اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

 

    مكتبة الأبحاث القانونية      أبحاث شرعية      المحاكم الشرعية في عهدها الجديد

        
 
  المؤلف : غير مدون   المصدر : مجلة المحاماة الشرعية - مصر
    المحاكم الشرعية في عهدها الجديد

مجلة المحاماة الشرعية

المحاكم الشرعية
في عهدها الجديد

كان إسناد رياسة التفتيش الشرعي إلى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل العلامة السيد محمد سليمان دليلاً من وزارة الحقانية على أنها تريد بالمحاكم الشرعية خيرًا، وتعمل حقًا لإصلاحها ورقيها: فإن الأستاذ يحمل لواء النهضة والإصلاح القضائي في المحاكم الشرعية من أكثر من سبعة عشر عامًا، ويعد من أفذاذ الرجال الذين بهم تشرف المناصب، وترتقي الأعمال، حتى تصل ذروة المجد والكمال.
ومنذ تولي هذا المنصب ونحن نرى في التفتيش الشرعي نشاطًا وحركة ليس لهما من نظير ونرى الحياة القوية تدب في الأعمال القضائية الشرعية وأخذت الوزارة تصدر المنشورات الإصلاحية فأيقظت الأذهان وحركت الأقلام وجعلتها تكتب، فاتتنا كلمات كثيرة في موضوع الإصلاح القضائي تنشر منها هاتين الكلمتين:

الكلمة الأولى: شهادة النفي ومنشور الحقانية
بقلم حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ أحمد إبراهيم
أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة المصرية بكلية الحقوق

