«إنهم ليسوا شياطين ولا ملائكة إنهم بشر مثلنا وهذا أسوأ ما يمكن أن تصفهم به» هذه العبارة هى أفضل ما يمكن أن نستهل به محاولتنا لفض الاشتباك السائد فى موضوع اللوبى الصهيونى فى أمريكا والذى تختلط فيه الحقيقة بالخيال والواقع بالأسطورة .
تحرص إسرائيل بشكل عام وهذا اللوبى بالذات على بناء وتثبيت صورة مضخمة لحجمها ومكانتها ودورها، فيما يتلقف الكثيرون هذه الدعاية ويدمنون تعاطيها، وقد لا يمكننا بالمقابل بناء سياسة صحيحة لمواجهة اسرائيل واللوبى المتقدم لها فى أمريكا من دون أن ننزع أولا عنهم تلك الهالة الاسطورية ونتعامل معهم كبشر من دون أى تهويل لقدراتهم ومن دون أدنى تقليل من قوتهم وميزاتهم .
والمعروف أنه توجد فى مصر مدرسة سياسية عريقة تعزى كل ما يحدث فى العالم من شرور وكوارث وأزمات للمؤامرة الصهيونية التى تحركها فى الخفاء أصابع اللوبى الصهيونى المعروف باسم إيباك من مقره الرئيسى فى واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، ولذا قد يحتاج هذا الأمر لمزيد من التدقيق والفحص، ولنبدأ فورا من نقطة البداية .
كانت قيادة الجاليات اليهودية، خلافا للفلسطينيين والعرب، قد أدركت فى وقت مبكر اتجاه الريح التى ستصعد بأمريكا الى صدارة القوى الدولية الجديدة فى العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك بادرت إلى نقل تحالفها من بريطانيا الى أمريكا،
بينما راهنت القيادة الفلسطينية وقتها على هتلر والمانيا النازية وبقى العرب متعلقين بعلاقتهم ببريطانيا، وكان المؤتمر الذى عقدته الحركة الصهيونية فى فندق بلتيمور فى نيويورك عام ١٩٤٢ نفطة تحول فاصلة فى تاريخ الحركة الصهيونية بل وفى تاريخ المسألة الفلسطينية نفسها لأن هذه الحركة نقلت تحالفها لامريكا وقبل التيار الرئيسى منها فى هذا المؤتمر حل المسألة الصهيونية وفقا لمبدأ التقسيم ونموذج الدولتين وإقامة إسرائيل على جزء مما يسمونه أرض إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة .
وكما سنرى لاحقا فإن اليهود لم يكونوا فى أمريكا شيئا واحدا، فبموازاة هذا المؤتمر عقد ٨٧ حاخاما يهوديا مؤتمرا آخر أعلنوا فيه رفضهم للبرنامج الصهيونى وأكدوا رغبتهم فى ان يعيشوا فى أمريكا كمواطنين وكطائفة دينية فقط، لكن تغلغل ونفوذ الحركة الصهيونية كان أقوى وجرف فى طريقه أغلب هذه التيارات الإصلاحية،
وكان الرئيس الأمريكى هارى ترومان حينذاك اعترف عام ١٩٤٧ بأنه تعرض لحملة ضغوط شديدة من زعماء اليهود فى أمريكا والتى مارست بدورها ضغوطا على العديد من الدول لحملها على التصويت لصالح القرار ١٨١ الذى صدر فى٢٩/١١/١٩٤٧ وقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين وكان القرار خصص لإسرائيل مساحة تصل الى ٥٦,٥% تقريبا من مساحة فلسطين فيما خصص للدولة الفلسطينية ٤٢,٨%من مساحتها على أن تبقى القدس التى كانت مساحتها لا تتجاوز ١% تحت إدارة دولية .
