|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
التاريخ 2/28/2006 5:58:06 PM
|
الأوراق التجارية
|
الأوراق التجارية
جمع وترتيب / احمد حسين
المحتويات
الفصل الأول مفهوم الأوراق التجارية
المبحث الأول ماهية الأوراق التجارية
المبحث الثاني الخصائص العامة للأوراق التجارية
الفصل الثاني أنواع الأوراق التجارية
المبحث الأول الكمبيالة
المبحث الثاني السند الإذني
المبحث الثالث الشيك
المبحث الرابع أوجُه الاختلاف، بين الكمبيالة والسند والشيك
المصادر والمراجع
الفصل الأول
مفهوم الأوراق التجارية
إن الأوراق التجارية، ليست من اختراع المشرع؛ وإنما اخترعتها البيئة التجارية، وتعارف التجار على استخدامها، إلى جانب النقود، لتسوية ما بينهم من معاملات تجارية. ثم جاءت التشريعات المختلفة، بعد ذلك، لتضمن استخدامها.
المبحث الأول
ماهية الأوراق التجارية
أولاً: تعريف الأوراق التجارية
أوردت القوانين، في كثير من دول العالم، الأحكام الخاصة بالأوراق التجارية، من دون أن تعمل على إيجاد تعريف محدد بها. ويهدف المشرع من ذلك، إلى ترك مجال الاجتهاد واسعاً، أمام الفقه والقضاء، لاختيار التعريف الأكثر ملاءمة، مع إمكانية تطويره، وفقاً لتطورات الأعراف التجارية وعاداتها.
ويمكن تعريف الأوراق التجارية، من حيث وظيفتها، على أنها صكوك محررة، مستوفية لبيانات معينة، وفقًا لأوضاع، يحددها قانون كل دولة، وتتضمن التزاماً تجارياً بدفع مبلغ نقدي واحد، مستحق الوفاء في تاريخ محدد، مع إمكان نقل الحق، في اقتضائه، من شخص إلى آخر، من طريق التظهير أو المناولة.
ولقد سعت النظُم القانونية، في مختلف الدول، إلى دعم التعامل بهذه الأوراق وتقويته وحمايته، حتى تحظى بالقبول بين المتعاملين في الأسواق، وتحل محل النقود في الوفاء بالديون.
وتهدف هذه القوانين، إلى الاقتصاد في استعمال النقود، وتحقيق السرعة في إبرام الصفقات، وتسوية الالتزامات.
ثانياً: التوحيد الدولي لقانون الورقة التجارية
تتسم القواعد والقوانين، التي تحكم الورقة التجارية، بالاختلاف والتنازع؛ ما اقتضى توحيدها، ليخضع تداول الأوراق التجارية لقواعد موحدة.
ولقد بذل فقهاء القانون التجاري، جهوداً كبيرة، في سبيل هذا التوحيد. فكان أول مؤتمر، عقد في لاهاي، عام 1910، وحضره ممثلو 32 دولة، ونجح في وضع مشروع قانون موحد للكمبيالة، والسند الإذني ـ مكوناً من (87 مادة)، ومشروع معاهدة، مكون من (26 مادة).
وعُرض هذان المشروعان، على الدول، بهدف دراستهما، وإبداء ملاحظاتها عليهما، حتى يمكن الوصول إلى مشروع قانون، تتفق عليه الدول، ليعرض في مؤتمر لاحق.
ثم انعقد مؤتمر آخر، في لاهاي، عام 1912؛ أمكن التوصل، خلاله، إلى اتفاق مبدئي، على مشروع معاهدة، ومشروع قانون موحد للكمبيالة والسند الإذني، يتلافى الاعتراضات، التي أثارها بعض الدول.
وبعد انتهاء المؤتمر، عرض مشروع القانون الموحد، على برلمانات الدول، للتصديق عليه. فرفض بعضها قبوله؛ مما أدى إلى فشل مشروع التوحيد.
وبسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، ركدت فكرة التوحيد. وما إن انتهت الحرب، حتى تجددت المحاولات في سبيل ذلك.
وقد كُلِّلت جهود التوحيد، بعقد مؤتمر جنيف، في 13 مايو 1930، الذي انتهى إلى توقيع ثلاث معاهدات، في 7 يونيه 1930، من جانب مندوبي 22 دولة.
المعاهـــدة الأولي
اشتملت على قانون الكمبيالات والسندات الإذنية. وتعهدت الدول الموقعة، بمقتضاها، إدخال القانون الموحد في تشريعاتها الداخلية. وأرفق بالاتفاقية ملحقان:
الملحق الأول: يتضمن نصوص القانون الموحد، لقواعد الكمبيالة والسند الإذني.
الملحق الثاني: خاص بالتحفظات، أي المسائل التي يجوز فيها للتشريعات الوطنية، أن تخرج عن نصوص القانون الموحد.
المعاهدة الثانية
تضمنت حلولاً لتنازع القوانين، في بعض مسائل الكمبيالات والسندات الإذنية.
المعاهدة الثالثة
تتعلق بضريبة الختم (الدمغة) على الكمبيالات والسندات الإذنية.
وأعقب هذا المؤتمر، مؤتمر دولي آخر، في جنيف عام 1931، لوضع قانون موحد للشيكات. وقد انتهى إلى الاتفاق على ثلاث معاهدات، أفضت إلى نتائج، تماثل تلك التي أسفر عنها مؤتمر جنيف، عام 1930. ووقع الاتفاقية ممثلو عشرين دولة، في 19 مارس 1931.
المبحث الثاني
الخصائص العامة للأوراق التجارية
ورد في المبحث الأول، تعريف الأوراق التجارية، من حيث وظيفتها، بأنها صكوك محررة، مستوفية لبيانات معينة، وفقاً لأوضاع، يحددها قانون كل دولة؛ وتتضمن التزاماً تجارياً بدفع مبلغ نقدي واحد، مستحق الوفاء في تاريخ محدد، مع إمكان نقل الحق في اقتضائه، من شخص إلى آخر، من طريق التظهير أو المناولة.
لذا، يمكن استخلاص العديد من الخصائص، التي تميز الأوراق التجارية، من خلال التعريف السابق، شكلاً وموضوعاً واستحقاقاً وقابلية للتداول وحماية للدائن.
أولاً: من حيث الشكل
استوجبت قوانين الدول الكتابة، لتمثل الشكل، الذي يجب أن تكون عليه الورقة التجارية، أي أن تكون الورقة صكًا مكتوبًا دائمًا؛ وتحديد البيانات، التي تمثل الحد الأدنى، الذي يجب أن تشتمل عليه كل ورقة تجارية.
أي أن المشرِّع، رسم قوالب محددة، أوجب أن تصاغ الأوراق التجارية وفقًا لها. وشكلية الورقة التجارية، تختلف باختلاف نوعها (كمبيالة أو سند أو شيك). وتستهدف الشكلية تيسير تداول الأوراق التجارية وتشجيعها؛ ذلك لأنها توفر على من سيتلقى الورقة، مشقة البحث والاستقصاء، للتحقق من صلابة الحق المثبت فيها، وخلوّها من العيوب التي تهدره. فشكلية الأوراق التجارية، تجعله يكتفي بمجرد إلقاء نظرة عاجلة على الورقة، ليتأكد أنها اشتملت على جميع البيانات اللازمة لقيمتها. واستوفت بذلك الشكل المطلوب.
ثانياً: من حيث الموضوع
يجب أن يكون الحق، الثابت في الورقة التجارية، ممثلاً لمبلغ معين من النقود؛ لذلك، لا تُعَدّ الصكوك، التي يكون موضوعها بضاعة، مثل سندات الشحن ـ أوراقاً تجارية؛ إذ إن حامل هذه الصكوك، لا يطمئن إلى الحصول على مبلغ معين من النقود، في تاريخ محدد، لأنه ربما لا يجد مشترياً للبضاعة؛ وإن وجد فربما لا يدفع الثمن الذي يتوقعه البائع عند شراء البضاعة؛ وذلك لأنها تكون عُرضة لتقلبات الأسعار، في فترة تداولها.
إضافة إلى ذلك، فإن المبلغ الثابت في الورقة التجارية، يجب أن يكون معيناً (معرّفاً) أو قابلاً للتعيين. أما بالنسبة لميعاد استحقاق الورقة، فقد يكون بمجرد الاطلاع أو مضافاً إلى أجل.
ثالثاً: من حيث التداول وحماية الدائن
1. من حيث التداول
تقوم الأوراق التجارية مقام النقود، في المعاملات. وبذلك، فهي تؤدي الوظيفة نفسها، التي تؤديها النقود، من حيث استخدامها كوسيلة للوفاء بالديون والالتزامات. ولذلك، فإنها لا بدّ من أن تكون ميسرة للتداول بين الأفراد، وأن تكون محاطة بالضمانات، التي تجعل الأفراد يطمئنون إلى قبولها في تعاملهم، كوسيلة للوفاء.
فإذا كانت الورقة التجارية لحاملها، فإن الحق الثابت فيها، ينتقل إلى الدائن الجديد، بمجرد المناولة، أو تسليم الورقة.
وإذا كانت الورقة لإذن، أو لأمر شخص معين، فإن الحق الثابت فيها، ينتقل إلى المُظهر إليه، بمجرد كتابة مختصرة على ظهر المحرر، تفيد انتقال هذا الحق إلى شخص آخر، ومستوفية لتوقيع المُظهر.
2. من حيث حماية الدائن
تستخدم الورقة التجارية، كوسيلة للائتمان، من طريق تسييلها، أي الحصول على قيمتها نقدًا، قبل حلول ميعاد استحقاقها، وذلك نظير حصول المصارف على نسبة بسيطة من قيمتها. ويعرف ذلك الإجراء بخصم الأوراق التجارية، الذي يمثل وظيفة رئيسية من الوظائف التي تؤديها المصارف.
ولتحقيق وظيفة الأوراق التجارية، كوسيلة للائتمان، شرّعت القوانين في مختلف الدول، لتحقق للدائن حماية خاصة. فلجأ المشرع إلى الشدة والقسوة في معاملة الملتزمين بالورقة التجارية، قاصداً من ذلك رعاية حقوق الحامل حسن النية.
رابعاً: من حيث الاستحقاق
لحلول أوان الحق، الثابت للدائن في الورقة التجارية، فإنه لا بدّ من وجود الورقة التجارية في يد هذا الدائن، الذي يطالب بالوفاء.
وتكون الورقة التجارية مستحقة الدفع، لدى الاطلاع، أو مضافة إلى أجل، أي بعد فترة محددة من تاريخ تحريرها.
