تطورات التنفيذ على أموال المدين في القانون الدولي
بالدول الأوروبية: حالة الأذون القضائية المسماة "ماريفا"
Mareva Injunction
(جزء أول)
أيها الإخوة الزملاء الأفاضل
السلام عليكم
أولا: أستسمحكم في نشر أول مداخلة لي في هذا المنتدى وأرجوا أن تنال استحسانكم. وهي عبارة عن دراسة شخصية قمت بكتابتها في مرحلة أولى باللغة الفرنسية ثم نشرتها بموقع قانوني فرنسي يسمى village de justice ورأيت أن أفيد بها زملائي الأفاضل بالوطن العربي بهذا الموقع القانوني الممتاز للمحامين العرب.
ثانيا: سوف أوافيكم في القريب العاجل بالجزء الثاني من هذه الدراسة وهو متعلق بدخول الأذون المذكورة إلى ميدان التطبيق بالقانون الفرنسي
وشكرا
أ. إلياس بلطيفا / محامي/ فرنسا
juridicom@gmail.com
(تجدون عنواني بدليل المحامين العرب)
تطورات التنفيذ على أموال المدين في القانون الدولي
بالدول الأوروبية: حالة الأذون القضائية المسماة "ماريفا"
Mareva Injunction
(جزء أول)
يعد إشكال التنفيذ على أموال المدين خارج الحدود أهم المشاكل التي تعترض المستثمر في الميدان الدولي.
فكما هو معلوم, تمكن قواعد الإجراءات التحفظية الدائن من اللجوء للقاضي بغية التحصيل على عقلة أموال مدينه تحفظيا إذا استظهر بما يفيد وجود دين له مساس بأصل القضية وبما يفيد أن استخلاص هذا الدين مهدد بالخطر.
فالعقلة التحفظية وسيلة قانونية تساعد الدائن في مسعاه لتحصيل ديونه تجاه المدين المماطل.
إلا أن هذه الوسيلة تصبح عديمة الفائدة في حالة إذا كان هذا المدين مجهول المقر أو قد غادر آخر مقر معلوم له ولم يترك أموالا معينة.
وهناك من المستثمرين من يستعمل طريقة تهريب أمواله بالخارج كوسيلة للاحتماء من العقل التي قد تصدرها ضده المحاكم الوطنية فبالتالي يصبح في منأى عن الملاحقة القضائية (ولو لحين).
وفي السنوات الأخيرة انفتحت الدول عن بعضها اقتصاديا وتجاريا بمفعول العولمة ودخول الاتفاقات التجارية العالمية كالأورغواي راوند حيز التطبيق وإنشاء المنظمة العالمية للتجارة, فتكاثرت الحالات والوقائع المتعلقة بتحويل الأموال وأصبحت المحاكم المحلية عاجزة أحيانا على إجبار المدينين بالوفاء لعدم كفاية أو عدم وجود أموال لهم بالمحيط الوطني, خاصة إذا تعلق الأمر بديون ذات صبغة مدنية.
ونجد اليوم بعض الدول الصغيرة تفتح حدودها وتنقح تشريعاتها بغية استقطاب الأموال المشبوه فيها والمهربة من طرف الدائنين, ومن ذلك أن تشريع جزر السلحفاة مثلا يسمح بفتح الحسابات السرية بالبنوك وبالتالي فهناك سرية تامة تحيط بالأموال المرصودة وتمنع من الوصول إليها.
وعرضت على مكتبنا في باريس العديد من القضايا من هذا النوع حيث يكون حريفنا عادة مواطن عربي تضرر من عدم وفاء معاقده أو مدينه الأوروبي فاستصدر من القاضي المحلي أي القاضي في البلاد العربية عقلة على أموال هذا المدين.
وفي كل مناسبة يطرح على السادة القضاة في فرنسا الإشكال التالي: كيف يمكن للقاضي المحلي تعدي قاعدة الإختصاص الدولي والإذن بتتبع أموال المدين خارج حدود الوطن؟ وبالتالي وفي تأويل عكسي كيف يمكن للقاضي الفرنسي قبول وسائل تحفظية صادرة عن قاضي غير فرنسي؟
وأمام هذا الإشكال القانوني تعدد إجابات المحاكم وتكون عادة سلبية, وبالتالي فلا يكون من حل لدينا إلا اللجوء إلى القضاء الفرنسي من جديد من أجل التحصيل مباشرة على عقلة تحفظية وعلينا الإثبات من جديد لكل العناصر الدالة على وجود الدين...
