المطلب الأول
الحماية القانونية للحيازة
أولاً: علة الحماية القانونية للحيازة :
تعرف الحيازة بأنها وضع مادي ينجم عن أن شخصاً يسيطر سيطرة فعليه على حق، سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق أو لم يكن، ولكنه في الحالتين يعد حائزاً . وعندما يلجأ الحائز إلى رفع الدعوى فانه لا يدعي بالحق ذاته بل يدعي أنه صاحب مركز قانوني واقعي، وهو الحيازة. ويجمع الفقه على أن العلة في حماية الحيازة بدعاوى خاصة ترجع إلى اعتبارين أساسيين:
1- حماية المصلحة الخاصة للحائز :
لاشك في أن حماية الحيازة لذاتها من شأنه تحقيق مصلحة فردية خاصة للحائز. لأن الحيازة تخوله ميزات عديدة، والاعتداء عليها يحرمه من الانتفاع بهذه المزايا. وهذا ما دعى المشرع إلى تنظيم الحماية القانونية للحيازة. فمن ناحية تؤدي حماية الحيازة – في الواقع – إلى حماية الحق العيني ذاته بطريق غير مباشر. إذ الغالب أن يكون الحائز صاحب الحق ، مادام أن القانون يعتبر الحيازة قرينة على الحق حتى إثبات العكس ( م 964 مدني ) وهذا يعني أن الحائز يتمتع بمركز ممتاز في دعوى الحق، إذ لا يقع عليه عبء اثبات الحق ، وهو عبء شاق غالباً. ولذا يحرص صاحب الحق على حيازته حتى يقف موقفاً مريحاً في أي نزاع حول الحق. ومن ناحية أخرى فإن إلتجاء صاحب الحق إلى دعوى الحيازة تمنح له حيازة سريعة. فلا يطلب منه إلا إثبات حيازته، وبذلك يتفادى رفع دعوى الحق التي تتميز بإجراءات طويلة ومعقدة . وأخيراً فإن الحيازة تمثل أهمية كبرى بالنسبة للحائز الذي لا يستند إلى حق، لأنها تعتبر في ذاتها وسيلة لاكتساب الحق. فالمشرع – استجابة لحاجة الاستقرار – يجعل الحيازة متى استوفت شروطاً معينة سبباً لاكتساب الحق ( م 968 ، 969 مدني ) .
2- حماية المصلحة العامة للمجتمع :
أما الاعتبار الثاني فهو أنه في حماية الحائز حماية للأمن والنظام العام لأن الاعتداء على مراكز واقعية معرف بها قانوناً تعكير للأمن والنظام. والحيازة حالة واقعية يحميها القانون. فعلى من يدعي حقاً ضد الحائز، ولو كان فعلاً صاحب الحق، أن يلجأ الى القضاء ويطالب بحقه بدلاً من اقتضائه بنفسه . فلا يجوز اغتصاب الحقوق بالقوة ولو كان من يغتصبها هو في حقيقة الأمر صاحبها ، وإلا سادت الفوضى في المجتمع .
ولذا فإن المشرع يضفي حمايته على الحيازة ، فتختص السلطة الادارية ، وخاصة أجهزة الأمن بوقف اي عدوان حال على الحيازة. هذا فضلاً عن تنظيم حماية القضاء للحيازة حماية موضوعية عن طريق الالتجاء إلى أي من دعاوى الحيازة الثلاث . وحماية وقتية عن طريق النيابة العامة .