ويبدو أنه من الصعب تحديد هذا الأجل بمدة معينة؛ إذ إن الأمر في ذلك، راجع إلى ما يجري التعارف عليه، في الأوساط التجارية. ومع ذلك، يرى بعض الشرَّاح، أن الأجل القصير، يراوح بين ثلاثة وستة أشهر.
الفصل الثاني
أنواع الأوراق التجارية
ظهر أول شكل من أشكال الأوراق التجارية، في صورة كمبيالة. ثم تنوعت لتشمل السند الإذن والشيك.
المبحث الأول
الكمبيالة
الكمبيالة هي محرر مكتوب وفقاً لأوضاع شكلية معينة، تتضمن أمرًا من شخص، يسمى "الساحب"، لشخص آخر، يسمى "المسحوب عليه"، بأن يدفع مبلغًا معينًا من النقود، بمجرد الاطلاع، أو في تاريخ معين، أو قابل للتعيين، لشخص ثالث، يسمي المستفيد، أو "الحامل" .
وبما أن الكمبيالة، هي أقدم أنواع الأوراق التجارية وأهمها، فلقد اتخذها المشرّع، في العديد من الدول، نموذجاً لسائر الأوراق التجارية الأخرى.
وسيتناول هذا المبحث الكمبيالة، من حيث تظهيرها، أو شروطها الشكلية والموضوعية، والوفاء بقيمتها وضماناته.
أولاً: الشروط الشكلية والموضوعية
1. الشروط الشكلية للكمبيالة
يشترط لوجود الورقة التجارية، أيّاً كان نوعها، أن تكون مكتوبة في مُحرر، يتضمن توقيع الساحب عليه. فلا توجد الكمبيالة، قانوناً، ما لم تكن ثابتة في محرر، أي صك مكتوب. ولذلك، فإنه لا يجوز إثبات وجود الكمبيالة بأي طريقة أخرى غير الكتابة، أيّاً كانت قوّتها (كالإقرار مثلاً).
ولا يكفي لنشأة الكمبيالة نشأة "صحيحة"، ثبوتها في محرر، بل يجب أن يشتمل هذا المحرر على بيانات أساسية لتكوينه. وتخلُّف أي من البيانات الشكلية التالية، يترتب عليه عدم القيمة القانونية للورقة، ككمبيالة (أي بطلانها، قانوناً).
أ. تاريخ التحرير
يجب أن يتضمن صك الكمبيالة تاريخ إنشائها. ويفيد تحديد تاريخ الإنشاء في عدة أمور؛ إذ على أساسه، يمكن معرفة أهلية الساحب، وقت إنشاء الكمبيالة؛ إضافة إلى أنه قد يفيد في تحديد ميعاد الاستحقاق، في حالة تحديد هذا الأخير، بعد فترة معينة من تاريخ إنشاء الكمبيالة.
ب. مبلغ الكمبيالة
إن موضوع الحق، الثابت في أي ورقة تجارية، هو مبلغ من النقود. لذلك، وجب أن يكون هذا المبلغ مبيناً في الكمبيالة، ومحددًا على وجه الدقة. واشتراط ذكر المبلغ بطريقة واضحة، لا لبس فيها، يتفق مع "مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجاريةً"، أي كونها تكفي بذاتها، بمجرد الاطلاع عليها، لتحديد أشخاصها ومضمونها، والمبلغ المعين بها.
يجب ملاحظة ارتباط المبلغ المدون في الكمبيالة، بفعل الأمر "ادفعوا"، ويسمى "شرط الأمر". فإذا خلا الصك من شرط الأمر، خرج من عداد الأوراق التجارية. والأمر بالدفع، يجب أن يكون قاطعًا في معناه، أي ليس غامضاً أو معلقًا على شرط، كأن يأتي بصيغة: "ادفعوا إلي محمد مبلغًا ....... بعد استلام البضاعة منه".
ج. اسم المسحوب عليه
المسحوب عليه، هو الشخص الذي يُصدر إليه الأمر من الساحب، بدفع قيمة الكمبيالة، في الميعاد المحدد بأمر المستفيد.
وإنشاء الكمبيالة، يفترض وجود علاقة قانونية سابقة، بين الساحب والمسحوب عليه، أصبح نتيجتها دائناً للمسحوب عليه.
وبناء على ذلك، يصدر الساحب أمرًا للمسحوب عليه، بالوفاء بمبلغ الكمبيالة، في حدود هذه العلاقة القانونية السابقة. وتُعرف هذه العلاقة، التي تمثل أساس التزام المسحوب عليه، قبل الساحب، بـ "مقابل الوفاء".
ومنذ صدور نظام جنيف الموحد، أصبح جائزاً أن يكون المسحوب عليه هو الساحب نفسه.
وتفيد هذه الإجازة الشركات الكبرى، صاحبة الفروع المتعددة، في مختلف أنحاء العالم؛ إذ يُمكنُ هذا النظام الفروع من سحب كمبيالات بعضها على بعض، أو على الإدارة العامة، والعكس صحيح. ويجوز أيضاً أن يتعدد المسحوب عليهم؛ إذ إنه يمكن سحب كمبيالة على عدة أشخاص. وليس الهدف من ذلك، أن يتخيّر المستفيد بينهم؛ ولكن إلزامهم بالدفع.
د. اسم المستفيد
المستفيد، هو الشخص الذي حُررت من أجله الكمبيالة. وهو يمثل الشخص الدائن في هذا المحرر. ويجب إيضاح اسمه بكل دقة؛ حتى لا يقع خطأ أو لبس في تحديد شخصيته، عند الوفاء له بقيمة الكمبيالة، في ميعاد الاستحقاق.
ويجوز تحرير الكمبيالة لإذن عدة أشخاص؛ إلاَّ إنه غالباً ما يكون سحب الكمبيالة، لإذن مستفيد واحد.
ويجوز أيضاً، أن تحرر الكمبيالة لإذن الساحب نفسه، فيكون هو الساحب والمستفيد، في الوقت نفسه.
ويلجأ الساحب إلى تحرير كمبيالات لإذن نفسه، إذا أراد الاطمئنان إلى قبول المسحوب عليه للصك، قبل أن يطرحه للتداول. وقد يرغب أيضاً من وراء تحرير الكمبيالة لإذنه، في خصمها لدى أحد المصارف، من دون الانتظار حتى ميعاد الاستحقاق، المتفق عليه مع المسحوب عليه.
هـ. توقيع الساحب
الساحب هو منشئ الكمبيالة، وهو أول الملتزمين بها. فهو الذي أنشأ التزاماً عليه، قبل المستفيد بدفع مبلغ محدد، إذا لم يقم المسحوب عليه، بقبول صك الكمبيالة، أو بالوفاء به في الميعاد المحدد؛ لذا، فإن توقيع الساحب، من أهم البيانات الإلزامية، التي يجب أن تحتويها الكمبيالة. وجرى العُرف على أن يضع المحرر توقيعه، عادة، أسفل الكمبيالة؛ وهو يُعَدّ قرينة، على التزام الساحب بكل ما تضمنه الصك.
والتوقيع، يكون كتابة، وهو الغالب؛ كما يجوز أن يكون بختم الساحب الخاص، أو ببصمة إصبعه.
و. تاريخ الاستحقاق
يُعَدّ ميعاد الاستحقاق من البيانات الأساسية، في الورقة التجارية عمومًا؛ إذ يحدد على أساسه استحقاق المستفيد لحقه في الورقة.
كما أنه ابتداء من تاريخ الاستحقاق، يبدأ سريان مواعيد الرجوع على موقعي الكمبيالة، وإقامة الدعوى عليهم. وتتعدد الوسائل التي يحدد بها تاريخ الاستحقاق:
(1) الاستحقاق في تاريخ معين، وهو الشكل الأكثر شيوعاً، لتحديد ميعاد الاستحقاق، مثل "ادفعوا في يوم السادس من أكتوبر".
(2) الاستحقاق بعد مدة معينة من تاريخ الكمبيالة: قد تستحق الكمبيالة بعد مدة معينة من تاريخ تحريرها، كأن يذكر في الصك "ادفعوا بعد شهر من تاريخه".
(3) الاستحقاق لدى الاطلاع : تكون الكمبيالة مستحقة لدى الاطلاع، عندما يذكر فيها "ادفعوا لدى الاطلاع" أو "لدى الطلب" أو "عند التقديم"؛ وتكون بذلك واجبة الدفع، بمجرد تقديمها من جانب المستفيد إلى المسحوب عليه.
(4) الاستحقاق بعد مدة معينة من الاطلاع : قد تكون الكمبيالة مستحقة الوفاء، بعد مدة معينة من تقديمها إلى المسحوب عليه، من جانب المستفيد. مثال ذلك أن يذكر في الصك "ادفعوا بعد (3 أشهر) من الاطلاع".
(5) الاستحقاق في يوم مشهور : يجوز أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في يوم معروف، كيوم عيد أو يوم سوق . مثل أن يقال "ادفعوا في يوم عيد الأضحى"، أو "في يوم رأس السنة الهجرية"، أو "في يوم السوق أو المعرض المشهور".
ز. مكان الوفــاء
يجب أن تشتمل الكمبيالة على مكان الاستحقاق، الذي يمثل المحل، الذي يجب أن يجري فيه الدفع.
ولأن الكمبيالة، ورقة قابلة للتداول، بوسائل التظهير والمناولة، فإنه لا يُعرف من سيكون حامل الكمبيالة الأخير، الذي سيتقدم لاستيفاء قيمتها. لذا، فإن تحديد محل الوفاء، سيمكن حامل الكمبيالة الأخير من الاهتداء إليه.
على أنه يلاحظ، أن خلوّ الصك من هذا البيان، لا يؤدي إلى بطلانه، كورقة تجارية، ما دام موضحاً فيه موطن المسحوب عليه، إذ يُفترض في هذه الحالة، أن المكان المبين إلى جانب اسم المسحوب عليه، هو موطن المسحوب عليه، ومكان وفاء الكمبيالة أيضًا.
2. الشروط الموضوعيـــة
يُعَدّ إصدار الكمبيالة تصرفًا قانونيًا، من جانب واحد، يتحقق بإرادة واحدة، وهي إرادة الساحب.
ولكن، لكي يكون هذا الالتزام صحيحًا، فإنه يجب استيفاء شروط موضوعية، إلى جانب الشروط الشكلية، لإبرام أي تصرف قانوني، وهي الرضاء (الإرادة)، والمحل، والسبب، والأهلية.
أ. الرضاء
ويقصد بالرضاء اتجاه إرادة الساحب، إلى قبول التزام عليه، بتوقيع الكمبيالة.
ولصحة التزام الساحب، يجب أن يكون رضاؤه موجوداً، وسليماً، وخالياً من أي عيب من عيوب الإرادة، كالغلط، والإكراه، والتدليس؛ وإلاَّ كان التزامه باطلاً.
