الإناء الفضي والجرذان روى الأصمعي انه في أحد الأيام تأهب لسفرة طويلة. وكان الخليفة قد أهدى أليه أناء من فضة حرص عليه حرصه على ولد له. فاستودعه عشية رحيله أحد التجار لكي يكون عنده بمأمن من أيدي اللصوص. عاد الأصمعي من رحلته فجاء الى التاجر ليستعيد إناءه الثمين، فتظاهر هذا بالألم والأسى حتى كاد يبكي وقال له: أنى أسف جدا، يا صديقي، على ما حصل فقد خبأت الإناء عن أعين اللصوص لكني لم استطع أن أخفيه عن الجرذان فقد نهشته نهشا ولم تبق منه على اي اثر. حافظ الأصمعي على رباطة جأشه وتظاهر بالاقتناع وقال: حقا أن للجرذان أنيابا حادة تفل الفضة والحديد. جازاك الله على معروفك! وانصرف. بعد يومين دعا الأصمعي التاجر الى الغداء، في منزله، وطلب من صديق له أن يستقدم أليه في هذه الإثناء، بحيلة ما، ولد التاجر ويبقيه عنده خفية عن أبيه. لبى التاجر دعوة الأصمعي واكل وشرب ما طاب له وتحدث عن مساوئ الجرذان وأخطارها. لكنه لما عاد الى منزله افتقد ابنه وحاول عبثا أن يعرف أين هو، فتوجه آخر الأمر الى الأصمعي، فقال له هذا: قيل لي إن نسرا ضخما حط على الأرض وخطفه. ذهل التاجر وقال: وكيف هذا؟ كيف حط النسر على الأرض وخطف ولدي وهو كبير الجثة. إن هذا الأمر مستحيل. ضحك الأصمعي وقال: يا أخي! لماذا تريدني أن أصدقك بان الجرذان التهمت الإناء الفضي ولا تصدقني أنت عندما أقول لك أن نسرا اختطف ابنك. قال التاجر: والله! لقد غلبتني. رد إلى ابني، وها أنا آتيك بالإناء.

تفسير الحلم جاء الى ابي العيناء احد وزراء الخليفة المتوكل وكان ظالما مستبدا وقال له: يا ابا العيناء رأيت في الحلم ثلاثة فئران: أحدهما بدين والآخر هزيل، والثالث اعمى، فهل لك أن تفسر لي هذا وأنت خبير عليم بتفسير الأحلام. صمت ابو العيناء لحظة ثم أجاب: اني أخشى أن أثير غضبك، وأنت عزيز علي، لو فسرت لك هذا الحلم على حقيقته: قال له الوزير: قل الحقيقة مهما تكن مرة، ولا تخشى بأسا. تشجع ابو العيناء وقال: الفأر السمين، يا سيدي، إنما هو يمثل حاشيتك أهل بيتك. والفأر النحيل يمثل الشعب المحروم الجائع. أما الفأر الاعمى، لا كعماي انا، بل عن رؤية الحقيقة، فهو أنت، والله اعلم!. جمد الوزير في مكانه وكأنه أصيب بجرح في صميمه إذ فهم ما قصد إليه الشاعر، فانصرف من عنده شاكرا. وكان تفسير الحلم هذا كافيا ليجعل الوزير سموحا متساهلا، يأبى أن يظلم الناس بدون سبب.

أحمد فراج - اسكندرية