ضوابط سلطة المحكمة على جرائم الجلسات
ان المحاكم بجميع درجاتها وجميع أنواعها لها من الهيبة التى تفترض من الجميع الاحترام الواجب فى محاضر جلساتها والتى تفرض احاطة جلساتها بالتوقير اللازم حتى تتمكن من آداء رسالتها فى جو من الهدوء والاحترام ولهذا حرص النظام على منح المحاكم سلطاناً فى مواجهة التشويش الذى يخل بنظامها وسلطاناً على الجرائم التى تقع أثناء انعقادها ولذلك فقد خول النظام لرئيس الجلسة سلطة ضبط الجلسة وادارتها الا ان المنظم قد فرق بين الاخلال بنظام الجلسة و بين ما يقع من جرائم أثناء انعقادها وفرق أيضاً بين سلطة المحكمة الجزائية وسلطة غيرها من المحاكم من حيث الضبط والادارة داخل الجلسات الا اننا لابد اولا ان نقف على تحديد المقصود بالجلسة من حيث الزمان والمكان ثم نتعرض لسلطة المحاكم الجزائية وغيرها من المحاكم الجزائية وغيرها من المحاكم الاخرى على ضبط الجلسة
فالمقصود بالجلسة : انها الفترة والمكان الذى تنعقد فيه المحكمة بالفعل لمباشرة اجراءات الدعوى ويتضح من هذا المعنى ضرورة تحديد الجلسة من حيث الزمان والمكان وكذلك تحرير ما اذ كان المقصود من الجلسة هو المعنى الواسع اما كونها مقصورة على انعقادها فقط
فالمقصود بالجلسة من حيث الزمان هى تلك الفترة الواقعة بين بداية عمل القاضى ونهايته وبهذا المعنى تتسع الجلسة لتشمل الفترة التى تكون قد رفعت منها الجلسة للمداولة والفترة التى تقضيها فى المداولة حتى مغادرة القضاة لمكان انعقاد الجلسة ويستوى ان تكون فى ذلك الجلسة قد انعقدت بطريقة علنية او سرية
المقصود بالجلسة من حيث المكان هى الموقع الذى تنعقد فيه المحكمة لمباشرة نظر اجراءات الدعوى المطروحة عليها سواء كان هذا الانعقاد فى المكان المعتاد او فى مكان اخر مثل الجلسة التى تنعقد فى منزل القاضى فى ايام العطلات الرسمية فى احوال الاستعجال وكذلك الجلسات التى تنعقد داخل قاعات المحاكم وغرف المدوالات واثناء قيام القاضى بالمعاينات تخضع ايضاً لحكم الجلسة الا ان هذا يؤدى الى توسعة تخرج عن سلطة المحكمة فى ضبط وادارة الجلسة ولهذا لابد من حصر هذه السلطة فى مرحلة وحيدة فقط من المراحل التى تمر بها الجلسة وفى مرحلة (انعقاد الجلسة ) ويقصد بها المرحلة التى يتم فيها نظر الدعوى فقط من بداية انعقادها حتى ترك واضع الجلسة نهائياً دون أن تشمل فترات المداولة أورفعها لاسباب اخرى وذلك تمشياً مع علة سلطة المحكمة فى ضبط الجلسة والهدف منها وذلك حتى يستقر النظام داخلها وذلك لا يتحقق الا بالمعنى السالف وهو المقصور على مرحلة انعقاد الجلسة .
ومطالعة نصوص الجزاءات الجزائية نجد ان سلطة المحكمة الجزائية فى ضبط وادارة الجلسة تناولها النظام من المادة 143حتى المادة 146 والتى ميزت بين الاخلال والتشويش على نظام الجلسة وجعلت منه جريمة خاصة أعطت السلطة فيها لرئيس الجلسة وبين ما يقع أثناء انعقاد الجلسة من جرائم سواء جرائم تعد على المحكمة وغيرها من الجرائم الاخرى لذلك نرى ان نبدأ أولاً شرح جريمة الاخلال بنظام الجلسة وسلطة المحكمة بشأنها ثم نتناول سلطة المحكمة فى الجرائم الاخرى .
