اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
6/21/2021 1:48:53 PM
  صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. تصوير المحاكمات الجنائية      

صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. تصوير المحاكمات الجنائية بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة في الثالث عشر من يونية الحالي، صدر القانون رقم 71 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، متضمناً إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات، برقم (186 مكرراً)، نصها الآتي: «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بأي طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية دون تصريح من رئيس المحكمة المختصة بعد أخذ رأي النيابة العامة. ويحكم فضلاً عن ذلك بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في ارتكاب الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محو محتواها، أو إعدامه، بحسب الأحوال. وتضاعف العقوبة في حالة العود». وهكذا، يقرر المشرع تجريم تصوير أو تسجيل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بأي طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية، متى تم ذلك دون تصريح من رئيس المحكمة المختصة بعد أخذ رأي النيابة العامة. النموذج القانوني للجريمة للسلوك الخاضع للتجريم بموجب النص سالف الذكر خمس صور، هي: التصوير، التسجيل، البث، النشر، والعرض بأي طريقة من طرق العلانية. أما محل أو موضوع هذا السلوك، فهو الكلمات أو المقاطع أو الوقائع ذات الصلة بجلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية. وهذا التجريم مرهون بأن يكون صور السلوك الخمس سالفة الذكر قد تمت دونما تصريح من رئيس المحكمة المختصة بعد أخذ رأي النيابة العامة. وبإمعان النظر في الصور الخمس، نجد أن البث والنشر والعرض تفترض سبق التصوير أو التسجيل. إذ لا يتصور البث أو النشر أو العرض ما لم يكن مسبوقاً بالتصوير أو التسجيل، أو على الأقل معاصراً له، كما هو الشأن في البث الحي المباشر. ولذلك، ولما كانت مسميات الجرائم ترتكز أساساً على السلوك الإجرامي، وحيث إن التصوير والتسجيل يشكل صورة السلوك الأساسية في هذه الجريمة، لذا نرى من الملائم أن نطلق على هذه الجريمة المستحدثة اسم «جريمة تصوير المحاكمة الجنائية بدون تصريح من رئيس المحكمة المختصة». واستلزام المشرع الحصول على تصريح من رئيس المحكمة المختصة بالتصوير أو التسجيل أو البث أو النشر أو العرض بأي طريق من طرق العلانية يعني أن الأصل هو حظر القيام بأي من هذه السلوكيات، والاستثناء هو أن يتم ذلك بتصريح من رئيس المحكمة المختصة. ولعل ذلك يشكل أول أوجه الاختلاف بين حظر النشر وحظر التصوير، وهو ما نحاول إلقاء الضوء عليه بشكل أكبر، من خلال العرض التالي: حظر النشر وحظر التصوير تعاقب المادة 190 من قانون العقوبات المصري كل من ينشر المرافعات القضائية أو الأحكام التي قررت المحاكم حظر نشرها في سبيل المحافظة على النظام العام والآداب. ومن المقرر قانوناً أن النشر قد يكون بطريق النشر الورقي، وقد يكون بطريق الإذاعة أو البث التليفزيوني. ومن المقرر أيضاً أن نشر ما يجري في المحاكمات بواسطة وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي هو امتداد لمبدأ علانية المحاكمات، حيث تستمد مشروعية نشر الإجراءات القضائية من علانيتها. ومن