ب. المحل والسبب
محل أي عقد، هو إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهاؤه.
ومحل الالتزام، الذي يجب أن يثبت في الكمبيالة، ينحصر في دفع مبلغ معين من النقود. فإذا كان محل الالتزام في الصك شيئاً آخر، غير دفع مبلغ نقدي (كتسليم عقار)، فقدَ صفته، ككمبيالة، وخرج من نطاق الأوراق التجارية.
كذلك، يجب أن يكون سبب التزام الساحب موجودًا ومشروعًا. ويشترط لمشروعية السبب ألاَّ يكون مخالفًا للقواعد والآداب العامة (كأن يجري سحب كمبيالة، وفاءً لصفقة مخدرات).
ج. الأهليــــة
يشترط لصحة أي تصرف قانوني، أن يتحقق في مَن أبرمه الأهلية اللازمة لذلك. وتُعَدّ الكمبيالة عملاً تجاريًا مطلقًا. لذلك، يشترط في من يوقِّعها، أن يكون أهلاً لتولي الأعمال التجارية، أي أن لا يكون مصابًا بأي عارض من عوارض فقدان الأهلية؛ وأن يكون قد بلغ السن، التي يجب أن يبلغها من يلتزم بالكمبيالة (وتختلف هذه السن من تشريع إلى آخر).
ويجب ملاحظة إمكانية سحب الكمبيالة، بالنيابة، من طريق وكيل الساحب الذي يوقّع الصك، ويضيف إلى توقيعه ما يفيد أنه يوقع نيابة عن موكله.
ثانياً: تداول الكمبيالـة
بدأ في أوروبا، منذ القرن السادس عشر، استعمال التظهير، كوسيلة لنقل الحق الوارد في الكمبيالة، من شخص إلى آخر. وعملية التداول هذه، تسمي بـ "حوالة الحق". وعرف التظهير، منذ ذلك الوقت، عدة مراحل من التطوير؛ فتعددت أنواعه، لتشمل التظهير التام (الناقل للملكية)، والتظهير التوكيلي، والتظهير التأميني.
1. التظهير التـــام
التظهير التام، أو التظهير الناقل، ويُقصد به نقل الحق، الثابت في صك الكمبيالة، من المُظهِّر، بالكتابة على ظهرها، بما يفيد نقل ملكية ذلك الحق من المُظَهِّر إلى المُظَهَّر إليه.
ويشترط لصحة التظهير التام، استيفاء شروط موضوعية، تمثل الشروط نفسها، الواجب استيفاؤها في الكمبيالة، لصحة التزام المُظَهِّر، في مواجهة المظهر إليه. وهذه الشروط تمثل خلوّ إرادة المُظَهر من أي عيب من عيوب الإرادة؛ وأن يكون لهذا الالتزام محل وسبب مشروعان، كما يجب أن يكون التظهير من شخص كامل الأهلية.
وإضافة إلى الشروط الموضوعية، لا بدّ من شروط شكلية خاصة، لازمة لصحة التظهير، فيجب أن يكون تظهير الكمبيالة، كتابة، على الصك نفسه.
وعادة ما يؤشر بالتظهير على ظهر الكمبيالة، ومن هنا جاء اسم التظهير. ولكن هذا، لا يمنع من أن يكون التظهير على وجهها.
ولاستكمال الشروط الشكلية، فإن هناك بعض البيانات الإلزامية، الواجبة الاستكمال، لصحة عملية التظهير، أبرزها:
أ. تاريخ التظهيــر
تُعَدّ كتابة تاريخ التظهير، أي تاريخ تحويل الملكية إلى المظهَّر إليه، من البيانات، التي يجب أن تتضمنها الكمبيالة.
وتحديد تاريخ التظهير، يفيد في أحكام الأهلية والإفلاس. فلو كان المظهِّر محجوزاً عليه، أو مفلساً، فإنه قد يلجأ إلى تقديم تاريخ التظهير، ليكون سابقاً على صدور قرار الحجز أو شهر الإفلاس، بهدف الإفلات من بطلان التصرف (التظهير).
وينتقد الفقهاء وبعض رجال القانون، نظام جنيف الموحد، المنظم لقواعد الأوراق التجارية، لعدم نصه على إلزام وضع تاريخ التظهير على الكمبيالة.
ب. اسم المُظهَّر إليه
يشترط إيضاح اسم من ستنتقل إليه الكمبيالة، بالتظهير. ويكون اسم المظهر إليه مقترناً بشرط الأمر "ادفعوا لأمر....".
وقد تتكرر عملية التظهير عدة مرَّات، وبذلك تحمل الكمبيالة عدة توقيعات بالتظهير إلى الغير، حتى تستقر في يد المظهَّر إليه الأخير (الحامل الأخير)، الذي يطالب المسحوب عليه بالدفع في ميعاد الاستحقاق، المنصوص عليه في الكمبيالة.
ج. توقيع المظهِّر
يشترط، كذلك، توقيع الكمبيالة من قِبل المظهِّر، وإلاَّ عُدَّ التظهير باطلاً. وقد يكون التوقيع في حالة التظهير، إمّا كتابة، وإمّا خَتْماً، أو من طريق بصمة الإصبع.
2. التظهير التوكيلي
يقصد بالتظهير التوكيلي، ذلك التوكيل، الذي يسلِّم المالك، بمقتضاه، الكمبيالة إلى شخص آخر، مع توكيله بتحصيل قيمتها، بمجرد حلول ميعاد الاستحقاق، لحسابه (المُظهِّر). فيصبح المظهر صاحب الحق فيها؛ ومن ثَم، يستطيع، في حالة إفلاس الحامل (المُظهر إليه)، أن يسترد الصك، من دون أن تدخل قيمته في أصول التفليسة.
والتظهير التوكيلي، عادة ما يلجأ إليه حامل الكمبيالة؛ لأنه ليس لديه الوقت الكافي لتحصيل الكمبيالات، التي يحتفظ بها؛ أو لأن الكمبيالة مسحوبة على مكان آخر، بعيد عن مكان الحامل. وغالباً ما يكون المُظهر له في توكيل، مصارف أو مؤسسات مالية متخصصة، ذات فروع في دول العالم ومناطقه المختلفة.
وإضافة إلى الشروط المتعلقة بالتظهير التام، السابق ذكرها، فإن المظهر، لا بدّ أن يورد على الصك عبارة واضحة تفيد التوكيل، مثل عبارة للتوكيل، أو للتحصيل، أو "لقبض القيمة". ويلاحظ أن بعض المصارف، تتسلّم كمبيالات من عملائها، مظهرة تظهيرًا توكيليًا، بغرض تحصيلها. وعلى الرغم من عدم تحصيل قيمة الورقة، نقدًا، فإن المصرف يضيف مبلغ الكمبيالة على حساب العميل.
ويُفسر ذلك بأنه لدى اتخاذ المصرف هذه الخطوة، فإن التظهير التوكيلي، يتحول، تلقائيًا، إلى تظهير تام.
3. التظهير التأميني
يقصد بتظهير الكمبيالة تظهيرًا تأمينيًا، أن يرهنها المظهر لدى المظهر إليه، ضمانًا لدَين المقرض (المظهر إليه)؛ فهو يرهن، بذلك، الحق الثابت له في الكمبيالة، لدى المظهر إليه، ضمانًا لدَين المقرض (المظهر إليه)، في ذمة المُظهِّر.
والتظهير التأميني نادر الحدوث، في الواقع العملي؛ وذلك لأن حامل الكمبيالة، في مقدوره أن يخصمها لدى المصرف، ليحصل على احتياجاته من النقود، بدلاً من رهنها.
وبالنسبة إلى صحة التظهير التأميني، فإن شروطه لا تختلف عن شروط التظهير التام، باستثناء ورود ما يفيد أن "التظهير قيمة للرهن"، أو "للضمان"، أو أي عبارة أخرى، تفيد المعنى نفسه.
ثالثاً: ضمانات الوفاء بقيمة الكمبيالة
توجد عدة ضمانات، وضعها المشرّع للوفاء بقيمة الكمبيالة، بهدف أن يطمئن حاملها إلى الحصول على حقه، وحتى تؤدي الكمبيالة وظيفتها في البيئة التجارية، كوسيلة وفاء وائتمان. وثمة نوعان رئيسيان، لضمان الوفاء بقيمة الكمبيالة:
1. القبـــــول
يمثل القبول تعهدًا كتابيًا، سابقًا لتاريخ استحقاق الكمبيالة، من المسحوب عليه ـ بالوفاء بقيمتها، فور استحقاقها. وتعهد المسحوب عليه، لا بدّ من أن يتمثل في توقيعه الكمبيالة؛ ما يعني، علاوة على التزامه الكمبيالة، اعترافه بوجود مقابل للوفاء لديه.
وقبول المسحوب عليه الكمبيالة، يجب أن يكون كتابة على الورقة نفسها. ولا يشترط ذكر عبارة معينة، فيجوز أن يؤشِّر المسحوب عليه على الصك، بعبارة "مقبول"، أو "معتمد للقبول"، أو أي لفظ آخر، يفيد المعني نفسه.
ولأن القاعدة تنص على عدم وجود إلزام للمسحوب عليه بقبول الكمبيالة قبل ميعاد استحقاقها، (حتى مع توافر مقابل الوفاء لديه)، فإنه قد يمتنع عن قبولها. وفي هذه الحالة، يحق لحامل الورقة، المفاضلة بين الرجوع إلى الموقعين، أو الانتظار حتى حلول ميعاد الاستحقاق، وتجاهل الدفع؛ ذلك أن رفض قبول الكمبيالة، لا يعني، بالضرورة، رفض الدفع في ميعاد الاستحقاق.
وفي حالة اختيار حامل الصك الرجوع إلى الموقعين، قبل تاريخ الاستحقاق، فإن عليه إثبات امتناع المسحوب عليه، عن قبول الكمبيالة، بواسطة إجراء رسمي، يسمى "بروتستو عدم القبول".
(وبروتستو) عدم القبول، هو ورقة رسمية من أوراق المحضرين، تثبت امتناع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة، قبل ميعاد استحقاقها، فتُمكن (بذلك الإثبات الرسمي) حامل الكمبيالة، من الرجوع الفوري، إلى الموقعين على الصك.
ولحامل الكمبيالة الأخير، إثبات عدم القبول، في أي وقت، يتخلل الفترة ما بين رفض القبول وميعاد استحقاق الصك.
2. تضامن الموقعيــن
مُنِحَ حامل الكمبيالة ضمانًا آخر، يتمثل في إعطائه حق الرجوع إلى جميع الموقعين على الكمبيالة (ساحب الكمبيالة ومظهرها وقابلها)، مطالباً إيَّاهم بالوفاء بقيمة الصك.
