الشروط الاساسية لافتتاح الافلاس
تنص المادة 489 من قانون التجارة اللبناني انه يعتبر في حالة افلاس كل تاجر يتوقف عن دفع ديونه التجارية وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به الا بوسائل يظهر بجلاء انها غير مشروعة: Est en état de faillite tout commerçant qui cesse ses paiements de dettes commerciales ou qui ne soutient son crédit que par des moyens manifestement illicites.
وتنص المادة 490 من القانون عينه على ان: «يعلن الافلاس بمقتضى حكم من المحكمة الابتدائية الموجودة في منطقتها المؤسسة التجارية الاصلية».
يستنتج من هذين النصين انه يشترط لاعلان الافلاس:
ـ ان يكون المديون تاجراً.
ـ وان يتوقف عن دفع ديونه التجارية.
ـ وان اعلان الافلاس يتم من قبل القضاء.
وعلى ذلك يمكن القول منذ الآن انه اذا عمد المديون الى تسديد ديونه التجارية قبل صدور الحكم باعلان افلاسه فان التوقف عن الدفع يزول ويمتنع على المحكمة اعلان الافلاس.
القسم الأول - الصفة التجارية
الافلاس في القانون اللبناني هو نظام مقصور على التجار وحدهم. فاذا كان المديون غير تاجر، فلا سبيل الى اعلان افلاسه انما يعتبر في حالة اعسار déconfiture وهي حالة اهمل شأنها المشترع اللبناني.
فيترتب على المحكمة الناظرة بدعوى الافلاس ان تتحقق بادئ ذي بدء من صفة المطلوب اعلان افلاسه التجارية.
وتنص المادة 9 فقرة 1 تجاري على ان التجار هم أولاً الاشخاص الذين تكون مهنتهم القيام باعمال تجارية، وثانياً الشركات التي يكون موضوعها تجارياً.
على ان المادة 9 فقرة 2 تجاري تقضي بأن الشركة التي يكون موضوعها مدنيا ولكنها اتخذت شكل شركات المساهمة او شركات التوصية المساهمة تخضع ايضا لاحكام الافلاس والصلح الواقي، رغم انها لا تكتسب صفة التاجر قانوناً.
ويستفاد من ذلك ان نظام الافلاس ينطبق على التجار الافراد، والشركات التجارية، والشركات المدنية المتخذة شكل شركات المساهمة وشركات التوصية المساهمة، وكذلك الشركات المدنية المتخذة شكل الشركات المحدودة المسؤولية.
تنص المادة 9 من قانون التجارة اللبناني على ما يلي: التجار هم:
1) الاشخاص الذين تكون مهنتهم القيام باعمال تجارية.
2) الشركات التي يكون موضوعها تجارياً.
يستفاد من هذا النص ان هناك شروطاً ثلاثة لتوفر الصفة التجارية:
اولاً ـ القيام باعمال تجارية.
ثانياً ـ اتخاذ التجارة مهنة.
ثالثاً ـ مزاولة التجارة بالاسم الخاص.
وهناك شرط رابع من الواجب توافره ايضا وهو التمتع بالاهلية اللازمة لتعاطي التجارة.
اولاً: القيام باعمال تجارية:
كان يعتبر تاجرا في الماضي كل شخص تسجل في سجل نقابة التجار حتى ولو لم يتعاط التجارة بصورة فعلية. اما اليوم فان القيد في سجل التجارة لا يكفي لمنح الشخص صفة التاجر بل انه يشكل فقط قرينة بسيطة على كون صاحب القيد تاجرا، وهذه القرينة تنتفي باثبات ان صاحب القيد المذكور لم يتعاط اعمالا تجارية توليه صفة التاجر، وذلك لانه لا يعود للمرء ان يولي نفسه صفة التاجر من تلقاء ارادته(1).
وبالعكس فان عدم وجود قيد لشخص ما في سجل التجارة لا يكفي لنفي الصفة التجارية عنه ولا يحول دون اعلان افلاسه اذا كان يتعاطى التجارة فعلاً.
________________
(1)
Escarra, manuel no 194 et 197 - Ripert, duraud et Roblot - traité élém. Drt. Com. 4ème éd. no 200.
ثانياً: اتخاذ التجارة مهنة:
لا تكتسب الصفة التجارية الا اذا كان الشخص يقوم باعمال تجارية بصورة اعتيادية مستمرة ومتتابعة بشكل ان تعتبر مهنة له واحترافاً. ويقول العلامة اسكارا بهذا الصدد:
C'est la répétiton professionnelle de tels actes qui crée un commerçant} (Escarra no 140).
