أسامة عدد المشاركات >> 17 التاريخ >> 22/9/2002
|
الزملاء الأعزاء
إستدراك لما قد فاتنا فى هذا الموضوع الهام ، نضيف هذا الجزء كتكملة للموضوع السابق :
حجية البصمة الجينية فى الإثبات الجنائى
لعبت البصمة الجينية دوراً كبيراً فى إثبات الاتهام الجنائى عن طريق الوصول إلى الجانى الحقيقى من خلال تحليل أثار الدماء أو السائل المنوى أو أى خلية بشرية يتم العثور عليها على مسرح الجريمة ، فبفضل تحليل الحامض النووى أمكن التعرف على شخصية الجانى فى كثير من الجرائم وخاصة الاغتصاب أو هتك العرض عن طريق فحص البصمة الجينية المستمدة من منى المتهم العالق بالمجنى عليها ، والبصمة الخاصة بالمشتبه فيه ، وإثبات أنهما لشخص واحد هو الذى ارتكب الجريمة.()
وأدخلت البصمة الوراثية لأول مرة فى مصر – على حد علمنا – فى المحاكم الجنائية لتستخدم كدليل فى تحديد هوية المجنى عليه فى جريمة قتل . وتتلخص وقائع هذه القضية() ، فى ارتكاب جريمة قتل شخص ثم إشعال النار فيه فى إحدى المناطق الصحراوية ، وقد دلت تحريات الشرطة إلى تحديد مكان الواقعة ، إلا أنه لم يعثر فيه على ثمة عظام أو أشلاء لأنسجة آدمية . ومع ذلك تمكن خبراء الطب الشرعى من الحصول على كمية من الرمال التى توجد بها أثار دماء من محل الواقعة ، وأجروا عليها تحليل DNA بطريقة PCR () ، بهدف التعرف عما إذا كانت هذه العينة من الدماء تخص المجنى عليه من عدمه ، وتم بالفعل استخراج الحامض النووى ، ولكن نظراً لقلة كميته فقد تعذر فنياً استكمال باقى أبحاث الحامض النووى ، وإن كانوا قد توصلوا بالفعل إلى أن الدماء من جسم أدمى .()
كما استخدمت تقنية تحليل DNA بأخذ عينات دم من أقارب ضحايا الطائرة المصرية ، التى سقطت بالقرب من شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999 ، وذلك للتعرف على أشلاء هؤلاء الضحايا من خلال مضاهاة الصفات الوراثية للدم والأسنان وشعر الرأس .()
حجية البصمة الجينية فى القانون المقارن :
لقد تم استخدام البصمة الجينية لأول مرة فى قضية Pitchfork بالمملكة المتحدة ، فبفضل أثار لسوائل الجسم الحيوية المأخوذة من أجسام المجنى عليهم قضى بإدانة المتهم . وفى فرنسا تم التعرف على شخصية الجانى الذى اغتصب ( طالبتان أمريكيتان ) عن طريق الجينات الوراثية بعد تحليل بعض أثار الجريمة ، وخاصة السائل المنوى . وفى إنجلترا حكم بالسجن ثمانى سنوات على المتهمROBERT Melas - 22 سنة – لارتكابه جريمة اغتصاب وقعت على معوقة ، وذلك بعد أن أثبت التحليل الجينى للسائل المنوى المأخوذ من على جسد المجنى عليها أنه يخص هذا الجانى ، بالإضافة إلى تطابق تحاليل أثار الدماء من على مسرح الجريمة مع فصيلته . ()
كما استخدمت هذه التقنية بالفعل فى مجال التعرف على الجثث مجهولة الهوية ، خاصة فى حالات الكوارث الجماعية البرية والجوية . حيث أجريت فى فرنسا الاختبارات الجينية للتعرف على شخصية ركاب طائرة Airbus والبالغ عددهم 320 راكباً والتى سقطت بالقرب من استراسبورج فى 20 يناير سنة 1992 .()
ولقد استخدمت بعض التشريعات الأوربية البصمة الوراثية فى التعرف على شخصية الجناة على النحو التالى: ـ
1- التشريع الدانمركى يسمح بإجراء تحليل جينى للمتهم الذى توجد دلائل قوية على ارتكابه جريمة معاقب عليها بالحبس مدة تصل إلى 18 شهر أو أكثر ، فيجوز أخذ عينة أو خلية من جسم المتهم إذا كان لذلك أهمية فى التحقيق الجنائى ، ولكن لا يجوز أخذ العينة إلا بناء على قرار مسبب من القاضى ، ويتم الفحص بمعرفة طبيب والذى يقرر ما إذا كان التدخل مسموح به طبياً أم لا .
