." سارق الدجاجة "
كما يتنقل بنا الحكيم أيضا فى كتابه " أنا والقانون والفن " إلى طرفة أخرى إبان عمله كوكيل نيابة وحدثت له أثناء حضوره لإحدى جلسات الجنح والمخالفات قائلا عنها :- ما من شىء أستطاع أن يضىء لى معنى كلمة الفن فى مراميها الحقيقية مثل ذلك الموقف البسيط من مواقف " العدالة " فكنت أثنائها فى مقعد النيابة العامة فى محكمة صغيرة من محاكم الأقاليم استمع فى نصف ضجر ونصف وعى إلى صوت القاضى ينطق فى رتابة مملة عن أحكام الغرامات على من تعاطى مهنة شيال بدون ترخيص – أو باع عجلاً مذبوحاً خارج السلخانه – أو ذبح أنثى جاموس أو بقر .... الخ إلى أن جاءت قضية سرقة استرعت انتباهى إنها جنحة سرقة عادية أى أن المناقشة بين القاضى والمتهم هو أمرٌ يستحق الإصغاء والمشاهدة !! فأعترف المتهم أنه استخدم خيطا طويلاً متيناً ربط فى طرفه حبة قمح وجعل يتربص بدجاجه مارة فى أحد الأزقة . فما أن أبتلعت الدجاجة حبة القمح حتى صارت فى يده بدون مشقة . نظر القاضى إلى المتهم وقال معقباً - يعنى إصطدت الفرخة بطعم وشبه سنارة كأنها سمكة ؟ - وهل صيد السمك حرام يا سعادة القاضى ؟ - صيد السمك مش حرام – لكن صيد الفراخ حرام ! - إزاى ؟ - لأن السمك فى البحر ليس له صاحب ، لكن الفرخة لها صاحب !! - ما كانش لها صاحب ، كانت ماشية تايهة فى الحارة ، يعنى يا سعادة البيه لو لقيت من غير مؤاخذه كلب تايه فى الحارة وأخذته أبقى حرامى ؟ - الكلاب غير الفراخ ، إنت ياراجل متهم بسرقة فرخه ! - أنا يا حضرة القاضى ماسرقتهاش ، هى اللى بلعت قمحتى من جوعها ، ولو كان لها صاحب ما كانش يسيبها فى السكة تلقط قمح الناس . وأصدر القاضى حكمه على سارق الدجاجة بالحبس ثلاثة أشهر مع الشغل وأنا أذكر فى حجج سارق الدجاجة . وأرى على رغم ما فيها من السفسطة براعة فنية تشكك فى إنطباق وصف السرقة .