المستقر أيضاً أن حظر النشر يستوجب حظر البث الإذاعي والتليفزيوني. ولكن، وفي المقابل، فإن حظر التصوير والتسجيل والبث والنشر والعرض بأي طريق من طرق العلانية يفترض حظر النشر بالطريق المرئي، ولكن لا يعني بالضرورة حظر النشر بالطريق المقروء. وهكذا، يبدو سائغاً القول إن المشرع يمايز بين النشر الورقي والنشر المرئي أو المسموع. فالأصل في النشر الورقي هو الإباحة ما لم يصدر قرار بحظر النشر. أما البث والنشر المرئي أو المسموع، فالأصل فيه هو الحظر، ما لم يصدر تصريح من رئيس المحكمة المختصة بعد أخذ رأي النيابة العامة. ويبرر هذا الفارق أن الصورة أشد تأثيراً من الكلمة المكتوبة. مدى مساس التجريم بمبدأ علانية المحاكمات الجنائية تعليقاً على نص المادة 186 مكرراً من قانون العقوبات، وفي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يقول أحد القضاة: «بالرغم من أن مبدأ علانية المحاكمة الجنائية يمس مبدأ قرينة البراءة ويضعف من قوتها، لكن مبدأ العلانية من ناحية أخرى وضع لضمان حق المتهم في محاكمة عادلة نزيهة، ولذلك كان تغليب مبدأ العلانية على فكرة قرينة البراءة، وإذا كان من حق المشرع تنظيم الحقوق الدستورية دون أن يصل في ذلك إلى درجة المنع، فإننا نطرح السؤال التالي، إذا كان حضور الجلسات الجنائية مقيداً حالياً بسبب الظروف الصحية بحضور المتهمين والمحامين ومن لهم صلة بجلسة المحاكمة، وأصبح والتصوير والتسجيل على وجه العموم لجلسات المحاكمة مقيداً بإذن من المحكمة، فما هو تأثير ذلك على وجود مبدأ العلانية، لأنه يمكن لأى متهم أن يطعن على الحكم الصادر ضده بقالة غياب العلنية في المحاكمة الجنائية، ومن ثم ندخل في دائرة التشكيك في الأحكام القضائية…» (المستشار عصمت العيادي، خواطر قاض، رأي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الخميس الموافق 17 يونيو 2021م). والواقع أن العلانية يمكن أن تتحقق بالبث والنشر والعرض بأي طريق من طرق العلانية، ولكن لا تتحقق بالتصوير والتسجيل في حد ذاته، ما لم يكن مصحوباً أو متبوعاً بالنشر أو البث. وإذا كان مبدأ علانية إجراءات المحاكمة ينال قيمة دستورية، فإن المشرع الدستوري لم يتطلب توفر وسيلة معينة للعلانية. فيكفي إذن أن تتحقق العلانية بأي وسيلة من الوسائل. ويمكن للمشرع الجنائي أن يتدخل لتقييد وسيلة معينة من وسائل العلانية، مراعاة لمصلحة اجتماعية أخرى، مثل حماية قرينة البراءة التي تحظى بدورها بقيمة دستورية. ولا يعني حظر التصوير والتسجيل والنشر والبث والعرض بأي طريق من طرق العلانية انتفاء علانية إجراءات المحاكمة الجنائية، والتي تتحقق بمجرد إتاحة حضور المحاكمة لغير أطراف الدعوى الجنائية، ولو لم يحضر أحد فعلاً. علة التجريم إذا كان التجريم والعقاب آلية من آليات الرد الاجتماعي على انحراف يستوجب التدخل وعقاب مرتكبيه، فإن ذلك محكوم بمبدأ الضرورة، أي ضرورة حماية المجتمع كمصلحة عامة تمثل في ذاتها قيمة دستورية. وتتحدد ضرورة التجريم في ضوء الهدف منه. فلا يمكن السماح بالمساس بالحقوق والحريات من خلال التجريم إلا إذا اقتضى ذلك تحقيق هدف معين، هو حماية المصلحة العامة أو حماية الحقوق والحريات التي تتعرض للضرر أو للخطر، وتكون في نظر المشرع جديرة بالحماية بواسطة التجريم والعقاب. فارتباط التجريم بالهدف من نصوص التجريم هو أساس الضرورة ومحورها. وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا عن ذلك، فقالت