2- أما القانون الألمانى فيأخذ بإمكانية إخضاع المتهم لفحص شخصى بناء على قرار من القاضى ، إذا كانت هناك دلائل قوية على ارتكابه الجريمة ، وبالتالى فإن هذه الاختبارات لا تحتاج لتنفيذها رضاء المتهم ، بل قد تتم قهراً إذا استدعى الأمر ذلك ، وتشمل الاختبارات الجسدية كل العمليات الطبية التى من شأنها إثبات أو نفى الاتهام ، فيشمل العمليات التقليدية من سحب مشتقات الجسم المتجددة أو استقطاع بعض الأنسجة ، أما بالنسبة لتحليل الحامض النووى D.N.A فمن المستقر عليه فقهاً هو دخول هذا النوع من التحليل فى مدلول المادة 81/أ من قانون الإجراءات الجنائية الألمانى ، رغم أن هذا النص كان قد وضع عام 1933 ، أى قبل أن تعرف إمكانيات تحليل الحامض النووى .
وقد اقترحت لجنة تقصى الحقائق الألمانية وضع قاعدة تشريعية خاصة باستخدام تحليل الحامض النووى فى الإثبات الجنائى تحسباً لإساءة استعماله ، فاقترحت الأتى:
1- ألا تتم هذه التحاليل إلا بإذن قضائى مسبب .
2- أن تتم هذه التحاليل على خلايا وأنسجة جسم المتهم .
3- أن يكون هذا التحليل ضرورى لحسم الدعوى .
4- أن تتم هذه التحاليل فى مختبرات مصلحة الطب الشرعى (البوليس العلمى) .
3- أما القانون الأيرلندى فيسمح بإثبات الاتهام عن طريق تحليل بعض عينات الجسد ( الدم أو البول أو اللعاب فقط ) وذلك فى الجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى أو التى يعاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات على الأقل .
على أنه لا يجوز إجبار المتهم على الخضوع للفحوص الطبية ، فيجب أن يعطى موافقة كتابية على قبوله الخضوع لهذا الاختبار ، وإذا رفض المتهم التعاون فمن سلطة القاضى أن يستنتج أنه مذنب ، وله سلطة التقدير فى هذا الصدد .
4- أما القانون النرويجى الصادر فى أول يناير سنة 1986 فيأخذ بنظام الفحص الشخصى الذى يتم بناء على قرار من القاضى ـ أو من النائب العام ـ فى حالة الاستعجال ، إذا رفض المتهم المثول طواعية ، وذلك على أن يتم الفحص بمعرفة أطباء متخصصين .
5- وفى إنجلترا يتضمن قانون الشرطة والدليل الجنائى لسنة 1984 إجراء الفحص الطبى الشرعى على عينات من شخص المتهم ، بشرط موافقته كتابة على ذلك ، وفيما عدا البول واللعاب لا يجوز أخذ العينة إلا بمعرفة طبيب ، وفى حالة رفض المتهم المثول للاختبار الشخصى يتم إخطاره بأن هذا الرفض يعد بمثابة دليل إثبات .
6- وفى اسكتلندا صدر قانون يجيز إكراه المشتبه فى ارتكابه الجريمة على الخضوع لأخذ عينة من جسمه .
7- أما القانون السويدى فيجيز إجراء فحص شخصى لاختبار الحامض النووى ، ولكن يجب أن يصدر قرار الفحص من النائب العام أو من القاضى ، وفى حالة أخذ عينة من الدم فلا يجوز أن يقوم به إلا أحد الأطباء .
8- أما المشرع الهولندى ، فقد أعد مشروع قانون فى 2 ديسمبر سنة 1992 نظم فيه شروط اللجوء لتحليل الحامض النووى D.N.A وإجراءاته وضمانات عدم إساءة استخدام النتائج التى يسفر عنها ، وذلك على النحو التالى : ـ
- لا يتم تعيين خبير لاختبار الحامض النووى لتحديد الهوية إلا بقرار من قاضى التحقيق .