وكان هذا هو النجاح الأول والأهم الذى أسهمت فيه الجالية اليهودية الصهيونية فى أمريكا، وبعد إنشاء دولة إسرائيل بعامين تقريبا جرى العمل على تنظيم الجالية اليهودية فى أمريكا فى هيئة لوبى أو جماعة ضغط يكون على رأس أهدافها المحافظة على سياسة أمريكية موالية لإسرائيل وترقيتها باستمرار، وعرف هذا اللوبى فى بدايته باسم «لجنة العلاقات الامريكية - الصهيونية» لكن هذه اللجنة لم تحصل على ما تطمح إليه من تعاون من الخارجية الأمريكية واصطدمت بموقف الرئيس الأمريكى ايزنهاور الذى لم يكن شديد العطف لا عليها ولا على إسرائيل نفسها،
ولذا ركز هذا اللوبى من يومها جهوده الأساسية على الكونجرس الأمريكى لأن «كل المساعدات المهمة لإسرائيل تأتى من الكونجرس» كما قال اسحق كينين الذى سجل نفسه فى وزارة العدل الأمريكية كعميل اجنبى لدولة إسرائيل وكان اول مدير للوبى الصهيونى هناك، وبدءا من عام ١٩٥٩ تحول هذا اللوبى للعمل تحت الاسم الحالى : الإيباك وهى الحروف الأولى الإنجليزية للجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة،
وهى تضم الآن أكثر من ١٠٠ الف عضو فى كل أرجاء أمريكا وموازنتها السنوية تتجاوز ٤٠ مليون دولار وتفتخر بأنها تجرى أكثر من الفى مقابلة مع أعضاء الكونجرس وأنها تنتج حوالى ١٠٠ تشريع أمريكى لصالح اسرائيل، وتوضح هذه البيانات مدى قوة ونفوذ هذا اللوبى الذى بنى لنفسه هالة أسطورية اعتمادا على أساليب عمله التالية :
١- يحافظ اللوبى على اتصال يومى بأعضاء الإدارة الأمريكية ونواب الكونجرس ومجلس الشيوخ ومساعديهم.
٢- يحرص على الحصول على المعلومات السرية التى وصلت إلى حد اتهامه رسميا بأعمال تجسسية، حتى يتدخل فى وقت مبكر فى صفقات الأسلحة كما حدث عام ١٩٨٥ لمنع صفقات أسلحة أمريكية للأردن والسعودية .
٣- يعمل اللوبى كمستودع للمعلومات ويقدمها فورية ومعلبة لنواب الكونجرس .
٤- يصدر اللوبى أحكاما قيمية للترغيب والترهيب مثل : «صديق اسرائيل الكبير» أو أسوأ خصم لإسرائيل.
٥- ملاحقة وابتزاز نواب الكونجرس والضغط عليهم بسيل لا ينقطع من الرسائل والبرقيات والاتصالات فضلا عن استخدام جميع وسائل الإعلام للاشادة بالنواب او التهجم عليهم.
٦- التمويل السخى للحملات الانتخابية، ويزعم هذا اللوبى أن أغلبية أموال الحزب الديمقراطى وربع أموال الحزب الجمهورى تأتى من مصادر اليهود الأمريكيين .
٧-رغم أن اليهود لا يشكلون أكثر من ٣% من مجموع سكان أمريكا فإن أصواتهم الانتخابية تبدو مؤثرة خاصة فى الولايات المهمة مثل نيويورك وكاليفورنيا وبنسلفانيا، وأيضا لأن ٩٠% منهم يشاركون فى الاقتراع مقابل ما لا يزيد على ٥٠% من الامريكيين ويميل الناخب اليهودى فى الغالب للتصويت للحزب الديمقراطى .
٨ - أن تأثير الايباك يظهر بجلاء أكبر فى قرارات الكونجرس بشأن المعونات الخارجية لحمل النواب على التصويت لصالح المعونات السخية لاسرائيل او بالتصويت لحجب المعونات عن الدول الأخرى مثلما حدث بحجب جزء من المساعدات المالية لمصر بعد حملة اسرائيل واللوبى فى موضوع الأنفاق والتهريب إلى غزة .
وهكذا فإنه لا يمكن لأحد أن يجادل فى أهمية وخطورة الدور الذى يلعبه اللوبى الصهيونى فى السياسة الامريكية فى الشرق الأوسط، لكن ما نسعى إليه هو وضع هذا الدور فى حجمه الحقيقى وبالتالى توقع ما يمكن ان يقوم به فى أى مواجهة محتملة مع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس اوباما .