وبالنسبةالى سلطة المحكمة على جريمة الاخلال بنظام الجلسة حيث نصت المادة 143 من نظام الجزاءات الاجرائية على الأتى: ضبط الجلسة وادارتها منوطان برئيسها وله فى سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها ، فان لم يمتثل كان للمحكمة ان تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على أربعة وعشرين ساعة ويكون حكمها نهائياً وللمحكمة الى ما قبل انهاء الجلسة ان ترجع عن ذلك الحكم وقد تناولت المادة حالتين:
1- الاخلال بنظام الجلسة
2- عدم الامتثال والتمادى فى الاخلال بنظام الجلسة
الاخلال بنظام الجلسة:
نصت المادة سالفة الذكر على "ضبط الجلسة وادارتها منوطان برئيسها وله فى سبيل ذلك ان يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها ..."
ونشير هنا الى ان هذا النص لم يتعرض الى نوع الاعمال الى تعد اخلالاً بنظام الجلسة كما فعل النظام المصرى فى نص المادة 243 من قانون الاجراءات الجنائية الذى نص على ذلك دون تحرير نوعية الاعمال التى تعد اخلالاً بالنظام وذلك على عكس النظام الفرنسى الذى نص فى مادته 504 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسى عليها وذكر الاعمال التى تعد من قبيل الاخلال بالنظام فنص فى المادة سالفة الذكر على أن "إذ أبدى واحد أو أكثر من الحاضرين علامات علنية بالاستحسان أو بعدم الاستحسان أو تسبب فى إحداث هياج من أى نوع كان "
ونجد أن النظام الفرنسى اكثر توفيقاً من النظام المصرى والسعودى وذلك لان الاخلال بنظام الجلسة يشكل جريمة تخضع لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى يفرض على النص الجزائى الوضوح بتحديد الاعمال التى تخضع للجزاءات تحديداً كاملاً تاماً دون منح القاضى سلطات فى تحرير الأفعال المعاقب عليها فهو من اختصاص المنظم فقط كما فعل القانون الفرنسى.
ومن الممكن تحديد الافعال التى تشكل اخلالاً وحصرها فى الأتى :
1- كل فعل أو قول أو إشارة تؤثر فى هدوء الجلسة
2- كل الاوضاع والحركات التى تتنافى مع احترام المحكمة .
3- لا يشترط ان تشكل جريمة فى ذاتها بل خطورتها كسبها هذا الوصف.
أما بالنسبة لسلطة ضبط الجلسة فقد منحها المنظم لرئيس الجلسة فقد منح المنظم السلطة لرئيس الجلسة فله ان يخرج من القاعة من يخل بالنظام فهو عمل من أعمال رئيس الجلسة مما يرتب النتائج الأتية:
1- الامر بالاخراج من القاعة أمر إدارى بحت ولا يعتبر حكماً من المحكمة .
2- لذلك لا يشترط قبل صدوره أخذ رأى باقى الأعضاء أو سماع أقوال ممثل الادعاء.
3- لا يقبل أن يطعن عليه بأى طريقة من طرق الطعن
ويجوز لرئيس الجلسة أن يأمر بإخراج الحاضرين جميعاً عند حدوث الاخلال منهم جميعاً الا انه يجب أن يأمر فى هذه الحالة بوقف الجلسة لحين حضور جمهور جديد حفاظاً على مبدأ علنية المحاكم .
وهو مافعله النظام المصرى بالمادة 243 اجراءات جنائية.
2- عدم الامتثال والتمادى فى الاخلال بالنظام
نصت المادة 143 على أن (........ ، فان لم يمتثل كان للمحكمة ان تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة ويكون حكمها نهائياً ، وللمحكمة إلى ما قبل أنتهاء الجلسة ان ترجع عن ذلك الحكم). وبالتالى أعتبر المنظم أن التمادى فى الاخلال يشكل جريمة خاصة ويثور التساؤل هنا على عدة مسائل:
المسألة الاولى : التكييف القانونى لهذه الجريمة
المسالة الثانية : عقوبة جريمة التمادى فى الاخلال بالنظام.