هذا يعني أن كل من وقع الكمبيالة، ملتزم، بالتضامن، بالوفاء بقيمتها. ولإعمال هذا التضامن، يشترط على حاملها الأخير، أن يقدم ما يُثبت امتناع المسحوب عليه عن دفع قيمتها، في ميعاد استحقاقها؛ ويُثَبت ذلك، رسمياً، من طريق عمل (بروتستو) عدم الدفع.
(وبروتستو) عدم الدفع، هو ورقة من أوراق المحضرين، يُثبت فيها امتناع المسحوب عليه عن الوفاء بقيمة الكمبيالة، في ميعاد استحقاقها. وهذا الإجراء، يعطي الحق لحامل الصك، أن يرجع إلى الأشخاص الضامنين، في الكمبيالة؛ فهو بذلك يُعَدّ شرطًا للرجوع إلى الضامنين .
ويؤدي تحرير (بروتستو) عدم الدفع، إلى إلحاق ضرر بليغ بائتمان المسحوب عليه؛ وقد يكون توقفه عن الدفع مبرراً لشهر إفلاسه.
رابعاً: الوفاء بقيمة الكمبيالـة
إذا وفَى المسحوب عليه بقيمة الكمبيالة، يترتب على ذلك براءة ذمته؛ فضلاً عن براءة ذمة جميع موقعيها؛ وبذلك تنتهي حياة الورقة، إذ يمثل الوفاء من جانب المسحوب عليه، انقضاء الدَين الأصلي، الذي كان للساحب، في حدود المبلغ المدفوع.
أما إذا وَفَى المسحوب عليه، من دون أن يكون مدينًا عند الساحب (دون مقابل وفاء)، أو كان مدينًا بمبلغ أقلّ من قيمة الكمبيالة، كان له حق الرجوع إلى الساحب، ومطالبته بما دفعه، من دون وجود مقابل للوفاء.
ولإثبات الوفاء بقيمة الكمبيالة، يوقع الصك حامله، بما يفيد المخالصة. ثم يسلّم الكمبيالة للمسحوب عليه، بعد قبض قيمتها.
المبحث الثاني
السند الإذني
السند الإذني (أو سند لأمر)، هو صك محرر، يتضمن تعهد محرره، بدفع مبلغ معين من النقود، لإذن أو لأمر شخص آخر، يسمى المستفيد، في تاريخ معين، أو قابل للتعيين، أو بمجرد الاطلاع.
ويتناول هذا المبحث شروط السند الإذني، وسُبُل تداوله، والوفاء بقيمته، والفرق بينه وبين الكمبيالة.
أولاً: الشروط الشكلية والموضوعية
لإنشاء السند الإذني، لا بدّ من استيفاء عدة شروط، شكلية وموضوعية.
1. الشروط الشكلية للسند الإذني
يُشترط في الورقة التجارية، أيّاً كان نوعها، أن تكون مكتوبة في مُحرر، يتضمن توقيع المحرِّر، فلا يوجد السند الإذني، قانوناً، ما لم يكن ثابت في محرر، أي صك مكتوب. ولذلك، فإنه لا يجوز إثبات وجود السند الإذني بأي وسيلة غير الكتابة؛ أيّاً كانت قوتها (كالإقرار، مثلاً).
ولا يكفي لنشأة السند الإذني نشأة "صحيحة"، ثبوته في محرر، بل يجب أن يشتمل هذا المحرر على بيانات أساسية لتكوينه. وافتقاد أي من البيانات الشكلية التالية، يترتب عليه عدم القيمة القانونية للورقة، كسند إذني (أي بطلانها، قانوناً).
أ. تاريخ التحرير
يجب أن يتضمن صك السند الإذني تاريخ إنشائه. ويفيد تحديد تاريخ الإنشاء في عدة أمور؛ إذ على أساسه، يمكن معرفة أهلية الساحب، وقت إنشاء السند الإذني. إضافة إلى ذلك، فإن تاريخ الإنشاء، قد يفيد في تحديد ميعاد الاستحقاق، في حالة تحديد هذا الأخير، بعد فترة معينة من تاريخ إنشاء السند الإذني.
ب. مبلغ السند الإذني
إن موضوع الحق الثابت في أي ورقة تجارية، هو مبلغ من النقود. لذلك، وجب أن يكون هذا المبلغ مبيناً بالسند الإذني، ومحددًا على وجه الدقة. واشتراط ذكر المبلغ بطريقـة واضحة، لا لبس فيها ـ يتفق مع "مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجاريةً"، أي كونها تكفي بذاتها بمجرد الاطلاع عليها، لتحديد أشخاصها ومضمونها، والمبلغ المعين فيها.
يجب ملاحظة ارتباط المبلغ، المدون في السند الإذني، بعبارة الالتزام "أتعهد أنا". فإذا خلا الصك من شرط الالتزام بالدفع، خرج من عداد الأوراق التجارية.
والالتزام بالدفع، يجب أن يكون قاطعًا، في معناه، أي ليس غامضاً، ولا معلقًا على شرط؛ كأن يأتي بصيغة: "أتعهد أنا أحمد بالدفع" إلي محمد مبلغًا ….... بعد استلام البضاعة منه".
ج. اسم المستفيد
المستفيد هو الشخص، الذي حُرر من أجله السند الإذني. وهو يمثل الشخص الدائن في هذا المحرر. ويجب إيضاح اسمه بكل دقة، حتى لا يقع خطأ أو لبس في تحديد شخصيته، عند الوفاء له بقيمة السند الإذني، في ميعاد الاستحقاق.
د. توقيع المحرر
المحرِّر هو منشئ السند الإذني، وهو المدين، في الالتزام؛ فهو الذي أنشأ التزاماً عليه، قِبَل المستفيد بدفع مبلغ محدد، في الميعاد المحدد.
لذا، فإن توقيع المحرِّر، من أهم البيانات الإلزامية، التي يجب أن يحتويها السند الإذني المحرر.
وجرى العرف على أن يضع المحرِّر توقيعه، عادة، أسفل السند الإذني، وهو يُعَدّ قرينة على التزام المحرِّر بكل ما تضمنه الصك.
والتوقيع يكون كتابة، وهو الغالب. كما يجوز أن يكون بختم الساحب الخاص به أو ببصمة إصبعه.
هـ. تاريخ الاستحقاق
يُعَدّ ميعاد الاستحقاق من البيانات الأساسية، في الورقة التجارية؛ إذ يحدد على أساسه استحقاق المستفيد لحقه، في الورقة.
كما أنه ابتداء من تاريخ الاستحقاق، يبدأ سريان مواعيد الرجوع إلى موقعي السند الإذني، ورفع الدعوى في حقهم. وتتعدد سُبُل تعيين ميعاد الاستحقاق في السند الإذني، فقد يأخذ أحد الأشكال الآتية :
(1) الاستحقاق في تاريخ محدد: وهو الشكل الأكثر شيوعاً، لتحديد ميعاد الاستحقاق، مثل: "ادفعوا في يوم العاشر من صفر".
(2) الاستحقاق بعد مدة معينة من تاريخ السند الإذني: قد يستحق السند الإذني، بعد مدة معينة من تاريخ تحريره؛ كأن يذكر في الصك: "أتعهد بالدفع بعد شهر من تاريخه".
(3) الاستحقاق لدى الاطلاع : يكون السند الإذني مستحقاً لدى الاطلاع، عندما يذكر فيه: "أتعهد بالدفع لدى الاطلاع"، أو "لدى الطلب"، أو "عند التقديم"؛ ويكون، بذلك، واجب الدفع، بمجرد تقديمه، من جانب المستفيد، إلى المحرِّر.
(4) الاستحقاق بعد مدة معينة من الاطلاع : قد يكون السند الإذني مستحق الوفاء، بعد مدة معينة من تقديمه إلى المحرِّر، من جانب المستفيد. مثال ذلك، أن يذكر في الصك: "أتعهد بالدفع بعد (3 أشهر) من الاطلاع".
(5) الاستحقاق في يوم مشهور : يجوز أن يكون السند الإذني مستحق الدفع، في يوم معروف، كيوم عيد، أو يوم سوق . مثل أن يقال: "أتعهد بالدفع في يوم عيد الأضحى"، أو "في يوم رأس السنة الهجرية"، أو "في يوم السوق أو المعرض المشهور".
2. الشروط الموضوعيــة
يُعَدّ إصدار السند الإذني تصرفاً قانونياً، من جانب واحد، يتحقق بإرادة واحدة، وهي إرادة المحرِّر، المدين في هذا الالتزام.
ولكن، لكي يكون هذا الالتزام صحيحًا، فإنه يجب استيفاء شروط موضوعية، إلى جانب الشروط الشكلية، لإبرام أي تصرف قانوني؛ وهي: الرضاء (الإرادة)، والمحل والسبب، والأهلية.
|
أ. الرضــاء
ويقصد بالرضاء اتجاه إرادة المحرِّر، إلى قبول التزام عليه، بتوقيع السند الإذني. ولصحة التزام المحرر، يجب أن يكون رضاؤه موجوداً، وسليماً، وخالياً من أي عيب من عيوب الإرادة، كالغلط، والإكراه، والتدليس؛ وإلاَّ كان التزامه باطلاً.
ب. المحل والسبب
محل أي عقد، هو إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهاؤه.
ومحل الالتزام، الذي يجب أن يثبت في السند الإذني، ينحصر في دفع مبلغ معين من النقود. فإذا كان محل الالتزام في الصك شيئاً آخر، غير دفع مبلغ نقدي (كتسليم عقار)، فقدَ صفته، كسند إذني، وخرج من نطاق الأوراق التجارية.
كذلك، يجب أن يكون سبب التزام المحرِّر موجودًا، ومشروعًا، ويشترط لمشروعية السبب، ألاَّ يكون مخالفًا للقواعد والآداب العامة (كأن يُحرَّر السند الإذني وفاءً لصفقة مخدرات).
ج. الأهليــة
يشترط لصحة أي تصرف قانوني، أن تتمثل في من يبرمه، الأهلية اللازمة لإبرامه.
وإنشاء السند الإذني، لا يُعَدّ عملاً تجارياً، إلاَّ إذا:
(1) كان محرِّر السند تاجراً، حتى لو كان تحريره بسبب عملية مدنية.
(2) حُرِّر لأعمال تجارية، حتى لو كان محرره غير تاجر.
وإن خلا السند الإذني من أي من هذين الشرطين، فإنه يكتسب الصفة المدنية.