إن «حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها». ولا يتضح الهدف من وراء التجريم إلا بالبحث عن السبب والعلة التي من أجلها وجد الحكم. وانطلاقاً من ذلك، يغدو من الطبيعي أن نتساءل عن علة التجريم سالف الذكر، وما إذا كان ذلك رد فعل لمقطع الفيديو الذي نشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن المشادة التي وقعت بين سيدة وضابط شرطة بسبب تصويرها قاعة محكمة، وهي الواقعة المعروفة إعلامياً تحت اسم «سيدة المحكمة»، والتي أحيلت السيدة على إثرها للمحاكمة في واقعة الاعتداء على الضابط، وقضي ببراءتها بعد ذلك. وفي الإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية يشير إلى أن فلسفة التجريم هي مواكبة الظروف المستجدة التي أفرزها الواقع العلمي هادفاً إلى المحافظة على النظام العام والآداب العامة. واستعرض التقرير عدة نصوص، منها ما يتعلق بقرينة البراءة (المادة 96 الفقرة الأولى من الدستور)، ومنها ما يتعلق بسلطة المحكمة في حظر نشر جلسات المحاكمة مراعاة للنظام العام والمحافظة على الآداب (المادة 187 من الدستور والمادة 268 إجراءات والمادة 18 من قانون السلطة القضائية). ويرى بعض الفقه – بحق – أنه قد فات اللجنة الإشارة إلى نص المادة 190 من قانون العقوبات، مؤكداً أنه كان يجب أن يحتل النص المستحدث موضعا آخر في قانون العقوبات، بأن يحمل (رقم 190 مكررا) بدلاً من (186 مكررا)، حيث إن المادة 186 (السابقة عليها) تجرم الاخلال بمقام قاضي أثناء الجلسة، بينما تعاقب المادة 190 كل من نشر المرافعات القضائية أو الأحكام التي قررت المحاكم حظر نشرها في سبيل المحافظة على النظام العام والآداب. فالمكان الأنسب يكون بعد المادة 190 مباشرة (د. طارق سرور، مجرد فضفضة قانونية، رأي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الخميس الموافق 17 يونيو 2021م). ويشفع لهذا الرأي أن لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ذاتها قد أشارت في تقريرها إلى هدف المحافظة على النظام العام والآداب العامة، وذلك عند الحديث عن فلسفة التجريم. ويبدو أن الإشارة إلى هدف المحافظة على النظام العام والآداب العامة مرجعه هو الربط بين النص المستحدث وبين مبدأ علانية المحاكمات الجنائية. ومنظوراً إلى الأمور على هذا النحو، وجد المشرع أن أي استثناء على مبدأ العلانية ينبغي أن يكون مرتكزاً على الاستثناء الدستوري الذي يخول للمحكمة أن تقرر سرية الجلسات مراعاة للنظام العام أو الآداب. والواقع أن ثمة فارق هائل وبون شاسع بين سرية الجلسات وبين حظر التصوير والتسجيل. وإذا كانت سرية الجلسات تستتبع بالضرورة حظر التصوير والتسجيل، فإن حظر التصوير والتسجيل لا يعني أن الجلسة سرية. بل الفرض في اتخاذ هذا الإجراء أن الجلسة علنية، ومع ذلك قد يجد رئيس المحكمة المختصة من المناسب عدم التصريح بالتصوير أو التسجيل أو البث. الفرض أيضاً في عدم التصريح بالتصوير والتسجيل أن نشر وقائع المحاكمة بالطريق المقروء ممكن، وأن المحكمة لم تصدر قراراً بحظر النشر. ومن ناحية أخرى، وكما سبق أن قلنا، فإن الأصل هو حظر التصوير والتسجيل، والاستثناء هو تصريح رئيس المحكمة المختصة به. ومنظوراً للأمور على هذا النحو، لا يستقيم الربط بين هذا الحكم وبين الاستثناء الواردة في المادة 187 من الدستور، والتي تجيز للمحكمة أن تقرر سرية الجلسات مراعاة للنظام العام أو الآداب. إذ ليس مستساغاً