المسألة الثالثة : الوصف القانونى لقرار المحكمة
المسألة الأولى : التكييف القانونى لهذه الجريمة :
تثور مسألة التكييف القانونى للجريمة ما اذا كانت جناية إما جنحة إما مخالفة . والمبدأ العام فى تكييف الجريمة يتم بناء على تقسيم الجرائم بحسب عقوبتها وبالرجوع الى هذا المبدأ نجد الأتى:
1- ان الجرائم المعاقب فيها بالاعدام والسجن سواء بالانظمة التى تقسم السجن الى (سجن مؤبد – سجن مشدد – عادى ) يتم تكييفها على اعتبارها من الجنايات.
2- الجرائم المعاقب فيها بالحبس والغرامة يتم تكييفها على اعتبارها من الجنح .
3- الجرائم المعاقب فيها بالغرامة فقط أى كانت مقدارها على اختلاف الانظمة يتم تكييفها على أنها مخالفة.
ومن مطالعة النص السابق هل يعد النص بعقوبة السجن مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة يجعل الجريمة من الجنايات اما ان الامر يتعلق بأن النظام السعودى لا يفرق بين عقوبة الحبس والسجن ؟
للاجابة على هذا التساؤل نفترض الاتى :
1- ان عقوبة السجن فى أغلبية الانظمة لا تقل عن ثلاثة سنوات والنص يعاقب بأربع وعشرين ساعة إذن مصطلح السجن لا يتماشى مع مقدار العقوبة المقررة .
2- ان الجريمة ليست على درجة من الجسامة لتكييفها بوصف الجناية
يبقى لنا أن نقوم بتكييفها التكييف القانونى الصحيح:
أولاً : الجريمة لا يمكن اعتبارها من قبيل المخالفات لان المخالفة هى الجريمة المعاقب فيها بالغرامة فقط وهو ما لا يتوافر بالنص على عقوبة مقيدة للحرية .
فالتكييف القانونى الصحيح إذن هو اعتبارها من قبيل الجنح ومما يؤكد هذا الرأى أن النظام السعودى نفسه حدد عقوبة هذه الجرائم بمصطلح الحبس فى كل من نظام المرافعات الشرعية مادة 69 ونظام الاجراءات امام ديوان المظالم مادة 16 وهو ما سوف نتناوله فى الفصل الثانى.
ومراجعة نصوص النظام المصرى نجد أنه كان دقيقاً عندما وصف الاخلال بالجنحة بالنص على عقوبة الحبس أربع وعشرين ساعة فى كل من قانون الاجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية.
المسألة الثانية عقوبة جريمة التمادى فى الاخلال.
نصت المادة سالفة الذكر الى ان العقوبة هى السجن أربع وعشرين ساعة أى أن المنظم قد فرض عقوبة وحيدة وهى السجن أربع وعشرين ساعة على خلاف النظام المصرى الذى نص على التخيير بين عقوبتى الحبس أربع وعشرين ساعة أو بتغريمه عشرة جنيهات.
بالأضافة الى أن النظام السعودى عند النص على هذه العقوبة يتناقض مع نص المادة 16 من نظام الاجراءات أمام ديوان المظالم حيث قام بتخيير القاضى بين عقوبتى الحبس أربع وعشرين ساعة أو غرامة (مائتى ريال) وهو ما لم يفعله أيضاً بالمادة 69 من نظام المرافعات الشرعية .
فعلى أى أساس قام المنظم بالتمييز بين سلطة المحكمة الجزائية والمدنية وتقييد القاضى بشأنها بعقوبة الحبس وبين سلطة المحاكم الادارية فى التخيير بين عقوبتى الحبس والغرامة ؟
هل يفهم من هذا التمييز ان هيبة المحاكم الجزائية والمدنية تعلو على هيئة المحاكم الادارية ؟ وهو ما لايمكن ان نسلم به لأن هيبة المحكمة واحترامها واجب أى كان الاختصاص لها وبالتالى لا بد أن نسلم بأن هذا التمييز أمر لا سند تبرره السياسة التنظيمية.
المسألة الثالثة : الوصف القانونى لقرار المحكمة .