- حماية الحيازة وقتياً بقرار من النيابة العامة -
تنص المادة 44 مكرر مرافعات على أنه " يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة، مدنية كانت أو جنائية، أن تصدر فيها قراراً وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، ويصدر القرار المشار إليه من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل . وعلى النيابة العامة اعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره . وفي جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة ، بدعوى ترفع بالاجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم اعلانه بالقرار، ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في التظلم "
ومؤدي هذ النص، ونتيجة للتزايد المتتابع في منازعات الحيازة ، أنه في حالة ما إذا قام النزاع على الحيازة بين الخصوم وعرض على النيابة العامة، فإنه يتعين عليها أن تصدر فيه قراراً وقتياً مسبباً . وسلطة النيابة هنا لا تمس بأصل الحق وتهدف فقط إلى فض اشكال سريع في منازعة حيازة بإجراءات بسيطة ميسرة .
ويتعين علينا الآن أن نتعرض لنطاق هذه الصورة للحماية الوقتية وشروطها، فالتظلم من القرار الصادر وأخيراً لطبيعة هذه الحماية .
- نطاق الحماية الوقتية للحيازة وشروطها -
التنظيم الجديد للحماية الوقتية للحيازة جعل اختصاص النيابة العامة في منازعات الحيازة شاملاً. وذلك يظهر من نص المادة 44 مكرر بأنه يجب على النيابة العامة متى عرضتعليها منازعة من منازعات الحيازة مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قراراً وقتياً .
ومن ناحية أخرى ، فإن الفقة يرى أن عمومية النص تجعله يمتد لحماية حيازة المنقول ولا يقتصر على حماية حيازة العقار ، كما هو الحال في الدعاوى القضائية للحيازة أمام محكمة الموضوع. وهكذا تلتزم النيابة بإصدار قرار في أي نزاع على الحيازة، سواء شكل هذا النزاع جريمة أم كان مدنياً صرفاً، وسواء كانت الحيازة على عقار أم كانت على منقول. وعلى ذلك يتعين على النيابة أن تصدر قرارها في النزاع ، ولها الحق في إتخاذ القرار الذي تراه ملائما . فقد تأمر بحفظ الأوراق إذا لم يكن هناك ما يستأهل إتخاذ إجراء ما، أو بابقاء الحال على ما هو عليه إذا كان واضع اليد الفعلي عند الشكوى هو الحائز الجدير بالحماية، أو بتمكين الطرف الآخر من الحيازة.
ويشترط لصحة قرار النيابة ومنح الحماية الوقتية توافر أربعة شروط :-
أولاً : أن تكون المنازعة التي يصدر فيها القرار من منازعات الحيازة .
ثانياً : سماع أقوال أطراف النزاع وضبط وتحقيق الواقعة .
ثالثاً : أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل .
رابعاً : أن يكون قرار النيابة مسبباً تسبيباً كافياً .
الشرط الأول : أن تكون المنازعة التي يصدر فيها القرار من منازعات الحيازة :
والحيازة الجديرة بالحماية هنا هي مجرد الحيازة المادية الفعلية أي السيطرة المادية على الشئ قبل وقوع النزاع، متى كانت تلك السيطرة ظاهرة ، هادئه، مستمرة، لكن لا يلزم الاستمرار مدة سنة . وهذه الحيازة تكون جديرة بالحماية التي تبرر تدخل النيابة العامة بالاجراء الوقتي الملائم لهذه الحماية على نحو يمنع تعكير السكينة العامة والاخلال بالأمن .
الشرط الثاني : ضرورة سماع أقوال أطراف النزاع وضبط وتحقيق الواقعة :
ويجوز للنيابة ان تقوم بذلك بنفسها بواسطة أحد أعضائها أياً كانت درجته كما يجوز لها أن تندب له كله أو بعضه أحد لرجال الضبطية القضائية او التكليف به أو بإجراء منه أحد رجال الشرطة . كما يجوز لها أن تكتفي في ذلك بما يرد في محضر جمع الاستدلالات . ولا يعني شرط سماع الأطراف امتناع النيابة عن إصدار قرارها إذا امتنع أحدهم عن الادلاء بأقواله أو تغيب ، وإنما يعني حرصها على اعمال مبدأ المواجهة واخطار الأطراف بالمنازعة واتاحة الفرصة لهم للادلاء بأقوالهم .
