شركة «الأوف شور»(Off-Shore)
ما هي خصائصها وموضوعاتها وكيف يتم تأسيسها؟
شركة ال «أوف شور»، أو الشركة المحصور نشاطها خارج لبنان، هي من الشركات الحديثة في عالم القانون، تهدف الى خلق مجال خارجي للأعمال التنفيذية. فقد لاحظ المشترع اللبناني ازدياد حركة التبادل التجاري الى خارج الحدود اللبنانية، فقرر مواكبة التطور التشريعي الحاصل في أغلبية الدول، وسنّ تشريعاً خاصاً بهذه الشركة، هو المرسوم الاشتراعي رقم 83/46 تاريخ 24/6/1983. يهدف هذا المرسوم الى خلق مجالات اقتصادية رحبة، وأسواقاً جديدة للنشاط التجاري اللبناني، ما من شأنه أن يعطي بعداً جديداً لامتداد المؤسسات المالية عبر الحدود وملاءمة النظام الضريبي.
وقد رمى المشترع اللبناني من وراء هذا التشريع الى الحفاظ على رؤوس الأموال داخل النطاق الاقتصادي اللبناني، إضافة الى محاولة استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، عبر تأسيس شركات «أوف شور»، يكون مركزها الرئيسي في لبنان لكنها تمارس نشاطها خارجه.
وتعود أسباب ظهور هذا النوع من الشركات الى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بتسهيل الإقامة للعاملين في هذا النشاط، وتوفر وسائل الانتقال والاتصال، وامكانيات الاستثمار، وسهولة تحرك رؤوس الأموال، وملاءمة النظام الضريبي، وغيرها من الأسباب التي تُسهّل الاستثمار والتجارة.
تعريف الشركة
تعني عبارة «أوف شور» لغوياً «عبر الشاطئ»، أو «من الداخل الى الخارج». وهي تشير الى تمركز الشركة في بلد معين، في حين أنها تنفذ أعمالاً في بلد آخر يخضع لسيادة دولة أخرى. من الناحية القانونية، يُقصد بشركة ال«أوف شور»، أو الشركة المحصور نشاطها خارج لبنان، الشركة التي تنفذ أعمالاً في بلد معين، ويكون مركزها الرئيسي في بلد آخر وخاضعاً لسيادة دولة أخرى، بحيث يتمحور المركز الرئيسي بشكل شركة أم تتولى التفاوض وابرام العقود واجراء الدراسات واعطاء التوجيهات اللازمة لشركة تابعة لها، تتولى في البلد الآخر تطبيق وتنفيذ تلك الدراسات والتوجيهات.
خصائص شركة ال«أوف شور»
تتميز الشركة بالخصائص التالية:
- يكون مركزها الرئيسي في لبنان، لكنها تمارس نشاطها خارج الحدود اللبنانية.
- تظهر الشركة تحت اسم معين يكون عنصراً من عناصر شخصيتها المعنوية، ويجب ان يذكر بجانب اسمها عبارة «شركة محصور نشاطها خارج لبنان» أو «أوف شور»، في جميع الأوراق والاعلانات والنشرات وسائر الأوراق التي تصدر عنها.
- يتم الاشتراك في الشركة عن طريق الاكتتاب باسهم، كسائر الشركات المساهمة، ولا يكون الشركاء مسؤولين عن ديون الشركة إلا بقدر ما وضعوه من مال، مهما بلغت ديون الشركة.
- ينحصر موضوع الشركة ببعض الأعمال التي نص عليها القانون، والتي سنتطرق اليها لاحقاً.
- تعتبر هذه الشركة من الشركات المساهمة أو المغفلة، وتخضع لأحكام هذه الشركات في كل ما لا يتعارض مع أحكامها الخاصة.
- تعتبر هذه الشركة من الشركات التجارية لأنها تقوم بأعمال ونشاطات تجارية، وتخضع لموجبات التجار المتمثلة بمسك الدفاتر التجارية والتسجيل في السجل التجاري العام والخاص بها، كما تخضع لنظام الافلاس والصلح الاحتياطي.
- يمكن لهذه الشركة أن تمسك حساباتها بالعملات الأجنبية المستعملة في عملياتها.
- يُكتفى بأن يضم مجلس ادارة الشركة شخصين طبيعيين لبنانيين على الأقل، ولا يحتاج رئيس مجلس الادارة الى اجازة عمل اذا كان من غير اللبنانيين غير المقيمين في لبنان.
موضوع الشركة
ينحصر موضوع هذه الشركة ببعض الأعمال التي نصت عليها المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 83/46، وهي على سبيل الحصر، النشاطات التالية:
1- التفاوض وتوقيع العقود والاتفاقات بشأن عمليات وصفقات يجري تنفيذها خارج الاراضي اللبنانية وتعود لبضائع ومواد موجودة في الخارج أو في المنطقة الجمركية الحرة.