مما لا شك فيه أن وصف هذا القرار يعد حكماً بالمعنى الدقيق للأحكام القضائية حيث وصفه النص بهذا بالاضافة الى ان القرار لا يصدر من رئيس الجلسة كما فعل عند الاخلال فقط وانما يصدر من المحكمة ككل أى بعد سماع أقوال المتهم وممثل الادعاء واراء باقى الاعضاء ولا يجوز اصداره من رئيس الجلسة فقط ويعد هذا الحكم بات غير قابل للاستئناف بصريح نص المادة سالفة الذكر الا انه لا يأخذ هذا الوصف النهائى الا بعد انتهاء الجلسة وذلك بالنص الصريح على جواز الرجوع فيه قبل انتهاء الجلسة ولا يثار فى هذا الشأن مسألة عدم جواز رجوع المحكمة عن حكم أصدرته وذلك لأن مسألة زوال حق الرجوع فى الحكم لا تثار الا اذا انتهت الجلسة اما قبل انتهاءها فان المحكمة مازالت لها ولاية القضاء بشأن الدعوى لا يمنعها من الرجوع فى أحكامها وبعد أنتهاء الجلسة يخرج الأمر من سلطة المحكمة ويصبح بذلك نهائى وبات لا يجوز الطعن فيه ولا يختلف الامر بالنظام المصرى عن ذلك .
يبقى ان نشير أخيراً الى مسألة هامة وهى أنه لا بد أن يسبق الحكم بالعقوبة السابقة سبق صدور أمر بالاخراج للاخلال ثم تمادى المتهم وعدم امتثاله للامر وهو أمر بديهى كما هو مفهوم من النص.
3- موقف المحكمة الجزائية فى الاخلال ممن يؤدى وظيفة فى المحكمة :
لم يشير نظام الاجراءات الجزائية على تمييز جريمة الاخلال التى تقع من موظفين المحكمة وغيرهم من الاشخاص مما يدل على ان المنظم قد ساوى بين الاشخاص بصدد جريمة الاخلال بالنظام .
على خلاف النظام المصرى الذى أفرد للاخلال بالنظام مما يؤدى وظيفة فى المحكمة حكماً خاص حيث نصت المادة 343 اجراءات على الاتى "..... ، فاذا كان الاخلال قد وقع ممن يؤدى وظيفة فى المحكمة كان لها ان توقع عليه أثناء الجلسة ما لرئيس المصلحة من الجزاءات التأديبية وللمحكمة الى ما قبل انتهاء الجلسة ان ترجع عن الحكم الذى تصدره".
أى ان سلطة المحكمة هنا مقصورة على ما يمكن ان تعوقعه من جزاء تأديبى الذى يجوز لرئيس المصلحة توقيعه على مرؤسيه.
ويمثل من يؤدى وظيفة فى المحكمة (كاتب الجلسة ومساعده – المحضر – المترجم - الكاتب) دون ان يشمل النيابة العامة نظراً لاستقلالها عن قضاء الحكم ولانها من هيئة المحكمة .
ومن الملاحظ ان هذا الحق مقرر للمحكمة وليس لرئيس الجلسة ، ولا يمكن ان يقال ان هذا التمييز بين الحاضرين بالمحكمة وموظفيها يعد اخلالاً بمبدأ المساواة لان هذا المبدأ يفترض التماثل فى المراكز القانونية وهو ما لا يتوافر فى شان الموظفين العموميون وغيرهم من الاشخاص بالاضافة انه فى الغالب يكون تحريك الدعوى الجنائية ضد جرائم الموظفين مقصورة على النيابة العامة دون حق التصدى او الادعاء المباشر مما يعنى الفصل التام بين سلطة الاتهام والمحاكمة .
ثانياً : سلطة المحكمة الجزائية على الجرائم الاخرى :
نص المادة الاجراءات الجزائية على سلطة المحكمة فى الجرائم التى تقع أثناء انعقاد الجلسة من المادة 144 حتى المادة 146 تعرضت فى المادة 144 لجريمة محددة وهى التعدى على هيئة المحكمة وخصتها بحكم خاص وتعرضت فى المادتين 145 ، 146 على الجرائم الاخرى غير جريمة الاخلال بنظام الجلسة وجريمة التعدى وخصتهم باحكام خاصة ولنرى ذلك بشئ من التفصيل.
1- سلطة المحكمة على جريمة التعدى:
نصت المادة 144 على (للمحكمة ان تحاكم من تقع منه فى أثناء انعقادها جريمة تعد على هيئتها أو على أحد أعضائها ، أو احد موظفيها ، وتحكم عليه وفقاً للوجه الشرعى بعد سماع أقواله)
وبالتالى فإنه اذا كانت الجريمة التى وقعت أثناء الجلسة تعدى على المحكمة كان لها ان تحكم عليه فوراً دون توقف رفعها على ممثل الادعاء وذلك وفقاً للوجه الشرعى بعد سماع أقواله.
