وحاشة شعب         

فكرة ممتازة إلهاء الحكومة وشغلها بلعب «الكورة» الشراب في الحارة من حين لآخر حتي لاتتفرغ تماما «للعب فينا» طول الوقت، ورغم ذلك لابد لأي منصف أن يؤيد كلام معالي النائب الحكومي الذي كاد يطق لسيادته عرق يوم الثلاثاء الماضي وهو يهتف بأسي في مجلس «لمؤاخذة» الشعب قائلاً: «الحكومة كويسة بس الناس هيه اللي وحشة»

والحقيقة أنني فشلت في تخمين السبب الذي دعا الدكتور فتحي سرور - رئيس المجلس - للطلب من باقي النواب التصويت علي حذف هذه العبارة من المضبطة، كما فشلت كذلك في معرفة لماذا وافق نواب حزب الحكومة علي حذفها مع أنهم جميعا يعملون بهديها ويلتزمون التزامًا صارمًا بمضمونها تحت القبة وخارجها؟

غير أن ما بقي يعزيني ويخفف من شعوري بالخسارة أن شطب تلك العبارة الفلسفية الخالدة من مضبطة مجلس القصر العيني لايلغيها ولا يحذفها أبدًا من سجل الحضارة والتراث الإنسانيين، خصوصا وأنها تحمل بين طياتها «اقتراحًا» عبقريًا من حيث واقعيته ومناسبته وملاءمته التامة لأحوالنا؛ إذ يبدو الآن لكل أعمي في عينه - وبعد كل هذه المسيرة التاريخية الطويلة التي تكرم الرئيس مبارك وتعطف وقاد سفينتها «لماذا سفينة وليس عبَّارة؟!»، - أن تغيير الشعب ذات نفسه أسهل وأفضل كثيرا لصحة مصر من تغيير النظام وحكومته و«سياسات» نجل سيادته، فضلا عن قيادات الصحف الحكومية طبعا.

لكننا ربما نظلم العبارة المذكورة وقائلها ظلمًا كبيرًا إذا حصرنا مكامن عبقريتها وعبقرية سعادته في هذا الجانب العملي المتمثل في اقتراح التخلص من الشعب المصري وإبادته واستئصال شأفته لتنعم السيدة مصر التي هي أمه، بحكامها الحاليين للأبد، ففي الواقع هناك أوجه أخري للعبقرية والخلود، أوضحها وأهمها تلك المقابلة الذكية بين «كواسة» الحكومة و«وحاشة الناس»، فليس بمقدور أحد في هذه الدنيا الواسعة إنكار حقيقة أن أغلب أعضاء الحكومة والنظام والسياسات والحاجات دي كلها، علي درجة عالية جدا من الجودة والشطارة بدليل قدرتهم الفائقة علي البقاء في وضع القعود بالعافية فوق قلب شعب «وحش» وفقري ابن فقرية علي هذا النحو، بل ونجاحهم المدهش في الاثراء الفاحش من مص دم أهله المقرف الذي تسبح فيه كل أنواع الملوثات والأمراض والبلاوي السوداء .

                                                محمد نبيه