ويمكن أن يتسبب هذا التعطيل بالتالي في فوات فرصة التحصيل على الدين: ذلك أن أهم العناصر التطبيقية (وليس النظرية هنا ) للعقلة يقوم على مباغتة الخصم والتنفيذ مباشرة على أمواله قبل أن يستفيق. إلا أن إعادة طلب العقلة من جديد يمكن أن يلفت انتباه المدين فيقوم هذا الأخير بتهريب أمواله خارج فرنسا أو خارج سويسرا ولا يبقى شيء في حساباته.
وهذه الحالات جعلت القاضي الإنجليزي يفكر في الحل بعد أن كان يرفض مبدا العقل التحفظية من أساسه مثلما جاء بتصريح اللورد "هاثرلي" سنة 1870 من "أن الطريق الوحيد المتاح للدائن إزاء دائنه هو الحصول على حكم من المحكمة وطلب تنفيذه فقط فيما بعد ذلك" (قضية Miles ضد Northern Railways of Buenos Aires Co لسنة 1870 )
لكن في قرار صدر في السبعينات سنة 1975 في القضية المشهورة بين شركة تدعى Mareva Camagniera S.A ضد شركة إنجليزية تدعى International Bulkcaries Ltd, حدث تطور مهم جدا في فقه القضاء الإنجليزي. ففي هذه القضية صرح اللورد "دننق" بأن الوقت قد حان لكي نراجع فيه ممارستنا القضائية" مشيرا إلى أنه من غير المعقول في أيامنا هذه أن تبقى الحقوق ضائعة بسبب إمتناع القضاء على ممارسة العقل على أموال المدين.
وتعتبر قضية ماريفا أول قضية حكم فيها القضاء الإنجليزي بتجميد أموال المدين أينما كانت حتى يقع البت في القضية الأصلية, وهذا الحكم يقترب نوعا ما من الأحكام الخاصة بالأعمال التحفظية الموجودة بالقانون الفرنسي. حيث رأى الأستاذ كونيبرتي أن "فقه القضاء الإنجليزي حقق خطوة هامة للتقرب من زميله الفرنسي بعد غياب طويل"
وحكاية الغياب الطويل التي تحدث عنها هذا الفقيه ترجع إلى فترة القرن التاسع عشر: حيث كان القانون الإنجليزي المسمى Lord Mayor’s Court يسمح للدائن من استخلاص ديونه مباشرة من اموال المدين إذا لم يستجب هذا الأخير. وقد اندثرت هذه القاعدة بعد سنة 1881 من القانون الأنجليزي بعد أن اصبحت المحاكم تميل إلى إعتبار التنفيذ المباشر على أموال المدين "عملية تعيق أعمال التجارة" حسب تعليق القضاة في قضية London Joint Banck الصادرة في 6 ابريل 1881 (قضية رقم 393 ).
واليوم يقبل القاضي الإنجليزي بمبدأ إصدار إذن او أمر على العريضة يأمر فيه بتجميد أموال المدين أينما كانت وحتى خارج الحدود الدولية ويسري هذا الأمر إلى غاية حضور هذا المدين أو وفائه بالدين.
وفي قرار مهم صدر عن محكمة التعقيب الفرنسية بتاريخ 30 يونيو 2004 وقع التصريح من القضاء على قبول مبدأ الإذن أو القرار المسمى ماريفا وعدم تعارضه مع القانون الفرنسي.
وسوف نتعرض في هذه الدراسة إلى شروط القيام بهذا النوع من الأذون و في باب ثان إلى النتائج القانونية المترتبة عنها
باب أول : شروط القيام بطلب إذن ماريفا
قبل القيام بطلب القاضي بإصدار إذن من نوع ماريفا يجب التثبت من قيام عدة شروط منها ما يتعلق بوضعية الدين المطلوب ومنها ما يتعلق بالأموال التي سوف يتسلط عليها الإذن.
وضعية الدين المطلوب
بطبيعة الحال فالقاضي لا يستطيع إصدار أمر ماريفا بسهولة ذلك أن هذا النوع من القرارات يسمح لشخص بالتدخل في الأموال الخاصة بشخص آخر وهذا شيئ خطير جدا في قانون الأموال. ولذلك فإن التشريعات الأوربية وخاصة الإنجليزية والفرنسية تستوجب أن ينظر القاضي قبل كل شيئ في حالة ما إذا كان المدين يعتزم وضع عراقيل أمام تنفيذ عقوده أو ديونه أو الأحكام الصادرة ضده.
