بعد الرحيل
أشرت الى إحدى سيارات ( تاكسى ا لأنفار ) حسبما يطلق عليه أهل مدينتى المكتظة بالسكان وحيث من الصعوبة بمكان أن تجد سيارة أجرة خاوية الزبائن , ففى مدينتى حالة من الفوضى العامة وفى كل شىء حتى فى قواعد المرور التى شطبت منها كلمة ( آداب ) , وفى مدينتى ينتقى جبابرة التاكسى زبائنهم وأماكن توصيلهم وقرارهم نهائى لا تعقيب عليه , المهم , صعدت الى التاكسى بجوار السائق فالأريكة الخلفية مشغولة بسيدة يكسوها السواد ( فستان أسود وإيشارب أسود ونظارة سوداء تغطى عينيها ) وما أن أستويت على المقعد بعد الوقوف لأكثر من ساعة فى الشارع سمعت السيدة تلقى علىً السلام من خلف نظارتها التى تحجب ملامحها فرددت عليها التحية دون أن أنظر خلفى ثم دار بيننا الحديث التالى :
هى : إزيك يا أستاذ / .......
أنا : الله يسلمك .. من حضرتك ؟
هى : ( وهى تزيح النظارة من على عينيها ) حضرتك مش عارفنى ؟
أنا : ( وبعد أن عرفتها ) .. آسف .. أزيك يا مدام / ...وإزى الأستاذ / .....؟
ملحوظة : الأستاذ المعنى هو محامى زميل قديم شهد له الجميع بدماثة
الخلق وطيب المعشر والأخلاق إضافة الى كفاءته المهنية والعلمية
هى: ( بأستغراب شديد ) : حضرتك ماتعرفش ؟
أنا : أعرف إيه ؟
هى : ماتعرفش أن الأستاذ توفى إلى رحمة الله تعالى فى حادث سيارة وهو فى طريق عودته من القاهرة بعد حضور بعض قضاياه وللأسف قيد الحادث ضد مجهول ؟
أنا : والله ما أعرف .. البقية فى حياتك وإنا لله وإنا إليه راجعون
هى : حياتك الباقية وحانعمل إيه قدر الله وما شاء فعل
أنا : وايه أخباركم بعد الوفاة ؟
هى : والله أخبارنا لا تسر عدو ولا حبيب , نقابة المحامين قررت لنا معاش مايكفى حتى مواصلات الأولاد للمدارس والجامعات ( 230 جنيه ) ولولا أننى تركت سكنى وإنتقلت وأولادى للأقامة مع أسرتى لكنت تسولت فى الشوارع
أنا : لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم , اللهم ألطف بعبادك ..
هى : عندى بنتين على وش جواز .. وولد فى ثانية طب وبيشتغل فى محل كمبيوتر بالليل أهو بيساعد باللى يقدر عليه ..
أنا : وليه ما ترفعيش تظلم للنقابة العامة وتشرحى الظروف ؟
هى : والله رحت ياخويا وماحدش عبرنى ورجعت على ملا وشى .. وأنا الأن رايحة النقابة الفرعية أشوف حا يعملوا إيه معانا .. وبقالى 10 شهور على الحال ده .. تعبت والله .
نزلت السيدة الكريمة من السيارة فى إتجاه النقابة الفرعية وأنا فى غاية الحرج والدهشة والغيظ , وإنتابنى شعور كئيب نحو المتشدقين بالشعارات والواعدين بالأمانى ومكافآت الدفعة الواحدة وغيرها ... الأن أحمد الله على أننى حى أرزق حتى لا يتسول أولادى من بعدى بمعاش لا يكفيهم سد الرمق فأن مت فالله أولى بهم وليست النقابة ... من هنا أناشدكم إخوانى وأخواتى فى منتدانا الموقر : من يتق الله فى أرامل زملائكم الراحلين غيركم ؟ لماذا لا يقدر المعاش بالظروف الخاصة بكل حالة على حده ؟ وهل تكف التقديرات الحالية للمعاش حاجة الأسر المتعففة فى ظل المناخ الأقتصادى التعيس و الأرتفاعات الجنونية فى الأسعار ؟ أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم ( أبو فواز )
Type the title here
Type the text here