|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 7/21/2008 1:09:04 PM
|
ثورة يوليو ... وقضية الصراع العربي الصهيونى
|
عبد الناصر والنظرة الاستشرافية الصائبة لما نعيشه اليوم
ثورة يوليو .. وقضيّة الصراع العربى الصهيوني
العرب اونلاين - د. رفعت سيد أحمد : لم يعرف التاريخ الإنسانى على تعدد قضاياه، قضية بمثل هذا الطول والعمق والتعقد؛ قضية الصراع العربى الصهيونى التى اختلطت فيها الأمانى القومية بالحدود الجغرافية، ومشاعر الثورة بعجز القدرة والإمكانية، واختلطت فيها الأدوار الإقليمية بتفاعلات القوى وتوازنات الإطار الدولي، فى منظومة متداخلة لا نكاد نعبر إحدى حلقاتها، حتى تواجهنا أخرى أشد إيلاما وأكثر تعقيدا.
ليس غريبا إذن، والقضية بهذا العمق والتعقد، أن تصير هى "جوهر" قضايا الأمة العربية الإسلامية، و"المحور الأصيل" الذى يصبح الانتماء إلى هذه الأمة بلا معنى أو مضمون حقيقي، دونما الموقف الواضح منه.
ولأننا نعيش اليوم اكتمال ما يسمى "بالمشروع الصهيوني" فى المنطقة العربية، وبدء ما أسماه البعض "بالحقبة الصهيونية"، فإن وقفة عميقة مع الذات ينبغى أن تثار، ومراجعة عميقة لكل المواقف والخبرات السابقة ينبغى أن تكون. هنا نلتفت إلى التجارب المهمة فى مسار الصراع لإعادة قراءتها بحثاً عن العبر والدروس المستفادة.
وتأتى تجربة ثورة يوليو كمثال مهم خاصة مع بدء العام السادس والخمسين من عمر ثورة يوليو1952، تأتى لتطرح عدة أسئلة مركزية: كيف أدركت الثورة من خلال قائدها طبيعة هذا الصراع، وكيف تعاملت معه؟ وأين هذا النموذج فى "الفهم والتعامل" من واقع الوطن العربى اليوم، وكيف يمكننا أن نطور خبرة يوليو 52-1970 من خلال تفاعلات الحاضر العربى الذى تحولت فيه "دولة عبد الناصر" إلى مجرد جسر للتسويات والمفاوضات الخاسرة بين الفلسطينيين والصهاينة دونما دور فعال على مستويات الصراع كافة؟ أسئلة نجيب عليها من خلال محورين أساسيين:
أولا: مدركات ثورة يوليو لطبيعة الصراع:
يمكن بلورة مدركات ثورة يوليو لطبيعة الصراع العربي-الصهيونى وبعد متابعة لوثائق الثورة المختلفة، حول ثلاثة مستويات أدركت من خلالها الثورة هذه القضية:
المستوى الأول: أن الصراع العربي-الصهيونى صراع مصيرى بالأساس.
المستوى الثاني: أنه صراع قومي.
المستوى الثالث: أنه صراع حضاري. فماذا عن هذه المستويات؟
المستوى الأول: مصيرية الصراع
تجمع وثائق الثورة، وتحديدا وثائق عبد الناصر، على أن هذا الصراع الذى تجرى أحداثه فوق أرض فلسطين، كان ولا يزال، صراع وجود، صراع بقاء بين الأمة العربية من جانب وقوى الاستعمار من جانب آخر.
يقول عبد الناصر "إن الأرضية الأصلية وراء الصراع العربى الإسرائيلى هى فى الواقع –على وجه الدقة- أرضية التناقض بين الأمة العربية الراغبة فى التحرر السياسى والاجتماعى وبين الاستعمار الراغب فى السيطرة وفى مواصلة الاستغلال"، "وفيما مضى فلقد كان سلاح الاستعمار ضد الأمة العربية هو سلاح التمزق وبعد حربين عالميتين ومع تعاظم الإيمان بالوحدة العربية فلقد لجأ الاستعمار إلى إضافة سلاح التخويف إلى سلاح التمزيق"، وكان أن استغل فى ذلك الدعاوى الأسطورية للحركة "الصهيونية"، وهكذا سلم وطنا من أوطان الأمة العربية غنيمة مستباحة للعنصرية الصهيونية المدججة بالسلاح لكى يتم تكريس تمزيق الأمة العربية أو ليتحقق تخويفها باستمرار عن طريق إيجاد قاعدة فى قلبها لتهديدها فضلا عما يتبع ذلك من استنزاف كل إمكانيات القوة العربية فى صراع محكوم فيه تاريخيا.