- يجب على قاضى التحقيق أن يحيط المتهم علماً ، بإخطاره كتابة بالساعة والمعمل الذى سيجرى فيه الاختبار ، كما يجب إخطاره بالنتيجة التى أسفر عنها .
- يمكن للمتهم أو محاميه أو خبير استشارى من جانبه أن يحضر الاختبار (المادة 195أ/1،2 من قانون الإجراءات الجنائية) .
- يحق للمتهم خلال الخمسة عشر يوم التالية لإعلان نتيجة الاختبار أن يطلب من قاضى التحقيق ندب خبير أخر لإعادة الفحص أو الاختبار ( المادة 195 ب من قانون الإجراءات الجنائية ) . وفى حالة عدم وجود خلية كافية لإجراء الاختبار الثانى يحق للمتهم أن يختار خبيراً يعمل بإحدى المعامل المعترف بها قانوناً لإجراء الاختبار . والفرض فى هذه الحالة أن المتهم وافق على أن تأخذ منه عينة الدم اللازمة لإجراء اختبار تحديد الهوية أو تقديم التقرير الاستشارى . وفى حالة رفضه يجوز للقاضى أن يصدر أمرا بإخضاعه لأخذ عينة الدم بمعرفة أحد الأطباء ، والذى له أن يستعين بالشرطة إذا لزم الأمر (المادة 195 ف/4،6 من قانون الإجراءات الجنائية) ويجب أن يكون قرار القاضى مسببا وأن يخطر به المتهم ، مع ملاحظة أن القاضى لا يمكنه إصدار مثل هذا القرار إلا إذا تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية لمدة ثمانى سنوات أو أكثر ، أو كانت هناك دلائل قوية على ارتكاب إحدى جرائم العنف التى يعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية لمدة ست سنوات . وفى كل الأحوال لا يجوز إخضاع المتهم لتحليل الحامض النووىD.N.A إلا إذا كان لازماً للبحث عن الحقيقة ( المادة 195 هـ/3،2،1 من قانون الإجراءات الجنائية ) .
- وإذا كان دم الشخص الخاضع للفحص غير صالح من الناحية الطبية يمكن للقاضى أن يأمر بأخذ عينة من الغشاء المخاطى لغدة الفم أو من الشعر أو من أى خلية أخرى من الجسم ( المادة 195 هـ/7،5 من قانون الإجراءات الجنائية ) .
- يجوز للمتهم أن يستأنف قرار قاضى التحقيق بالخضوع الإجبارى للفحص خلال الخمسة عشر يوم التالية لإعلانه بالقرار ، وتفصل فى الاستئناف المحكمة التى تختص بمحاكمته ، ويترتب على الاستئناف وقف تنفيذ القرار مؤقتا لحين الفصل فيه ( المادة 195/5 من قانون الإجراءات الجنائية ) .
- يتم إعدام المادة المأخوذة من جسم المتهم بعد الانتهاء تماماً من عملية الفحوص وظهور النتيجة ( المادة 195 أ/4 من قانون الإجراءات الجنائية ).
- وبذلك يكون المشرع الهولندى قدم ضمانات كافية لإجراء اختبار تحليل الحامض النووى ، بما لا يكون هناك مجال لأى اعتراض قانونى على هذا الاختبار .
9- موقف المجلس الأوربى من استخدام الحامض النووى فى الإثبات الجنائى :
نظرا لاحتمال تعارض التشريعات الأوربية فيما يتعلق بإمكانية استخدام الحامض النووى فى مجال الإثبات الجنائى ، فقد أصدر المجلس الأوربى التوصية رقم 1-92 R بناء على اقتراح لجنة وزراء الدول الأعضاء فى 22 فبراير سنة 1991 أخذاً فى اعتباره الموازنة بين مقتضيات تحقيق العدالة الجنائية والحقوق والحريات الشخصية للمتهم . وسوف نسرد فيما يلى أهم المبادئ التى تضمنتها هذه التوصية :
المبدأ الثالث : عدم استخدام تقنية تحليل الحامض النووى إلا فى غرض البحث الجنائى ، أى لإثبات أو نفى الاتهام ، وفى حدود الأشخاص المطلعين بأمر التحقيق فحسب ، وبناء على ترخيص من المشرع الوطنى . ولا تستعمل العينات التى تؤخذ من جسد شخص المتهم فى أى غرض أخر ( علمى أو تجريبى ) إلا بعد طمس كل المعلومات التى من شأنها الكشف عن هوية صاحب العينة ( المتهم ) .