وبذلك، لا يشترط فيمن يحرر سنداً إذنياً؛ أن يكون أهلاً للقيام بالأعمال التجارية، مستوفياً أحد الشرطين السابقين؛ بل يُكتفى فقط أن يكون أهلاً للقيام بالأعمال المدنية.
ثانياً: تداول السند الإذني
بدأ في أوروبا، منذ القرن السادس عشر، استعمال التظهير، كوسيلة لنقل الحق الوارد في السند الإذني، من شخص إلى آخر. وعملية التداول هذه، تسمى بـ "حوالة الحق". وعرف التظهير، منذ ذلك الوقت، عدة مراحل من التطوير، فتعددت أنواعه، لتشمل التظهير التام (الناقل للملكية)، والتظهير التوكيلي، والتظهير التأميني.
1. التظهير التــام
التظهير التام، أو التظهير الناقل للملكية، ويُقصد به، نقل الحق، الثابت في صك السند الإذني، بالكتابة على ظهره، بما يفيد نقل ملكية ذلك الحق من المُظَهِّر إلى المُظهَّر إليه.
ويشترط لصحة التظهير التام، استيفاء شروط موضوعية، تمثل الشروط نفسها، الواجب استيفاؤها في السند الإذني، لصحة التزام المُظَهِّر، في مواجهة المُظَهَّر إليه. وهذه الشروط تمثل خلوّ إرادة المُظَهِّر من أي عيب من عيوب الإرادة، وأن يكون لهذا الالتزام محل وسبب مشروعان، كما يجب أن يكون التظهير من شخص كامل الأهلية.
وإضافة إلى الشروط الموضوعية، يجب استيفاء شروط شكلية خاصة، لازمة لصحة التظهير، فيجب أن يكون تظهير السند الإذني، كتابة، على الصك نفسه.
وعادة ما يؤشر بالتظهير على ظهر السند الإذني، ومن هنا جاء اسم التظهير. ولكن هذا، لا يمنع من أن يكون التظهير على وجهه.
ولاستكمال الشروط الشكلية، فإن هناك بعض البيانات الإلزامية، الواجبة الاستكمال، لصحة عملية التظهير، أهمها:
أ. تاريخ التظهيــر
تُعَدّ كتابة تاريخ التظهير، أي تاريخ تحويل ملكية الصك إلى المظهَّر إليه، من البيانات، التي يجب أن يتضمنها السند الإذني.
وتحديد تاريخ التظهير، يفيد في أحكام الأهلية والإفلاس. فلو كان المظهِّر محجوزاً عليه، أو مفلساً، فإنه قد يلجأ إلى تقديم تاريخ التظهير، ليكون سابقاً على صدور قرار الحجز أو شهر الإفلاس، بهدف الإفلات من بطلان التصرف (التظهير).
وينتقد الفقهاء وبعض رجال القانون، نظام جنيف الموحد، المنظم لقواعد الأوراق التجارية، لعدم نصه على إلزام وضع تاريخ التظهير على السند الإذني.
ب. اسم المُظهَّر إليه
يشترط إيضاح اسم من سينتقل إليه السند الإذني بالتظهير.
وقد تتكرر عملية التظهير عدة مرَّات، وبذلك يحمل السند الإذني عدة توقيعات بالتظهير إلى الغير، حتى تستقر في يد المظهر إليه الأخير (الحامل الأخير)، الذي يطالب المحرر (المدين) بالدفع في ميعاد الاستحقاق، المنصوص عليه في السند الإذني.
ج. توقيع المظهِّر
يشترط، كذلك، توقيع السند الإذني من قِبل المظهِّر، وإلاَّ عُدَّ التظهير باطلاً. وقد يكون التوقيع، في حالة التظهير، إمّا كتابة، وإمّا خَتْمًا، أو من طريق بصمة الإصبع.
. التظهير التوكيلي
يقصد بالتظهير التوكيلي، ذلك التوكيل، الذي يسلم المستفيد، بمقتضاه، السند الإذني إلى شخص آخر، مع توكيله بتحصيل قيمته، بمجرد حلول ميعاد الاستحقاق، لحسابه (المُظهِّر).
وبذلك، يُعَدّ المظهر صاحب الحق في السند الإذني (المستفيد)؛ ومن ثَم، يستطيع، في حالة إفلاس الحامل (المُظهر إليه)، أن يسترد الصك، من دون أن تدخل قيمته في أصول التفليسة.
والتظهير التوكيلي، عادة ما يلجأ إليه المستفيد (أو الحامل الأخير)؛ لأنه ليس لديه الوقت الكافي لتحصيل السند الإذني. وغالبًا ما يكون المُظهر له في توكيل، مصارف أو مؤسسات مالية متخصصة، ولها فروع في دول العالم ومناطقه المختلفة.
إضافة إلى الشروط المتعلقة بالتظهير التام، السابق ذكرها، فإن المظهر، لا بدّ أن يورد على الصك عبارة واضحة، تفيد التوكيل، مثل عبارة للتوكيل، أو للتحصيل، أو "لقبض القيمة" .
ويجب ملاحظة استلام بعض المصارف سندات إذنية من عملائها، مظهرة تظهيرًا توكيلياً، بغرض تحصيلها . وعلى الرغم من عدم تحصيل قيمة الورقة، نقدًا، فإن المصرف يعمد إلى إضافة مبلغ السند الإذني على حساب العميل.
ويُفسر ذلك بأنه لدى إضافة المصرف قيمة الورقة على حساب عميله (المظهر)، فإن التظهير التوكيلي، يتحول، تلقائيًا، إلى تظهير تام.
3. التظهير التأميني
يقصد بتظهير السند الإذني تظهيرًا تأمينيًا، أن يرهنه المظهِّر لدى المظهر إليه، ضماناً لدَين المقرض (المظهر إليه)؛ فهو يرهن، بذلك، الحق الثابت له في السند الإذني، لدى المظهر إليه، ضمانًا لدَين المقرض (المظهر إليه)، في ذمة المُظهِّر.
والتظهير التأميني نادر الحدوث، في الواقع العملي؛ وذلك لأن حامل السند الإذني، في مقدوره أن يخصمه لدى المصرف، ليحصل على احتياجاته من النقود، بدلاً من رهنه.
وبالنسبة إلى صحة التظهير التأميني، فإن شروطه لا تختلف عن الشروط المتعلقة بالتظهير التام، باستثناء ورود ما يفيد أن "التظهير قيمة للرهن"، أو "للضمان" أو أي عبارة أخرى، تفيد المعنى نفسه.
ثالثاً: الوفاء بقيمة السند الإذني
يجب على حامل السند مطالبة محرِّره بالوفاء بقيمة السند، في ميعاد استحقاقه، لا قبله، ولا بعده. ويجب أن يكون الوفاء في المكان المحدد في السند. وفي حالة عدم تضمن السند مكاناً للوفاء، وجب الوفاء في موطن محرِّر السند الإذني.
وفي حالة عدم وفاء محرِّر السند بقيمة الصك، في ميعاد الاستحقاق المحدد، فإن على الحامل أن يبادر إلى عمل (بروتستو) عدم الدفع. وهدف تحرير (البروتستو) حفظ حق حامل الإذن في الرجوع إلى موقعي الورقة.
وبروتستو عدم الدفع، هو ورقة من أوراق المحضرين، يثبت فيها امتناع المدين (محرر السند الإذني)، عن الوفاء بقيمة السند الإذني، في ميعاد استحقاقه.
ويؤدي تحرير بروتستو عدم الدفع، إلى إلحاق ضرر بليغ بائتمان المسحوب عليه؛ وقد يكون توقفه عن الدفع مبرراً لشهر إفلاسه، تسديداً لالتزامه تجاه الدائنين.
وهذا الإجراء، يعطي الحق لحامل الصك، أن يرجع إلى جميع موقعي السند الإذني (المحرر والمظهرين والضامن الاحتياطي)، على وجه التضامن، للوفاء بالتزاماتهم، المترتبة على امتناع المحرر عن الدفع.
المبحث الثالث
الشيك
منذ أواخر القرن الثامن عشر، وحتى أواخر القرن التاسع عشر، جرى تطوير الأوراق التجارية، والوسائل التي كانت تستخدمها المصارف، بقصد تيسير التصرف في الأموال المودعة لديها. واستكمل الشيك عناصره، وبدأ يأخذ شكلاً قانونياً، في أواخر القرن التاسع عشر؛ فجاء تنظيمه، في فرنسا ، من خلال القانون، الصادر عام 1865، ليضع القواعد، التي تحكم التعامل به.
وفي بداية ظهور الشيك، كان استخدامه قاصراً على التجار والموسرين. ولكن التطور الذي شهدته التعاملات، التجارية والمصرفية، في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، أدّى إلى انتشار استعمال الشيك بين مختلف طبقات المجتمع، خاصة في أوروبا وأمريكا.
ونظراً إلى قلة القوانين، التي تعالج الشيك، يرجع الفقه والقضاء إلى الأحكام، التي استقر عليها العرف في هذا الخصوص، خاصة العرف الدولي، وفي مقدمته القانون الموحد، الموضوع في جنيف، عام 1931.
وسيتناول هذا المبحث خصائص الشيك، وشروط إنشائه، وسُبُل تداوله، والوفاء بقيمته، وأخطاره ووسائل الحدّ منها.
أولاً: خصائص الشيك
الشيك هو صك مكتوب، وفقاً لشكل معين، يتضمن أمراً صادراً من الساحب (المحرر) إلى المسحوب عليه (المصرف)، بدفع مبلغ معين، لأمر شخص ثالث، يسمى المستفيد، أو لحامله، بمجرد الاطلاع .
ويتسم الشيك بالعديد من الخصائص، فهو مستحق الدفع، لدى الاطلاع؛ ويمثل، في الأصل، وسيلة وفاء فحسب، ولا يمكن أن يتضمن تاريخًا محددًا للاستحقاق؛ ولذلك، فهو يستحق الدفع فور تقديمه إلى المصرف.
ويستلزم وجود الشيك ثلاثة أطراف: الساحب، والمسحوب عليه، والمستفيد. إضافة إلى ذلك، فإن الشيك يتضمن أمراً بالدفع، من الساحب إلى المسحوب عليه، في مصلحة المستفيد. ولا بدّ أن يُسحب الشيك على مصرف؛ فلا يجوز سحبه على شخص، طبيعي أو معنوي، غير المصرف.
ولا بدّ أن يكتب الشيك على نموذج خاص، يتولى طبعه المصرف المسحوب عليه، ويقدمه إلى عميله. وعندما يرغب العميل في سحبه، فما عليه سوى ملء هذا النموذج وتوقيعه. ويُعَدّ الشيك وسيلة وفاء فقط؛ ولذلك، فهو يكون واجب الدفع، عند الاطلاع.