اطلعت اليوم في العدد (16495) من صحيفة الأهرام على منشور أرسلته وزارة الحقانية إلى رؤساء المحاكم الشرعية الابتدائية توجه فيه أنظارهم إلى سماع شهادة الشهود الذين يقدمهم المشهود عليه لإثبات وقائع قد ترد ما في شهادة الإثبات، وذلك لأن سماع شهادة مثل هؤلاء الشهود لا يخرج عن كونه طعنًا في شهود المدعي، والمنصوص عليه قبول الشهادة على الجرح ولو مجردًا قبل التعديل من حيث كونها طعنًا في عدالة الشاهد فتمنع القاضي من قبول شهادته بعد ذلك إلا بتعديل وقد يثبت من سماع هذه الشهادة تزوير الشهادة الأولى أي شهادة شهود الإثبات، والمادة (180) من اللائحة يتسع صدرها لذلك، هذا هو ملخص المنشور، وأقول:
إن النص المنشور مجمل، لأنه يقول: (لإثبات وقائع قد تردما في شهادة الإثبات) فإن كان مراده سماع الشهادة الثانية على جرح شهود المدعي جرحًا مركبًا أو مجردًا، فهذا لا يكون إلا بما يمس عدالة الشهود [(1)] على ما هو مبين ومفصل في جميع الكتب الفقهية، وإن كان مراده الاستماع إلى الشهادة الثانية بتقرير أمور معينة يلزم من ثبوتها كذب الشهادة الأولى لاستحالة اجتماع النقيضين، فهذا ليس طعنًا في عدالة شهود الإثبات ولا تجريحًا لهم [(2)] بل هما شهادتان متقابلتان كل واحدة منهما تكذب الأخرى، فالمدعي وشهوده يقولون إن ما نقوله هو الحق والواقع وأما المدعى عليه وشهوده فهم كاذبون ويقول المدعى عليه وشهوده أن ما نقوله هو الحق والواقع وأما المدعي وشهوده فهم كاذبون، ومحال أن يكون الفريقان صادقين بل أحدهما كاذب بيقين، ولا ترجيح لأحد الفريقين على صاحبه فكيف يوسم شهود المدعي بأنهم شهود زور لأن شهود المدعى عليه شهدوا بنقيض ما شهد به الأولون، وكلام كل حجة ظنية ولا ترجيح لأحد الظنيين على الآخر، على أن أبا حنيفة وأصحابه - رحمهم الله تعالى - لا يقيمون وزنًا لشهادة النفي التي يأتي بها المدعى عليه بإزاء شهادة الإثبات التي يأتي بها المدعي، ويقولون إنما شرعت البينات للإثبات، اللهم إلا إذا بلغ شهود النفي مبلغ التواتر فحينئذٍ تكون شهادتهم حجة قطعية يجب الأخذ بها وسنبين ذلك فيما يأتي.
وأما كون المادة (180) تجيز بعمومها شهادة النفي لأنها من ضمن الوسائل التي يستعين بها القاضي على تبين درجة شهادة الإثبات فهذا تأويل بديع واجتهاد في مقابلة النص، وذلك ممنوع بيان ذلك أنه قد اتفقت كلمة الإمام الأعظم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين على عدم قبول شهادة النفي بإزاء شهادة الإثبات على ما قدمنا وما سنبينه مفصلاً فيما يأتي فيكون سماع هذه الشهادة مخالفًا للمذهب، وليس في نصوص اللائحة الواجب العمل بها نص يوجب أو يجيز الأخذ بتلك الشهادة وحينئذٍ لا يجوز سماع شهادة النفي المذكورة بنص المادة (280) من اللائحة، ومن المعلوم أن المنشورات لا تنسخ القوانين فالواجب إذًا أن يصدر قانون بسماع شهادة النفي من المدعى عليه وأن يترك للقاضي ترجيح إحدى البينتين على الأخرى بما يلوح له من القرائن المرجحة، وإن كان في هذا مخالفة صريحة لمذهب أبي حنيفة فقد خولف في مسائل كثيرة من قبل بل خولفت مذاهب الأئمة الأربعة في بعض ما جاء في المرسوم بقانون رقم (25) سنة 1929، على أنه يجب أن يجمع كل ما يراد تجديده وتغييره من الأحكام على حسب ما تقضي به مصالح الناس ولا يصادم نصًا شرعيًا قطعيًا ويصدر به قانون يجب العمل به بما لولي الأمر من السلطة الشرعية في ذلك، وأما المنشورات فلا تقوى على الاستقلال بشيء من ذلك، وتتميمًا للفائدة أذكر هنا ما كتبته في شهادة النفي في كتابي طرق القضاء الذي وضعته لطلبة قسم التخصص في الشريعة الإسلامية بالأزهر والمعاهد الدينية منذ سنتين لعل آذانًا صاغية وقلوبًا واعية تنتفع وتنفع به وما توفيق إلا بالله، فأقول:
البينات إنما شرعت للإثبات ولذا تقدم إحدى البينتين على الأخرى إذا كانت أكثر إثباتًا (حموي على الأشباه) كتقديم بينة الخارج على بينة ذي اليد في دعوى الملك المطلق غير أنهم صرحوا بقبول شهادة النفي في مواضع عد منها في الأشباه عشر مسائل، ولم أطلع لهم على قواعد أو ضوابط لذلك، ولكني قد تيسر ليّ من تتبع ما جاء في كتب المذهب مما نقلوه وقالوه في شهادة النفي أن استنبط هذه القواعد الأربع:
القاعدة الأولى: إذا توافرت في الشهادة على النفي شروط التواتر وجب العمل بها وقدمت على شهادة الإثبات ويستحيل في هذه الحالة أن تكون شهادة الإثبات متواترة أيضًا، قال في البزازية: شهد أنه استقرض من فلان في يوم كذا في بلد كذا فبرهن على أنه لم يكن في ذلك اليوم في ذلك المكان بل كان في مكان آخر لا يقبل، لأن قوله (لم يكن) فيه نفي صورة ومعنى، وقوله (بل كان في مكان كذا) فيه نفي معنى، وأصله ما في النوادر عن الثاني شهدًا عليه بقول أو فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو مبيع أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص في مكان وزمان وصفاه فبرهن المشهود عليه أنه لم يكن ثمة يومئذٍ لا يقبل، لكن قال في المحيط: إن تواتر عند الناس وعلم الكل عدم كونه في ذلك الزمان والمكان لا تسمع الدعوى ويقضي بفراغ ذمته، لأنه يلزم تكذيب الثابت بالضرورة والضروريات مما لا يدخله الشك عندنا أهـ، وقد نقله الحموي في حاشيته على الأشباه وأخذت به جمعية المجلة في المادة (1699)، ونصها العربي: إنما البينة مشروعة لإظهار الحق، بناءً عليه لا تقبل الشهادة بالنفي الصرف كقولك فلان ما فعل هذا الأمر والشيء الفلاني ليس لفلان، وفلان ليس بمدين لفلان ولكن بينة النفي المتواتر مقبولة (مثلاً) لو ادعى بأني أقرضت فلانًا في الوقت الفلاني كذا مقدارًا من الدراهم وأثبت المدعى عليه بالتواتر أنه لم يكن في الوقت المذكور في ذلك المحل بل كان في محل آخر تقبل بينة التواتر ولا تسمع دعوى المدعي، أهـ وعلل ذلك في شرحها بأن الشهرة في النفي حجة كما في الإثبات، وإذا كان أمرًا مشهورًا فالقاضي عالم بكذب الشهود وإذ لم يجزَ له القضاء بشهادتهم عند تمكن تهمة الكذب فعند العلم بكذبهم أولى (علي أفندي عن المبسوط).
القاعدة الثانية: قال في حاشية الحموي: الشرط يجوز إثباته ببينة ولو نفيًا، ومن أفرادها ما لو قال إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر فبرهن الِقنُّ أنه لم يدخل يعتق. قيل فعلى هذا لو جعل أمرها بيدها أن ضربها بغير جناية وبرهنت أنه ضربها بغير جناية ينبغي أن تقبل بينتها وإن قامت على النفي لقيامها على الشرط أهـ وما قاله الحموي هنا مذكور في معين الحكام معزوًا إلى المبسوط، ومثله في البزازية عن المبسوط ونص عبارتها: إن الشرط إن نفيًا كقوله إن لم أدخل الدار فامرأته كذا فبرهنت على عدم دخوله اليوم تقبل أهـ وقال بعده: حلف إن لم تأتِ صهرتي الليلة ولم أكلملها فامرأته كذا، فشهدا على عدم الإتيان والكلام يقبل لأن الغرض إثبات الجزاء أهـ ومثله في معين الحكام معللاً بأنه على النفي صورة وعلى إثبات الطلاق حقيقة، والعبرة للمقاصد لا للصور.