عقلاً ومنطقاً أن يرتبط الأصل بحكم استثنائي. ولذلك، نرى – مع بعض الفقه – أن «الفائدة الحقيقة من وراء النص تتمثل في تدعيم قرينة البراءة إلى حين صدور حكم بات، لأن المحافظة على النظام العام والآداب العامة تم معالجتها في العديد من النصوص التشريعية الأخرى الكفيلة ببسط الحماية. أما بشأن قرينة البراءة، فهذا النص لا يكفل حماية كاملة لها، بل لا يسري في حالة نشر أخبار المحاكمات (د. طارق سرور، مجرد فضفضة قانونية، رأي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الخميس الموافق 17 يونيو 2021م). وفي الإطار ذاته، وبمناسبة مناقشة موضوع البث التليفزيوني للمحاكمات الجنائية، يبدو أن بعض الفقه المصري يؤيد حظر البث، مستنداً في ذلك إلى أن أصل البراءة الذي يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات، يجعل له الحق في ألا تلتقط له أي صورة في وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو حتى شكوكهم. وأصل البراءة يرتفع إلى مصاف المبادئ الدستورية (د. عبد الرءوف مهدي، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص 1404 وما بعدها). تجريم تصوير المحاكمات الجنائية بين النص العام والنص الخاص فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، تنص المادة السادسة والثلاثون من القانون المصري بشأن مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015م على أن «يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر». وبالمقارنة بين النص سالف الذكر وبين نص المادة 186 مكرراً من قانون العقوبات، يبدو جلياً التفاوت البالغ بين العقوبة المقررة فيهما. ففي الحالين، استبعد المشرع اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، اكتفاء بتوقيع عقوبة الغرامة. ولكن، مقدار الغرامة المقرر في قانون مكافحة الإرهاب يبدو أقل كثيراً من مقدار الغرامة المقرر في المادة 186 مكرراً من قانون العقوبات. ولا يمكن تبرير أو تعليل ذلك في ضوء اختلاف الفترة الزمنية الفاصلة بين صدور كل نص منهما. إذ أن الفاصل الزمني بينهما لا يزيد على ست سنوات. ولا يمكن الزعم بأن هذا التفاوت في مقدار الغرامة كان مقصوداً من المشرع. بل إن مخالفة حظر التصوير في الجرائم الإرهابية قد يكون أشد ضرراً وأعظم أثراً من مخالفة حظر التصوير في المحاكمات العادية. ولذلك، نرى من الملائم دعوة المشرع للتدخل لحذف المادة السادسة والثلاثين من قانون مكافحة الإرهاب، اكتفاءً بالنص العام الوارد في قانون العقوبات. وقد يرى المشرع الإبقاء على نص المادة السادسة والثلاثين من قانون مكافحة الإرهاب، مع تشديد العقوبة بحيث تزيد على مقدار العقوبة الواردة في المادة 186 مكرراً من قانون العقوبات. حظر التصوير في القانون المقارن في دولة سويسرا، قضت المحكمة الاتحادية سنة 1969م بأن الأشخاص الغائبين عن قاعة جلسة المحاكمة لا يحق لهم أن يتمسكوا بمبدأ علانية المحاكمة. وأردفت المحكمة أن التقاط صور للمتهمين أو الشهود أو القضاة لا صلة له بمبدأ علانية الجلسات، ذلك أن المقصود هو علانية إجراءات المحاكمة من سماع شهادة الشهود ومناقشتهم ومناقشة الخبراء وسماع مرافعات الاتهام والدفاع. أما التقاط الصور، فهي مسألة إدارة الجلسة وهي منوطة برئيس الجلسة. وبناء على ذلك، أكدت المحكمة أنه لا يعد من قبيل التعسف أن يقرر الحكم المطعون فيه أن مبدأ علانية جلسات المحاكمة لا يمكن أن يستفاد منه أي