كما اننا نجد في مؤلف دالوز هذه الملاحظة:
Cette condition (profession) implique en premier lieu la répétition habituelle d'actes de commerce: un ou plusieurs actes ne donneraien pas la qualité de commerçant à leur auteur (Précis Dalloz no 49).
ولكن ليس من الواجب ان تكون المهنة التجارية مهنة الشخص الوحيدة او الاصلية: فاذا قام موظف او طبيب او محام في اوقات فراغه بالاعمال التجارية بصورة اعتيادية فتكون له مهنتان: مهنته الاصلية والتجارية، ويجوز اعلان افلاسه.
ثالثاً: مزاولة التجارة بالاسم الخاص:
لكي يعتبر المرء تاجراً يجب ان يقوم بالتجارة باسمه الخاص ولحسابه الخاص. وهكذا لا يمكن اعلان افلاس المستخدم وان علت رتبته لانه يتعاقد باسم ولمصلحة رب العمل، ولا يمكن اعلان افلاس ربان السفينة الذي يقوم باعمال تجارية باسم ولحساب المجهز ولا مديري واعضاء مجالس الادارة في الشركات المساهمة لانهم وكلاء فقط.
اما الوسطاء والسماسرة: فانهم يعتبرون تجاراً ويمكن اعلان افلاسهم لانهم يقومون باعمال الوساطة او السمسرة باسمهم الخاص ولانهم يتمتعون بالاستقلال في عملهم.
واذا كان المرء يتعاطى التجارة باسمه ولكن لمصلحة شخص اخر فانه يمكن اعلان افلاسه اذا كان الغير الذين يتعاملون معه يجهلون صفة كونه وكيلاً، وكذلك يمكن اعلان افلاس الشخص الذي يتعاطى التجارة تحت اسم مستعار وفي هكذا حالة يمكن ان يعلن افلاس صاحب الاسم المستعار ايضاً.
ـ ويلاحظ ان المشرع اللبناني يعفي صغار التجار «الذين يتعاطون تجارة صغيرة او حرفة بسيطة ذات نفقات عامة زهيدة كالبائع الطواف او البائع بالمياومة او الذين يقومون بنقليات صغيرة على البر او سطح الماء» من الالتزام بمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجارة بمقتضى نص المادة 10 تجاري. ولكن الاعفاء الذي نصت عليه هذه المادة لا تتناول احكام الافلاس؛ ومن ثم يجوز شهر افلاس هؤلاء التجار متى توقفوا عن دفع ديونهم التجارية.
ويجوز شهر افلاس الشركات التجارية (م 663 فقرة 1 تجاري)، وهي الشركات التي يكون موضوعها والغرض منها القيام باعمال تجارية (م 9 فقرة 1 تجاري).
ويؤدي افلاس شركة التضامن إلى افلاس جميع الشركاء فيها (م 53 تجاري). وعلى المحكمة ان تشهر في الحكم نفسه افلاس الشركة وافلاس الشركاء المتضامنين (م 665 فقرة 2 تجاري). وذلك لان الشركاء المتضامنين يكتسبون صفة التاجر ويسألون بصفة شخصية وبوجه التضامن عن ديون الشركة. وحينئذ تتعدد التفليسات فتوجد تفليسة للشركة، وتفليسة لكل واحد من الشركاء المتضامنين. على ان كل تفليسة منها تعتبر مستقلة قائمة ذاتها، لاختلاف اصول وخصوم كل منها. فتضم اصول تفليسة الشركة جميع اموال الشركة بما فيها حصص الشركاء. وتشمل اصول تفليسة الشريك اموال هذا الشريك الخاصة. اما فيما يتعلق بالخصوم فانه لما كانت اموال الشركة ضماناً خاصاً لدائنيها، فان تفليسة الشركة لا يدخل فيها الا دائنو الشركة دون الدائنين الشخصيين للشركاء.
على ان لدائني الشركة التقدم ايضاً في تفليسات الشركاء بسبب ما لهم من ضمان اضافي على اموال الشركاء الخاصة، ولا يكون لهم فيها مركز ممتاز، بل يتزاحمون فيها مع الدائنين الشخصيين للشركاء حتى يستوفوا حقوقهم.
