اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
mohammad_adv
التاريخ
6/17/2005 11:28:33 PM
  حكاية صغيرة      

الاخوة الزملاء :

هذه مشاركة متواضعة من فلسطين المحتلة  على امل ان تزيد الزملاء والمشاركين في العالم العربي عن بعض ما يجري هنا في الاراضي المحتلة بعيدا عن الاعلام ومحطات التلفزة والفضائيات التي تنشغل بامور اخرى لا صلة لنا بها . هذه المشاركة هي واحدة من حكايات صغيرة (! ) اكتبها بعد ان اسمعها من الذين التقيهم يوميا في انحاء مختلفة من الوطن . انا على يقين ان الصرخات التي تنطلق عاليا من هذه الحكايات ستجد من يسمعها وهذا يكفي ! 

مع تحيات

محمد - فلسطين             

                   حكاية صغيرة

 

 

 

 

لا تسألوني عن اسمي فأنا كل فلسطيني في هذا الوطن الممزق يسعى لكسب رزقه بشرف وبكد واجتهاد ولا يستطيع ..لا تسألوني عن مكان سكني فأنا اسكن في كل بقعة من الضفة الغربية او ان شئتم مناطق السلطة الفلسطينية ..اسكن في بقعة معزولة عن العالم الخارجي ..لا يستطيع الساكن فيها التنقل حتى الى اقرب نقطة اليها الا بتصريح ساري المفعول .. اما بطاقة الهوية فهي ( شطحيم ) كانت برتقالية اللون والان تحولت الى خضراء دون صلة برمز اللون الاخضر الذي يعني في اماكن اخرى من العالم " السلام " . واذا كان اللون لا يعني لكم شيئا فانه بالنسبة لي يعني الكثير وفي هذا الزمن   يعني حياتي كلها  ..

اياكم ان يخدعكم بياض شعري وتجاعيد وجهي وانحناء ظهري وتقولون انني  بلغت من العمر عتيا ،   فالحقيقة غير ذلك ، في هذه الايام يشيب الطفل وينحني ظهر الفتى ويصاب الشاب بامراض الشيخوخة ليس بفعل السنين انما بفعل ثقل الهموم وشدة الالم وعمق المعاناة

حكايتي تبدأ بالامل وتنتهي بالخيبة والاحباط  . راودني الامل في الصباح عندما هممت بمغادرة البيت واولادي السبعة الجوعى ، العراة  نيام . همست زوجتي بان تفاءل خيرا لعلك اليوم  تحصل على التصريح وتذهب الى العمل من هناك . اصارحكم القول انني تفاءلت خيرا وقلت لزوجتي بشئ من الفرح الطفولي انني ساحصل بالطبع على التصريح  واستذكرت بصوت مسموع ان الجندي في الادارة المدنية امس وعدني بان يسلمني التصريح اليوم ومما زادني تفاؤلا انه ابتسم في وجهي وقال لي "مع السلامة " وهذا بالطبع يثير التفاؤل وربما تعاطف معي وتفهم مشكلتي .

