القضاء الرادع
في واقعة أحسبها تمثل بكل ملابستها وظروفها من نوادر ما قد نصادفه من قضايا ، تم إنهاء وطي صفحة الدعوى التي شغلت حيزاً ليس بقليل من الجدل الدائر بين الزملاء محامي دوائر محكمة الكيت الكات ، وذلك بعد أن تم إنهاء الدعوى بحكم عرفي صادر عن مجلس قضاء عرفي ارتضاه الطرفان .
.. حقاً كانت أشبه بأمسية جميلة تمتعت فيها العين بمشهد ( مجلس قضاء ) أشبه بمجلس قضاء عصر الإسلام الأول ، مجلس يصعب فيه الخداع كما تصعب فيه المماطلة أو التسويف يُسمع فيه الطرفان أو الخصمان أمام مرأى ومسمع كل الناس حيث يعلم الكل ويسمع الكل ويعرف الكل الكل ؛ فلا مكان للكذب أو التبرير أو التمسح في الشرعية الإجرائية أو التعمق في إجراءات القبض وما تلاها من إجراءات .
الأمر يدور في فلك واحد
من فعل ؟
ماذا فعل ؟
لما فعل ؟
ما الضرر ؟
وأخيراً ما الحكم ؟
ولا مجال للطعن أو الرفض أو التأجيل فالحكم واجب النفاذ حالاً .
أسسف على الإطالة في المقدمة ولكنها نشوة الفرحة والاعتزاز بأنه ما زال هناك أمل .
ــ بدأت أحداث الدعوى التي باشرها وكيلاً عن المجني عليها كل من الأساتذة / إبراهيم عمران و ممدوح الماحي المحاميان
شكوى قدمت من والد فتاه بإحدى كليات القمة بورود تليفونات مزعجة وعلى مدار السنة والنصف وفي أوقات متأخرة من الليل وبخاصة أيام امتحانات أبنته يطلب فيها المتصل الابنة ويريد التحدث معها
حاول الأب جاهدا كتمان الأمر حرصاً على سمعته وسمعة ابنته إلى أن فاض كيله فتقدم بالبلاغ والذي تبين بعد مراقبة مدة طويلة للتليفونات أن وراء الأمر برمته زميل لها بالكلية ومن ذات البلدة وتربط والده بوالدها زمالة عمل وصداقة لعشرات السنين وبحيث لم يكن هو المتصل وإنما دخل باسمها إلى المواقع الإباحية زاعماً أنه فتاه وراسل الآخرين على أنه هو هي ويتلوا ذلك إعطاؤه رقم تليفونها للآخرين إذا ما أرادوا الحديث معها في الأمور الإباحية وهكذا
تمت عملية المراقبة والمراسلة من المباحث للجاني شهوراً إلى أن تأكد أنه الفاعل بإرساله صوراً إباحية لفتيات عاهرات ثم يضع عليها اسم وتليفون المجني عليها .
تمت عملية القبض عليه بمنزله وضبط جهاز الكمبيوتر المستعمل في الواقعة ـ وبالمناسبة لا يوجد بمنزل المجني عليها أية أجهزة كمبيوتر ـ
تداولت الدعوى ولأكثر من جلسة إلى أن قضي فيها حضوري توكيل للمتهم
بحبس المتهم ثلاث سنوات وكفالة خمسون ألف جنيه ، وقد استأنف المتهم بوكيل عنه دون دفع الكفالة ومحدد لنظر الدعوى جلسة بعد اقل من شهر من الآن
وفقط بالأمس الجمعة 2/2/2007م وبتدخل الكثيرين وبعد عناء مرير وافق أهل المجني عليها على الجلوس لجلس تحكيم عرفي وهو ما نوهت عنه بالمقدمة وبحضور جمع غفير من أهل البلدة وممن دُعو من خارجها ، استمعت لجنة التحكيم إلى أقوال والد المجني عليها تلاه تعقيب من ممثل عائلة الجاني أقتصر على الإقرار ـ بشجاعة رائعة ـ بصحة الواقعة وثبوت الخطأ في جانبهم وارتضاؤهم بكل ما تره لجنة التحكيم وما يرضي أهل المجني عليها
قامت اللجنة للتداول قرابة الساعة ؛ قدم خلالها بالحفل كلمات لكبار البلدة و وشيوخها وضيوفها دارت معظمها عن الأخلاق والحق والعفو وتربية الأبناء ، إلى أن خرجت اللجنة علينا بالرأي التالي .
"" ارتأت اللجنة وبعد موافقة الطرفين مسبقاً على حكمها وبشرط جزائي على من يرفضه 500000ج ( خمسمائة ألف جنيه )
"" رأت اللجنة تغريم أهل الجاني مبلغ وقده 350000 جنيه تم رفع خمسون ألف منها لشجاعة ممثل العائلة في الاعتراف بالخطأ ، ورفعت خمسون ألف أخرى لخاطر وإعزاز لجنة التحكيم بحيث صار المبلغ النهائي قدره 250000ج ( مائتان وخمسون ألف جنيه تدفع من أهل الجاني لأهل لوالد المجني عليها حالاً .
انتهى الحفل وتمت المصالحة وجبر خاطر المضرور نسبياً ، وعوقب الجاني بقدر ما رأته اللجنة وأجتمع الكل على دعوة غذاء من أهل المجني عليها في النهاية متبادلين المصافحة والتعليقات ، كان أبرزها ما قاله لي شاب بعد المصالحة ( توبة إن عاكست واحدة بعد النهاردة )