شكل للبيع

جمال فهمي

مبروك.. الحكومة انتهت من وضع خطة إعادة «هيكلة» و«تحرير» قطاعات البترول والكهرباء وإنهاء احتكار الدولة إنتاجهما وتوزيعهما علي المواطنين، والاكتفاء بتوزيع مرافقهما ومشاريعهما علي «الحبايب» سكان «السياسات»!!

وحسب ما نقلته الصحف عن الباشمهندس وزير الكهرباء والطاقة فإن خطة «التحرير الكهربائية» الأمريكاني هذه سيجري تنفيذها علي مراحل تبدأ بالمصانع وتنتهي بصغار المستهلكين في البيوت والدكاكين، لكن الخطة خلت تمامًا من أي إشارة إلي «الوضع الكهربائي» في السجون والمعتقلات ومراكز الشرطة، بما يعني أن عمليات «كهربة أبدان» المواطنين الفقراء في هذه الأماكن «الحضارية» مستثناة من مخطط التحرير والخصخصة وستبقي علي وضعها الحالي باعتبارها واحدة من أهم المسئوليات والواجبات التي تضطلع بها الحكومة والنظام اللي مشغل حضرتها ومسرحها علي القهاوي والكافيتريات و«السياسات» وفنادق الخمس نجوم!!

ولعل في هذا الاستثناء ردًا قويًا ومفحمًا علي من يحلو لهم المقارنات الظالمة والمتهورة بين نظامنا «الوطني الديمقراطي» ونظام العدو الصهيوني، فعلي الرغم من مرور 30 عامًا علي معاهدة السلام والصداقة والتعاون بين النظامين علينا، فإن «وطنية» نظامنا وعمق انغماسه في «طين مصر» حالت بينه وبين التماهي تماما في النظام الصهيوني، إذ بقي الأول محافظا علي خصوصيته وسماته «الوطنية الديمقراطية» رغم اشتراكه مع الأخير في «خاصية» إظهار رقم الطالب وتتبعه أينما ذهب لقتله أو وضعه في السجن إلي ما شاء الله، فضلا عن «خاصية» احتلال واغتصاب الأوطان من سكانها الأصليين وإحلال آخرين مستجلبين من «لجان السياسات» وحواري اليهود في بولندا ومولدافيا مكانهم.. رغم ذلك بقيت الخلافات والاختلافات أساسية وجوهرية بين نظام الاحتلال الصهيوني الذي في فلسطين ونظام الاحتلال «الوطني الديمقراطي» الذي في مصر، فيما تدل - مثلا - فوضي الممارسة الديمقراطية الإسرائيلية علي درجة التغيير المنتظم والممل في وجوه وأسماء وأحزاب المجرمين الذين يتداولون سلطة الحكم في المجتمع الصهيوني، مقابل «استقرار واستمرار» نخبة الحكم في نظامنا وقعدتهم المزمنة علي قلوب أهالينا كنتيجة مباشرة لهذا الانضباط البوليسي الصارم الذي يميز ممارستنا الديمقراطية ويبقيها دائمًا وأبدًا ضمن حدود الاحترام والالتزام بقيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا التي تمنع «اختلاط» الناخب وانفراده بلجنة الاقتراع في خلوة شرعية إلا إذا كان «الأمن المركزي» ثالثهما!!

غير أن عمق التباين وقوة الاختلاف بين نظامنا ونظام العدو سيظهر واضحًا جليًا أمام عيون سيادتك الكحيلة إذا تأملت قليلا في دلالة استثناء واستبعاد حكومتنا لخدمة «كهربة المواطنين» في سجونها من خطة خصخصة إنتاج وتوزيع الكهرباء والحفاظ علي احتكارها وانفرادها بتقديم هذه الخدمة بنفسها للمواطن الذي مازال «ساكنًا» في هذا البلد، بينما ـ علي الجانب الآخر ـ رأينا الحكومة الإسرائيلية تعلن قبل أيام برنامجًا إجراميًا عجيبًا لخصخصة «قطاع السجون» سوف يبدأ تنفيذه قريبًا علي عشرات آلاف الأسري الفلسطينيين، وبمقتضي هذا البرنامج فإن حصول الأسير علي أبسط حقوقه الإنسانية التي تكفلها الشرائع والمواثيق الدولية سيكون مرهونا بقدرته علي دفع كلفتها المالية لشركات مرخص لها بالتجارة في الأسري (!!)

فيا أيها المواطن الساكن معانا.. احمد ربنا كثيرًا لأنك مازلت تتمتع بنظام حكم بيدلعك و«يكهربك» مجانا في قسم الشرطة، ومن فرط كرم سيادته فإنه ـ حتي الآن ـ لايرسل الفاتورة لورثة حضرتك ع البيت..!!