حق للجمهور في تصوير أو تسجيل ما يدور أثناء انعقاد الجلسات. وكانت محكمة لوسيرن (Lucerne) الجنائية قد رفضت طلباً لأحد المتهمين بالسماح للتليفزيون بنقل وقائع محاكمته، وقالت إن السماح بإذاعة جلسات المحاكمة عن طريق الراديو أو التليفزيون يتجاوز بكثير مصلحة الجمهور في التعرف على كيفية إدارة العدالة، وأن هذا الشكل من العلانية لا يجعل الجمهور رقيباً على عدالة القضاء، وإنما يرضي نهمه إلى الإثارة. (يراجع في هذا الشأن: E. RoyEchos, Rev. de l’Union Européene de Radiodiffusion, Genève, Juillet 1970, № 112, p. 56. وفي الاتجاه ذاته، وبموجب القانون الصادر في الثاني من فبراير سنة 1981م، عدل المشرع الفرنسي نص الفقرة الثالثة من المادة الثامنة والثلاثين من قانون الصحافة لسنة 1881م، وبحيث تحظر عند افتتاح الجلسة استعمال أي جهاز للتسجيل أو نقل كلمات أو صور ومع ذلك فلرئيس المحكمة أن يسمح بأخذ صور قبل بدء المناقشات بشرط أن يوافق الخصوم أو ممثليهم والنيابة العامة. كما تنص المادة 308 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي – معدلة بموجب القانون رقم 731- 2016 الصادر في الثالث من يونيو 2016م – على أن «يحظر عند افتتاح الجلسة استخدام أي جهاز تسجيل صوتي أو إذاعة أو آلة تصوير للتليفزيون أو السينما أو آلات التصوير الفوتوغرافي». ولكن، تجيز الفقرة الثانية من المادة ذاتها لرئيس محكمة الجنايات أن يصرح بالتسجيل تحت رقابته. وتحدد الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من المادة ذاتها إجراءات وشروط تسجيل المحاكمات أمام محكمة الجنايات. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القانون الفرنسي الصادر في الحادي عشر من يوليو سنة 1985م يجيز إجراء التسجيلات فقط لأغراض تكوين أرشيف تاريخي لجهاز العدالة. ولا يتم ذلك إلا بإذن السلطة القضائية، وبعد تلقي ملاحظات الأطراف أو ممثليهم وكذا رئيس الجلسة المطلوب تسجيل وقائعها والنيابة العامة وكذلك استطلاع رأي اللجنة الاستشارية للأرشيف السمعي البصري لجهة القضاء. وغني عن البيان أن تسجيل المحاكمات في هذه الحالة لا يكون بغرض البث التليفزيوني، ولكن فقط لأغراض تكوين أرشيف تاريخي للعدالة. وجدير بالذكر في هذا الشأن أن المشرع الفرنسي أدرك أهمية حماية قرينة البراءة، فأصدر حزمة من النصوص الرامية إلى كفالة الحماية اللازمة لها، فبدأ بأن استبدل بكلمة «متهم» أينما وجدت عبارة «الشخص الموضوع تحت الملاحظة». ونصت المادة الأولى (اصدار) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على أن يُفترض أن أي شخص مشتبه به أو متهم بريء حتى تثبت إدانته. يتم منع انتهاكات قرينة البراءة ومعالجتها ومعاقبتها بموجب الشروط التي ينص عليها القانون. فضلا عن أحقية كل شخص موضوع تحت الملاحظة في اللجوء إلى القضاء لوقف انتهاك افتراض البراءة، بل طلب تعويض عن الأضرار التي لحقت به. فنصت المادة 19 من القانون المدني الفرنسي «لكل فرد الحق في احترام افتراض البراءة. إذا كان الشخص، قبل إدانته، قد قدم علناً على أنه مذنب في الوقائع الخاضعة للتحقيق أو تحقيق قضائي، يجوز للقاضي، حتى في الإجراءات الموجزة، دون المساس بالتعويض عن الضرر الذي لحق به، أي تدابير، مثل إدراج تصحيح أو تعميم بيان صحفي، من أجل وضع حد لانتهاك قرينة البراءة، على حساب الشخص الطبيعي أو الاعتباري المسؤول عن ذلك تم التوصل إليها». وعليه أجاز القانون