ثانياً: شروط إنشاء الشيك
لإنشاء الشيك صحيحاً، لا بدّ من عدة شروط، شكلية وموضوعية.
1. الشروط الشكلية
تُعِدُّ المصارف نماذج للشيك، وتسلّمها إلى عملائها. وتتضمن كل "ورقة شيك" اسم العميل، ورقم حسابه المفتوح له في المصرف. أمّا باقي البيانات (مثل تاريخ الشيك، واسم المستفيد، والمبلغ المسحوب على المصرف، ومكان توقيع الساحب)، فتترك فارغة، ليملأها العميل نفسه؛ وأهمها:
أ. توقيع الساحب
يجب أن يتضمن الشيك توقيع محرِّره، والذي يُعَدّ من أهم البيانات، التي يجب أن يتضمنها صك الشيك؛ وإلاَّ فقدَ كل قيمة قانونية له. ويجوز أن يوقع الساحب الصك، بخط يده، أو بالختم، في حالة عدم استطاعته ذلك؛ كما قد يكون التوقيع ببصمة الإصبع.
ب. تاريخ الإنشاء
يجب أن يتضمن الشيك تاريخ تحريره. فإذا خلا من هذا التاريخ، أو تضمن تواريخ متعددة، أصبح معيباً. ويجوز للمحرِّر أن يترك هذا البيان فارغاً، على أن يملأه المستفيد، وقتما يشاء.
ج. اسم المستفيد مصحوباً بشرط الأمر
المستفيد في صك الشيك، هو الدائن، الذي يجب إيضاح اسمه، حتى لا يقع غلط في تحديد شخصيته، عند تقديمه الشيك إلى المصرف، للوفاء بقيمته.
واسم المستفيد، يجب أن يكون مصحوباً بشرط الأمر، أي أن يكون مقروناً بعبارة "للأمر"، أو "للإذن"، على الصك نفسه، سواء قَبْل اسم المستفيد أو بعده.
أما إذا كان الشيك لحامله، فيجب أن يصدر الصك متضمناً لفظ "لحامله". وتصدر المصارف، عادة، نماذج مطبوعة، متضمنة هذا البيان، على أنه إذا كتب محرِّر الشيك ما يفيد إلغاء شرط الأمر (كالتأشير عليه بعدم قابليته للتداول، أو حذف عبارة للأمر)، فقدَ الصك صفته التجارية، وأصبح ورقة مدنية، غير قابلة للتداول من طريق التظهير؛ إذ يُعَدّ الشيك صادراً باسم شخص معين.
وقد يكون ساحب الشيك محرره. ويلجأ الساحب إلى ذلك، عادة، عندما يرغب في سحب مبالغ مودعة في حسابه، لدى المصرف.
د. اسم المسحوب عليه
يجب أن يتضمن الشيك اسم المصرف المسحوب عليه الصك. وعادة ما يكون اسمه (أو فرعه) مطبوعاً مسبقاً على نموذج الشيك، وبيان المكان، الموجود فيه هذا المصرف.
ولقد عمد الساحب إلى إصدار أمر إلى المصرف المسحوب عليه الشيك، بناء على علاقة سابقة بينهما أصبح بنتيجتها محرر الشيك دائناً للمصرف، وتسمى هذه العلاقة مقابل الوفاء.
هـ. مبلغ الشيك
إن موضوع الحق، الثابت في أي ورقة تجارية، هو مبلغ من النقود. لذلك، وجب أن يكون هذا المبلغ مبيناً في الشيك، ومحدداً على وجه الدقة. واشتراط ذكر المبلغ، بطريقة واضحة، لا لبس فيها، يتفق مع "مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجارية"؛ أي كونها تكفي بذاتها، بمجرد الاطلاع عليها، لتحديد أشخاصها ومضمونها، والمبلغ المعين فيها. فإذا كان الوفاء بالمبلغ، المذكور في الشيك، معلقاً على شرط، مثل تسليم بضاعة، فان الصك يخرج من عداد الأوراق المالية التجارية.
وجرى العرف، أن يكتب بيان مبلغ الشيك مرتين: أحدهما بالحروف، والأخرى بالأرقام؛ وذلك لتأكيد رقم مبلغ الشيك، ومنعاً للتلاعب به وتزويره.
و. الأمر بالدفع لدى الاطلاع
يجب أن يوجه الساحب أمراً إلى المسحوب عليه، بالدفع لدى الاطلاع على الشيك. فلا يصح أن يُصدر الشيك بصيغة التعهد بالدفع، كما هو الحال في السند الإذني.
ويجب أن يصدر هذا الأمر مجرداً من أي شرط أو تأجيل؛ وإلاَّ فقدَ صفته، كشيك.
ويفقد الصك صفته، كشيك، إذا كان مضافاً إلى آجل؛ ويتحول إلى كمبيالة، إذا استوفى بقية البيانات اللازمة لذلك.
ز. الشيك المؤخر التاريخ
قد يعمد الساحب، عند تحريره الشيك، إلى تأخير سحبه، قاصداً بذلك تأخير تقديم الشيك للوفاء بقيمته، حتى يستفيد من فترة تأجيل الدفع، وإرسال مقابل الوفاء إلى المصرف المسحوب عليه. ولا تؤدي عملية سحب الشيك إلى بطلانه.
وهذا المفهوم يعارض إحدى الخصائص و الأركان الأساسية للشيك، و هي أنه يستحق الوفاء بمجرد الاطلاع، و أنه لا يُعَدّ أداة للائتمان.
ولذلك، فإن بعض الدول، مثل فرنسا، على الرغم من أنها تَعُدّ الشيك المؤخر التاريخ صحيحاً، إلا أن القانون التجاري الفرنسي، قد نص على أنه، في حالة تقديم الشيك إلى المصرف، من قِبل حامله، في تاريخ سابق على التاريخ المحدد كتاريخ إصدار؛ فإن المصرف، في هذه الحالة، يلتزم بالوفاء بقيمة الشيك، على الرغم من عدم حلول ميعاد التاريخ المبين في الصك.
والمفهوم السابق نفسه، يؤخذ به في بعض الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية؛ إذ ينص نظام الأوراق التجارية السعودي،على أن الشيك يكون صحيحاً، ويُعَدّ مستحق الوفاء، في أي وقت؛ و ذلك بصرف النظر عن تقديم تاريخ الشيك أو تأخيره.
وعلى عكس ذلك، فلقد جرى العرف، في بعض الدول الأخرى، مثل جمهورية مصر العربية، أن يترتب على تأخير إصدار الشيك، التزام على المستفيد بعدم تقديمه إلى المصرف المسحوب عليه، قبل ذلك التاريخ؛ ويحق للمصرف رفض الوفاء بقيمة الشيك، إذا ما توجّه حامله إلى المصرف، قبل التاريخ المبين في الصك.
2. الشروط الموضوعيـة
يُعَدّ إصدار الشيك تصرفًا قانونياً، من جانب واحد، يتحقق بإرادة واحدة، هي إرادة الساحب.
ولكن، لكي يكون هذا الالتزام صحيحًا، فإنه يجب استيفاء شروط موضوعية، إلى جانب الشروط الشكلية، لإبرام أي تصرف قانوني، وهي الإرادة، والمحل والسبب، والأهلية.
أ. الرضــــاء
ويقصد بالرضاء اتجاه إرادة المحرِّر، إلى قبول التزام عليه، بتوقيعه الشيك.
ولصحة التزام المحرِّر، يجب أن يكون رضاؤه موجوداً، وسليماً، وخالياً من أي عيب من عيوب الإرادة، كالغلط، والإكراه، والتدليس؛ وإلاَّ كان التزامه باطلاً.
ب. المحل والسبب
محل أي عقد، هو إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهاؤه.
ومحل الالتزام، الذي يجب أن يثبت في الشيك، ينحصر في دفع مبلغ معين من النقود. فإذا كان محل الالتزام في الصك شيئاً آخر، غير دفع مبلغ نقدي (كتسليم عقار)، فقدَ صفته، كشيك، وخرج من نطاق الأوراق التجارية.
كذلك، يجب أن يكون سبب التزام المحرر موجوداً، ومشروعاً؛ ويشترط لمشروعية السبب، ألاَّ يكون مخالفًا للقواعد والآداب العامة (كأن يكون سحب شيك، وفاءً لصفقة مخدرات).
ج. الأهليـــة
يشترط لصحة أي تصرف قانوني، أن يتمتع صاحبه بالأهلية اللازمة لإبرامه، أي أن لا يكون مصاباً بأي عارض من عوارض الأهلية؛ وأن يكون قد بلغ السن، التي يجب أن يبلغها من يلتزم بالشيك (وتختلف هذه السن من تشريع إلى آخر).
ويجب ملاحظة إمكانية سحب الشيك، بالنيابة، من طريق وكيل الساحب، الذي يوقع الصك، ويضيف إلى توقيعه ما يفيد أنه يوقع نيابة عن موكله.
ثالثاً: أنواع الشيكات
توجد عدة أنواع من الشيكات، معروفة ومتداولة حتى الآن، هي: الشيك المسطر، والشيك السياحي، والشيك المعتمد.
1. الشيك المسطر
الشيك المسطر، هو شيك، المستفيد فيه أحد المصارف؛ فلا يجوز الوفاء بالشيك المسطر لحاملة، إذا كان فردًا عاديًا. فإذا كان المستفيد من الشيك شخصاً عادياً، وجب عليه تظهير الشيك تظهيراً ناقلاً للملكية، لأحد المصارف (أو من طريق توكيل أحد المصارف)، الذي يتقدم، بدوره، إلى المصرف المسحوب عليه، للوفاء بقيمة الشيك.
ويتميز الشيك المسطر عن الشيك العادي، بوجود خطين متوازيين على صدره، بينهما فراغ. وقد خصّه قانون جنيف الموحد بتنظيم، تضمنته نصوص الفصل الخامس منه، حيث نص على عدم جواز صرف الشيك المسطر، إلاَّ لأحد المصارف، أو لعميل المصرف المسحوب عليه الشيك.
والتسطير على صدر الشيك، قد يكون عاماً أو خاصاً.
والتسطير العام، يقصد به ترك الفراغ بين الخطين، من دون الإشارة إلى اسم مصرف معين. وبموجب هذا النوع من التسطير، يجوز الوفاء بقيمة الشيك لأي مصرف يتقدم بالصك إلى المصرف المسحوب عليه.
أما بالنسبة إلى التسطير الخاص، فيملأ فيه الفراغ الموجود بين الخطين، باسم مصرف معين. وفي هذه الحالة، يلتزم المصرف المسحوب عليه، بعدم الوفاء بقيمة الشيك، إلاَّ للمصرف المذكور اسمه، دون غيره.