وعلى المحكمة عند شهر افلاس شركة التضامن والشركاء المتضامنين ان «تعين مبدئياً منتدباً واحداً ووكيلاً للتفليسة وان تكن التفليسة متميزة بعضها عن بعض، وجماعات الدائنين فيها مختلفة القوام» (م 665 فقرة 2 تجاري).
واذا كان افلاس شركة التضامن يؤدي الى افلاس الشركاء المتضامنين، فان العكس غير صحيح. فافلاس احد الشركاء المتضامنين لدين خاص عليه لا يستتبع افلاس الشركة، لأن الشركة غير مسؤولة عن ديون الشركاء، ولأن الشركاء الآخرين قد يتمكنون من الوفاء بديونها. وانما يترتب على افلاس الشريك حل الشركة وانقضاؤها (م 910 من قانون الموجبات والعقود).
ولما كان الشريك المتضامن في شركة التوصية بنوعيها (البسيطة او المساهمة) يعد تاجراً ويسأل عن ديون الشركة، فان افلاس الشركة يستتبع افلاس الشريك المتضامن. اما الشريك الموصي فلا يشهر افلاسه تبعا لشهر افلاس الشركة، لانه لا يكتسب صفة التاجر ولا يسأل عن ديون الشركة بصفة شخصية.
ويجوز شهر افلاس شركة المساهمة او الشركاء المحدودة المسؤولية، على ان هذا الافلاس يقتصر على الشركة، ولا يتناول الشركاء لانهم لا يكتسبون صفة التاجر ولا يلتزمون بديون الشركة في اموالهم الخاصة.
واذا كان الافلاس يقتصر في الاصل على شركة المساهمة كشخص معنوي دون الشركاء فيها الا ان المشرع اللبناني قد أورد استثناءين على هذا الاصل هما:
- ان للمحكمة ان تقضي على رئيس مجلس ادارة شركة المساهمة بإسقاط الحقوق الملازمة للإفلاس اذا افلست الشركة، وكان افلاسها ناتجاً عن غشّ او اخطاء هامة في ادارة الشركة، ومن هذه الناحية وحدها يعد رئيس مجلس الادارة تاجرا (م 155 تجارة ).
- انه في حالة افلاس شركة المساهمة وظهور عجز في موجوداتها يحق للمحكمة بناء على طلب وكيل التفليسة او النيابة العامة او من تلقاء نفسها ان تقرر ان ديون الشركة يتحملها اعضاء مجلس الادارة او كل شخص سواهم موكل بإدارة اعمال الشركة او مراقبتها وتعين المحكمة المبالغ التي يكونون مسؤولين عنها وما اذا كانوا متضامنين في المسؤولية ام لا. ويجب عليهم لدفع هذه المسؤولية اقامة الدليل على انهم اعتنوا بادارة اعمال الشركة اعتناء الوكيل المأجور (م 167 فقرة 2 تجاري).
اما شركة المحاصة فلا تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن ثم لا يجوز شهر افلاسها (م 663 فقرة 1 تجاري). وانما يشهر افلاس الشريك المحاص الذي يزاول التجارة باسمه الخاص. اما الشريك الذي لم يتعاقد مع الغير، فلا يمكن شهر افلاسه(1).
ويجوز شهر افلاس الشركة الباطلة (م 663 فقرة 2 تجاري) كالشركة الباطلة لعدم الشهر مثلاً. اذا ان الشركة الباطلة التي زاولت نشاطها تعتبر انها قامت في الماضي بوصفها شركة فعلية، ولهذه الشركة شخصية معنوية تبرر الحكم بشهر افلاسها(2). ولا عبرة لكون الشركة الواقعية مشوبة بالبطلان لعدم اتمام الشهر، لأن البطلان لا يجوز للشركاء الاحتجاج به على دائني الشركة. وتعامل الشركة الباطلة وفقاً للشكل الخاص الذي اتخذته. فإذا تعلق الأمر بشركة تضامن باطلة، فان افلاس الشركة يستتبع افلاس جميع الشركاء فيها(3). والامر على النقيض من ذلك فيما يتعلق بشركة المساهمة والشركة المحدودة المسؤولية.