ونجد ان النظام قد خص جريمة محددة بذاتها وفصلها عن غيرها من الجرائم وخصها بنظام محدد وهو سلطة المحكمة فى اجراء التحقيق مع المتهم وسماع أقواله وكذلك سلطة الحكم عليه وفقاً للوجه الشرعى .
وبتحليل النص السابق لا بد من وضع تحديد كافى لجريمة التعدى وبيان سلطة المحكمة بشأنها.
أ- تحديد جريمة التعدى على هيئة المحكمة :
نشير بداية الى اننا لن نتطرق الى تعريف الجريمة من الوجهة الجنائية بتحديد أركانها فهو يدخل فى نطاق نظام العقوبات مما يخرجنا عن نطاق البحث وانما نتعرض لما يمكن ان يشكل فعل التعدى .
نجد ان المنظم فى النص السابق لم يتعرض للافعال التى يمكن ان تشكل جريمة التعدى كما فعل فى جريمة الاخلال بنظام الجلسة وبطبيعة الحال لا يمكن اعتبار افعال الاخلال بنظام الجلسة من أفعال التعدى لكونها لها حكم خاص كما ورد بشأنه نص المادة 143 وبالتالى يمكن ان نعرف فعل التعدى هو كل فعل من شأنه ان يعده المنظم جريمة من جرائم النفس وليست من جرائم المال لاستحالة ان تشكل فعل تعدى كالسب والقذف والضرب ونحوه .
ويلاحظ ان عدم النص على ما يعد من افعال التعدى وكذلك على ما يعد من افعال الاخلال يجعل سلطة القاضى التقديرية فى تحديد هذه الافعال واسعة للوقوف على ما هو من أفعال التعدى وما هو من أفعال الاخلال مما يخرج القاضى من وظيفته وهى الفصل فى الدعاوى بحكم النصوص ويدخله فى وظيفة المنظم فى تحديد أركان الجريمة وهو أمر غير مرغوب فيه لدى الفقه لتعارضه مع مبدأين مسلم بهم فى الوقت الراهن الا وهما :
1- مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات التى تجعل الاختصاص الاصلى فى التجريم والعقاب من اختصاص المنظم فقط.
2- مبدأ الفصل بين السلطات كحد من تعسف السلطة وجعل سلطة التنظيم للمنظم وسلطة التطبيق للقاضى دون تدخل احدهما فى اختصاص الاخر وهو أمر لا يمكن تبنيه بشأن سلطة المحكمة على الاخلال بنظام الجلسة وعلى جريمة التعدى التى منحت القضاة سلطة واسعة فى تحديد افعال كل من الجريمتين مما يدخله فى سلطة ليست له وانما سلطة مقصورة على المنظم.
يبقى ان نشير اخيراً الى اطراف المجنى عليهم وقد حصرهم النص فى الأتى:
1- التعدى على هيئة المحكمة وتنصرف الى القضاة وممثل الادعاء
2- التعدى على احد اعضائها ويفهم من ذلك التعداد ان هناك فارق بين التعدى على هيئة المحكمة وعلى أحد أعضائها فبينما الاولى تنصرف الى الهيئة ككل والاخرى تنصرف الى عضو منها فقط.
3- التعدى على احدى موظيفها وتشمل (كاتب الجلسة ومساعده – المحضر – المترجم – الحاجب) ويفهم من ذلك كله ان التعدى الذى ينشا بين الحاضرين غير ما ذكرهم النص لا يشملهم وانما من الممكن ان يشملهم نص المادة 145 الخاص سلطة المحكمة ازاء الجرائم الاخرى غير جريمة التعدى.
ب- سلطة المحكمة على جريمة التعدى :
قد بينتها النص بان المحكمة لها سلطة تحريك الدعوى الجنائية والتصدى اليها دون رفعها من قبل ممثل الادعاء واخيراً سلطة الحكم وتوقيع العقاب وفقاً للوجه الشرعى مما يدل على اتجاه المنظم الى دمج سلطتى الاتهمام والتحقيق والمحاكمة فى يد القاضى وهو أمر أيضاً غير مرغوب فيه وان كان له ما يبرره فى جريمة الاخلال بنظام الجلسة ببساطتها وعدم جسامتها بالاضافة لتحقيق الغاية من احترام المحكمة اما بالنسبة لغيرها من الجرائم التى تندرج بدرجات متفاوتة من الجسامة فتركها لسلطة القاضى وحده أمر يفتح الباب اما تعسف السلطة القضائية.