فلا تستطيع الشركة المحصور نشاطها خارج لبنان أن تجري التفاوض على عقود معينة او توقيعها، عندما يكون موضوعها عمليات وصفقات، إلا إذا كان تنفيذها يتم خارج الاراضي اللبنانية. وهي تستطيع التعاقد مع لبنانيين أو أجانب، وقد يبرم العقد في لبنان أو خارجه، شرط أن يجري تنفيذ ذلك العقد خارج الأراضي اللبنانية. كما لا تستطيع هذه الشركة أن تتفاوض على عقود أو اتفاقات، إلا بشأن عمليات وصفقات تتعلق ببضائع ومواد موجودة خارج لبنان، أو في المنطقة الجمركية الحرة.
2- استعمال التسهيلات المتوافرة في المنطقة الجمركية الحرة لتخزين البضائع المستوردة بغية اعادة تصديرها، واستئجار المكاتب في لبنان وتملّك العقارات اللازمة لنشاطها، مع مراعاة قانون تملّك الأجانب لحقوق عينية عقارية في لبنان.
3- وضع الدراسات والاستشارات التي ستستعمل خارج لبنان بناء لطلب مؤسسات مقيمة في الخارج.
ويشترط أن تعطي الدراسات والاستشارات بناء لطلب مؤسسة مقيمة خارج لبنان وأن يتم استعمال تلك الدراسة أو الاستشارة خارج الاراضي اللبنانية أيضاً. فلا يجوز اعطاء الدراسات والاستثمارات لأفراد خارج نطاق المؤسسة، كما لا يحق لفرع شركة مقيم خارج لبنان لشركة لبنانية أن يطلب دراسة أو استشارة من شركة ال«أوف شور»، ولا يحق لهذه الأخيرة أن تقدم له اية دراسة او استشارة، عند عدم توافر الشروط القانونية المتمثلة بالمؤسسة المقيمة خارج لبنان.
وتجدر الإشارة الى أنه جرى الغاء الفقرة «4» من المادة الأولى المذكورة بموجب القانون رقم 253 تاريخ 30/12/2000، التي كانت تتعلق بقيام «شركات الأوف شور» بخدمات ونشاطات مصرفية ومالية ووساطة يجري تنفيذها خارج الأراضي اللبنانية. وذلك لمنع قيام شركة الأوف شور بعمليات تبييض أموال بقصد اخفاء المصدر غير المشروع للأموال القذرة أو المشبوهة الناتجة عن إحدى الجرائم.
نتائج تخطي شركة الأوف شور موضوعها
تعتبر الشركة باطلة إذا تعاطت أعمالاً غير الأعمال المنصوص عليها في المادة الأولى المذكورة.
وقد نصت المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي ذاته على أنه يحظر على شركة ال«أوف شور» تعاطي الصناعة أو الأعمال المصرفية او الضمان او الهولدنغ، أو القيام بأي عمل تجاري ضمن الأراضي اللبنانية غير الأعمال المشار اليها في المادة الأولى المذكورة. كما يُحظّر عليها جني أي ربح أو ريع أو إيراد من أموال منقولة أو غير منقولة موجودة في لبنان أو من جراء تقديم خدمات لمؤسسات مقيمة في لبنان، ما عدا ايراد حساباتها المصرفية.
وفي حال مخالفة الشركة لهذه الأحكام، تصبح خاضعة، بالنسبة للسنة التي تمَّت فيها المخالفة، لضريبة الدخل المطبَّقة على شركات الأموال العاملة في لبنان مضافاً اليها غرامة قدرها 50% من قيمة الضريبة (المادة العاشرة من المرسوم الإشتراعي رقم 83/46).
تأسيس الشركة وإدارتها
يخضع تأسيس هذه الشركة للقواعد ذاتها التي يخضع لها تأسيس وإدارة الشركات المساهمة، في كل ما لا يتعارض وأحكامها الخاصة، وهي التي نصت عليها المادة 3 من المرسوم الاشتراعي رقم 1983/46، ومنها:
- يجب أن تنص أنظمة الشركة على عدم جواز تعاطيها أي نشاط من غير النشاطات المنصوص عليها في القانون.
- يمكن للشركة أن تمسك حساباتها بالعملات الأجنبية المستعملة في عملياتها، ولا يجوز أن يقل رأس مالها عن ثلاثين مليون ل.ل.، يمكن تحديده بعملة أجنبية شرط أن يكون معادلاً للمبلغ المذكور.
- يكتفى بأن يضم مجلس ادارة الشركة شخصين طبيعيين لبنانيين على الاقل ولا يحتاج رئيس مجلس الادارة الى إجازة عمل اذا كان من غير اللبنانيين غير المقيمين في لبنان.
- تلتزم الشركة بأن توكل محامياً دائماً بأتعاب سنوية.
- على الشركة أن تعين مفوض مراقبة أساسياً واحداً على الأقل، مقيماً في لبنان ويحمل الجنسية اللبنانية، ويمكن تعيينه لمدة 3 سنوات. وتعفى الشركة من موجب تعيين مفوض المراقبة الاضافي الذي تعينه المحكمة المختصة في الشركات الأخرى.