القاعدة الثالثة: الشهادة على النفي إن كانت في المعنى شهادة على أمر وجودي قبلت، ومن ذلك ما لو شهدا بخلع أو طلاق وقالا لم يستثن لأن عدم الاستثناء أمر وجودي إذ هو عبارة عن ضم الشفتين عقب التكلم بالموجب (حموي عن البحر) ومثله ما لو قال لها الزوج بلغك النكاح فسكت وقالت رددت وأقام البينة على سكوتها عمل به، قال في الفتح لأنها لم تقم على النفي بل على حالة وجودية في مجلس يُحاط بطرفيه أو هو نفي يحيط به الشاهد فيقبل كما لو ادعت أن زوجها تكلم بما هو ردة في مجلس فأقام البينة على عدم التكلم فيه تقبل، وكذا إذا قال الشهود كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها أهـ.
القاعدة الرابعة: الشهادة لو قامت على الإثبات وفيها نفي بأن يقول هذه دابته نتجت عنده ولم يزل مالكًا لها، هل تقبل الشهادة ؟ اختلف المشايخ فيه والأصح قبولها (حموي) ومن ذلك ما نقله في الأشباه وغيره، ما إذا شهدا بأن الظئر أرضعت الصبي بلبن شاة لا بلبن نفسها فإنها تقبل، أما لو قالا ما أرضعته بلبن نفسها واكتفيا بذلك فلا تقبل شهادتهما لقيامها على النفي مقصودًا بخلاف الأولى لأن النفي داخل في ضمن الإثبات، فقولهما أرضعته بلبن شاة يتضمن أنها لم ترضعه بلبن نفسها، وقولهما بعد ذلك لا بلبن نفسها تصريح بالنفي الذي تضمنه الإثبات (انظر حاشية الحموي)، ولو قالت الظئر إنها أرضعته بلبن نفسها وأقام كل من الطرفين بينة فبينة الظئر أولى، نقله الحموي عن جامع الفصولين وصاحب معين الحكام عن المحيط، أقول ووجهه ظاهر لأنه إذا تعارضت بينتا إثبات رجحت أكثرهما إثباتًا فإذا تعارضت بينتا إثبات ونفي ترجحت بينة الإثبات بالأولى، على أن البينات شرعت للإثبات كما تقدم، فكل شهادة نفي تعارض شهادة إثبات تكون مبطلة لها لو قبلت فيفوت الغرض من شرعية البينة، وكمسألة الظئر مسألة الاستعراض التي نقلناها في القاعدة الأولى عن البزازية.
وبعد فأقول: إن ليّ نظرًا في إهدار شهادة النفي دائمًا إذا عارضتها شهادة إثبات؛ وعدم اعتبارها أصلاً إذا تجردت عن أن تكون ضمن إثبات أو في معنى الإثبات، فلو أن شهود النفي الذي يحيط به علم الشاهد كانوا أكثر عددًا أو أزيد عدالة من شهود الإثبات وقامت القرائن لدى الحاكم شاهدة برجحان قولهم على قول شهود الإثبات - لو أن الأمر كان كذلك لم لا تندفع شهادة شهود الإثبات وترجح عليها شهادة النفي التي امتازت عنها بكثرة العدد أو قوة العدالة ؟ نعم إن أصحابنا رحمهم الله لا يرجحون بزيادة العدالة ولا بكثرة العدد لكن النفس تكاد لا تطمئن إلى التسوية بين بينتين اشتركتا في أصل العدالة ثم ترجحت إحداهما على الأخرى بزيادة في العدد أو في قوة العدالة ولو كانت تلك الزيادة في جانب شهادة النفي، ويكاد العلم الضروري يكون حاصلاً بالفرق بين الطائفتين، على أن آخرين من غير أصحابنا من الأئمة الكبار كمالك والأوزاعي والشافعي - رضي الله عنهم أجمعين - رأوا الترجيح بزيادة العدالة أو كثرة العدد، أو تعضيد الظاهر (انظر ترجيح البينات) فلم لا تتبع آراء هؤلاء ويعمل بها إذا ثبت أن جانبها هو الراجح والمسألة اجتهادية محضة، وإن من العدل أن يوكل أمر الترجيح في مثل هذا إلى القاضي بما يستنتجه من القرائن المحتفة بالدعوى والجواب عنها وشهادة الشهود وحال كل من المدعي والمدعى عليه وعلاقة أحدهما بالآخر وما يتصل بذلك.
فالذي تلخص عندي أن بينة النفي يجب أن تقبل في موضعين:
الأول: إذا توافرت فيها شروط التواتر وهذه لا مرد لها بالإجماع.
الثاني: أن تكون على نفي يحيط به علم الشاهد كما قدمناه عن الفتح في القاعدة الثالثة، ولا عبرة بما قاله في إيمان الهداية ونقله عنه في الأشباه من أنه لا فرق في عدم قبول الشهادة على النفي بين أن يحيط علم الشاهد به أولاً كما إذا قال: عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق بناءً على أنه نفي معني، بمعنى أنه لم يحج أهـ، وذلك لأن من يقبل الشهادة على الشرط المنفي يجب عليه أن يقبل الشهادة على كل نفي يحيط به علم الشاهد، لأن تناول علم الشاهد لكل منهما واحد، ودعوى الفرق بينهما تحكم وتفريق بين متساويين من حيث تناول الشهادة كلاً منهما وهو الأصل في قبول الشهادة وردها [(3)]، وأما النفي الذي لا يحيط به علم الشاهد، فالشهادة به مردودة بالبداهة [(4)]، والموازنة بين بينتي النفي والإثبات إذا تعارضتا يجب أن يوكل أمرها إلى القضاء كما قدمنا [(5)] هذا هو الذي يجب الأخذ به على ما أرى، وما أحسن ما نقله في معين الحكام عن القرافي المالكي قال: اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة على النفي غير مقبولة وفيه تفصيل، فإن النفي قد يكون معلومًا بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص وقد يعري عنهما فهذه ثلاثة أقسام:
الأول: تجوز الشهادة به اتفاقًا كما لو شهد أنه ليس في هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه فإنه يقطع بذلك، وكذلك يجوز أن يشهد أن زيدًا لم يقتل عمرًا بالأمس لأنه كان عنده في البيت ولم يفارقه، وأنه لم يسافر لأنه رآه في البلد.
فهذه شهادة صحيحة بالنفي، أقول وهذا القسم يرجع إلى الشهادة بما يحيط به علم الشاهد.
الثاني: تجوز الشهادة به أعني بالنفي مستندًا إلى الظن الغالب وذلك في صور: منها التفليس فإن الحاصل فيه إنما هو الظن الغالب لأنه يجوز عقلاً حصول المال للمفلس وهو يكتمه، ومنها الشهادة على حصر الورثة وأنه ليس له وارث غير من ذكروا، فمستند الشاهد الظن، وقد يكون له وارث لم يطلع عليه فهي شهادة على النفي مقبولة، أقول وهذا ملحق بالقسم الأول لطمأنينة الشاهد بما يشهد به أخذًا من القرائن القوية أو الظاهرة، والشهادة في المثالين السابقين مقبولة عندنا أيضًا على ما بين في موضعه.
الثالث: ما يعري عنها مثل أنه يشهد أن زيدًا لم يوفِ الدين الذي عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك فهذا نفي غير منضبط، وإنما تجور الشهادة على النفي المنضبط قطعًا أو ظنًا أهو ما قررناه هنا قد أخذ به علماء القانون في الشهادة بالنفي.
قال في شرح القانون: محل الدليل يكون أمرًا وجوديًا أو سلبيًا على السواء قالوا إن إثبات النفي مستحيل، وعلى كل حال لا يكلف به من يدعيه وهو قول لا يحتمل النقد اللهم إلا إذا أرادوا من كلمة النفي مجرد الإنكار كما في مثال: زيد يدعي على بكر دينًا وهذا يقول إنه غير مدين ففي هذه الحالة يصح قولهم لا يكلف بكر بإثبات ما قدمه وهو الإنكار، لكن إذا قال إنه وفي الدين وجب عليه إثبات الوفاء، نعم الوفاء أمر وجودي لكن ثبوته نفي لأمر وجودي آخر وهو الدين مثال آخر: ادعى زيد أن بكرًا ضربه في يوم كذا ساعة كذا بمكان كذا وجاء عليه بشهود لبكر أن ينكر وجوده في ذلك المكان ذلك اليوم في تلك الساعة لكن من السهل إثبات هذا النفي بإثبات بكر أنه كان مسافرًا أو مسجونًا أو مريضًا وهكذا أهـ.
وجاء في كتاب الطعن في الأحكام لمسيو دوهلس القاضي بمحكمة الاستئناف سابقًا ما نصه (من الترجمة العربية) منع المتهم من الاستشهاد بشهود ينفون شهادة شهود الإثبات أو يضعفون أهميتها والثقة بها يعد سلبًا لحقوق الدفاع، فلا يجوز لمحاكم الاستئناف ولا للمحاكم الابتدائية أن ترفض طلب المتهم للاستشهاد بشهوده وإلا كان عملها باطلاً إلا إذا تبين من أقواله إنه يريد الاستشهاد بهم على وقائع ليس لها علاقة بالدعوى أو على وقائع تفيد ولكن تعتبرها المحكمة ثابتة أو على وقائع لا يصح إثباتها قانونًا (في مادة القذف مثلاً) أو لا يصح إثباتها بشهادة الشهود أو يكذبها عقد رسمي واجب الأخذ به حتمًا إلى أن يطعن فيه بالتزوير أهـ الجمعة 16 جمادى الآخرة 1349.