ولذلك نرى ان احالة الدعوى الى ممثل الادعاء للتحقيق فيها لترى ما اذ كانت تستحق احالتها الى المحاكمة او حفظها قبل تحريكها او باصدار أمر بلا وجه لاقامتها بعد التحقيق كما فعل النظام المصرى بشأن الجرائم التى تقع بالجلسة بالمادة 244 اجراءات التى منحت القاضى سلطة احالة الدعوى الى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم بشأنها.
2- سلطة المحكمة الجزائية على الجرائم الاخرى :
تناولت المادة 145 والمادة 146 سلطة المحكمة الجزائية على الجرائم التى ترتكب غير جريمة التعدى حيث نصت المادة 145 على "اذا وقعت فى الجلسة جريمة غير مشمولة بحكم المادتين 143 ، 144 فللمحكمة إذ لم تر إحالة القضية الى هيئة التحقيق والادعاء العام ان تحكم على من ارتكبها فقاً للوجه الشرعى بعد سماع أقواله الا اذا كان النظر فى الجريمة من اختصاص محكمة اخرى فتحال القضية الى تلك المحكمة"
ويلاحظ على هذا النص ان المنظم قد منح المحكمة الجزائية على الجرائم غير مشمولة بحكم المادتين 143 ، 144 ــــــــــــــــ وهم:
1- سلطة الاحالة: فلها أن تصدر أمر باحالة الدعوى الى هيئة التحقيق والادعاء العام وذلك للتحقيق فيها أولاً قبل المحاكمة وبالتالى نجد أن المحكمة قد اتخذت بشأنها القواعد العامة فى شأن رفع الدعوى الجزائية ، فتستمد هيئة التحقيق والادعاء سلطتها الاصلية فى مباشرة الدعوى الجزائية ولها ان تتصرف فيها على الوجه الشرعى فلها ان تأمر باحالتها الى المحاكمة وينعقد الاختصاص بالتالى الى محكمة اخرى غير المحكمة التى أمرت بالاحالة ولها ان تصدر أمر بلا وجه لاقامتها فلها جميع السلطات فى مباشرتها .
"بينما نجد النظام المصرى بالمادة 244 اجراءات قد فرق بين ما اذا كانت الجريمة جناية اما جنحة او مخالفة فاذا كانت الجريمة جنحة او مخالفة فلها ان تحكم على المتهم فى الحال بعد سماع أقوال النيابة ودفاع المتهم"
اما اذ كانت الجريمة تشكل جناية يصدر رئيس المحكمن أمراً باحالة المتهم الى النيابة العامة .
وبالتالى ليست للمحكمة الجنائية فى النظام المصرى بشأن الجنايات أى اختيار حول اصدار حكم فورى او الاحالة الى النيابة فلابد من اصدار أمر بالاحالة وهذا يتفق مع طبيعة اتصال المحكمة الجنائية بالجنايات التى اختصها النظام المصرى بطريق خاص وهو مرحلة التحقيق الابتدائى اما بالنسبة للجنح والمخالفات فقد سمح النظام المصرى للمحكمة الجنائية إقامة الدعوى على المتهم ومحاكمته وهنا يتفق مع نظام رفع الدعوى الجنائية اقامة الدعوى على المتهم ومحاكمته وهنا يتفق مع نظام رفع الدعوى الجنائية عن الجنح والمخالفات التى سمح منها بتكليف المباشر للحضور أمام المحكمة او بحق التصدى للمحكمة دون استلزام مرحلة التحقيق الابتدائى.
سلطة الاتهام والمحاكمة:
أيضاً منحت المادة 145 سلطة للمحكمة الجزائية تتمثل فى اقامة الدعوى فوراً والحكم على من ارتكبها وفقاً للوجه الشرعى اذا لم تر احالتها الى هيئة التحقيق دون تفرقة بين الجريمة التى وقعت مما يكون لها تأثير سئ الى مركز المتهم فى الجرائم الجسيمة التى تفوت عليه ضمانة التحقيق الابتدائى.