خرجت من البيت بعد ان احكمت لف  الكوفية على راسي اتقاء للمطر الذي كان ينهمر بغزارة . تحديت الرياح العاتية والمطر الغزير ووصلت الى سيارة الفورد . لا اريد ان ازعجكم بسرد تفاصيل الرحلة الصباحية وفي يوم عاصف الى مكاتب الادارة المدنية التي لا تبعد عن قريتي في الاوضاع العادية سوى عشر دقائق سفر ولكن في هذا الزمن وبعد اغلاق مخارج القرية لاسباب امنية بالطبع اصبحت تبعد ساعتين سفر . قلت انني لا اريد ان اصف لكم مسار الرحلة وساتجاهل السيول الجارفة التي كادت تجرف معها السيارة المحملة بالركاب المتفائلين مثلي وساتجاهل الوحل والحجارة في الطريق واهتزازات السيارة في الطريق الترابية وخطر تزحلق السيارة وسقوطها في واد سحيق بسبب الامطار والعواصف . ساتجاهل كل هذه المخاطر لان الظروف الامنية تقتضي ذلك . هذه اشياء صغيرة في الحياة ولا تهم الكثير من هذا العالم المتحضر خاصة اذا كان السبب منع "المخربين "من التسلل . لا يهم كيف ومتى وصلت المهم انني اقف الان مع مجموعة كبيرة من الناس امثالي امام مكاتب الادارة المدنية ولا تسألوا عن مكانها فهي في كل مكان . وقفنا جميعا في الخارج بالطبع بدون مظلة او واق من المطر فاي سخافة ان تفكر بامكانية ان يضعوا لك مظلة من حديد او خشب او حتى قماش . لم يرعبني المطر ولا صفع الرياح لوجهي ولا اقدامي التي تجمدت بسبب  تسرب الماء من حذائي المثقوب . لماذا اشعر بالرعب فانا اليوم لا بل بعد اقل من عشر دقائق ساستلم التصريح واتصل فورا برب العمل شلومو الذي وعدني بتشغيلي فور استلامي التصريح .. بمجرد ان احصل على التصريح سازف البشرى لشلومو وساطلب منه القدوم الى اقرب نقطة ليقلني معه الى مكان العمل . انقطعت فترة طويلة عن العمل في البناء ولكنني لا ازال اتقنه ولا احتاج الى ميزان الماء لوضع الحجر في مكانه، لقد تعلمت  كيف افعل ذلك مستعينا بحدة النظر ولم انس . بعد دقائق ساستلم التصريح وساطلب من شلومو ان يعطيني سلفة من المعاش  كي اسدد بعضا من دين البقالة وادفع رسوم المدرسة واشتري ملابس الشتاء للاولاد (بعد مرور شهرين من الشتاء ) وبعض لوازم البيت واذا بقي شىء ساشتري لي حذاء جديدا . دفعني صاحبي وايقظني من احلام اليقظة اللذيدة واخبرني ان الجندي فتح الشباك وبدأوا بالعمل . خفق قلبي لا بل قفز من صدري وتدحرج ارضا . حاولت استراق  النظر الى الشباك عبر جموع العمال المحتشدة فرايت الجندي الذي وعدني بالامس . التصريح اصبح في متناول اليد .لحظات ويحين دوري . ولكن هذه اللحظات كانت بالنسبة لي طويلة كأنها الدهر كله . الحشد يتناقص ببطء شديد لكنه يتناقص ودوري يقترب من الشباك . الجندي يفتش بين الاوراق يعطي هذا ويصرخ بذاك ويشتم الثالث ويبتسم في وجه الرابع ويتجاهل توسل الخامس ودوري يقترب .لم يبق امامي سوى اثنين ..اقتربت منه . التقت نظراتنا . ابتسم . ربما ابتسم لي . هذا فأل خير . ابتسامته تدل انه سيفي بوعده . لحظات واستلم التصريح واتصل مع شلومو واتوجه الى العمل بعد انتظار اشهر طويلة . ها انا اقف فبالة الجندي .. ابتسم له ..تجاهل ابتسامتي ..لا يهم ربما لم ينتبه .. طلب هويتي سألني عن طلبي .. لا يعرف ؟ الم يعدني امس ؟ هل نسي الامر ؟ قلت له انه وعدني بالتصريح اليوم . حسنا سافتش الاوراق . قال . فتش رزمة من التصاريح القيت امامه باهمال . قلب التصريح تلو الاخر . تناقصت التصاريح . اقتربت من نهايتها . لم يجد اسمي . قال دون ان ينظر الى وجهي :روح ما فيش تصريح . ما فيش تصريح ؟ ارجوك فتش مرة اخرى . ما فيش خلاص .انت مرفوض مخابرات  . دفعني بيده بعيدا عن الشباك ليكرر نفش المشهد مع آخر . ابرقت السماء وارعدت واشتد المطر ولملمت اطرافي عائدا من حيث اتيت بدون امل وبدون  تصريح وبدون  شغل وبدون  خبز وبدون حياة وبرعب شديد من تكرار هذه الرحلة كل يوم الى ما شاء الله. عدت ادراجي خائبا مع حكاية صغيرة  ولكنها كبيرة بالنسبة لاولادي الذين اخشى ان يفهموا المعادلة على نحو مغاير  .

 


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1156 / عدد الاعضاء 62