أحمد إبراهيم إبراهيم
أستاذ الشرعية الإسلامية بكلية الحقوق بالجامعة المصرية

الكلمة الثانية: علي باشا ماهر يتوجه إلى الإصلاح - تعديل طرق الإجراءات أمام المحاكم - منشور عظيم القيمة جليل الشأن
بقلم عالم جليل وكاتب يُشار إليه بالبنان

وزير الحقانية علي ماهر باشا رجل كله عزم وعقل، مفعم بحب الإصلاح، وهو حركة دائمة أيان وجدت، أثرت بروحها في محيطها على أبعد مدى، ومن أظهر مزاياه خلق الحزم فهو يرى وينظر، فيعتقد ويعمل لا تردد ولا خور، وأين حل، حل بشخصيته وطبع عمله بطابعه فلا يزول هذا الطابع عن ذلك العمل وإن زايله المؤثر الأول.
تولى وزارة المعارف لما كاد يلم بها حتى كاد أن يجعلها جديدة في شكلها وموضوعها وتركها ولم يتركها أثره بعد أن حوول محوه.
ثم وزارة المالية فأنفذ فيها نظره، أحاط بدائها وبدوائها وأعطى الدواء وتم الشفاء وهذه آثاره ومصالحه لا تزال مدموغة بطابعه.
وعاد فتولى وزارة الحقانية، وفي وزارة الحقانية بدأ مجد هذا الوزير المجد، فالمجالس الحسبية من صنع يد علي بك ماهر مديرها سنة 1914 وهذه السنة في تاريخ المجالس تعتبر الحد الفاصل بين فوضاها الماضية ونظامها الحاضر لذلك لم يكن عجيبًا - والرجل قاضٍ والقضاء صنعته – أن يكون كله في هذه الوزارة أنظارًا تحوطها من جميع نواحيها، وأبصارًا تطلع على ظواهرها وخوافيها، وهذه حركته في القضاء الأهلي حركة التعيينات والترقيات والتنقلات تعد الثانية من نوعها في تاريخ القضاء بعد حركته الأولى في سنة 1883.
إذن فمن حظ المحاكم الشرعية أن تتاح لها وزارة علي ماهر باشا وهو الذي يقدر الأمور قدرها، ويزن الأشياء بميزانها فإن هذه المحاكم على تعدد أنواع المحاكم عندنا هي أجلها خطرًا وأعظمها أثرًا وإصلاحها إصلاح للحياة المصرية من منبعها ومن أصل نشأتها فإن روابط الأسر وعلائق العائلات كلها موضوعة في أيدي هذه المحاكم، وفي أحجار القضاة الشرعيين ينشأ جيل الأمة المصرية وهذا النظر السامي الحق هو نظر علي ماهر باشا لهذه المحاكم وقيمتها عنده هي بهذا القدر وكان من تمام حظ المحاكم الشرعية أو حظ الوزير الفاضل أن يكون بجانبه العلامة صاحب مقالات (شرعي) الذي طالما زينت الأهرام صدرها (بمقالاته الشرعية)، وقد مكثت مقالات صاحب هذا الإمضاء بضع عشرة عامًا تظهر على صفحات الصحف المصرية باقتراحاته النافعة لإصلاح المحاكم حتى يوشك أنه لم يظهر قانون بإصلاح في مدى هذه المدة إلا وكان الأستاذ (شرعي) قد سبق إلى اقتراحه والتنبيه عليه، وقد جمعت بعض المجلات خلاصة تلك الاقتراحات النظامية في عدد خاص نشر منذ عشر سنين كما رأينا لفضيلته كراسة في الاقتراحات الشرعية الموضوعة رفعت للوزارة منذ خمس عشرة سنة إجابة لرغبة المغفور له عظمة السلطان حسين كامل، فمتصفح هذين الأثرين الجليلين للأستاذ رئيس التفتيش الشرعي الحالي يرى فيهما سبقه إلى الإصلاحات النظامية والموضوعية التي تضمنتها قوانين تلك السنين.
وفي الحركة الإصلاحية القائمة الآن في المحاكم الشرعية بروح وفكر علي باشا ماهر يعد التفتيش الشرعي ذراع معاليه اليمين.
وموضوع اليوم في منشور عظيم القيمة جليل الأثر أصدره معالي الوزير لقضاة المحاكم الشرعية في طرق الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الشرعية حورها تحويرًا يجعلها أقرب إلى الحق وأسهل في الوصول إلى تعرف الحقيقة، مع الضمانة اللازمة للقضاء والمتقاضين.
كنا نحن الصحفيين ندخل قاعة الجلسة في المحاكم الشرعية فيقع أمامنا هذا المشهد نسوقه على سبيل المثال:
تدعي المرأة على زوجها طلاقًا، وتجيء بشاهد يشهد أن هذا المدعى عليه طلقها يوم كذا في مكان كذا أمام فلان وفلان بقوله كيت وكيت فيقول المشهود عليه: يا فضيلة القاضي أنا في هذا الوقت كنت في المكان الفلاني أمام فلان وفلان وهو مكان مغاير للأول وربما كان في مدينة أخرى وأرجوك أن تسمع شهودي على هذه الواقعة لأثبت لك بها كذب هذا الشاهد.
كانت المحاكم لا تسمع هذا الدفاع ولا تعير المشهود عليه أدنى التفات بحجة أن قوله هذا (لا يخرج عن كونه إنكارًا) ولكن نحن الصحفيين نتألم لهذا المنع لأنه بحسب الفطرة السليمة يجب على القاضي أن يسمع شهود الطرفين ويناقشهما ليستخرج الحقيقة من بينهما ما دامت الحقيقة بنت البحث وهذا النظام متبع في القضاء المدني وهو الذي يعبرون عنه (بشهود النفي).
هذه الحالة أدركها معالي علي ماهر باشا ورآها حالة خطرة على سير العدالة بل حالة تفسح لشهود الزور أن يلقوا شرورهم وعبثهم على الآمنين المطمئنين من غير أن يكون لهم رادع من القضاء أو دافع يدفع ظلمهم عن المشهود عليهم وهي والحق يقال لا تتفق مع روح العدل في شيء فأدخل معالي الوزير هذا النظام في طرق الإجراءات الشرعية بالمنشور الآتي ذكره وهو يتفق تمام الاتفاق مع نصوص الفقه الإسلامي وقد خرجه التفتيش الشرعي على نصوص المذهب الصريحة التخريج الصحيح فإن هذا المثال الذي سقناه لا يخرج ما يريده المشهود عليه من تقديم شهوده على إثبات واقعة تنافي بعض ما ورد في سياق شهادة الإثبات من يقول للقاضي إن هذا الشاهد كاذب أو خاطئ أو مجازف أو إلخ....، ومتى وصل إلى تثبيت هذا المعنى في قلب القاضي فإن شهادة الإثبات تتخلخل وتنهار إذ كانت نصوص الفقه تنص على رد الشهادة كلها إذا كذب بعضها، وقد أثبت هذا المنشوران الشهادة قبل أن تكون نهائية ولا تكون نهائية إلا إذا تبينت حجيتها وتمت عدالة صاحبها، هذه الشهادة قبل هذا التمام يسوغ شرعًا لكل مشهود عليه أن يقدم شهوده للقاضي على طعنه في الشاهد ليحمل القاضي على تمام التحري والتثبت.
ومن العجيب إن المنشور الجديد يثبت أن هذه نصوص الفقهاء بصراحة فيكون السير القديم للمحاكم على إغلاق هذا الباب وفيه ما فيه من إهدار العدالة سيرًا في منتهى العجب وللدهشة أن يبقى كل هذه السنين الطوال فمدى إصلاح الوزير بمنشوره الجديد مدى واسع الأثر وبعيد الغور وهو ما سيشعر به المتقاضون شعور العدل والطمأنينة إن شاء الله.