ونجد ان كل من السلطتين الممنوحة للمحكمة الجزائية مشروط بان تكون المحكمة المختصة بالنظر الى الجريمة اما اذا كانت تدخل فى اختصاص محكمة اخرى فيجب عليها بصريح النص إحالة الدعوى الى المحكمة المختصة .
أخيراً نصت المادة 146 على ان الجرائم التى تقع أثناء الجلسة ولم تمارى المحكمة سلطتها فى نظرها فيتم النظر فيها طبقاً للقواعد العامة فى نظام الاجراءات الجزائية.
سلطة المحاكم الاخرى على الجرائم التى تقع أثناء انعقادها:
سلطة المحاكم الاخرى سواء كانت مدنية او ادارية فقد تناول نظام المرافعات الشرعية بالفصل الثانى لهذه السلطة امام المحاكم المدنية وتناول النظام الاجراءات امام ديوان المظالم لسلطة المحاكم الادارية .
سلطة المحاكم المدنية:
تناولت المادتين 69 ، 70 من الفصل الثانى من نظام المرافعات الشرعية لهذه السلطة وقد تناولت المادة 69 سلطة المحكمة على ضبط وادارة الجلسة عند الاخلال بنظامها والتمادى فيه والامر لا يخرج عن نفس السلطات الممنوحة للمحاكم الجزائية بشأن الاخلال بنظام الجلسة والتمادى فيها ولم تضيف جديداً الا استبدال مصطلح الشجن بمصطلح الحبس عن النص على عقوبة التمادى وهو أمر لا يخل بجوهر النص وبالسلطات الممنوحة للمحكمتين.
الا ان نص المادة 70 قد أضاف جديداً ويتناول هذا النص إدارة الجلسة من حيث توجيه الاسئلة الى الخصوم والشهود حيث نصت على "الرئيس هو الذى يتولى توجيه الاسئلة الى الخصوم والشهور وللاعضاء المشتركين معه فى الجلسة والخصوم ان يطلبوا منه توجيه ما يريدون توجيهه من اسئلة متصلة بالدعوى"
وبالتالى نجد ان سلطة توجيه الاسئلة مقصورة على رئيس الجلسة فقط دون السماح لاى من باقى الاطراف سواء باقى الاعضاء او الحاضرين هذه السلطة بالاضافة الى انه ليس من حق الخصم توجيه الاسئلة الى باقى الخصوم او الى الشهود ومن تلقاء نفسه وانما ألزمه المنظم بان يقدم طلباً بذلك الى رئيس الجلسة سواء تم شفوياً أو تم اثباته بمحضر الجلسة او بطريق الكتابة عند تقديم الخصوم لمذكراتهم.
وأخيراً يلاحظ ان المنظم لم يتعرض بنظام المرافعات الشرعية على سلطة المحكمة على ما يقع من جرائم اخرى غير الاخلال بنظام الجلسة والتمادى فيها فان وقعت اى جريمة اخرى فلا مفر من إحالة الجريمة الى المحكمة المختصة وهى المحكمة الجزائية أو الاحالة الى هيئة التحقيق والدعاء لعدم وجود نص يمنح المحكمة المدنية سلطات بشأنها كما فعل بشأن المحكمة الجزائية.
سلطة المحاكم الادارية:
تناولت المادة 16 من نظام الاجراءات امام ديوان المظالم سلطة المحكمة الادارية بشأن ضبط الجلسة وادارتها وحصرتها فى ثلاث سلطات بالنسبة لسلطتها الاولى فالامر لا يختلف عما هو منصوص عليه بالنسبة لسلطات المحاكم الجزائية والمدنية الا انه قد خير القاضى هنا بشأن عقوبة التمادى فى الاخلال بين عقوبتى الحبس او الغرامة (مائتى ريال) وكما قلنا أمر أن كان محموداً الا انه يتناقض مع التقييد الذى وضعه المنظم بشأن سلطات المحاكم المدنية والجزائية على عقوبة الحبس فكان أحرى بالمنظم ان ينص على التخيير بين عقوبتى الحبس أو الغرامة بالمحاكم المدنية والجزائية كما فعل بشأن المحاكم الادارية.
