هذا المقال للأستاذ صابر عمار عضو مجلس نقابة العامة .. وقد قرأت هذا المقال والحقيقة أنه قد أعجبني لذلك استأذن الأستاذ العزيز / صابر عمار في نشر المقال هنا على صفحات منتدى المحامين العرب ...وله الشكر
البريء..... متهم
استقرت البشرية بعد نضال قانونى طويل حول العديد من المبادئ التى تعلو على الدساتير وتمثل العمود الفقرى لكل دساتير العالم ومنها قاعدة " المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم نهائى وبعد محاكمة عادلة " وقد أكدتها جميع إتفاقيات حقوق الإنسان والشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، وقد ساير الدستور المصرى الإتجاه العالمى فيما تضمنته المادة ( 67 ) من الدستور .
ولكن هل تكف العبارات الواردة فى الدستور لكى يدرك " المواطن " المصرى أغوارها ، فكم من العبارات الجميلة تضمنتها الدساتير ولا يعرفها أحد ، فنحن جميعاً لا نؤمن بأن " المتهم برئ " حتى مع صدور حكم ببرائته .
فالجهات التي تقوم بالبحث والتحرى تعتمد فيما تعتمد عليه على " مصادرها السرية " وغالبا ما تكون صغار الموظفين أو الفراشين وغالباً ما يكونون على غير وفاق مع المطلوب البحث أو التحرى عنه وبالتالى يقال فيه ما قال مالك فى الخمر ، أو مكتبية أو سماعية ، وتقدم إلى جهات التحقيق مع إفتراض الإدانه منذ اللحظة الأولى لتلقى البلاغ ، وتصدر القرارات ما بين منع من السفر أو حبس إحتياطى – لغير مبررات التحقيق – وأشهد أن تطوراً إيجابياً قد حدث مع تولى النائب العام الحالى فى هذا المجال ، فأضحت النيابة العامة أكثر هدوءاً وبحثاً عن الحقيقة ، وتعكس تعليمات النائب العام هذا الإتجاه ، إلا إننا يجب أن نعترف بأننا فى مزيد من الحاجة إلى ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان ودعم هذه الثقافة لدى ضباط الشرطة وخاصة ضباط المباحث منهم وكذا لدى رجال النيابة العامة ونحتاج إلى دراسات متعمقة لحقوق الإنسان فى كليات الحقوق وكلية الشرطة ، وثقافة الادانة المستقرة لدينا جميعا تعكس نفسها فى أماكن إحتجاز المتهم" البرئ " داخل أقسام الشرطة أو السجون العمومية أو نرى هذه المفاهيم فى سيارة " الترحيلات " التى تمثل كل الإهانة والمهانة فى النظر إلى إنسان ونقله في قفص أقل رحمة عن أقفاص نقل " الحيوانات " .
ولعل توصية الوزير البريء محى الدين الغريب الى وزير الداخلية عقب الأفراج عنه بعد حكم البراءة باعادة النظر فى سيارات الترحيلات وحادثة وفاة المسجونين اثاء النقل أكبر شاهد ودليل ولم يتغير شيء ولم يتحرك أحد .
وهذه المفاهيم البالية أيضاً نجدها فى المحاكم " قصور العدالة " فينقل المتهم " البرئ " من سيارة نقل الموتى ـ باعتبار ما سيكون ـ مكتوف الأيدى إلى " بدروم " قصر العدالة حيث الروائح الكريهة والقازورات فى كل مكان ، ثم إلى أقفاص حديدة داخل قاعة المحاكم ـ منفذه قبل ارتفاع اسعاره وفى ظل حديد شركة القطاع العام رحم الله ايامها ـ يتحدث إلى قاضيه " الطبيعى " من خلف القضبان لا يراه ، لا يرى عينيه ، لا يدرك بحسه الإنسانى هل تكذب هاتين العينين ، هل خائقة من ضابط موجود بالقاعة يتوعده اذا خرج عن السيناريو الذى لقنه اياه ، أم تقول الصدق ، هل نجحت الإدارات المختلفة التى تعاملت معه قبل مثوله أمام قاضيه " الطبيعى " فى ترتيب الأوراق ضده ، هل إستمعت إلى وقائعه ، هل مكنته من البحث عن أدله براءته التى إختفت أو ضاعت .. كل ذلك يبدو فى عينيه ولا يراه قاضيه " الطبيعى " وحسن فعل وزير العدل حين صرح بأنه جارى دراسة إلغاء هذه الأقفاص التى تحول بين العداله ومستحقيها ، التى تحول بين المتهم " البرئ " وحقه الطبيعى فى تأكييد براءته ، إن المجتمع الذى يؤمن حقاً بأن " المتهم برئ " عليه أن يكفل حقه فى إثبات براءته وان يسعى معه لاثباتها ،لا أن نسعى جميعاً إلى إدانته ، فالمجتمع يسعد بقلةعدد المجرمين فيه ويكفى ما ترتب على اعلان ان 1% من المجتمع الامريكى مجرمون خلف القضبان
من آثار سلبية على المجتمع ذاته، ناهيك عن الاثار الاقتصادية لزيادة عدد المجرمون وما يتحمله المجتمع من تكلفة السجون والاعباء التى يتحملها المجتمع من زيادة عددهم بغير مقتضى ، والمسافر على الطريق الصحراوى من القاهرة الى الاسكندرية يكتشف ان حوالى 21 كيلومتر طولى مخصصة للسجون مابين قديم ومهجور او جديد او تحت الانشاء ناهيك عن الامتداد الى الداخل يعتقد اننا كلنا مجرمون او على الطريق !!!
