اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
3/2/2006 8:15:31 AM
  مقال للمستشارة نهى الزينى : حرية الصحافة وحبس الصحفيين      

                حرية الصحافة وحبس الصحفيين

ثمة فجوة لا يستهان بها تفصل بين الواقع الاجتماعي في مصر والنصوص القانونية التي وضعت أساسا للتعامل مع مفردات هذا الواقع مما يؤدي إلى انفصال القانون عن المجتمع وعجزه بالتالي عن إحداث الإصلاحات والتطوير المستهدفين منه.
منشأ هذه الفجوة خلل خطير أصاب سياستنا التشريعية وتمثيل في أمرين متناقضين غير أنهما يصبان في معين واحد.
أولهما : التسرع في إصدار قوانين متنافرة مع النسيج الحضاري لمجتمعنا المصري استجابة – في الأغلب الأعم – لضغوط خارجية إغراء أو ابتزاز فيما اصطلح على تسميته, حقيقة أو تجملا – بتنفيذ التزامات مصر الدولية. وثانيهما : الحرص على استبقاء نصوص قانونية صيغت في ظروف مختلفة لتحكم أوضاعا اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية مغايرة للأوضاع التي أصبحت تطبق فيها ويصر القائمون على التشريع على عدم تعديلها كأنما أضحت بمرور الزمن تابوهات مقدسة لا يجوز المساس بها, وبين هذا الإفراط وذاك التفريط تتسع بين الواقع والقانون اتساعا يفقد المصداقية والقدرة على التفاعل مع المجتمع بما يحقق الأهداف المرجوة منه,
تبدو دلالة قضية العقوبات السالبة للحرية المقررة لجرائم النشر واضحة في ضوء ما سقناه لكونها من أبرز الموضوعات التي تتبدى فيها تلك الفجوة الهائلة بين النظرة الاجتماعية لدور الصحافة باعتبارها – على حد تعبير الدستور ذاته – السلطة الشعبية المنوط بها خدمة المجتمع تعبيرا عن اتجاهات الرأي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه وهي الرسالة التي يشترط لممارستها تمتع الصحف بالحرية والاستقلال، وبين عقوبة الحبس التي نص عليها قانون العقوبات في حالة ارتكاب مجموعة واسعة – من الأفعال التي لا تكاد تخلو منها الممارسة الصحفية ما دام المجتمع قد فوضها في التعبير عن نبضه والدفاع عن مصالحه، ففي عام 1937 صدر قانون العقوبات المطبق حاليا في وقت كانت النظرة الاجتماعية للصحافة ودورها مختلفة تمام الاختلاف عما هي عليه الآن ليس في مصر وحدها وإنما في العالم كله حيث كان علم الصحافة والكتابة الصحفية في مستهله وكانت المهمة الأساسية للصحف أن تكون أبواقا دعائية لمالكيها أو خناجر مسمومة لتصفية الخلافات السياسية والحزبية دون اعتبار لقيم حتى أصبحت عمليات تشويه الخصوم السياسيين للحزب الذي ينتمي إليه المعيار الذي تقاس من خلاله كفاءته الصحفية مما أدى إلى تدني النظرة الاجتماعية للصحفيين الذين كانوا يمارسون المهنة دون ثقافة حقيقية أو انتماء نقابي أو التزام بميثاق شرف صحفي يضع الحدود الفاصلة بين ما يدخل في نطاق النقد المسموح وما يجاوز هذا النطاق إلى اعتداء على الحريات الشخصية أو انتهاك لأعراض أو تهديد للنظام العام.
وفي ظل تلك الظروف السياسية ولاجتماعية البعيدة كل البعد عن واقعنا الحالي صدر قانون العقوبات معبرا عن حاجة المجتمع الواقعية لأحكام تصونه وتحمي أفراده من أولئك المدعين في وقت لم تكن فيه الحماية متاحة إلا من خلال العقوبات الجنائية إذ لم يكن الالتزام النقابي والنظام التأديبي اللذان قد يؤدي تطبيقهما على بعض حالات الإخلاء بميثاق الشرف إلى الحرمان من ممارسة العمل الصحفي قد بلغا بعد حد النضج الكافي لأداء دورهما الرادع، لذا كان منطقيا – بل ومطلوبا لتحقيق الصالح العام ولحماية القيم – أن ينص القانون على عقوبة الحبس للجرائم التي تقع عن طريق الصحف وغيرها من وسائل النشر.
أما اليوم وبعد التطور الهائل في مفاهيم المجتمع ودور الصحافة فيه فقد أصبح استبقاء هذا التابوت المتمثل في عقوبة الحبس المسلطة منذ زمن طويل على رقابة الصحفيين مناقضا تماما للدور الذي أناطه الدستور والقانون بالصحافة للتعبير عن المجتمع وحمايته، حيث لا يتأتى أداء هذا الدور إلا بإتاحة الحرية كاملة أمام الصحفيين كما تتاح لأعضاء الهيئات الرقابية لتقديم الحقائق وكشف الفساد المستشري في المجتمع أيا كانت مناصب ممارسي هذا الفساد أو حماته ، وإذا كان القانون قد جعل صحة الوقائع المنشودة سببا للإباحة في بعض الجرائم التي تقع من الصحفيين وبالتالي براءتهم من التهم المسندة إليهم إلا أنه وقد وضع على الصحفي عبء الإثبات، وجعل وزن الأدلة من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير المحكمة ، فقد كبل واقعيا العمل الصحفي بقيود تعوق انطلاقته وتحول المجتمع، ذلك أن توفير الحصانة والشعور بالأمان لمن يمارس سلطة رقابية لصالح المجتمع من بديهيات الفكر القانوني، وإذا كان دور الصحافة قد تغير بمرور الزمن فأصبح قريب الشبه بالدور الرقابي فإن استبقاء عقوبة الحبس يمنع قيامها بهذا الدور كما أنه ينطوي في الوقت ذاته على مناقضة واضحة لمبدأ حرية الصحافة ومجافاة صارخة للذوق القانوني السليم، إن قضية العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر لا تقف – في تقديري – عند حدود الحكم بدستورية أو عدم دستورية نص قانوني وإنما تتعداها إلى ضرورة إعادة النظر في سياستنا التشريعية بكاملها.
المستشارة نهى الزيني
جريدة الدستور
الاربعاء 1/3/2006


  خالد كمال    عدد المشاركات   >>  6              التاريخ   >>  3/3/2006



نهى الزينى    حياك الله    أمرأة بمائة رجل



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1396 / عدد الاعضاء 62