المجلة

نعلق على هذا المنشور الذي يراه القارئ في باب القوانين من هذا العدد والذي بنيت عليه هاتان الكلمتان بأنه خطوة واسعة نحو الإصلاح وفهم صحيح للفقه، ومن يراجع تكملة ابن عبدين يجد المنشور مأخوذًا منها ومكتوبًا بألفاظها، وبعيد أن يفهم أن تقديم شهود لإثبات واقعة تنافي واقعة وردت في شهادة شاهد الإثبات أن يخرج معنى هذا عن أنه مناداة من المشهود عليه بأن شاهد الإثبات كاذب.
ومن المنصوص عليه فقهًا أن طعن المشهود عليه في الشهود بأنهم فسقة أو كذبة أو شهود زور إلخ إنما هو طعن في عدالة الشاهد وتجريح له، وقبل أن يُعدل القاضي الشاهد ويزكيه لا خلاف بين الفقهاء على سماع شهادة الشهود على الطعن، وهو عين ما صنعه المنشور؛ وبذلك لا يكون هناك أي اعتراض من جهة الفقه ولا حاجة إلى مرسوم بهذا المنشور لأنه لم يخالف نصًا من نصوص أبي حنيفة بل هو طبقها وعلى مقتضى الفهم الصحيح فيه.
على أن وزارة الحقانية ألقت بهذا المنشور إلى المحاكم من غير أن تهمله فقد رأيناها وضعت كشوفًا شهرية لمراقبة سيره وتسجيل نتيجته وهو عمل جد مشهود.


المذكرات الإيضاحية التي تبني عليها وزارة الحقانية منشوراتها

تبسيط طرق الإجراء في التصرفات في مواد الأوقاف تقريب سير العدالة فيها - تسهيل الوصول للفصل ومجاراة روح الزمن منشور عظيم القيمة جليل الأثر وهو رقم (31) ونشر في العدد الماضي صـ 193.
إن المترددين على المحاكم الشرعية في مسائل الأوقاف والتصرفات التي تقتضيها طبيعة العمران ومناقلة الأوقاف آخذًا وعطاءً يشعرون بشدة وضيق في إجراءات المحاكم الشرعية لا يتفقان مع روح الزمن ومعاملة هذا العصر عصر البخار والكهرباء، ومما يزيد هذا الضيق أن الأوقاف في مصر كثيرة ولا يكاد حي أو صقع يخلو من عين للوقف والنافع العامة التي تقتضي أخذ الشوارع أو شق الترع أو إقامة الجسور وروح الاقتصاد الذي يدفع الأفراد إلى التعامل بالبيع والشراء والأخذ والعطاء كل هذه دوافع إلى إجراء المعاملات في أعيان الأوقاف، وطبيعة الوقف الدوام والثبوت والقاضي الشرعي هو المهيمن الأعلى والمشرف على الوقف والمحافظة عليه وعلى تنفيذ شروط الواقفين، فأمام هذه الطبيعة وبحكم النظام القضائي يضطر المتعاملون في الأوقاف إلى استئذان المحاكم الشرعية وهذه المحاكم بطبيعة نظامها وبالتقاليد السائرة عليها واللوائح والمنشورات المكلفة تنفيذها كانت تقرب أن تكون حجر عثرة في سهولة التعامل وتبسيط الإجراء حتى أدى هذا الجمود إلى تنفير كثيرين من معاملة الأوقاف وهذا التنفير يتبعه بطبيعة الحال عدم الإقدام عليها وليس هذا من مصلحة الوقف لأن قلة الراغبين توجد بخس الثمن وإبعاد التزاحم على العين قد كثرت الشكاوى في هذا الموضوع فرأى حضرة صاحب المعالي وزير الحقانية أن يضع حدًا لهذه الشكوى وأن يسدي إلى الوقف إحدى أياديه التي يمدها طويلة إلى القضاء والوصول به إلى الذروة العليا من خدمة العدل والإصلاح، وقد نشرنا في باب القوانين والقرارات في هذا العدد منشور الوزير الجليل ومذكرته التي انبنى عليها ومنهما يرى القراء مدى إصلاح الحقانية الآن.

مذكرة إيضاحية للمنشور رقم (31) الصادر في 17 نوفمبر سنة 1930 المنشور في العدد الماضي من هذه المجلة صـ 193