وقد تبنى فقه القضاء هذه الفكرة منذ قضية Nimea Maritime Corporation v Trave Sciffarhstgesellschaft GmbH [1983] 1 WLR 1412, 1422
ثم تطور فقه القضاء في مرحلة ثانية ليقبل بإمكانية طلب أمر ماريفا في حالة تحويل المدين لوجهة أمواله مهما كانت هذه الوجهة الجديدة وليس للخارج فقط. أي أنه يمكن الحجز مبدئيا, بإذن القاضي, على أموال المدين في حالة شكوك قوية في أن هذا الأخير يسعى لإبعاد أمواله عن الملاحقة القضائية.
وكمثال على هذه الحالات قضية دولية قام فيها المدين الإنجليزي (شركة إنجليزية) بتفليس نفسه بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك تجاه دائنين أمريكيين افتراضيين حتى يتمكن من إخراج أمواله من أوربا. ولم تخفى هذه الحيلولة على القاضي الإنجليزي وصدر في ذلك امر ماريفا المعروف تحت اسم felixtowe Dock & Railway Co v United Sates Inc[1989] QB 360
وفي قرار مماثل صدر بفرنسا عن محكمة دواي بتاريخ 9 يوليو 1963 جاء بالحيثيات من أنه يكفي أن تكون تصرفات المدين ووضعيته الشخصية دالة على شكوك تستدعي الخوف على مآل الدين المطالب به للقيام بعقلة أمواله ولا وجوب لإثبات عنصر النية في هذه الحالة.
هذا العرض لفقه القضاء الأوربي يبين لنا أهمية الحذق الصناعي وأهمية احتراف القاضي أمام الخزعبلات التي يقوم بها المدينون وهؤلاء هم عادة من رجال الأعمال الذين حذقوا فن التلاعب بالأموال على النطاق الدولي وعلى القاضي التزام اليقضة تجاه الطرق المتبعة لتهريب الأموال من دائرة التنفيذ عليها.
قاعدة التنفيذ أو الأموال التي يقع التنفيذ عليها
بطبيعة الحال فإذا كان المدين يعاني من حالة إعسار ومكبلا بالديون فلن يستطيع القاضي في أيامنا هذه من عقلة كل أمواله بما فيها ما هو ضروري لحياته الخاصة والعائلية ولحياة أطفاله.
كما يجتهد القاضي في أن يترك للمدين ما هو ضروري لممارسة نشاطه التجاري مثلا والغاية من ذلك تمكين هذا المدين من الوفاء بديونه في آجالها وذلك كما جاء بالمبدأ الفقهي القائل أنه لا بد ان يبقى للشخص المادي بأن يسمح له بالعيش وكذلك لمؤسسته أيضا كذات معنوية.
لكن اجتهاد القضاة في اوروبا تجاه ترك المؤسسة يختلف في التطبيق اختلافا كبيرا:
فالقاضي الإنجليزي مثلا يقبل بمبدأ ترك نسبة من أموال المدين تمكنه بما يلزم لممارسة نسق حياته الإقتصادية والمادية الذي تعود عليها وبذلك فهو يسمح للمدين بإبقاء تجارته ونشاطه الحرفي بعيدا عن العقلة والتنفيذ.
وكمثال على ذلك فقد مكن القاضي أحد رجال الأعمال اللبنانيين في قضية صدرت سنة 1990 من مبلغ 15000 باوند في الشهر للمحافظة على نسق حياته وفي سنغافورة (حيث يطبق القانون الأنجلو سكسوني) مكن القاضي أحد أمراء سلطنة بروناي من مبلغ 300 ألف دولار أمريكي شهريا. وهذه المبالغ هي بطبيعة الحال كبيرة وعادة ما لا يحكم بها إلا في حالات خاصة وفي بعض الأحيان لا تتجاوز 300 باوند.
وتختلف الحالة في فرنسا حيث هناك مقدار معين من الأموال الغير القابلة للحجز وهذا المقدار محدد من طرف القانون واجتهاد القاضي فيه يبقى محدودا بالمقارنة مع القاضي الإنجليزي.