الشرط الثالث : أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل :
فإن كانت النيابة الجزئية المختصة ليس بها عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة أرسلت الأوراق إلى النيابة الكلية لتصدر فيها القرار الذي تراه من رئيس النيابة . ولكن ليس ثمت ما يمنع أن تصدر القرار من عضو بدرجة أعلى . وإذا صدر القرار من عضو النيابة تقل درجته عن رئيس نيابة وقع القرار باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام ، ولا يصححه اعتماد من يجوز له اصدار القرار .
الشرط الرابع : أن يكون قرار النيابة مسبباً تسبيباً كافياً :
بمعنى أنه يتعين على النيابة العامة أن تبين الاسانيد التي ركنت اليها في إصدار القرار . والجوهري أن يكون التسبيب كافياً ينصب على مقطع النزاع من جهه وأن يتضمن من جهة أخرى ما يطمئن المطلع عليه الى أن مصدر القرار لم يصدره إلا بعد الاطلاع على الاوراق والالمام بما تضمنته من طلبات ودفوع ودفاع وانه استخلص ما انتهى اليه من واقع الاوراق والادلة المقدمة فيها .
- التظلم من قرار النيابة -
لا يخضع قرار النيابة العامة للتبعية التدرجية التي تحكم قرارات أعضاء النيابة . وبالتالي لا يجوز التظلم من القرار الى جهة رئاسية بالنسبة الى من أصدره كالمحام العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام ا, النائب العام حسب الأحوال . ولكن هذا لا يعني عدم جواز التظلم من قرار النيابة العامة في الحيازة ، بل هو جائز لكن أمام قاضي الأمور المستعجلة على سبل الانفراد.
وهكذا فإن القاضي المختص بنظر التظلم من قرار النيابة في الحيازة، هو القاضي المختص بالأمور المستعجلة وفقاً للقواعد العامة . وهو قاضي الأمور المستعجلة داخل المدينة التي بها مقر المحكمة الابتدائية أو القاضي الجزئي خارج هذه المدينة وهو اختصاص انفرادي قاصر عليه لا يشاركه فيه غيره فلا ينظره قاضي التنفيذ أو المحكمة الادارية .
ويرفع التظلم بالاجراءات المعتادة لرفع الدعاوى المنصوص عيها في المادة 63 مرافعات . ويخضع في نظره للاجراءات التي تخضع لها الدعاوى المستعجلة .
وقد حدد المشرع الميعاد الذي يتعين رفع التظلم في خلاله بخمسة عشر يوماً من تاريخ اعلان القرار الى المتظلم حيث أنه على النيابلة خلال ثلاثة أيام من اصدار قرارها باعلانه الى ذوي الشأن ، وهو ميعاد تنظيمي لا يترتب على مخالفته اي بطلان . ويتم الاعلان وفقاً للقواعد العامة فيس قانون المرافعات . فإذا لم يتم الاعلان او تم على نحو غير صحيح فيظل له حق التظلم . الا أن ذلك لا يمنع التظلم من القرار بمجرد صدوره وقبل اعلانه .
ومجرد تقديم التظلم الى قاضي الأمور المستعجلة لا يرتب اي اثر بالنسبة لتنفيذه. ولكن يجوز للمتظلم أ، يطلب من القاضي المستعجل وقف تنفيذ قرار النيابة العامة لحين الفصل في التظلم من قرارها . ويكون ذلك بصفة أصلية بتضمين طلبه صحيفة التظلم أو في صورة طلب عارض يبديه اثناء نظر الطلب .
ويفصل القاضي المستعجل في التظلم او بقبوله والغاء القرار محل التظلم أو تعديله وفقاً لما يراه محققاً لحماية الحائز ، كما يجوز له رفض التظلم وتأييد قرار النيابة العامة .
يتبع .. انتظروا الجزء الثالث