______________________
(1) الحاكم المنفرد في بيروت 7/11/1957 مجموعة حاتم ج 32 ص 20 رقم 1؛ استئناف بيروت 8/7/1958 مجموعة حاتم ج 35 ص 30
(2) قارن: استئناف شمال لبنان 26/3/1963 مجموعة حاتم ج 64 ص 36 رقم 3 وجاء فيه انه اذا كانت الشركة باطلة بطلاناً مطلقاً، كالشركة في صيدلية خلافاً لأحكام قانون 31/10/1950، فانها لا تتمتع بالشخصية المعنوية بل تعتبر بحالة الشيوع ويمكن افلاس كل فرد من افرادها بصورة شخصية في حال توفر شروط الافلاس بحقه. وقد تصدق على هذا القرار من قبل محكمة التمييز المدنية الغرفة الأولى بتاريخ 15/2/1966 تحت رقم 11 .
(3) استئناف بيروت 14/3/1950 مجموعة حاتم ج 6 ص 26 رقم 7 «من الجائز اعلان افلاس شركة واقعية معروفة بطابعها التجاري تعاطت الاعمال محاطة بمظاهر شركة تضامن، واعلان افلاس مثل هذه الشركة يؤدي حتما الى اعلان افلاس كل عضو من اعضائها. ولا عبرة لكون الشركة واقعية مصابة بالبطلان لعدم اتمام المعاملات القانونية، لأن البطلان لا يمكن الادلاء به من قبل الشركاء ضد دائني الشركة».
ولما كانت الشركة المنحلة تحتفظ بشخصيتها المعنوية في فترة التصفية بالقدر اللازم لهذه التصفية (م 69 تجاري)، فانه يجوز شهر افلاس الشركة وان كانت في حالة التصفية (م 663 فقرة 2 تجاري).
ولما كانت صفة التاجر لا تفترض، فانه يقع على من يدعي ان المدين تاجر عبء اثبات هذه الصفة. ويجوز اثبات هذه الصفة بكافة الطرق ومنها البينة الشخصية والقرائن لتعلق الامر بوقائع مادية(1).
___________________
(1) محكمة التمييز اللبنانية بتاريخ 3/4/1956 ـ حاتم ـ الجزء 27 صفحة 22.
رابعاً: الاهلية التجارية:
لا يجوز منح صفة التجار الا لمن تتوفر فيه الاهلية لتعاطي التجارة.
ـ بمقتضى المادة 216 من قانون الموجبات والعقود فان اعمال الشخص المجرد كل التجريد عن قوة التمييز كالمجنون ـ تعد كأنها لم تكن.
ـ كما يستفاد من نص المادة 218 من القانون عينه انه يحق لكل صاحب مصلحة ان يدلي بعدم اهلية المحكوم عليه الموضوع تحت الحجر القانوني.
ويترتب على ذلك انه يمتنع على المجنون والمحجور عليه القيام بالاعمال التجارية.
ـ اما بالنسبة للقاصر فان المادة 215 من قانون الموجبات والعقود تعتبر غير اهل للالتزام كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره: الا انه في مجال ممارسة الاعمال التجارية لا بد من التمييز بين حالتين:
ـ ان القاصر المجرد كل التجريد من قوة التمييز تعد كأنها لم تكن وفقا لاحكام المادة 216 من قانون الموجبات والعقود.
ـ اما القاصر المميز فان اعماله، متى كانت غير خاضعة لصيغ شكلية معينة فلا تكون قابلة للابطال من قبله الا اذا كانت مقرونة بالغبن.
وقد نصت المادة 217 من قانون الموجبات والعقود على ان القاصر المأذون له على وجه قانوني في ممارسة التجارة او الصناعة يعامل كمن بلغ سن الرشد في دائرة تجارته وعلى قدر حاجتها.
ولكن يلاحظ ان المادة 217 لا تعين السلطة التي يعود لها منح الاذن للقاصر المميز لاجل ممارسة التجارة الا انه يمكن استناداً للمادة 846 موجبات وعقود، القول بان منح الاذن يعود لوالد القاصر او وصيه والا فللمحكمة التي تخضع الوصاية على القاصر لرقابتها(1).
___________________
(1) محكمة استئناف بيروت بتاريخ 21/11/1973 ـ المصنف التجاري ـ الاول للمؤلف صفحة 163 وقد ورد فيه: اذا كان القانون لا يشير الى السلطة الصالحة لاعطاء الاذن فلا بد من الرجوع الى المبادئ العامة وهي ان للولي ان يعطي هنا الاذن.ع10(1) قرار محكمة التمييز بتاريخ 16/10/1957 ـ المصنف التجاري ـ الأول للمؤلف صفحة 155 .