وبطبيعة الحال فلكل نظام قانوني محاسن ومساوئ ففي حين تتمثل محاسن النظام الفرنسي في تمكين الدائن من الحد الأقصى من أموال المدين القابلة للحجز فإن هذه المحاسن لا يمكن أن تخفي الخطر في حجز جميع أموال هذا المدين بحيث يمكن أن تكون العاقبة وخيمة على حياته العائلية والمادية.
أما خطورة النظام الفقه قضائي الإنجليزي فتتمثل في إمكانية بقاء المدينين من دون رادع حيث أنهم يعلمون مسبقا أن نظام ونسق حياتهم لن يتأثر بالحركات القانونية للدائنين خاصة إذا أمكن لهم القاضي من مبالغ كافية لتسيير مؤسساتهم. وهناك خطر آخر هو أن باب الحيل مفتوح أمام المدينين لإثبات وجود ديون على مؤسساتهم الخ....
ولذلك فهناك اتجاه في فقه القضاء الإنجليزي نحو التقليص في المبالغ المحكوم بعدم عقلتها وبالتالي فالقضاء الإنجليزي يميل اليوم إلى الحلول المعمول بها في فرنسا –انظر civil procedure Rules
باب ثاني : نتائج إذن ماريفا في القانون الدولي
لقد فتح الإذن بإجراء الحجز على أموال المدين بطريقة ماريفا عدة تساؤلات قانونية بكل من بريطانيا وفرنسا وتعلقت هذه التساؤلات بتنازع الاختصاص القضائي وسنهتم بالنتائج القانونية عن إدخال إذن ماريفا للقانون البريطاني في مرحلة أولى ثم للقانون الفرنسي في مرحلة ثانية.
أولا : إذن ماريفا وقواعد الإختصاص القضائي الدولي ببريطانيا
عرف ميدان الاختصاص الدولي المباشر للقضاء الإنجليزي عدة إشكالات هامة منذ دخول الأذون من نوع ماريفا حيز التطبيق القضائي.
ومن أهم هذه الإشكالات مسألة إمكانية الإذن بماريفا في حالة ما إذا كان المدين غير مقيم ببريطانيا وكانت الأموال موضوع الحجز موجودة ببريطانيا. ثم مسألة المفعول الدولي لأذون ماريفا.
ضرورة وجود المدين على التراب البريطاني
ما أقرته حجرة اللوردات في بريطانيا هو مبدأ عدم اختصاص القاضي البريطاني إذا لم يكن المطلوب حاضرا بالتراب البريطاني بطريقة يمكن أن يتسلم بها عريضة الدعوى. ويطلق على هذا النوع الإختصاص الشخصي In Personam لأنه مبني على معيار حضور الشخص للمحاكمة.
أما في حالة وجود المطلوب خارج بريطانيا فلا يمكن للقاضي الإستجابة للعريضة رغم وجود أموال المطلوب بالتراب البريطاني وعليه فلا يمكن إصدار إذن ماريفا لأن الاختصاص في هذه الحالة هو اختصاص مادي In rem أي مبني على معيار مادي يتمثل في وجود الأموال بدائرة المحكمة .
هذ الوضعية أثارت العديد من المشاكل التطبيقية, وفي قضية مشهورة عرفت بقضية شيشكينا حاول اللورد دننق معالجة الموضوع
فقد خصت القضية باخرة يونانية محملة بالبضائع الإيطالية في إتجاه المملكة العربية السعودية بحيث أن جميع الأطراف في النزاع غير موجودون ببريطانيا.
إلا أن الشركة المالكة للباخرة قامت بإيقاف عقد لنقل فجأة لتطلب مبلغ هاما من الأموال وتعرضت السلع إلى التلف في عرض البحر , فتم اللجوء إلى طلب حجز مبلغ التأمين المؤمن لدى شركة اللويد ببريطانيا وذلك بطريقة إذن ماريفا.
وقد رفض قاضي البداية إقرار هذا الإذن إستنادا إلى فقه القضاء السائد إلا أن قاضي الإستئناف وهو اللورد دننق وافق على الإذن مبررا ذلك بالقانون الصادر حول تنظيم المحاكم والمسمىOrder XI of Rules Supreme Court والذي يسمح للقاضي إصدار ما يلزم من القرارات التحفضية في إنتظار الحكم في الأصل.
وفي أخر المطاف لهذه القضية أقرت حجرة اللوردات البريطانية أنه لا يمكن إسناد إذن ماريفا بناء على هذا القانون بناء على أن هذا الأخير لا يخص إلا القضايا المتعلقة بالأصل التي وقع نشرها أمام المحاكم البريطانية ولا تخص الأذون من نوع ماريفا.