وفى تقديرنا أنه مع الأخذ بعين الاعتبار كل مصادر قوة اللوبى الصهيونى فى أمريكا فإنه لا أساس للهالة الأسطورية الجبروتية التى تسعى الدعاية الصهيونية لسبغها على منظمة الإيباك، ويمكن البرهنة على ذلك بما يلى:
أولا - أنه إذا ما قرر البيت الأبيض مواجهة اللوبى الصهيونى فى الكونجرس فإنه فى الغالب يربح هذه المواجهة، وقد حصل ذلك فى مرتين فى صفقات أسلحة الى السعودية، مرة فى عهد كارتر عام ١٩٧٨، والثانية فى عهد ريجان عام ١٩٨١،
وتشير دراسة أمريكية إلى أن اللوبى الصهيونى نجح فقط فى ربح ربع الحالات التى عارض فيها الرئيس الأمريكى توجهات هذا اللوبى وحتى عندما انتزع اللوبى قرارا من الرئيس بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى نيويورك فى مارس ١٩٨٨ عاد القاضى الاتحادى الأمريكى فألغى هذا القرار، ومعروف أن الرئيس الأمريكى سواء أكان جمهوريا او ديمقراطيا يؤجل قرار الكونجرس بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وكان الرئيس اوباما بدوره قد اتخذ قرارا مشابها الشهر الماضى .
ثانيا - لم يستطع اللوبى إيقاف التطور الذى حصل فى مواقف رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين والذى انتهى بالاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة قابلة للحياة تعيش إلى جانب إسرائيل، وخلافا لما يعتقد البعض كانت هذه المواقف تطورت بالفعل على النحو التالى : -
الرئيس هارى ترومان دعم حل الدولتين ولم ينحز إلى مزاعم الحركة الصهيونية المطالبة بدولة على كل فلسطين، وبعد صدور قرار التقسيم حاول ترومان التراجع عنه واستصدار قرار دولى جديد بإلغائه ووضع فلسطين تحت الوصاية لكن السوفيت عارضوه بشدة .
- فى عهد الرئيس نيكسون صدرت مبادرة روجرز التى نصت على أن أمريكا لن تساعد على إجراء أى تغييرات على حدود ٦٧ .
- فى عهد الرئيس فورد صدرت وثيقة ساوندرز ١٢/١١/١٩٧٥ التى اعترفت بأن الفلسطينيين شعب يرغب فى حقه فى تقرير وضعه السياسى .
- فى عهد الرئيس كارتر صدر تقرير بروكينجز الذى أشار الى حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة أو كيان متحد مع الأردن وصرح كارتر نفسه بأنه يجب أن يكون هناك وطن للفلسطينيين .
- فى عهد الرئيس ريجان صدرت مبادرته فى ٢/٩/١٩٨٢ التى، وإن عارضت إقامة دولة فلسطينية فإنها، عارضت ايضا ضم إسرائيل للضفة وغزة .
- فى عهد الرئيس بوش الأب انعقد المؤتمر الدولى الذى عارضته حكومة شامير وجرى تمثيل منظمة التحرير بوفد مشترك مع الأردن .
- فى عهد الرئيس كلينتون عقدت قمة كامب ديفيد وانتهت دون نجاح لكن مع صيغة كلينتون التى تدعو الى دولة فلسطينية مستقلة .
- فى عهد الرئيس بوش الإبن صدر تقرير ميتشل الذى يمنع الاستيطان الإسرائيلى، وفى ٢٤/٦/٢٠٠٢ أعلن عن خارطة الطريق التى نصت فى أكثر من موضع على إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، وفى ٢٧/١١/٢٠٠٧ دعا لاجتماع أنابوليس الذى خلق مرجعية جديدة، يرفضها نتنياهو بشدة، وتدعو الى التفاوض مباشرة على قضايا الوضع النهائى وليس التدرج فى مراحل حسب خريطة الطريق .
- استهل الرئيس اوباما عهده باعتبار التسوية مصلحة استراتيجية أمريكية وأعلن التزامه بدعوة إسرائيل لوقف كامل للاستيطان والالتزام بحل دولتين لشعبين .
وصحيح أن الموقف الأمريكى كان فى كل هذه العهود منحازا لإسرائيل ولم يضغط عليها بما يكفى على الأقل لوقف الاستيطان لكنه يجب القول مع ذلك بأن اللوبى الصهيونى الأسطورى لم يتمكن من منع تطور الموقف الأمريكى الذى وصل الى ما هو عليه الآن .
