المنسي
رجل طاعن في العمر يجلس علي عجلة متحركه بدار المسنين - حالته ميسورة ماديا – محطم نفسيا –
يزين الغرفة بصورة له وهو صبي – وصورة اخرى لوالدته ووالده وهو يتوسطهما – صورة اخرى وهو يتسلم وسام الاستحقاق لمشاركته في الحرب – صورة له هو وزوجته – برواز فارغ من الصور ولكن مكتوب عليها الرئيس - صورة له مع اولادة – صورة له وحيدا بعد كبرة ي العمر – هكذا علي التوالي.
يهمس الي نفسه هذه الجرائد ليس بها شيء جديد فما كتب منذ عشر سنوات يكتب الان مع الفارق في اسم الصحفي
نفس الشخوص – نفس الوزراء نفس التصريحات – حتي ان الاهلي مازال يحصل علي بطولة الدورى - نفس الانجازات – نفس الكلام عن البطاله والعنوسة ,ومعدلات الطلاق - مرة انفلونزا الخنازير والان انفلونزا القطط .
يسمع اصوات من الخارج
كل سنه وانت طيب ياحاج - صوت اخر عيدميلاد سعيد ياستاذ - صوت اخر عقبال مية سنه يامعلم – وهكذا تتوالي الاصوات لتهني شخص ما بعيد ميلادة – ولكن عندما ينظر الي نتيجة الحائط يفاجيء بان هذه التهنئة انما هي موجه له دون غيرة – لكن ما ازعجة ان ينادون عليه بالقاب لم يبحث عنها وكان يفضل ان ينادوه باسمه لكن من الواضح انه شخص منسي الاسم..
يرجع فلاش باك ويتخيل ايامه وحكاياته مع الصور
فينظر الي الصورة الاولي ويحادثها:
كم كنت شقيا وانا صغير – وكم كنت محبوبا من الناس – لكن هذا لا يمنع من انه كانت لدي اخطائي – اتذكر وانا صغير وعندما كنت ارتكب خطأ وتقوم والدتي بعقابي بدنيا – اجرى علي الشقه المقابله - فابوابنا في هذا الزمن كانت كلها مفتوحه لتوافر الحب والامان – كنت اهرع الي ام جرجس جارتنا - لتأخذني في احضانها وتهدى من روعي – وعندما اقص عليها ماحدث - فما كنا نعرف افة الكذب - كانت تنادى علي جرجس لاحضار العصي لتقوم هي ايضا بمعاقبتي علي هذا الخطأ – فكنت اصرح واستغيث وارجع الي احضان امي - لم يكن هناك مجال للدلع في حالة الخطأ – بل كان التوجيه والاحتواء دون تدليل بل بالحزم.
تذكرت اللعب في الشوارع – ومرحلة الطفولة .
يرتشف رشفة من فنجان القهوة . ولم يشعر ببرودته لتدفق حماس الصبي في عروقة
ينتقل الي الصورة الثانيه - فيرى والده ووالدته ويتذكر لهما كل ماصنعاه من اجله ويبدأ في سرد حكاياته – وذكرياته الجميله في مرحلة الطفولة والصحه والمرض ومدى الرعاية التي كان يتلقاها من الجميع – كان تلميذا نجيبا – احبه زملائة ومدرسية , احب علومه وتفوق في كل مراحل العلم كان نبراسا وقدوة ومثلا لكل زملائة سار في الظاهرات حمل علم مصر في قلبه في كل الاوقات .
يطلب فنجان من القهوة
يرجع الي صورته وهو يتسلم وسام الاستحقاق ويتذكر البطولات التي قام بها في الحرب – ثم يهمس الي نفسه كيف كان الكفاح, وكيف كانت الرجوله – كيف هان الوطن علي ابنائه – يصرخ يقول دفعنا الثمن لكن مين اللي في النهاية قبض-ثمن دمي اللي راح في سيناء- يخسارة علي شبابي - يخسارة علي عمرى – يخسارة ياولاد – لما ولاد الكلب بقوا منشالين علي الرؤوس
يتذكر حلقة جديدة من حياته يوم ان التقي نصف عمره الاخر – يوم وجد ضالته المنشودة في سيدة محترمه متعلمه مثقفة متدينه , عاشوا سويا وكفاحوا , وكانت السعادة تغلف حياتهم , والصفاء والنقاء يملء قلبهم . والتضحيه كانت لهم منارا يضيء لهم الطريق في تربية ابنائهم الذين رزقهم بهم الله واحسن تربيتهم . علما ودينا وخلقا , لكن ربما هناك خطأ ما حتي يلقي به في هذه الدار من قبل اولادة وما اصابهم من عقوق ونكران للجميل.
ينتقل الي صورة الرئيس
ويقول ياترى هو هو – هو القديم لسه الموجود لحد دلقوتي ياترى عايش زى عشتي - ياترى حيتغير امتي ؟
تتعب ارجله من الوقوف - يجلس. ينظر الي صورة اولادة - يتذكر مافعله لهم - كم ربي – كم راعاهم يتذكر قول احدهم له وهو يقول له في مرضة باني ارعاك – فاجابه قائلا – نعم كنت ترعاني في مرضي وتتمني لي الموت حتي تستريح – لكني كنت ارعاك في مرضك وكنت اتمني لك الحياه – كان يهمس ويتمم – انا لم اعلمكم يوم الكذب – علمتكم الصدق والرحمه – فاين انتم الان – لماذا ينقلب الخير شرا – يصرخ في اعماقة لم اقل لكم يوما اني كنت باطلع الاول – كنت دائما اقول لكم الحقيقة – كنت احثكم علي المذاكرة – كنت دائما اتوخي الحرص في ان تكون اللقمة حلال . حياتي كلها كانت لكم – مدخراتي هبة لكم بنفس راضية – اين انتم ولماذا تتركوني في دار المسنين – هل هذا هو جزائي – يريد الدعاء عليهم ولكن لا يطاوعه قلبه - يريد ان يغضب عليهم لكن لا يستجيب له لسانه – فهو يحاول ان يلتمس لهم الاعذار – يظل الشريط السينمائي لمراحل حياتهم يمر من امامه بين الضحكه والدمعه والابتسامه وبين مشاعر الغضب والندم .
ينظر الي صورته وحيدا – يتذكر ايام السعادة التي عاشها مع زوجته – وتساءل هامسا الي نفسه عن تلك الايام التي ولت , اين شريكة حياته – اين اصدقاء السلاح – اين اصدقاء العمل اين وأين ؟؟؟ ذهبت زوجته وذهب رفقاء السلاح والوظيفة والشارع والمقهي.
ولكن هاهو يوم عيد ميلادة – وظل ينتظر المحتفيين بعيدة ممنيا النفس المعذبه الوحيده بحضور الابناء والاصدقاء وزملاء الدار – لكن واثناء تحضيرة للحفل ولم يحضر احد – سمع صوت المذيع في التلفاز وهو يذيع مباراة كرة قدم بين الاهلي والزمالك - وعرف سبب عدم حضور الجميع اليه للاحتفال بيوم مولدة - فجلس علي الكرسي المتحرك ينعي حاله .. ويقول لقد اصبحت نسيا منسيا . وهطلت دموعه سيلا علي خدودة – وراح في سبات عميق – سبات الموت الذى كان ارحم له من كل المحيطين به .
فاعلم ياخي كلنا معرضين يوما باننا يمكن ان نكون هذا المنسي .
سامي عبد الجيد احمد فرج
,