دور مصر تاريخي فعلاً

 

هالني حديث السيد رئيس الجمهورية عن المعابر في أثناء الحرب علي غزة.

و لم أقتنع بأي سبب من الأسباب التي تحدث عنها كأسباب لعدم فتح معبر رفح.. وكانت صدمتي أفظع من تصريحات وزير الخارجية الذي تميز بأنه لا يعرف أوليات الحديث ولم يحسن حتي الشتيمة؛

 

فكان ضعيفاً سيئاً للغاية وأعتقد أنه ذاته صاحب فضيحة التصريحات الكاذبة عن الإفراج عن السائحين المخطوفين في الصحراء المصرية وهو أيضاً صاحب الصور الشاعرية مع وزيرة خارجية الصهاينة وأيضاً وزيرة خارجية بوش الصغير.. ولكن استوقفني كثيراً ذلك الجدل الصادق حيناً والمزايد أحياناً حول دور مصر ومكانتها..
فكثير من الأشقاء العرب أفصحوا عن عدم تقديرهم لما تفعله مصر إما كنظام أو كنظام وشعب وكان ذلك بالأحاديث الصريحة تارة وبالفعل تارة أخري..
وفي المقابل خرجت الصحف الرسمية تدافع عن مصر ممثلة في موقف النظام أو قل موقف الرئيس وكذلك فعلت أبواق النظام والطامعون في رضاه أما الشعب فلم يمثل هماً لأحد لا في إطار الدفاع عنه؛ بل حتي لمعرفة رأيه قبل تحديد الموقف من هذا الرأي..
وبالرغم من كل شيء ودون أي انحياز لطرف أو حتي لفكر أو فكرة فقد وقفت أفكر في تلك الحالة من الارتباك التي رأيتها واضحة لدي كثير من المصريين الذين قابلتهم.. أليست مصر فعلاً هي التي حاربت وهي التي ضحَّت وهي التي قادت وهي التي ساعدت وهي التي طالما جمعت الشمل ؟!! ولكن وفي الوقت ذاته.. أليست مصر هي التي اشتركت في الحصار علي ليبيا؟! ثم الحصار علي غزة، وهي من وقَّع صلحاً منفرداً وهي التي تمنع المصريين قبل العرب والأجانب من الذهاب إلي غزة وهي التي تدعو للأجندة الإسرائيلية الأمريكية؟! أليست مصر هي التي تضغط علي حماس وفصائل المقاومة وتعترف بمن يسير في طريق المفاوضات بصرف النظر عن افتضاح فساده وبصرف النظر عن فشل كل المفاوضات علي مدار ثماني عشرة سنة؟ أليست مصر هي التي اختزلت دورها في العويل علي الضحايا بعد كل مجزرة أو اعتداء وقح من الصهاينة؟ أليست مصر من استبدلت شعاراتها القومية بشعارات قطرية؟ أليست مصر هي التي اشتهرت في العقد الأخير بمشكلاتها الداخلية التي وصلت إلي اختفاء حد رغيف الخبز وإلي حد انتحار الشباب في البحر بدلاً من البقاء فيها مما جعلها تبدو ضعيفة هينة لا تقوي حتي علي مساعدة نفسها (تبدو)؟
سيادة النظام الحاكم لم فعلاً. وقتاً طويلاً لأكتشف خطئي، وأكتشف حقائق كانت دوماً واضحة ولكنني لم أرها؛ لأنني لم أكن أريد أن أراها!.
وهي أن دور مصر تاريخي فعلاً .. ولكن ليس بمعني أنه دور يقف عنده التاريخ، لكن بمعني أن ما نتحدث عنه الآن ونتفاخر به هو من التاريخ أي من الماضي ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بما نفعله الآن.. إن سيادتك وحكومتك وصحافتك تريدون أن يشهد العرب لكك وأنتم تفعلون عكس المواقف التاريخية التي تذكرونهم بها وترفعون سيفاً ودرعاً في وجه أي منتقد .. إن الغضب الرسمي المصري لا يظهر قوياً مدوياً إلا في وجه العرب أما الصهاينة فليس لمصر رد فعل علي جرائمهم جميعاً من تاريخ توقيع كامب ديفيد وحتي الآن إلا التنديد، بأدب والتحذير بلطف والرفض مع التمسك بالسلام خياراً وحيداً واستراتيجياً.. إن مصر تمنع قوافل الإغاثة عن غزة وتمد الصهاينة بالغاز الطبيعي بأسعار تشجيعية حتي أثناء وجود حكم قضائي واجب النفاذ بوقف تصدير الغاز لهم ومن قبل ذلك خامات بناء الجدار العازل، وتباشر دور الحارس الساهر لحماية حدود الدولة الصهيونية في مواجهة تهريب السلاح لفصائل المقاومة أصحاب الأرض التي يحتلها الصهاينة.. أعتقد أن هذا المنطق يجعل من مساعدة الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي جريمة ومساعدة أي حركة تحرر في الماضي أو حتي في الحاضر عملاً إجرامياً حتي بالرغم من النص علي الحق في مقاومة المحتل في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية..
سيادة النظام الحاكم: أرجو أن تستطيع أنت ورجالك والفنان عادل إمام أن تكتشفوا أن دور مصر تاريخي فعلاً وأن دورها الحالي مغاير تماماً لدورها الذي كانت عليه علي مر سنوات التاريخ وأن العرب لا يهاجمون الدور التاريخي لمصر؛ بل يهاجمون دورها الحالي الذي هو في حقيقة الأمر اختيار النظام الحاكم وليس الشعب منذ غاب الشعب أو غُيِّب (بضم الغين) حتي عن المشاركة في القرار وقد يكون هناك من يفضلون التصفيق لدور مصر الرسمي الحالي؛ ولكنهم يقيناً لن يصفقوا لدور مصر التاريخي الذي كانت تلعبه علي مر التاريخ..
أرجو أن تكتشفوا أن المنطق يتعارض مع أي دعوة لأن يصفق العرب لمصر الدور التاريخي العربي والنضالي والمستقل والقوي، ثم يصفقوا أيضاً لمصر الدور الحالي المناقض تماماً لكل أدائها التاريخي التليد!.
وليس في أرض العرب من يستطيع أن ينكر قدر مصر؛ ولكن عليها أن تتصرف علي هذا القدر وليس في أرض العرب من يستطيع أن ينكر دور مصر ولكن عليها أن تلعبه..
أرجو أن تكتشفوا قبل فوات الأوان أن أيًّا منا في مصر لن يتورع عن لعن الجميع دون خوف أو تمييز إذا تعرض أولاده لقليل مما تعرض له أهل غزة ..
وحينها لن تستطيعوا أن تزايدوا عليه بأن دور مصر تاريخي.

 

ياسرفتحي