ثالثا - إن الهالة الأسطورية للوبى الصهيونى التى بنت جزءا من مجدها على قدرتها على الإطاحة بالنائب بول فيندلى بعد لقائه عرفات والنائب بول مكلوسكى، وبيرسى، سكتت تماما عن فشلها فى إسقاط نواب أمريكيين آخرين رغم أنها اتهمتهم بذات التهم ومنهم : جيمس هلمز، وهمفرى، ولونج وآخرون .
رابعا - ان أسطورة خضوع الرئيس الأمريكى للصوت اليهودى بحاجة الى مراجعة وتدقيق فالرئيس بوش الابن مثلا لم ينجح بأصوات اليهود لكنه مع ذلك كان من أكثر المناصرين لإسرائيل، ورغم تصويت ما يقرب من ٨٠%من اليهود لأوباما فإنه مع ذلك ليس مدينا لهم بنجاحه، وكل مساعديه من اليهود لهم مواقف لا تتطابق مع موقف الإيباك .
خامسا - ان اللوبى الصهيونى رغم كل جبروته لم يستطع إطلاق سراح جوناثان بولارد اليهودى الذى أدين بتهمة التجسس على امريكا لصالح إسرائيل .
سادسا - أن اللوبى الصهيونى لم يستطع أبدا منع المواقف الأمريكية التالية :
١ - الإنذار الحاسم للرئيس ايزنهاور الذى أمر بن جوريون بالانسحاب الكامل من سيناء بعد احتلالها عام ١٩٥٦ .
٢ - الخطاب الذى أرسله الرئيس نيكسون لجولدا مائير فى ٤/٥/١٩٧٤ الذى حذرها فيه من ان الولايات المتحدة «ستعيد النظر فى العلاقة بين الدولتين» وحذر نيكسون من انه مستعد للذهاب الى أبعد مدى إذا تعنتت إسرائيل وفى ١٤/٥/١٩٧٤ طلب نيكسون بيانا بجميع أشكال المعونة المدعومة لإسرائيل والمعونات المعفاة من الضرائب .
٣ - يشهد يهودا بن مائير فى هاآرتس ١٨/٥ الماضى أنه كان حاضرا عندما وجه الرئيس كارتر التهديدات القاسية بأسلوب فظ لمناحم بيجن وأجبره على تفكيك كل مستوطنات سيناء والانسحاب إلى الحدود الدولية .
٤ - قام الرئيس ريجان بتوجيه إنذار تحت التهديد لبيجن بالانسحاب من بيروت عام ١٩٨٢، ولم يستطع اللوبى فى أمريكا منع ريجان من دفع حليفهم الكسندر هيج وزير الخارجية للاستقالة بسبب دعمه الأعمى لشارون فى غزو لبنان .
٥ - تحدى جيمس يكر فى عهد بوش اللوبى الصهيونى فى عقر داره وقال فى المؤتمر السنوى للإيباك فى ٢٥/٥/١٩٨٩ «لقد حان الوقت لكى تنبذ إسرائيل مرة والى الأبد الرؤية غير الواقعية عن إسرائيل الكبرى».
٦ - كان الرئيس بوش وراء الإطاحة باسحق شامير بعد أن رفض وساطة زعماء الكونجرس واللوبى للتراجع عن قراره بتجميد ضمانات قروض لاسرائيل بقيمة ١٠ مليارات دولار .
سابعا - لم يستطع اللوبى الأسطورى منع الإدارة الأمريكية من دس أنفها عميقا فى الشؤون الداخلية لاسرائيل فقد ضغطت أمريكا لإقالة الجنرال افيعام سيلع من سلاح الجو بسبب تورطه فى قضية الجاسوس بولارد .
كما ضغطت لإقالة مدير عام وزارة الدفاع عاموس يارون ومسؤول الأمن يحئيل حورب، واقيلا فعلا . وضغطت لوقف صفقة بيع إسرائيل طائرات الفالكون للصين وأوقفت الصفقة .
وهناك عشرات الأمثلة الأخرى التى ترسم حدود دور وقوة اللوبى الصهيونى الذى لا شك فى قوته ولكن من دون اي اوهام أو هالات اسطورية حوله. بقى أخيرا فحص الأوضاع الراهنة لهذا اللوبى فى عهد الرئيس الأمريكى أوباما والتى نوجزها فيما يلى :
١ - إن اوباما أعلن فى معقل اللوبى الصهيونى أثناء حملته الانتخابية أنه لا يتوجب عليه ان يكون لكوديا حتى يدعم إسرائيل .