مما لاحظته أثناء اشتغالي بالقضاء قاضيًا ونائبًا ورئيسًا لمحكمة مصر الشرعية بالنيابة ومن مناقشات حضرات المفتشين ومفتي الخاصة الملكية ومحامي وزارة الأوقاف العمومية ونقيب المحامين الشرعيين وباشكاتب محكمة مصر الشرعية ورئيس قلم التصرفات بها أستطيع أن أرفع لمعاليكم هذه المذكرة حاوية لبعض ما يمكن إجراؤه في مواد التصرفات تقريبًا لسير العدالة فيها وتبسيطًا للإجراءات المتبعة فيها مما يتفق مع هذا الزمن ومعاملاته.
بنى النظام الذي تتبعه المحاكم في التصرفات الآن على المنشور رقم (60) المؤرخ 23 فبراير سنة 1916 فالمحاكم تسير عليه في هذا المدى الطويل والمقصود الآن تكميل هذا المنشور بما أنتجته التجربة وما هدت إليه الملاحظة.
1 - لوحظ أن المادة المحفوظة إذا جددت تقدم عريضة التجديد (عملاً بالفقرة الأولى من المنشور) إلى الهيئة وهي التي تقرر ضم المادة المحفوظة فاختصارًا في الوقت وقياسًا على تجديد القضايا المشطوبة يجب تقديم العريضة مع ملف المادة المحفوظة في أول جلسة برقمها الأول، وقد اعترض من رئيس قلم التصرفات على تقديمها برقمها الأول أنه ينقص عدد الإحصاء ولكن مصلحة العمل في سهولة الاستدلال على المادة بتوحيد الرقم قدمت على عدد الإحصاء مع ملاحظة أنه يمكن تدبير طريقة لملافاة هذا الاعتراض الشكلي.
2 - لوحظ أن العريضة التي تقدم بطلب الإذن بالخصومة لا يكون معها إشعار للمطلوب مخاصمته وتحول العريضة من الهيئة للتحقيق كما هي بعد أن تؤجل المادة لأجل غير مسمى حتى يتم التحقيق، وقاضي التحقيق بعد أن تقدم له المادة يقرر إعلان المطلوب ويسير في إجراءاته إلخ فيحصل أن يجيء المشكو في حقه ويدفع بعدم اختصاص الهيئة فيحول القاضي هذا الدفع إلى الهيئة للفصل فيه وربما كانت التهم من التفاهة بحيث لا تقتضي تحقيقًا لو سمع جواب المشكو عنه، أو ربما أقر الناظر بالتهم، أو لم يجد محيصًا من الإقرار بها بما يقدمه الطالب من مستنداته على التهم.
فضبطًا لهذا العمل واختصارًا في الوقت يجب أن يكون طلب الإذن بالخصومة مشتملاً على التهم ببيان وافٍ ويحرر كعريضة الدعوى من أصل وصورة ويعلن الناظر بالجلسة قبل ميعادها حتى بحضوره إذا كان عنده دفع أو رد قدمه والهيئة على ضوء هذا تستطيع أن تفصل في الطلب بحيث أن قرار الإحالة على التحقيق يكون جديًا ولا يضيع به الوقت مع مراعاة أن جعل الطلب كعريضة الدعوى لا يراد منه استكماله لسائر الشروط الواجبة في الإعلانات القانونية بل يكفي من القياس هذا القدر المذكور كما ينبغي أن يتولى الكاتب المختص قيد الأصل بلا حاجة لحضور الطالب للقيد إذ ربما كانت التهم مما تدخل تحت ولاية القاضي الذي له الإشراف والمحافظة على الأوقاف والهيئة بعد نظر الطلب هي التي تقرر السير فيه من عدمه لو فرض أن الطالب لم يحضر الجلسة كما يجب على الهيئة بعد الاطلاع على الطلب أن تقرر التهم التي يجب على المحقق أن يبحثها وكذلك تحدد في قرار الإحالة جلسة التحقيق حتى لا تضيع جلسة أخرى للإعلان وهنا ملحوظة خطيرة وهي تهمة عدم دفع الناظر للمستحقين استحقاقهم من خلاف المستحق أصلاً أو من المستحق الذي وصله حقه فهذه تهمة شخصية يجب لفت المحاكم لها حتى لا تسير فيها إلا مع ذي الحق وحده إذ ليست هذه المسألة من دعاوى الحسبة التي تسمع من كل فرد.
3 - وعملاً بالفقرة الثالثة من المنشور سالف الذكر لا يتصرف رئيس المحكمة في الإجابات الواردة عن التحريات إلا برأي الهيئة وقد يترتب على هذا أن تكون الإجابة ناقصة والهيئة هي التي تقرر استكمالها أو استعجالها إن لم ترد وهذا عمل يضيع الوقت وهو في الوقت ذاته عمل إداري لا دخل للهيئة فيه بعد إصدار قرارها بالتحريات المطلوبة فاستعجال الأوراق أو استكمالها إنما هو في الحقيقة تنفيذ لقرار الهيئة ولذلك يكون من المصلحة إن أمثال هذه الأوراق يتابعها الرئيس بالتكميل أو التعجيل حتى تعرض على الهيئة مستوفاة وقد اعترض من الأقلية على تخويل الرئيس سلطة متابعة الأوراق بالتكميل بأن هذا قد يحد من سلطة الهيئة ولكن بمراعاة البند (8)، وبفرض حسن الظن بالرئيس وبتحديد قرار الهيئة وبالإشراف العام الذي للوزارة لا ينهض هذا الاعتراض وجيهًا وعلى كل فتتبين الوزارة من العمل نتيجته.
4 - كذلك لوحظ أن الهيئة بعد أن تسير في المادة تكون المادة محتاجة لمخابرة وزارة الأوقاف عملاً بالمادة (365) من اللائحة مع أنه في القضايا الكلية التي تحتاج لمثل هذا الإذن بمجرد تقديم الدعوى تخاطب المحكمة إداريًا الوزارة ليكون جوابها تحت نظر المحكمة فقياسًا على هذا وتوفيرًا للوقت يجب بمجرد تقديم الطلب إن تخابر وزارة الأوقاف إذا كان الطلب مما يحتاج إلى مخابرتها حتى يكون جوابها تحت نظر الهيئة مع الأوراق.
5 - كذلك التحريات عن أموال البدل المودعة في خزائن الحكومة التي يراد الشراء بها لا تسير المحاكم حتى تتحقق من توقيع الصيغة فيها لتعتبر بذلك أنها دخلت جهة الوقف، وهذه التحريات يستدل عليها من دفاتر المحاكم وقد يحصل أن الناظر الحالي لا يكون معه أصل مستنداتها لعدم تسليمها ممن قبله وهذا عمل إداري يمكن التحري عنه من المحكمة وسأعرض منشورًا خاصًا بها.
فيحسن إذن بمجرد تقديم الطلب للشراء مثلاً أن يتحرى الكاتب عن جملة ما للوقف من الأموال وبيان ما إذا كانت أموال بدل أم أموالاً للوقف وعما توقع في أموال البدل من الصيغ ويقدم مذكرة عن تحرياته هذه تودع في الملف حتى لا يتعطل نظر المادة إذ الواقع أن المحكمة ترجع إلى هذه الطريقة بعد أن يضيع الزمن.
6 - لاحظت أيضًا أن هيئة التصرفات عند إقامتها الناظر المؤقت عملاً بالمادتين (350) و(326) مكررة تسير فيها كأنها إقامة دائمة من أخذ رأي جميع المستحقين وسماع طعونهم والتحقيق فيها والتأجيل لها إلخ، مع أنها إقامة مؤقتة إلي أن يفصل في القرار نهائيًا..... دعت الضرورة لها احترامًا لحكم المحكمة الابتدائية وتحوطًا للمحافظة على الأوقاف فطول هذه الإجراءات قد يستمر إلى أن يفصل نهائيًا فيضيع الغرض المقصود من هذا التشريع مع أن الناظر المؤقت ما هو إلا أمين القاضي حتى يصير الحكم نهائيًا ويفض النزاع وهو أشبه بالحارس القضائي فلا وجه إذن لكل هذا التطويل، فالواجب لفت نظر المحاكم إلى اختصار هذا الطريق وإقامة من يصلح للنظر بلا داعٍ إلى كل هذا العمل.
7 - لاحظت كذلك أن المحاكم عند سيرها في إقامة الناظر تطلب رأي المستحقين فيمن يقام ناظرًا وهذا عمل لا غبار عليه ولكنها تجيء في الأهم وهو طلب إنشاء وقف جديد أو تحويل عبارته إلى شكل آخر فلا تأخذ رأيهم اكتفاء بما لها من الولاية مع أن ولايتها عامة في كل مسائل الأوقاف والمستحقون الذين يعود عليهم الانتفاع بالأوقاف أفهم لمصلحتهم وأعرف بطريق خيرهم، فأخذ رأيهم في هذا أولى ولذلك يجب أن يؤخذ رأي المستحقين في شراء المستغلات أو إنشاء العمارات سواء أكان من مال الوقف أم من مال البدل وسماع آرائهم للحصول على أنفع وجه لمصلحتهم.
وقد طلب حضرتا مفتي الأوقاف الخاصة ومحامي الأوقاف العمومية استثناء مصلحتيهما من حكم هذه الملاحظة لأن النظام فيهما كفيل بتحقيق هذا الغرض وأوافق على استثناء وزارة الأوقاف وإدارة الأوقاف الخاصة الملكية من هذا الإجراء لأن الملاحظة بنيت على الأوقاف المشمولة بنظارة الأفراد.
8 - لاحظت أيضًا أن المواد التي تتطلب أخذ رأي المستحقين قد يكون الفصل فيها بناءً على تأخر ورود رأي بعضهم وقد يكون رأيهم للاستئناس لا غير وترد إجابة أكثرهم أو يحضر أغلبهم، وبما أن الداعي إلى هذا إنما هي الاستنارة برأيهم فلا أرى سببًا لتطويل النظر إذا أمكن الحصول عليها من طريق الكثرة أو إذا تعسرت من جهة المستحقين ولذلك يحسن الاستعاضة بالكثرة عن الجميع وبعد إعلانهم لا يصح أن يتأخر الفصل على حضورهم تأخرا تضيع به المصلحة.
9 - كذلك في طلبات إقامة الناظر المؤقت أو ضم الناظر إلى آخر ما توجبه المادة (350) لوحظ أن قلم المرافعات يبلغ قلم التصرفات حكم العزل وهذا يقدم المادة للهيئة فتقيم الناظر وقد يطلب بعض ذوي الشأن تنفيذ موجب الحكم بالعزل فيقدم الطلب للهيئة أيضًا وبما أن الطلبين منفصلان فقد يحصل (وحصل فعلاً) أن يقام في كل مادة ناظر مع أن الوقف واحد ويترتب على هذا تقديم مادة جديدة لإبطال الإقامة الثانية لبنائها على إنهاء فاسد، فتلافيًا لهذا يكلف الكاتب المختص البحث من جدول قيد مواد التصرفات وفهرسته عن المدة ما بين صدور الحكم بالعزل وقبل تاريخ الجلسة بيوم ويقدم بنتيجة بحثه مع الطلب حتى تتبين الهيئة إذا كان قد سبق لها نظر هذه المادة من عدمه فلا يقع في ذلك المحظور.