ويجوز تسطير الشيك، من قبل الساحب، أو أحد المظهرين، أو من قبل المصرف، الذي يتولى خصم الشيك أو تحصيله.
ويهدف تسطير الشيك إلى تفادي أخطار ضياعه، أو سرقته؛ إذ لا يجوز لمن يسرق الشيك أو يزوره، التقدم لصرفه، إلاَّ من طريق تظهيره لأحد المصارف، الذي يعمد إلى التحقق من شخصية حامل هذه الورقة، قبل الرجوع إلى المصرف المسحوب عليه.
2. الشيكات السياحية
الشيكات السياحية (أو شيكات المسافرين)، هي شيكات، يستخدمها أصحابها، عند السفر، لتفادي ضياع النقود وسرقتها.
وظهر نظام الشيك السياحي، للمرة الأولى، عام 1891، بسبب رحلة قام بها رئيس شركة "أمريكان أكسبريس" للسياحة، في أوروبا، صادفته فيها متاعب، راجعة إلى كيفية حصوله على نقود، في المدن التي زارها. فابتكر نظام الشيكات السياحية؛ ولذا، كان أول من أصدره، هو شركة "أمريكان أكسبريس".
ثم اتسع استعماله في معظم مصارف العالم.
ويقصد بهذا النوع من الشيكات، مبادرة الشخص المسافر، إلى إيداع مبلغ من النقود في أحد المصارف، التي توجد في بلده؛ ليحصل، في المقابل، على شيكات مسحوبة على جميع فروع هذا المصرف أو المصارف المراسلة له، في جميع أنحاء العالم. ويوقع العميل هذه الشيكات المسلّمة له، أمام المصرف المصدر لها؛ ويتسلّم منه أسماء الفروع والمصارف المراسلة، التي يستطيع أن يتوجه إليها، في مختلف دول العالم. والصورة الغالبة، هي أن تصدر الشيكات بفئات نقدية معينة.
وعند توجّه الشخص، صاحب الشيكات السياحية، إلى فروع المصرف، الذي أصدر هذه الشيكات، فإنه يملأ الفراغات الموجودة في الشيك؛ فيضع اسمه على الشيك، ثم يوقعه، للمرة الثانية، حتى يتمكن المصرف المسحوب عليه من مضاهاة التوقيعين، وتأكيد تطابقهما. وبناء على ذلك، فإن الشيك السياحي غير قابل للتظهير؛ فلا يصرف إلاَّ لصاحبه الأصلي، دون غيره.
3. الشيك المعتمد
يختلف الشيك عن الكمبيالة، في أنه لا يجوز تقديمه إلى المصرف للحصول على قبوله؛ على عكس الكمبيالة، التي يجوز تقديمها إلى المصرف المسحوب عليه، للحصول على قبولها. وجاء قانون جنيف الموحد، ليؤكد هذا المفهوم، ويحظر مبدأ قبول الشيك.
ولكن بعض الوسائل المصرفية، قللت من شأن هذا المفهوم؛ إذ أدخلت فرنسا، عام 1935، نصاً جديداً، يجيز تقديم الشيك إلى المصرف، للتأشير عليه بالاطلاع (Visa)؛ والتأشير على الشيك بالاطلاع، يعني تصديق المصرف على وجود مقابل وفاء لهذا الشيك، في تاريخ التأشير فقط.
فهو، بذلك، لا يلزم المصرف بتجميد مقابل للوفاء بالشيك، حتى تاريخ الاستحقاق.
وبعد ذلك، بدأ ظهور الشيك المعتمد، الذي يعتمده المصرف المسحوب عليه، بتوقيعه.
وباعتماد البنك للشيك، فإنه يصبح ملزمًا بتجميد الرصيد الخاص بهذا الشيك، طوال الفترة المحددة، لتقديم الشيك للوفاء.
ولعدم معارضة أحكام قانون جنيف الموحد ،في هذا الصدد، فلقد مُيِّز اعتماد الشيك عن قبول الكمبيالة؛ فهو يعني التزام المصرف بحجز مقابل الوفاء بالشيك، في مصلحة المستفيد، لفترة محددة. أما قبول الكمبيالة، فهو يعني إلزام الشخص المسحوب عليه بدفع قيمة الكمبيالة، في أي وقت، بداية من تاريخ الاستحقاق، يتقدم فيه المستفيد، مطالباً بالوفاء، ومن دون تحديد هذا الوقت بفترة زمنية.
وهناك أنواع أخرى من الشيكات، مثل الشيكات المستندية، الذي يكون الوفاء فيه مشروطاً بتقديم مستند (فاتورة)؛ والشيك على بيــاض، الذي يوقعه الساحب، من دون ذكر المبلغ الواجب الوفاء به، بقيد مبلغه لحساب الحامل، وعلى حساب الساحب . فلا يجوز صرفه، نقداً.
ذلك إضافة إلى الشيك المصرفي، الذي يمثل أمراً، يحرره المصرف على نفسه، بوفاء مبلغ معين لدى الاطلاع، للمستفيد منه. ويكون تحرير المصرف لهذه الورقة، بناء على طلب عميله، الذي يرغب في تقديمها إلى شخص ثالث. وواضح أن هذا الصك، لا يمثل شيكاً، بالمعنى القانوني، بل يمثل سنداً عادياً (إذنياً أو لحامله، أو اسمياً)؛ ذلك لأنه لا يتضمن أمراً بالدفع، بل تعهداً من المصرف بدفع مبلغ معين إلى المستفيد.
رابعاً: تداول الشيك والوفاء بقيمته
1. تداول الشيك
إن انتقال الشيك، يكون وفقًا للشكل، الذي يصدر به. فإذا كان الشيك لحامله، فإنه يُتَداوَل بالمناولة. أما إذا كان الشيك إذنياً، أو لأمر شخص معين، فلا بدّ من تظهير ناقل للملكية، كتابة، على ظهر الشيك، بما يفيد انتقاله إلى المحال إليه. وكلما ازداد التظهير في الشيك، ازدادت التوقيعات، التي يحملها، وازداد، استطراداً، الضمان المقرر له؛ إذ يضمن كل مظهر الوفاء بالشيك، متى امتنع المصرف المسحوب عليه عن الدفع.
ويختلف الشيك عن الكمبيالة، من حيث كونه وسيلة وفاء مستحقة الدفع لدى الاطلاع. إضافة إلى أن مدة تقديمه للوفاء قليلة نسبياً؛ ما يجعل حياته، غالباً، أقصر من حياة الكمبيالة. وهذا يرجع إلى جعله واجب الدفع دائماً، بمجرد الاطلاع.
وفي أغلب الحالات، يكون تظهير الشيك للمصرف، كي يتولى تحصيله، نيابة عن حاملة؛ وذلك في مقابل عمولة تحصيل، يحصل عليها المصرف.
وجدير بالذكر أنه إذا لم يستوف التظهير سوى توقيع المظهِّر، فإنه يفترض أن نيَّةَ المظهر، اتجهت إلى التظهير.
2. الوفاء بقيمة الشيك
إن عملية سحب الشيك، تفترض وجود علاقة سابقة، بين الساحب (الدائن) والمسحوب عليه، المصرف (المدين).
والشرط الأساسي في هذه العلاقة، أن يكون رصيد الساحب لدى المصرف، مساوياً لقيمة الشيك، وقابلاً للتصرف فيه.
وبناءً على ذلك، إذا كان لعميل عدة حسابات لدى مصرف واحد، ثم أصدر شيكاً على أحد هذه الحسابات، فإنه لا يجوز للمصرف، إذا كان الحساب المسحوب عليه الشيك، لا يسمح بالوفاء، أن يسحب من الحسابات الأخرى، التي بها أرصدة دائنة، لكي يغطي مبلغ الشيك.
وبذلك، يُعَدّ الشيك شيكاً من دون رصيد، ما لم يكن هناك اتفاق بين المصرف والعميل، يقضي بوحدة الحسابات. وإصدار شيك من دون رصيد هو جريمة، يعاقب عليها القانون، في مختلف دول العالم.
ولإثبات عدم وجود رصيد للشيك، في المصرف المسحوب عليه، يطلب حامل الشيك رداً من المصرف على الشيك نفسه، بما يفيد تقديمه في التاريخ المحدد بمقتضاه، إلى المصرف المسحوب عليه، وإفادته بعدم وجود رصيد للساحب، يغطي مبلغ الشيك.
بعد ذلك، يستوفي حامل الشيك الإجراءات القانونية، بموجب الشيك والرد الموجود عليه، والرجوع إلى المستفيد، للوفاء بقيمة الشيك.
خامساً: أخطار الشيك، ووسائل الحدّ منها
هناك عدة أخطار، يتعرض لها المتعاملون بالشيك، تفرض اتخاذ الاحتياطات للحدَ منها.
1. خطر انعدام مقابل الوفاء، أو عدم كفايته
لتلافي هذا الخطر، يتعين على المستفيد، أن يطلب من الساحب اعتماد الشيك، قبل إصداره؛ وذلك لإلزام المصرف المسحوب عليه بحبس مقابل الوفاء، في مصلحة المستفيد، حتى فترة انقضاء ميعاد تقديم الشيك.
2. خطر الضياع أو التزوير
هناك عدة صور لخطر ضياع الشيك، أو تزويره:
أ. ضياع الشيك
ويقصد بضياع الشيك، زوال اليد عنه، ويكون هذا الزوال، إما بسبب غير إرادي (كالسرقة والإكراه)، أو بسبب إرادي، من طريق النصب.
وأشهر مثال على ضياع الشيك، من دون ورود تزوير عليه، حالة ضياع الشيك لحامله؛ وذلك لأنه لا يحتاج إلى التزوير، لكي يصرفه.
ب. ضياع الشيك وتزويره
قد يُسرَق نموذج الشيك من دفتر الشيكات، الذي سلَّمه المصرف لفرد، أو منشأة. ثم يعمد سارقه إلى تزوير إمضاء صاحب الحساب، ويحرره في مصلحته، أو مصلحة شخص آخر، حسن النية، يتقدم به إلى المصرف، مطالباً الوفاء.
وقد يُسرَق شيك، حرره الساحب، باسم المستفيد، ويُسرق الشيك منه. فيلجأ السارق إلى تزوير توقيع المستفيد، ويجري تظهيره في مصلحته.
ج. تزوير الشيك، من دون ضياعه
والفرض الغالب في تزوير الشيك، من دون ضياعه، أن يُصدر الساحب شيكاً لشخص مستفيد، ويبادر الأخير إلى تغيير المبلغ المستحق الوفاء بالشيك، ليصبح أكبر من المبلغ الأصلي، الذي حُرِّر الشيك به.