- تُسجل الشركة في السجل التجاري العام وفقاً لاحكام قانون التجارة، وفي السجل الخاص بشركات ال«أوف شور» الموجود في بيروت، وتدرج في البيانات والمعلومات التي يوجب القانون على الشركات المغفلة نشرها. كما يجب على هذه الشركة، عند تسجيلها في السجل الخاص المذكور، تقديم كفالة مصرفية صادرة عن احد المصارف المقبولة في لبنان قيمتها ماية الف ليرة لبنانية، تجدد تلقائياً وذلك ضماناً لتنفيذ التزامات الشركة المعنية تجاه الدولة وتقيّدها بأحكام القانون.
- يمكن للشركة الاكتفاء بنشر ميزانية السنة المالية وأسماء أعضاء مجلس الادارة ومفوضي المراقبة في السجل الخاص.
- تخضع الشركة لموجب مسك السجلات المحاسبية ووضع البيانات المالية السنوية وتقديم التصاريح وتسديد الضرائب المتوجبة عليها للدائرة المالية المختصة بضريبة الدخل، وذلك وفقاً للأحكام القانونية المتعلقة بالشركات المغفلة في كل ما لا يتعارض وأحكامها الخاصة. وتفرض على الشركة غرامة مقدارها 50000 (خمسون ألف) ليرة لبنانية شهرياً عند تأخرها عن تقديم التصريح القانوني بالاضافة الى الضرائب المتوجبة.
- تدار شركة ال«أوف شور»، كما تدار الشركة المساهمة بشكل عام، عن طريق مجلس إدارة، وجمعيات عمومية: تأسيسية وعادية وغير عادية، ومفوضي المراقبة.
النظام الضريبي لشركة الأوف شور
تتميّز هذه الشركة بخضوعها لنظام ضريبي تستفيد بموجبه من بعض الامتيازات الضرائبية المتمثلة بإعفائها من بعض الضرائب، على النحو التالي: وفقاً لأحكام المادة الرابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 83/46 تُعفى الشركة من ضريبة الدخل على الأرباح، وتخضع بدلاً من ذلك لضريبة سنوية مقطوعة قدرها ...,...,1 ل.ل. (مليون ليرة لبنانية)، تسدَّد مباشرة الى الدائرة المالية المختصة بضريبة الدخل، وتطبق هذه الضريبة على الشركة ابتداء من أول سنة مالية مهما كانت مدتها. وتعفى العقود التي توقعها الشركة في لبنان والمتعلقة بأعمالها خارج لبنان من رسم الطابع المالي (م5). كما تعفى أنصبة الأرباح التي توزعها الشركة من الضريبة على ايرادات رؤوس الأموال المنقولة (م6).
وتستفيد شركة ال«أوف شور» من الاعفاءات من ضريبة الدخل على فوائد الودائع وسائر الالتزامات المصرفية بالعملات الأجنبية العائدة لغير المقيمين، في المراكز الرئيسية للمصارف. أما إذا كانت حسابات الشركة لدى المصارف بالليرات اللبنانية، فلا تستفيد من هذه الاعفاءات، لأنها تختص فقط بالعملات الأجنبية وبالأشخاص غير المقيمين في لبنان (م2/3).
لكن ربح التحسين الناتج عن تفرغ الشركة عن موجوداتها الثابتة في لبنان يبقى خاضعاً لضريبة الدخل (م7). كما تخضع رواتب وأجور المستخدمين العاملين في الشركة لهذه الضريبة. ويعتبر 30% من الراتب الأساسي للمستخدم الأجنبي العامل في الشركة بمثابة تعويض تمثيل غير خاضع للضريبة على الرواتب والأجور (م8).
تؤدى الضرائب المتوجبة على الشركة دفعة واحدة عند التصريح عن الأعمال وخلال المهلة المحددة له. وتضاف الى الضريبة غرامة قدرها نصف بالألف عن كل يوم تأخير (م9).
وفي حال مخالفة الشركة لأحكام نظامها الخاص؛ كممارسة أعمال محظَّرة عليها، تصبح خاضعة بالنسبة للسنة التي نمت فيها المخالفة لضريبة الدخل المطبّقة على شركات الأموال العاملة في لبنان مضافاً اليها غرامة قدرها 05 بالمئة من قيمة الضريبة (م10).
يتبين من أحكام شركة ال«أوف شور»، وجود عدة فوائد ناتجة عن السماح بتأسيس هذا النوع من الشركات في لبنان، وهي تتلخص بالمحافظة على رؤوس الأموال داخل القطاع الاقتصادي اللبناني، وخلق أطر جديدة للعمل، وتأمين موارد إضافية للدولة، وملاءمة النظام الضريبي الذي تخضع له هذه الشركة لمنع الازدواج الضريبي ولتشجيع انشاء هذا النوع من الشركات، وخلق مجال خارجي للأعمال التنفيذية عبر الحدود، إضافة الى محاولة استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، عبر تأسيس شركات «أوف شور»، يكون مركزها الرئيسي في لبنان وتمارس نشاطها خارجه.
موسوعة الشركات التجارية للدكتور الياس ناصيف.