وبالتالي فقد أكدت حجرة اللوردات فقه القضاء القديم بحيث لا مجال للإذن بالحجز إذا كان المطلوب خارج بريطانيا.
وقد انتقد الفقهاء البريطانيون والأمريكيون على حد السواء هذا الموقف المتصلب معتبرين أنه يحف ميدان استخلاص الديون بالعراقيل وطالبوا بتقريب النظام الأنجليزي من الفرنسي الذي يقر أكثر ضمانات.
وهذا التقارب حصل فعلا بموجب دخول معاهدات بروكسيل ولوغانو الأوروبية حيز النفاذ وتطبيقهما في القانون البريطاني للقضاء والتقاضي الصادر سنة 1982 بحيث يمكن للقاضي الإنجليزي إصدار الأوامر من نوع ماريفا مهما كان مقر إقامة المدين شرط أن يكون من داخل أوروبا.
والواضح أن هذا الشرط الأخير يمثل عقبة أمام تتبع المدين المقيم خارج أوروبا.
إلا أن هذه العقبة الأخيرة هي أيضا في طريقها للانقراض حيث أصبح فقه القضاء البريطاني يميل إلى العمل بالتطبيقات القضائية الأمريكية والتي تسمح بإصدار أوامر للحجز على أموال المدينين حتى في حالة إقامتهم بالخارج وهي ما تسمى الأذون المسداة على أساس قواعد الإنصاف.
وفي الحقيقة فإن موقف فقه القضاء البريطاني هو موقف غريب نوعا ما خاصة وأن الهدف المنشود من أوامر ماريفا هو ملاحقة المدين فيما وراء الحدود ولذلك رأى الفقهاء أن التطور شيء لابد منه.
المفعول الدولي لأذون ماريفا
في الوقت الذي يرفض فيه القاضي البريطاني الأمر بإذن ماريفا إذا كان المطلوب غير موجود على التراب البريطاني فإن نفس هذا القاضي يقبل بأن يكون هذا الإذن موجها للتطبيق على أموال المدين أينما كانت في جميع أنحاء العالم.
ويفسر موقف فقه القضاء الأنجليزي كما سبق بيانه إلى ان هذا الأخير يتبنى المعيار الشخصي في تعيين إختصاصه وليس المعيار المادي. وبالتالي فإذا كان المدين موجودا فوق التراب البريطاني زمن الدعوى فلا يهم مكان وجود أمواله ويمكن للقاضي إصدار حكمه على أموال هذا المدين أينما كانت.
وقد أقر القضاء البريطاني هذا المبدأ في عدة قضايا يأمر فيها القاضي بالحجز على أموال المدين خارج التراب البريطاني. ففي قضية Babanaft Co v. Bassatne صدرت في سنة 1990 أقر القاضي الإنجليزي إذن ماريفا ضد أحد رجال الأعمال اللبنانيين رغم وجود جميع أموال هذا الأخير خارج التراب البريطاني.
وفي هذه القضية كان رجل الأعمال اللبناني غير مقيم أصلا في بريطانيا بل في سويسرا, ولكن من سوء حظه فقد تلقى طعنة بسكين ودخل مستشفى بلندن للمعالجة فلاحقته شركة من بانما كان مؤسسا فيها أمام القضاء الإنجليزي. فحكم عليه هذا الأخير بغرامة قدرها إثني عشر مليون دولار أمريكي. وبصدور إذن ماريفا أمكن للشركة الدائنة ملاحقة أموال رجل الأعمال بعدة دول منها لبنان وقبرص وسويسرا.
وفي قضية أخرى عرفت بقضية Derby & Co Ltd. V Wildon تابع القضاء الإنجليزي عدة رجال أعمال من جنسيات مختلفة (لوكسمبورغ وبنما) في قضية استيلاء على أموال شركاتهم وبموجب إذن ماريفا أمكن تتبع أموال هؤلاء بعدة دول منها فرنسا وايرلندا ولوكسمبورغ وهولندا ليتم التنفيذ على 26 مليون باوند وقد وقعت مصالحة بين المدينين فيما بعد.
هذه القضايا والأمثلة تبرز أهمية أذون ماريفا في الميدان الدولي وأهمية استعمالها للدائنين الراغبين في استخلاص ديونهم على النطاق الدولي.