للقاضي طلب تصحيح أي خبر ينال من قرينة براءة المشكو في حقه أو المشتبه فيه. ولا يجوز أن يحمل الشخص أغلالاً أو أثقالاً إلا إذا كان يمثل خطورة كبيرة على الغير أو على نفسه أو كان من المحتمل هروبه، وفي حالة تقييده يجب اتخاذ كافة لإجراءات اللازمة للحيلولة دون تصوير الشخص أو إجراء تسجيل بالصوت والصورة وهو مقيد بأغلال. وفي الإطار ذاته، تنص المادة العاشرة البند الرابع من قانون المحكمة الجنائية المركزية العراقية الصادر عن سلطة الائتلاف برقم 13 لسنة 2003م على أن «يمنع البث التلفزيوني أو الإذاعي من داخل قاعة المحكمة عدا بث القرار الختامي في قضايا معينة». وجدير بالذكر أن هذا القانون يختلف عن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005م، الصادر في التاسع من أكتوبر 2005م، والمختصة بالمحاكمة عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات القوانين المنصوص عليها في المادة الرابعة عشرة من هذا القانون. وقد ورد هذا القانون خلواً من النص على حكم مماثل، مكتفياً بالنص على أن «تكون جلسات المحاكمة علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية وفقاً لقواعد الإجراءات والأدلة الملحقة بهذا القانون ولا يجوز اتخاذ القرار بسرية الجلسة إلا لأسباب محدودة جداً» (المادة العشرون البند رابعاً من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا). ويبدو أن خلو هذا القانون من نص مماثل بحظر البث التليفزيوني للمحاكمات كان مقصوداً، حيث تم بث مقاطع مسجلة، بتأخير حوالي ثلاثين دقيقة عن وقت حدوثها، من جلسات محاكمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وفي اسكتلندا، حذرت دراسة من تسجيل وإذاعة المحاكمات عبر الفيديو وتأثير ذلك السلبي على شهادة الشهود والخبراء. Concern over role of TV cameras in Scottish courts, Increasing the presence of TV cameras in Scotland’s courts could discourage expert ­witnesses from giving evidence, according to a leading forensic scientist, THE SCOTSMAN, Wednesday, 3rd January 2018. خلافاً للاتجاه السابق، واعتباراً من شهر أكتوبر 2013م، قررت وزارة العدل البريطانية بث جلسات المحاكمة الجنائية عبر التلفزيون للمرة الأولى، لتحسين فهم الجمهور لنظام العدالة. ففي التاسع والعشرين من أكتوبر سنة 2013م، صدر قرار وزير العدل رقم 2786 لسنة 2013 بشأن تسجيل وبث جلسات محاكم الاستئناف. وفي السادس والعشرين من مايو 2016م، صدر قرار وزير العدل رقم 612 لسنة 2016 بشأن تسجيل جلسات محاكم التاج. وتأتي هذه الخطوة بعد انتقادات بأن بعض المحاكم أصدرت أحكاماً متشددة على كثيرين من الذين أدينوا بالمشاركة في موجة أعمال الشغب التي وقعت في أنحاء البلاد خلال شهر أغسطس 2011م. إذ صدر الحكم بسجن رجل لمدة ستة أشهر بتهمة سرقة زجاجة مياه قيمتها 5 .3 جنيه استرليني، بينما صدر حكم بسجن اثنين آخرين لمدة أربع سنوات بتهمة تحريض الناس على الشغب على صفحة موقع فيس بوك على الإنترنت رغم أن ما نشراه لم يتسبب في عنف. وتبريراً لإجراء البث التليفزيوني للمحاكمات الجنائية، قيل إن السماح بالكاميرات في المحكمة سيرفع ثقة الجمهور في كيفية تسيير نظام العدالة، ويسهم بشكل إيجابي في تعزيز الشفافية وفهم الجمهور للمحكمة. لكن هذا الإجراء اقتصر فقط على تسجيل ملاحظات القضاة الموجزة نهاية كل قضية، دون أن تصوير الضحايا أو الشهود أو المجرمين أو المحلفين. وبدأ تطبيق إجراء البث التليفزيوني في محكمة الاستئناف، ثم جرى توسيع نطاق تطبيقه بعد ذلك ليشمل المحاكمات الجنائية في محاكم التاج حيث تنظر القضايا الأخطر. كذلك، تم التأكيد على أن وزارة العدل ستتخذ نهجاً حذراً لمنع الكاميرات من تحويل المحاكم إلى مسرح. وجدير بالذكر أن المحاكم الإنجليزية قاومت طويلاً البث التلفزيوني للجلسات لجعلها تتماشى مع الممارسات المتبعة في بلدان أخرى. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي سنة 2009م، تقدم أحد أعضاء مجلس النواب، ويدعى جراسلي (Grassley)، بمشروع القانون المسمى «الشفافية في قاعة المحكمة». Sunshine in the Courtroom Act of 2009. مدى جواز التظلم من رفض رئيس المحكمة التصريح بالتصوير تعليقاً على نص المادة 186 مكرراً من قانون العقوبات، اقترح أحد رجال القضاء المصري تعديل النص القانوني الصادر في هذا الصدد، بكفالة حق التظلم لذوي الشأن من قرار المحكمة بمنع تصوير المحاكمة وتسجيل أحداثها، إذا لم تقرر المحكمة اجراءها بصورة سرية في الحالات التي حددها القانون (المستشار عصمت العيادي، خواطر قاض، رأي منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الخميس الموافق 17 يونيو 2021م). وإذ نؤيد هذا المقترح، نود أن نلفت النظر إلى أن الامتناع التشريعي عن تنظيم سبيل الطعن في هذا القرار يشكل تطبيقاً لنهج تشريعي ثابت في الإجراءات المتصلة بحفظ النظام في الجلسة، كما هو الشأن في حظر النشر، والإجراء المتخذ بحق كل من يخل بنظام الجلسة بإخراجه من قاعة المحكمة، وحبس من يخل بنظام الجلسة لمدة أربع وعشرين ساعة أو تغريمه عشرة جنيهات. فوفقاً للمادة 243 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، «ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة، فإن لم يمتثل وتمادى، كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه أربعاً وعشرين ساعة أو بتغريمه عشرة جنيهات. ويكون حكمها غير جائز استئنافه، … وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن الحكم الذي تصدره». ولعل خلو قانون الإجراءات الجنائية من نص تنظيمي يتعلق بسلطة رئيس المحكمة في التصريح بالتصوير من عدمه يفتح الباب أمام بعض المتقاضين إلى سلوك سبيل الطعن في قرار رفض التصوير أمام القضاء الإداري، على نحو ما حدث في قرارات حظر النشر وأوامر المنع من السفر في القضايا الجزائية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هيئة المفوضين بمحكمة القضاء الإداري أصدرت في سنة 2011م تقريراً قانونياً في الدعوى المقامة من عدد من المحامين لوقف قرار مجلس القضاء الأعلى في 2010م بوقف بث الجلسات، وأوصت فيه الهيئة بإلغاء قرار المجلس بمنع وسائل الإعلام من متابعة المحاكمات الجنائية وإذاعة وقائعها وتصويرها. وأوضح تقرير هيئة مفوضي الدولة حينها أن منع بث المحاكمات قرار إداري وليس عملًا قضائيًا، وبالتالي يدخل في اختصاص مجلس الدولة. وأشار التقرير إلى أن منع التصوير لأي محاكمة من اختصاص رئيس المحكمة فقط، وأن حظر نشر وقائع المحاكمات مقصور على حالات بعينها، وليس ما دفع به مجلس القضاء الأعلى من التأثير السّلبى للتصوير على سير المحاكمات، خاصة أن قانون الإجراءات الجنائية وقانون تنظيم الصحافة كفلا حماية المحاكمات ومعاقبة كل مَن يسئ إليها.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3605 / عدد الاعضاء 63