"ولقد زاد من حدة التناقض بين الأمة العربية والاستعمار ظهور الحركة التقدمية العربية بقيادة الفلاحين والعمال العرب الأمر الذى دفع الاستعمار إلى مغامرات عنيفة ومخيفة عبرت عن نفسها سنة 1956-1967 والتى عرفت بحرب الأيام الستة التى هى فى الواقع مقدمة لحرب لم تنته حتى الآن"، -والقول لعبد الناصر- هذه هى أرضية الصراع العربي-الإسرائيلى التى هى فى الواقع كما يقول عبد الناصر أيضاً "أرضية التناقض بين آمال الأمة العربية وحقوقها المشروعة بين أطماع الاستعمار ومخططاته ومؤامراته" وكأن عبد الناصر يقرأ بهذا التحليل، المستقبل العربي، محددا حقيقة التناقض وما تحاول "الحقبة الصهيونية" فى مرحلة ما بعد هزيمتها فى لبنان عام 2006 أن تفعله، والجسد العربى لا يزال يبحث عن مخرج، تائها، فى الدائرة المفرغة التى أدخلة إليها مفهوم السلام الأمريكي.
المستوى الثاني: قومية الصراع:
بعد سلسلة التراجعات العربية ونسج أغلب أنظمتها لعلاقات سرية مع العدو، حصرت القضية فى مستوى ضيق اسمه "الصراع الفلسطينى الإسرائيلي" وهو الأمر الذى يناقضه الواقع وتناقضه أيضا الرؤى والتجارب التاريخية، فها هى ثورة يوليو تأتى وبعد 56 عاما على انطلاقها، تأتى لتقدم لنا نموذجا- نتصور أننا فى أشد الحاجة إليه فنحن نعيش سيناريو الحقبة الصهيونية، فالصراع العربى الإسرائيلى من وجهة نظر ثورة يوليو وبالإضافة إلى مصيريته، هو صراع قومي، صراع بين أمة عربية ذات أهداف وطموحات مشروعة من العصابات الصهيونية كمقدمة للاستعمار العالمي، وأن القضية لم تكن قضية أبناء فلسطين فحسب، وإن كانوا، هم الطليعة والمقدمة فى عملية المواجهة السياسية والعسكرية مع إسرائيل، فالقضية قضية كل أقطار الوطن العربي، وهنا يقول عبد الناصر"إن أى عدوان على العالم العربي، يعتبر عدوانا على كل بلد عربي، ونحن باعتبارنا الجمهورية العربية المتحدة التى أخذت على نفسها واجب الطليعة فى هذا لن نتخلى عن هذا الواجب" ويرى أن سقوط أى بلد عربى إنما يكون دائما هو البداية لسقوط باقى البلاد العربية، وإسرائيل تدرك هذه الحقيقة ومن ثم فهى تقف ضد الوحدة العربية مفهوما وسلوكا ويقول: "كانت إسرائيل أيضا تعادى الوحدة بل كانت إسرائيل تعادى وحدة الكلمة بين العرب، كانت إسرائيل تحاول أن تفرق بين العرب، حتى تستطيع أن تهاجم فى الشمال وتجمد فى الجنوب، أو تهاجم فى الغرب وتجمد فى الشرق".