٢ - إن نجاح أوباما رغم مزاعم اللوبى ليس متعلقا بأصوات اليهود او أموالهم وهو ليس مدينا لهم بنجاحه .
٣ - إن أوباما يحيط نفسه بمجموعة من المساعدين اليهود الذين يتبنون بقوة مواقفه من إسرائيل ومن ابرزهم : يورام عمانويل رئيس طاقم البيت الأبيض والذى خدم فى الجيش الإسرائيلى ووالداه إسرائيليان ويواجه من اليمين الإسرائيلى واللوبى فى أمريكا بانتقادات عنيفة تتهمه بالعداء للصهيونية وإسرائيل بسبب مواقفه وخطابه فى المؤتمر السنوى للايباك، وهناك دينس روس ومارتن ايندك الذى هاجم نتنياهو بعنف بالغ فى حديثه ليديعوت فى ٢٨/٥.
٤ - إن الإيباك لم تعد تحتكر تمثيل اليهود الامريكيين بعد تشكيل منظمة يهودية منافسة اسمها «جى سترييت» والتى ترفع شعار «مؤيدين لإسرائيل مؤيدين للسلام» «ويعتبر جيرمى بن عامى المستشار السابق لكلينتون العقل المدبر لهذه المنظمة التى تمثل الاتجاه الليبرالى فى مواجهة هيمنة المحافظين الجدد والمسيحية الصهيونية على منظمة الإيباك، وتسعى الجى ستريت لإعادة تعريف تأييد إسرائيل الذى يجب ان يرتبط أيضا بتأييد السلام ووقف الاستيطان والالتزام بحل الدولتين، كما تواجه الايباك أيضا منافسة من منظمات أخرى مثل «منتدى اسرائيل للسياسات»، و«مجلس المصلحة القومية» الذى اتهم الايباك بالتورط فى أعمال تجسس على أمريكا . وقد لا تستطيع هذه المنظمات اليهودية منافسة الإيباك او كسر نفوذها تماما لكنها تمثل ظاهرة جديدة وقوة مضافة للرئيس اوباما فى معركته المحتملة مع اللوبى الصهيونى .
٥ - وتشير نتائج استطلاعات للرأى نشرت يوم ٢٣/٣ الى ما يلى : ٧٣%من اليهود الأمريكيين يؤيدون السياسات التى يطرحها أوباما بالنسبة للشرق الأوسط ٦٩% أيدوا التوصل لاتفاق سلام نهائى وفق حل الدولتين، ٦٤% يعارضون التوسع فى الاستيطان .
٦ - تؤكد كل استطلاعات الرأى ان الأجيال الجديدة من اليهود الأمريكيين أقل تأييدا لإسرائيل وأقل إدراكا لمعنى الهولوكست .
٧ - شهد المؤتمر السنوى للإيباك الذى انعقد فى ٣/٥ الماضى القاء العديد من الكلمات التى من أبرزها خطاب نائب اوباما جو بايدن الذى أعلن أمام المؤتمر عن تمسك الإدارة الحازم بالتسوية وفق حل الدولتين لشعبين، وأثارت كلمة يورام عمانويل عاصفة من الانتقادات بسبب موقفه الحاد من اسرائيل وتأييده الشديد لسياسة اوباما .
كل هذه المؤشرات تعنى حدوث اختراق مهم فى الموقف التقليدى للوبى الصهيونى الذى يدعم اسرائيل بشكل أعمى، لكنه مع ذلك لا يدفعنا للاستهانة بنفوذ وقوة هذا اللوبى الذى لا يستبعد احد احتمال تورطه فى مواجهة عنيفة مع اوباما، لكن اوباما لن يكون مكشوف الظهر فى هذه المواجهة، ليس فقط بسبب شعبيته الجارفة وانما ايضا بسبب العديد من المتغيرات فى مكانة إسرائيل نفسها وفى الوضع الأمريكى الداخلى وفى الذخيرة اليهودية التى تدعم ترسانة اوباما .
وعندما ينقشع غبار هذه المعركة القادمة سيتبين لنا حقيقة هذا اللوبى الصهيونى وحدود قوته بعيدا عن أوهام السطوة وجبروت الأسطورة.