وما ان يتسرب الخبر الى الصحف حتى نجد اسم البريء " المتهم " وربما صورته تتصدر الصفحات الاولى ، وحدث ولا حرج عن جهود جهات البحث والتحرى بقيادة اللواء فلان ومعاونة العميد علان والرائد ترتان والامين 00 والامين 000 وتحت الرعاية السامية لمعالى وزير الداخلية وبتوجيهات سامية من معالى رئيس الوزراء تزف الينا خبر القبض على البريء "المتهم " وقد ضبط في شقته كام مليون استرلينى وكام الف بالدولار وكام بالجنية المصرى ولا مانع من ضبط حته حشيش " لزوم الجرسة " ويقدم المذكور ادناة او المغضوب عليه ادناة الى التحقيق وتتسرب التحقيقات الى الصحف التى تنشرها يوميا ما لم يتدارك النائب العام الأمر ويحظر النشر والغريب انه لا تتسرب الى الصحف اقوال المتهم دفاعا عن نفسه او اقوال محاميه وتذكر أسماء الجميع حتى عامل بوفية المحكمة ولا يذكر أسم محاميه ـ وكأنه رجس من عمل الشيطان ـ ويساق الى المحاكمة محبوسا غالبا وممنوعا من التصرف فى اموال الا من نفقة تقدر بحفنه مليمات لاسرته التعيسة لاتكفى لمجرد العيش الحاف ـ اذا وجدوه مع ازدحام الطوابير ـ وتتسابق عدسات المصورين فى التقاط الصور خلف القضبان وتتسع لها الصفحات الاولى وتنقل بالكامل مرافعة النيابة وهى تكيل الاتهام للمأسوف على شبابه ولا تذكره كلمة عن دفاعه وتقضى المحكمة بعد العديد من الجلسات التى قد تستمر سنوات بالبراءة ، فيشار اليها فى صفحة الوفيات أو صفحة اقرب إليها ، ويبقى فى ذهن الناس
الاتهام والاتهام فقط فالصحافة لاتعبأ بكلب يعض انسان ، فذلك خبر عادى لايهم احد ، اما ان يعض كلب انسان فهذا هو الخبر !!!! والادهى والأمر أن المحكوم ببراءته لا يعود الى عمله وانما يتنكر له الجميع .
وهل ناقش أحد اننا نعتدى على حق انسان ما زال فى نظر القانون والدستور بريئا ، هل ناقش احد حجم ومدى تأثير النشر على القضاه ودور الرأى العام فى التوجية للادانة 00!! هل ناقش أحد اننا بصدد جريمة فى حق المجتمع أشد وطأه وقسوة من تلك التى يحاسب عليها المتهم بفرض ارتكابها ... لم يناقش أحد ولن يناقش أحد الاسرة التى لم يرتكب افرادها اى جرم لماذا تعاقب ؟ لماذا تتوارى الزوجة والابناء عن العيون التى لا ترحم ، ولم يرتكب احدهم اثما حتى لو ثبت ادانة والدهم ، لماذا يرشقون بالكلمات القاتلة بدون ذنب ؟ لماذا ننسى المادة 66 من الدستور التى تتحدث عن ان " العقوبة شخصية "
ان الايمان بأن الاصل فى الانسان البراءة وان الاتهام لايعدو ان يكون شكا لاينال من براءته حقيقة يجب ان نؤمن بها جميع حقيقة لا عبارات نرددها ونفعل عكسها .
صابر عمار
المحامي بالنقض