المستوى الثالث: حضارية الصراع
وهنا نسجل أن ثورة يوليو أكسبت الصراع العربي-الصهيونى سمة هامة أثبتت التطورات الأخيرة التى تعيشها قصة الصراع اليوم صحتها، تلك هى طبيعة الصراع الحضارية، حيث الصراع مع إسرائيل ليس فقط مع مجموعة من العصابات الصهيونية القادمة من أوروبا والأمريكتين ولكنه صراع مع "الجذور" التى تنتمى إليها هذه العصابات وهى الجذور التى تشكل الوجه الحقيقى للصهيونية السياسية، وحيث تمتد هذه الجذور لتصل إلى جوهر الحضارة الغربية، إلى طبيعته العنصرية التى قامت عليها هذه الحضارة، وإلى الوجه العدائى الذى ميزها فى نطاق تعاملها مع غيرها من الحضارات وتحديدا الحضارة العربية الإسلامية، وإلى الطبيعة الأنانية والفردية التى ميزت نظرتها إلى الإنسان العربى فهو لديها دائما "متخلف" دائما "مهزوم" دائما "همجي" دائما "التابع غير المتحضر" والذى فى حاجة إلى من يقوده ويؤكد لديه هذا الواقع، مع دائمية أن يظل فى إطار دور "التابع". ومن هنا كان لا بد من زرع الكيان الصهيونى كامتداد لما يسمى "بالحضارة الغربية" وإن كان فى جانبها السيئ.
لقد أدرك عبد الناصر هذه الحقيقة، وأدرك ما تعنيه من دلالات هامة، تمثلت فى حتمية أن يظل الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب أحد طرفى الصراع، تقدم له دائما ما يبقيه على قيد الحياة داخل جسد الطرف الثانى "الطرف العربي"، وهى الحقيقة التى لم يستطع أن يدركها اليوم الذين يعيشون مرحلة ما بعد هزيمة إسرائيل فى لبنان 2006، وهذه الطبيعة الحضارية "الخاصة" للصراع تحددها الثورة حين تقول من خلال قائدها "إن إسرائيل تقوم فى خدمة الإمبريالية والاستعمار، بدور القاعدة وبدور المخفر الأمامي، وبدور العازل الذى يحول دون وحدة الأمة العربية، ويهددها كلما تحركت، وبدور الإدارة التى تشتت تركيزها على المستقبل وتمتص طاقاتها بالاستنزاف أولا بأول، ولقد باعت الصهيونية نفسها للاستعمار الذى كان يسيطر على العالم العربي، وربما لم يكن الأمر يحتاج إلى وقفة جديدة فإن الصهيونية العنصرية بحكم طبيعتها الرجعية تقف منطقيا على الجانب المعادى للحرية.
ويرى عبد الناصر أيضا "أن الاستعمار قد سلك فى سبيل ذلك كل الوسائل الخبيئة والخبيثة، فهو لم يكتف بأن يكون له عملاء يتسترون بالوجوه الوطنية ليكونوا أكثر فاعلية فى خدمته، وإنما أقام لنفسه بين الدول العربية دولة عميلة تتكلم باسمه، وتسير على نهجه وتكون رأس جسر لأغراضه، وحربة فى قلب قارتنا تسعى للسيطرة بما تقدمه من قروض واستثمارات لتسيطر على اقتصادياتها بالاحتكارات الاستعمارية".
ويؤكد ما يعنيه أكثر حين يقول "حينما نعالج قضية فلسطين لا يمكن أن نتصور أننا نعالج قضية سهلة، إنها قضية إسرائيل ومن وراءها، وهى بوضوح أكثر، قضية أمريكا".
من هذا العرض السابق يتضح لنا كيف أدركت ثورة يوليو طبيعة الصراع العربى الصهيونى حيث هذا الصراع مصيرى وقومى وحضارى ومن لا يفهمه على هذا النحو فإنه لا يستطيع أن يدرك طبيعة العدو الذى نحارب، ولا يستطيع أن يدرك صراعنا الطويل معه.