رئيس التفتيش الشرعي
محمد سليمان

حرر في: 12 نوفمبر 1930.

مذكرة إيضاحية للمنشور رقم (32) الخاص بنظار الأوقاف
ونشرناه في هذا العدد في باب القوانين

تنص المادة (350) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المعدلة بالقانون رقم (23) سنة 1926 على أنه في حالتي الحكم بعزل ناظر أو ضم ناظر إليه يجب مؤقتًا إقامة ناظر أو ضم ناظر إلى أن يفصل في الخصومة نهائيًا، والمحاكم تسير في قراراتها على هذا وتسقط نظارة المتولي المؤقتة بمجرد نهائية الحكم فتأخذ المحاكم من جديد في الإقامة الدائمة والفصل فيها بطبيعة الحال يستدعي إجراءات قد تطول وفيما بين سقوط النظارة المؤقتة وصدور قرار النظارة الدائمة يكون الوقف بالطبيعة شاغرًا
وهذه النتيجة لم يقصدها الشارع بل تنافي الغرض الأساسي من القضاء وهيمنته على الوقف والمحافظة عليه.
وبالرجوع إلى المذكرة التفسيرية للمادة (326) مكررة، وتعديل المادة (350) تبين جليًا أن السبب فيهما ما هو إلا المحافظة على الوقف حتى لا يخلو من النظر لذلك جعلت هذه الإقامة بعد الجواز واجبة.
وبما أن المحاكم معذورة في تحديد الإقامة المؤقتة بصيرورة الحكم نهائيًا عملاً بظاهر النص فغير أنه يلاحظ أن ولاية القاضي على الوقف لا ترتفع، والزمن الذي بين سقوط النظارة المؤقتة والإقامة الدائمة (وقد يطول) لا يخرج فيه الوقف عن ولاية القاضي فلذلك يحسن أن تزيد المحاكم في قراراتها ما يدل على استمرار المقام إلى أن يعين خلف له ولا يصادم هذا ظاهر نص المادة (350) لأن القاضي في الجزء الأخير يكون مستعملاً حقه الشرعي بل قائمًا بالواجب عليه فضلاً عن أن ترك الوقف شاغرًا في هذا الأمد الأخير تضييع لحكمة التشريع التي من أجلها وضعت مادة التعديل مع ملاحظة أن الحاجة التي دعت إلى وضع المادة (350) أصلاً وتعديلاً إنما هو الخروج من حكم المادة (340) من اللائحة وقد وضع هذا في المادة (226) مكررة.
فرأى المشرع أنه لو لم ينفذ حكم العزل بالإقامة المؤقتة لخلا الوقف من ناظر ينظر في مصالحه لأن الناظر المحكوم بعزله لا يصح أن يدبر الوقف وقد جرحه الحكم الابتدائي والناظر المحكوم بالضم إليه لا يستقل، فهذه المادة موضوعة لمراعاة هذا الاستثناء وبعد أن كانت جوازية للمحاكم أصبحت بالتعديل واجبة عليها فإذا صار الحكم نهائيًا فقد رجع الأمر طبيعيًا وكان التنظير على الوقف في هذه الحالة من باب أولى.
وقد لاحظنا في بعض القرارات أن المدة ما بين صيرورة الحكم نهائيًا وصدور القرار الابتدائي بالإقامة الدائمة يستغرق شهورًا ربما وقعت في أوقات التحصيل أو التأجير مما تضيع معه مصالح المستحقين ويبقى الوقف بلا مدير شرعي فيديره أما الناظر السابق بطريق الغصب أو يتركه أو يسلمه لمن لا حق له في تسلمه منه وفي هذه الحالات من الضرر ما لا يخفي.
فتلافيًا لهذه الحالة وتمشيًا مع حق القاضي المبين في هذه المذكرة ونظرًا للمصلحة رئي وضع المنشور.
قديمة: القانون رقم (25) سنة 1909:
مادة (350): يجوز حالة الحكم بعزل ناظر وقف أن يعين ناظر يدير أعمال الوقف إلى أن يفصل في الخصومة نهائيًا.
جديدة: القانون رقم (33) سنة 1926:
مادة (350): في حالتي الحكم بعزل ناظر وقف أو ضم ناظر إليه يجب مؤقتًا إقامة ناظر أو ضم ناظر آخر إلى أن يفصل في الخصومة نهائيًا.
مادة (326) مكررة: يجوز لكل ذي شأن أن يستأنف التصرف في الأوقاف الصادر من المحكمة الشرعية الابتدائية بصفة ابتدائية في ظرف ثلاثين يومًا بالأكثر من يوم صدور التصرف.
ويجوز لوزير الأوقاف أن يرفع الاستئناف في مسائل الأوقاف الخيرية في الميعاد المذكور ويرفع الاستئناف بتقرير يقدم لقلم كتاب محكمة التصرف الابتدائية أو لقلم كتاب المحكمة العليا ويترتب على الاستئناف إيقاف تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية إلا في إقامة الناظر أو ضم ناظر أو أفراد أحد الناظرين بالتصرف وتفصل المحكمة العليا بعد الاطلاع على الأوراق ويجوز لها أن تستدعي من ترى لزومًا لسماع أقواله وأن تستوفي ما تراه لازمًا من الإجراءات ولمحكمة الاستئناف أن تلغي أو تعدل التصرف المستأنف أمامها ولها أن تقيم ناظرًا عند إلغائها التصرف بإقامة الناظر.