المبدأ الرابع : لا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا بإذن من السلطة المختصة بالتحقيق ، وذلك فى حالة رفض المتهم استقطاع هذه الأنسجة من جسمه أو الحصول على العينة.
المبدأ الخامس : ألا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا فى نطاق الجرائم التى على درجة معينة من الخطورة الإجرامية ، وأن ينص القانون على هذه الجرائم .
المبدأ السادس : يجب إجراء هذه التحليل فى معامل طبية تابعة لوزارة العدل أو حاصلة على ترخيص بذلك .
المبدأ السابع : يجب أن يتم تحليل الحامض النووى فى نطاق احترام التوصيات والقواعد التى أقرها المجلس الأوربى والمتعلقة باحترام وحماية المعلومات ذات الطبيعة الشخصية فى قطاع البوليس .
المبدأ الثامن : فيما يتعلق بحفظ العينات والأنسجة المستقطعة والمعلومات المتحصلة منها ، فقد أقرت التوصية ضرورة التخلص منها ، طالما صدر قرار نهائى فيها . وكذلك الحال بالنسبة للمعلومات المتحصلة من التحليل فإنه يجب محوها والتخلص منها إذا لم تعد لها أهمية فى الدعوى ، ويمكن الاستمرار فى حفظها إذا أظهرت النتائج إدانة المتهم صاحبها فى جريمة خطيرة من جرائم الاعتداء على الأشخاص ، ولكن يجب على المشرع الوطنى – فى جميع الأحوال – أن يحدد المدد القصوى لهذا الحفظ .
وفى جميع الأحوال يمكن الاحتفاظ بهذه العينات أو الأنسجة أو المعلومات المتحصلة منها لمدد أخرى فى الحالات الآتية :
1- إذا طلب الشخص المعنى استمرار الحفظ .
2- إذا كانت هذه العينات أو الأنسجة لا تخص أحد ، كما إذا تم رفعها من على مسرح الجريمة .
وإذا كان أمن الدولة مهدد ، فللمشرع الوطنى أن يمد أجل هذا الحفظ سواء بالنسبة للعينات أو الأنسجة ، وسواء بالنسبة للنتائج أو المعلومات حتى ولو كان الشخص الذى أخذت منه العينات غير مذنب ولم يعاقب ، على أن يحدد المشرع الوطنى أجل معين لذلك .
المبدأ التاسع ( تكافؤ الوسائل ) : على الدول الأعضاء ضمان استعمال نتائج هذه التحاليل كوسائل إثبات مقبولة أمام القضاء سواء للإدعاء أو للدفاع عن المتهم ، وأن تمكن الدفاع بنفس الوسيلة من استعمال هذه النتائج دائماً مع السهر على عدم الإخلال بحقوق الدفاع ، حتى ولو كانت النتائج المهيأة محدودة ومقيدة . وعلى الدول أعضاء المجلس أن تتعاون لتوفيق تشريعاتها مع بعضها البعض فى هذا الصدد ، كما يمكن إلزام بعض المعامل فى الدول المختلفة بالتعاون فيما بينها سواء فى المجال التقنى أو فى الرقابة على النتائج .
المبدأ العاشر : تبادل المعلومات بين الدول : يمكن طلب القيام ببعض التحاليل من معامل أو معاهد متخصصة فى ذلك فى دول أخرى غير دولة الواقعة وذلك لحاجة التحقيق الجنائى فى قضية ما ، بشرط أن يكون هذا المعمل أو المعهد قد استوفى سلفا الشروط المنصوص عليها فى هذه التوصية . أما نقل المعلومات ونتائج التحاليل فلا يكون إلا بين الدول التى توفق تشريعاتها مع هذه التوصية ، وبشرط احترام القواعد المتفق عليها فى المعاهدات الدولية السارية فى شأن تبادل المعلومات فى المسائل الجنائية ، بالإضافة إلى احترام الأحكام المنصوص عليها فى المادة 12 من اتفاقية حماية المعلومات .()
|