أمه، هذا في البحر الرائق نقلاً عن الفتاوى السراجية، وفي الصورتين الأولى والثانية أن الزوجة طلقت في بلد لها حق الحضانة فيه كما هو ظاهر فعلى الأب إرجاع الصغير، وفي الصورة الأخيرة إذا سافر الأب بالصغير الذي سقطت حضانة والدته ساغ له ذلك إلى أن يعود حقها في الحضانة فلها حق إرجاعه، ففي تنقيح الحامدية ولا يخرج الأب بولده قبل الاستغناء لما فيه من الإضرار بالأم بإبطال حقها في الحضانة وهو يدل على أن حضانتها إذا سقطت جاز له السفر به، وفي الفتاوى السراجية: سئل إذا أخذ المطلق ولده من حاضنته لزواجها لعل له أن يسافر به ؟ فأجاب بأن له أن يسافر به إلى أن يعود حق أمه، قال في المنح: وينبغي أن يكون محله إذا لم يكن ثمة غيرها يستحق الحضانة، أما إذا كان هناك من يستحق الحضانة فينبغي أن لا يملك الأب السفر به بل ينتقل الحق إلى الحاضنة وهذا ظاهر.
وعلى الجملة فإن الفقهاء صرحوا بأن للقاضي أن ينظر إلى مصلحة الولد في باب الحضانة فكلما تحققت هذه المصلحة من غير مخالفة صريح المنقول صار إليه، ألا ترى إلى المحاكم الآن كيف تمشت مع الوقت في انتقال الزوجة مع زوجها إلى أي جهة تظهر المصلحة في النقلة إليها بقطع النظر عن مسافة السفر وغيرها ما دام الزوج قد وفى ما عليه من الصداق فكذلك يكون الشأن إذا انتقل والد الصغير وترك الحاضنة في بلد لم تكن بلدها ولم يقع العقد فيه وأراد نقل الحاضنة إلى الجهة التي انتقل إليها ليسهل عليه نظر طفله، فعلى القاضي أن ينظر في الأمر ويحتاط فيه ويحقق مصلحة الصغير مع عدم الإضرار بالحاضنة ووالد الصغير ويبني حكمه على ذلك، هذا ما تبينته في هذه المسائل بعد إمعان النظر وإطالة البحث والله الموفق

محمود عدنوس
القاضي بالمحاكم الشرعية

          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  1

            


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2944 / عدد الاعضاء 62