ولعل رؤية ثورة يوليو للصراع تتضح أكثر حين ننتقل بالحديث إلى حيث مستويات تعاملها مع الصراع بأطرافه المختلفة، أو بعبارة أدق كيف أدارت الصراع وكيف تفاعلت مع أحداثه؟
ثانيا: ثورة يوليو ومستويات إدارة الصراع:
من خلال خبرة الصدام مع إسرائيل وأمريكا وقوى ما كان يسمى أيام عبد الناصر بالرجعية العربية.. من خلال الصدام مع هؤلاء الذين أسماهم عبد الناصر بأطراف الصراع تشكلت عند ثورة يوليو على المستويين الفكرى والحركى قناعة مؤداها أن عملية إدارة الصراع العربى الصهيونى عملية معقدة، وأن تعقد هذه العملية يعنى تواجد عدة مستويات فى إدارتها، وهذه المستويات متداخلة ومتصلة ولا يمكن فهم إحداها دونما فهم ما سبقها.
ويقول عبد الناصر محددا هذه المستويات "إننا نخوض معركة معقدة متشابكة تجرى على أرض وعرة متفجرة، وليس هناك طريق واحد نستطيع أن نسلكه لتحقيق أهداف أمتنا العربية وإنما هناك طرق متعددة نحو هذه الأهداف واستعدادنا لاستعادة أراضينا الضائعة بالقوة لا يمكن أن يعطل عملنا السياسى لاستعادة ما ضاع منا.. إن الاستعداد بإمكانيات القتال لا ينبغى أن يعطل استعدادنا بإمكانيات السياسة".. ولكن عبد الناصر رغم ذلك لم يقل إن هذه الحرب هى "آخر الحروب" تحت دعاوى السلام كما قال خلفه أنور السادات ولكنه قال وفى نفس الخطاب السابق "ولكن الخطر أن نجعل الاستعداد للسياسة يعطل بالاستعداد للقتال، ذلك أنه فى نهاية المطاف تبقى حقيقة واحدة على ساحة الشرق الأوسط، حقيقة لا شريك لها ولا بديل وهى ضرورة استعادة أرضنا وتطهيرها إلى آخر شبر تطهيرا كاملا ونهائيا".
إن مستويات إدارة الصراع عند قائد يوليو تتدرج من: المستوى السياسى بتنويعاته المختلفة: الديبلوماسية، الإعلام، الدعاية، الثقافة فالمستوى الاقتصادى كالمقاطعة الاقتصادية، فالمستوى العسكري، والذى لا بديل عنه ولا مناص مع حالة استيطانية مثل إسرائيل. ولقد اتضحت هذه الخبرة فى إدارة الصراع فى مرحلتين هامتين من تاريخ الثورة:
الأولى: وتمثلت أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 حين أدار عبد الناصر الصراع داخليا من فوق منبر الأزهر وفى بورسعيد بحرب شعبية رائدة، وخارجيا من خلال تحفيز الدور السوفييتى للضغط على أمريكا، وقد أحدث ذلك كله نتائج إيجابية.
والثانية: بعد هزيمة 1967 حين أعاد عبد الناصر تكتيكاته السياسية والعسكرية وأشعل أخطر حرب شنت ضد إسرائيل وأحدثت أضرارا مباشرة فى اقتصادها، حرب الاستنزاف 68 - 1970 وحين أعاد عبد الناصر تنظيم علاقاته العربية والدولية تمهيدا للجولة القادمة والتى أعد لها جيشه وشعبه إعدادا قادرا كان من شأنه أن يحدث انتصار أكتوبر1973، ومن خلال هاتين المرحلتين يأتى التأكيد العملى على عمق إدراك ثورة يوليو لطبيعة الصراع ولأطرافه وهو الإدراك الذى دفعها من ناحية أخرى إلى تقديم العون لكافة حركات التحرر فى العالم وفى مقدمتها حركة التحرر الفلسطينى لتمثل قوة دفع فى اتجاه التحرير، بعيدا عن روح الهزيمة وانتكاساتها التى غلفت مصر عشية 1967.
تلك هى مدركات الثورة ورؤيتها لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني.. فترى هل تغير الكثير من الواقع حتى ننكرها؟ أليس ما نعيشه اليوم عربياً وإسلاميا من أفغانستان والعراق المحتل إلى فلسطين المغتصبة يقدم نفسه باعتباره أكبر الأدلة على أهمية خيار المقاومة ومصيرية الصراع تماما كما فهمته وعملت عليه ثورة يوليو رغم العديد من السلبيات والتجاوزات؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|