الهادي وحبه لغادرة
حكي عبد الحق أنه قال مما ابتلي به الهادي من المحبة أنه كان مغرماً بجارية تسمى غادراً، وكانت من أحسن النساء وجهاً وأطيبهم غناءً، اشتراها بعشرة آلاف دينار، فبينما هو يشرب مع ندمائه إذ فكر ساعة وتغير لونه وقطع الشراب، فقيل له: ما بال أمير المؤمنين؟ قال: وقع في قلبي أني أموت وأن أخي هارون بلي الخلافة ويتزوج غادراً فامضوا وأتوني برأسه.
ثم رجع عن ذلك وأمر بإحضاره، وحكى له ما خطر بباله فجعل هارون يترفق به، فقال: لا أرضى حتى تحلف علي بكل ما أحلفك به أني إذا مت لا تتزوج بها. فرضي بذلك وحلف إيماناً عظيمة، ودخل إلى الجارية وحلفها أيضاً على مثل ذلك، فلم يلبث بعد ذلك سوى شهر ومات وولي الخلافة هارون الرشيد فطلب الجارية فقالت: يا أمير المؤمنين كيف تصنع بالإيمان؟ فقال: قد كفرت عنك وعني.
ثم تزوج بها ووقعت في قلبه موقعاً عظيماً وافتتن به أعظم من أخيه الهادي حتى كانت تسكر وتنام في حجره فلا يتحرك ولا ينقلب. فبينما هون في بعض الليالي وهي في حجره نائمة إذا بها انتبهت فزعة مرعوبة. فقال لها: ما بالك فديتك؟ قالت: رأيت أخاك الهادي الساعة في النوم فأنشدني هذه الأبيات:
أخلفت عهدي بعدما ... جاوزت سكان المقابر
ونسيتني، وحنثت في ... إيمانك الزور الفواجر
ونكحت غادرة أخي ... صدق الذي سماك غادر
لا يهنك الإلف الجديد ... ولا تدر عنك الدوائر
ولحقتني قبل الصباح ... وصرت حيث غدوت صائر
قالت: ثم ولى عني وكأن الأبيات مكتوبة في قلبي ما نسيت منها كلمة.
فقال لها: هذه أحلام الشيطان.
فقالت: كلا، والله يا أمير المؤمنين. ثم اضطربت بين يديه وماتت في تلك الساعة، ولا تسأل عن هارون الرشيد وما لقي بعدها.
أحمد فراج - محامي - اسكندرية