فشخة ضَب

 

 

 

 

 

شكل للبيع

جمال فهمى         الدستور

من دواعي عزنا وفخرنا أن لدينا حاليا شيئاً يدعي «وزارة التنمية الاقتصادية» وهي، حضرتك، شيء مختلف عن «وزارة الاقتصاد».. وطبعا وزارة التنمية الاقتصادية هذه يتولاها وزير والوزير هذا ـ أعزك الله ـ هو الدكتور عثمان محمد عثمان، ومعالي الوزير عثمان ذاك بدوره ليس هو المرحوم عثمان أحمد عثمان المقاول الشهير وصفي الرئيس السادات الله يرحمه ومستشاره ووزيره المقرب الذي يعود له فضل الريادة التاريخية بوصفه النسخة التطبيقية الأولي لتكنولوجيا استوزار المقاولين وأصحاب السبابيب كل في الوزارة المناسبة لسبوبته !

ورغم أن الدكتور عثمان محمد عثمان مختلف اختلافا جذريا في النشأة والأصل السياسي والاجتماعي والفكري عن المقاول الراحل، ويتجاوز التباين والفصام بينهما مجرد الاختلاف الطفيف في الاسم الأوسط (أحمد ومحمد) الفاصل بين «العثمانَينِ» اللذين يتشاركان فيهما، رغم هذا فالوزير عثمان محمد عثمان اليساري الاشتراكي «التجمعي» السابق يخدم في حكومة ربما اعتبرها المقاول عثمان أحمد عثمان ـ لو كان مازال يعيش معنا الآن ـ يمينا متطرفا الي درجة التهور.. ومع ذلك فإن ذلك ليس موضوعنا، وانما الموضوع هو الدُرر الثمينة التي تسقط وتَشُر أحيانا من فم الوزير عثمان غصباً عن سيادته، وآخرها فتواه بأن إلغاء «العلاوة الاجتماعية» الذي تفكر فيه الست حكومته حاليا متعللة بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية «لن يؤثر في الفقراء لأن الفقراء لا يأخذون علاوة اجتماعية» أصلا !!!

وتفهم سعادتك من هذه الفتوي المنقوعة في الدُّر (من الدُرر وليس الضرر) حاجتين اتنين مفيش غيرهم، أولاهما أن من يحصلون علي العلاوة الاجتماعية التي لاتزيد كثيرا (وقد تقل) عن 20 جنيها، ليسوا من فئة الفقراء لكنهم ناس أغنياء ومترفون ومتخمون وأغلبهم بيهرب هذه الأموال والثروات الطائلة الي حساباته السرية في بنوك سويسرا، وبعضهم بيبددها ويضيعها علي النسوان ولعب القمار في نوادي وكباريهات «لاس فيجاس»!!

والحاجة التانية أن معالي الوزير يعترف اعترافا ضمنيا، يلامس حدود الصراحة، بأن نسبة كبيرة من «السكان» اللي ساكنين في بيت حكومته ونظامه، معدمون ومهمشون وضائعون في الدنيا بحيث لاتطولهم علاوة ولا تؤثر فيهم 20 جنيها راحت ولا جاءت ولا عملت حادثة وماتت وهي في الطريق !!

غير أن ذلك كذلك برضه ليس مهما ولا هو الموضوع الأهم في الفتوي العثمانية الأخيرة، لأن الأكثر أهمية في هذه الفتوي أنها تحمل في أحشائها وبطنها واحدة من أخطر نظريات «الفكر الجديد» الذي افتكسه الأستاذ جمال مبارك وعممه علي وزراء وخبراء حكومة والده الرئيس، وأقصد تحديدا اختراع الفصل التام بين «الاقتصاد ووظيفته»، بمعني التبجح بأن السياسات والقرارات الاقتصادية قد تنجح نجاحا باهرا وفظيعا يثير إعجاب وحسد الخواجات بينما الأغلبية الساحقة من المصريين «السكان» يغوصون ويغرقون أكثر في مستنقع البؤس والفقر والتخلف، ولا علاقة بين هذا وذاك.. يعني علي طريقة المريض الذي مات وشبع موتا فيما الطبيب يفشخ ضبه ويفرك يديه فرحا وهو يعزي أهله ويبشرهم بنجاح العملية والحمد لله !!