مذكرة إيضاحية: للمنشور رقم (29) المنشور في العدد الماضي صـ 192
أموال بدل الأوقاف في خزائن الحكومة 466230 جنيهًا

يبلغ المودع في خزائن الحكومة على ذمة الأوقاف من الأموال التي استبدلت بها هذه الأوقاف مبلغًا يضخم رقمه، وقد دلت الإحصاءات الموجودة بوزارة الحقانية أنه بلغ حتى يناير سنة 1929 مبلغ 466.230 جنيهًا، و238 مليمًا.
وهذه المبالغ الضخمة قد نشأت من حركة البدل والاستبدال التي يضطر إليها بمقتضى النظام العمومي من أخذ مبانٍ في المدن وأراضٍ في القرى للمنافع العامة.
ويرجع تكدسها في الخزائن إلى ضآلة بعض المبالغ المودعة وإلى إهمال النظار في شراء ما يستغل بها في البعض الآخر.
وكانت المحاكم الشرعية بمالها من سلطة الولاية العامة على الأوقاف تحاسب نظارها على القيام بواجبهم نحو البحث عن عين تشتري بهذا البدل لينتفع بها المستحقون ومن قصر منهم أو أهمل عن خيانة اتخذت ضده الإجراءات اللازمة لعزله وتولية من يصلح.
وهناك حركة منتظمة تقوم بها المحاكم شهريًا بتقديم كشوف لوزارة الحقانية عن جملة المبالغ المودعة وعن الإجراءات التي تقوم بها المحاكم نحو المقصرين منهم.
وفي أثناء هذا السير المنتظم جدت فكرة في أول يناير سنة 1929 وثارت مناقشة حول وضع نظام يكفل الانتفاع بهذه الأموال سواء ما ضَؤل منها وما عظم، وفعلاً أصدر سعادة أحمد خشبه باشا قرارًا وزاريًا بتشكيل لجنة من فضيلة الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر السابق رئيسًا ومعالي محمد شفيق باشا وسعادة أحمد عبد الوهاب باشا وكيل المالية وحضرة الشيخ محمد عاشور الصدفي وكيل الإدارة الشرعية سابقًا أعضاء وبمجرد تأليف هذه اللجنة أصدر سعادة خشبة باشا منشورًا للمحاكم في 16 مارس سنة 1929 يبلغها فيه أن تكف عن وظيفتها الآنفة الذكر حتى تنتهي اللجنة من مهمتها، غير أن اللجنة مع الأسف لم تجتمع إلا مرة واحدة في يوم 3 إبريل سنة 1921، وكانت هي الأولى والأخيرة منذ تأليفها وبقيت المحاكم الشرعية مغلولة عن السلطة التي كانت لها وأحس النظار بناءً على هذا أن لا رقابة ولا مؤاخذة عليهم فكانت النتيجة أن انقطع أشراف المحاكم على النظار واللجنة لم تعمل عملاً وقد ظلت الحال على هذا المنوال إلى أن تولى علي ماهر باشا وزارة الحقانية فرأى أن لا وجه لمنع المحاكم عن سلطة تملكها بمجرد الشروع في تأليف لجنة لوضع نظام آخر وأصدر المنشور المذكور إلى المحاكم.


[(1)] راجع كتابنا طرق القضاء المطبوع في المطبعة السلفية سنة 1347هـ صفحة 385 - 388.
[(2)] وما قدم من التمهيد قبل هذا المنشور يدل على ذلك فإنه قد ضرب فيه مثلاً بامرأة تدعي على زوجها طلاقاً وتجيء بشاهد يشهد أن هذا المدعى عليه طلقها يوم كذا في مكان كذا أمام فلان وفلان بقوله كيت وكيت، فيقول المشهود عليه: يا فضيلة القاضي أنا في هذا الوقت كنت في المكان الفلاني أمام فلان وفلان وهو مكان مغاير للأول وأرجوك أن تسمع شهودي إلخ أهـ، أقول هل في هذا الكلام طعن في عدالة شهود الإثبات بالمعنى المصطلح عليه في كتب المذهب أو هو اجتهاد في مقابلة النص ؟
[(3)] ومما يوضح هذا أن نقل الترك عنه - صلى الله عليه وسلم - مقبول ومعدود من السنة كنقل الفعل ومن أمثلة ذلك نقلهم عنه أنه لم يغسل شهداء أحد وأنه لم يكن آذان ولا إقامة في صلاة العيد إلى غير ذلك، أليس هذا كشهادة النفي الذي يحيط به علم الشاهد، وإن من العجب أن يرد قوم مثل هذا في شهادة بعض الأشخاص على بعض في أمر جزئي وهم يقبلونه في نقل الآحاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر كلي ملزم لجميع الأمة (انظر أعلام الموقعين).
[(4)] قد تقبل الشهادة على النفي المطلق ضمنًا إذا غلب على الظن اعتقاده كالشهادة بأن ميراث فلان الميت انحصر في ورثته المذكورين في الدعوى وأنه لا وارث له سواهم فقد يجوز عقلاً أن يكون له ورثة آخرون لكن لو تركت قسمة التركة حتى يظهر كل ورثته فلا تقسم تركة أبدًا لعدم انتفاء هذا الاحتمال ومن أجل ذلك قبلت الشهادة اكتفى بأن تكون شهادة على العلم لا على البتات.
[(5)] نقل في نزهة الخاطر على روضة الناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد فيما إذا تعارضت رواية الإثبات ورواية لنفي أربعة آراء: منها أن النفي إن استند إلى علم بالعدم قدم على الإثبات: وذلك كان يقول الراوي مثلاً أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل لأني كنت معه فيه ولم يغب عن نظري طرفة عين، أو قال أعلم أن فلانًا لم يقتل زيدًا لأن رأيت زيدًا حيًا بعد موت فلان أو بعد الزمن الذي أخبر الجارح أنه قتله فيه، فهذا يقبل لاستناده إلى مدرك علمي ويستوي هو وإثبات المثبت فيتعارضان ويطلب المرجح من خارج وكذلك كل شهادة نافيه أسندت إلى علم بالنفي فإنها تعارض المثبتة لأنها تساويها إذ هما في الحقيقة مثبتتان لأن أحداهما تثبت المشهود به والأخرى تثبت العلم بعدمه وهذا المذهب هو الذي نختاره أهـ.


          

رقم الصفحة : (1) من إجمالي  1

            


 
 
الانتقال السريع          
  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 4339 / عدد الاعضاء 62