أما بالنسبة للسلطة الثانية فقد نصت عليها المادة 16 فقرة (ب) من نظام الاجراءات امام ديوان المظالم حيث نصت على "أن يأمر بمحو العباءات الجارحة او المخالفة للآداب او النظام العام من أية ورقة او مذكرة يقدمها الخصوم فى الدعوى"
و هو أمر بلا شك يمثل أحدى قواعد الآداب القضائية الى يجب ان تراعى من الخصوم.
وقضت محكمة القضاء الادارى المصرى بشأن ذلك على "يجب الا تتضمن عريضة الدعوى أية عباءات جارحة ، لانه وان كان يعترف لكل خصم ان يعرض مظلمته ، الا ان ذلك يجب ان يكون بأسلوب عف لا اسفاف فيه ومن ثم فان على الخصوم جميعاً سواء وهم يعدون عريضة الدعوى او يردون على ما جاء فيها فى مذكرات دفاعهم ان يلتزموا العفة فى القول والاتزان فى النقاش ولا ينزلقوا الى مهاوى الدفاع المبتذل باستعمال العبارات الجارحة والكلمات النابية وان فعلوا حق للقاضى ان يأمر سواء من تلقاء نفسه او بناء على طلب الخصم بمحو هذه العبارات الجارحة او المخافة للآداب او النظام العام "
ونجد ان هذه السلطة أمر عام يجب ان يشمل جميع المحاكم سواء الادارية منها او الجزائية والمدنية لانه كما قلنا امر يتعلق بقواعد الاداب القضائية .
اما بالنسبة للسلطة الثالثة فقد تناولت المادة 16 فقرة جـ من نظام الاجراءات امام ديوان المظالم ويتعلق بالمخالفات والجرائم التى تقع أثناء انعقاد الجلسة وكذلك على جرائم التعدى على هيئة المحاكم او العاملين فيها فقد منحها سلطة تحرير محضر بذلك مهما كان نوع الجريمة التى وقعت بالجلسة سواء كانت جرائم تعدى او غيرها من الجرائم سواء تم تحريره مستقلاً او يثبت ذلك فى محضر الجلسة وذلك أفضل حتى لا تكون المحكمة ان تصدر حكمها دون أن يكون لها اصل ثابت فى الأوراق بالإضافة إلى أنه يسمح للمحكمة الاستئنافية أن تقدر الفعل الذى أثبتته محكمة أول درجة فى محضرها ثم إحالة المحضر إلى الجهة المختصة لإتخاذ اللازم والتى نرى أنها لا تخرج عن هيئة التحقيق والادعاء العام .
أخيرا قد منح المنظم للمحكمة سلطة القبض على المتهم إذا اقتضى الحال ذلك وهى بطبيعة الحال سلطة تقديرية للمحكمة وفقا لما تراه من مقتضيات الحال وخطورة الجريمة .
أخيرا فإن النتيجة التى أثمر عنها البحث هو ان العدالة تقتضى أن تحاط المحكمة بسياج من الاحترام والوقار والهيبة حتى تتمكن من اداء رسالتها فى الفصل بين الناس والعدل ولا يكون لها هذا دون أن يتعرض المنظم لهذه الحماية ويتدخل بسلاح التجريم والجزاء وهو أمر محمود بلا شك إلا أن المنظم قد توسع بشأن سلطة المحاكم على ضبط الجلسة وأدارتها لذلك نوصى بالمنظم ببعض الضوابط التى نرى أهميتها لتحقيق الغرض السامى من حفظ النظام وهى :
1. أن ينص النظام على تحديد أفعال كل من جرائم الاخلال والتعدى تحديدا كافيا مع تقيد السلطة التقديرية للقضاء فى ذلك تحقيقا لمبدا الشرعية الاجرائية ومبدأ الفصل بين السلطات كضمانه هامة للمتهمين .
2. تقيد سلطة المحكمة الواردة بالمادة ( 145 ) من نظام الاجراءات الجزائية بإن تكون الاحالة فى الجرائم الجسمية أمر وجوبى على القاضى بدلا من إطلاق يد المحكمة فى التخيير بين الاحالة والحكم فورا على المتهم لعدم تفويت أى ضمانة اجرائية لمصلحة المتهم .
تم بحمد الله