3. الحد من أخطار السرقة والضياع
بالنسبة إلى ضياع الشيك، من دون تزويره، أو ضياعه وتزويره، فإنه على الساحب أن يعارض الوفاء بقيمة الشيك لدى المسحوب عليه، بمجرد اكتشافه واقعة الضياع.
فإذا عارض الساحب، تعين على المصرف المسحوب عليه، الامتناع عن دفع قيمة الشيك؛ إضافة إلى تجميد المقابل، ريثما يُفصَل في صحة المعارضة المقدمة من الساحب، من عدمها. وإذا لم تقع المعارضة، فإنه يصعب على المصرف رفض الوفاء بقيمة الشيك، للحامل، متى كان لديه مقابل وفاء كافٍ.
أما بالنسبة إلى عملية التزوير، من دون ضياع الشيك، فإنه يستحيل على الساحب، أن يعارض الوفاء بقيمة الشيك، لعدم استطاعته التنبؤ بعملية التزوير.
ولتجنب هذا النوع من الأخطار، فإنه على المصرف، أن يتخذ واجبات الحيطة، التي يقررها العرف، مثل التحقق من سلامة الورقة، ومقابلة التوقيع الوارد عليها، بنموذج توقيع العميل، في المصرف.
سادساً: تأثير التطور التكنولوجي في مستقبل الشيك
أسفر التقدم التكنولوجي عن إيجاد بطاقات الائتمان، وآلات السحب، المتوافرة في أغلب دول العالم. ويستخرج المصرف هذه البطاقة لعميل لديه، إما بناءً على الثقة الائتمانية، التي له، أو بناء على وديعة للعميل، احتجزها المصرف، ويوازي مبلغها حدّ السحب للعميل، على البطاقة.
وعندما يسحب صاحب البطاقة (العميل) مبلغاً معيناً من آلات السحب، الموجودة في شوارع الكثير من دول العالم، فما عليه سوى إدخال الرقم السري للبطاقة في آلة، هي، في الحقيقة، وحدة حاسب آلي، مبرمجة، ومتصلة بغرفة الحاسب الآلي المركزية للمصرف. ويلجأ هذا الحاسب الآلي إلى الكشف عن رصيد العميل، صاحب البطاقة؛ فإذا كان يسمح بسحب المبلغ المطلوب، فإن الآلة تستخرجه، وفي الوقت نفسه، تخصمه من حساب العميل.
وهذه العملية نفسها، هي التي تؤديها الأجهزة الإلكترونية في المحلات، فتخصم على العميل قيمة البضاعة المشتراة، وتضيفها إلى حساب صاحب المتجر، لدى المصرف نفسه، أو لدى مصرف آخر.
وظهر نوع آخر من البطاقات، لا يمثل ائتماناً؛ ولكنه يمثل سحبًا من الحساب الجاري. وعادة ما يستخدم لصرف المرتبات، في الشركات والهيئات الكبيرة.
وأصبحت هذه البطاقات منتشرة، ومتنوعة، ومتعددة، بصورة مذهلة؛ ما قد يؤدي إلى التأثير في الشيك، والحدّ من استخدامه، في المستقبل، ليصبح قاصرًا على الوفاء بالمبالغ الضخمة فقط.
المبحث الرابع
أوجُه الاختلاف، بين الكمبيالة والسند والشيك
أولاً: أوجُه الاختلاف، بين السند الإذني والكمبيالة
يختلف السند الإذني عن الكمبيالة، من حيث الشكل، ومن حيث الصفة التجارية.
1. من حيث الشكل
إن السند الإذني، لا يتضمن سوى طرفين (المحرر والمستفيد)؛ بينما تتضمن الكمبيالة ثلاثة أطراف (الساحب والمسحوب عليه والمستفيد)؛ وبذلك، يقوم محرر السند لأمر بدوري الساحب والمسحوب عليه، في الوقت نفسه. ولذلك، فإن تحرير السند الإذني، يفترض وجود علاقة قانونية واحدة، بين محرر السند والمستفيد؛ بينما إصدار الكمبيالة، يفترض وجود علاقتين أساسيتين: أولاهما بين الساحب والمسحوب عليه؛ والأخرى بين الساحب والمستفيد.
2. من حيث الصفة التجارية
إن إنشاء الكمبيالة، يمثل عملاً تجارياً في حد ذاته، سواء أتاجراً كان موقِّعها أم غير تاجر؛ وسواء وُقِّعَت بمناسبة عملية مدنية، أو عملية تجارية. أما بالنسبة إلى السند الإذني، فلا يُعَدّ عملاً تجارياً، إلا إذا حرره تاجر؛ حتى لو كان تحريره بسبب عملية مدنية؛ أو إذا حُرِّر لأعمال تجارية؛ حتى لو كان محرِّره غير تاجر.
ثانياً: أوجُه الاختلاف، بين الشيك والكمبيالة
هناك تشابه كبير، بين الكمبيالة والشيك؛ فكل منهما، يستلزم وجوده ثلاثة أطراف (الساحب والمسحوب عليه والمستفيد). إضافة إلى ذلك، يتضمن الشيك مثله مثل الكمبيالة، أمراً بالدفع من الساحب إلى المسحوب عليه، في مصلحة المستفيد؛ كما يكون فيه اسم المستفيد مقترناً بعبارة "لأمر"، أو "لإذن" على الصك نفسه؛ مثله مثل الكمبيالة.
وعلى الرغم من كثرة أوجُه التشابه بين الشيك والكمبيالة، فإن هناك العديد من الاختلافات بينهما.
أهم هذه الاختلافات، هي أن الذي يُسْحَب الشيك عليه، لا بدّ من أن يكون مصرفاً؛ فلا يجوز سحب الشيك على شخص، طبيعي أو معنوي، غير المصرف. وذلك على عكس الكمبيالة، التي يجوز سحبها على أي شخص، طبيعي أو معنوي، غير المصرف.
إضافة إلى ذلك، يجوز تحرير الكمبيالة على أي ورقة عادية. أما الشيك، فلا بدّ أن يكتب على نموذج خاص، يطبعه المصرف المسحوب عليه، ويقدمه إلى عميله. وعندما يرغب العميل في سحب شيك على المصرف، فما عليه سوى ملء هذا النموذج وتوقيعه.
ولا يُعَدّ الشيك عملاً تجارياً، إلاَّ إذا حُرر بمناسبة عملية تجارية؛ وهو، بهذا، يختلف عن الكمبيالة، التي تُعَدّ عملاً تجارياً مطلقاً. وتبدو أهمية تحديد الصفة، التجارية أو المدنية، للشيك، في خضوعه، أو عدمه، لأحكام قانون الصرف، سواء من حيث صحة الشيك وتداوله، وضمانات الوفاء به، وآثار الامتناع عن الوفاء، وتقادم الحق الصرفي للورقة التجارية.
وغالباً ما يكون تاريخ استحقاق الكمبيالة آجلاً، فهي وسيلة وفاء وائتمان. وذلك على عكس الشيك، الذي يُعَدّ وسيلة وفاء فقط. فالشيك على خلاف الكمبيالة، لا يتضمن ميعاداً للاستحقاق؛ لأنه واجب الدفع بمجرد الاطلاع؛ فتاريخ سحبه، هو نفسه تاريخ استحقاقه.
ثالثاً: أوجُه الاختلاف، بين الشيك والسند
الشيك يمثل صكاً يتضمن أمراً من الساحب (المحرر) إلى المسحوب عليه (المصرف)، بدفع مبلغ معين، لأمر شخص ثالث، يسمى المستفيد، أو لحامله، بمجرد الاطلاع. وبذلك، يستلزم وجود الشيك ثلاثة أطراف: الساحب والمسحوب عليه والمستفيد. وذلك على عكس السند، الذي لا يستلزم وجوده سوى طرفين: المحرِّر والمستفيد (الدائن).
ويتمثل الفارق الجوهري، كذلك، بين الشيك والسند الإذني (أو السند لحامله)، أن الشيك، لا يصلح وسيلة للتعامل الآجل، أي وسيلة ائتمان؛ فهو مستحق الدفع في يوم تحريره؛ ما يعني أنه لا يصلح إلا للقيام بوظيفة واحدة، هي وظيفته كوسيلة وفاء.
ولأن الشيك، لا يمثل وسيلة للتعامل الآجل، فإنه يختلف عن السند في أنه لا يحتوي إلاَّ على تاريخ واحد، وهو تاريخ إنشائه؛ وذلك على عكس السند، الذي يحتوي على تاريخين: تاريخ الإنشاء، وتاريخ الاستحقاق. بل إن الشيك، إذا تضمن تاريخاً للتحرير، وآخر لاستحقاقه، فقدَ صفته، كشيك، وقد يتحول إلى كمبيالة.
والشيك يكون فيه اسم المستفيد، مقترناً بعبارة "لأمر"، أو "لإذن"، على الصك نفسه. أمّا السند، فلا يحتوي على هذه العبارة، بل يقترن باسم المحرِّر (المدين)، عبارة الالتزام "أتعهد".
المصادر والمراجع
1. د. أميرة صدقي، "الموجز في الأوراق التجارية"، دار النهضة العربية، القاهرة.
2. د. ثروت علي عبدالرحيم، "شرح القانون التجاري الكويتي"، دار البحوث العلمية، الكويت، 1975.
3. د. حسين النوري، "دروس في القانون التجاري"، مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر، القاهرة.
4. د. حسين النوري، "دروس في القانون، الحق والالتزام والعقود التجارية"، مكتبة عين شمس، القاهرة.
5. د. سميحة القيلوبي، "القانون التجاري، عمليات البنوك ـ الأوراق التجارية"، مكتبة عين شمس، القاهرة.
6. د. سميحة القيلوبي، "الشركات التجارية"، دار النهضة، القاهرة، 1993.
7. د. صفوت ناجي بهنساوي، "القانون التجاري ـ الأوراق التجارية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993.
8. د. عبدالله محمد العمران، "الأوراق التجارية في النظام السعودي"، معهد الإدارة العامة، المملكة العربية السعودية، 1995.
9. د. مختار أحمد البريري، "الأوراق التجارية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996.
10. د. منير إبراهيم هندي، "الأوراق التجارية، الأوراق المالية وأسواق رأس المال"، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1997.
|
شكرا للاستاذ ابراهيم خليل على هذا البحث القيم ولكن اقترح عليك ان تقوم بتنقيحه بما تم استحداثه من احكام للاوراق التجارية فى قانون التجارة الجديد وخاصة ان هناك فى قانون التجارة الجديد احكام ترد لأول مرة ليس لها مقابل فى القانون القديم بخصوص الكمبيالة والشيك على وجه التحديد
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الانتقال السريع
|
|
|
عدد الزوار 2360 / عدد الاعضاء 62 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|