قصيدة في مدح رسول الله محمد صلى الله عيه وسلم
لكَعب بن زُهير - رضي الله عنه - المُتَوَفَّى سنة 24 هجرية ، |
بانَتْ سُــعادُ فقَلْبِي اليــومَ مَتْبُولُ |
مُتَيَّـمٌ إثْرَهــا لَم يُفْـدَ مَكْبـولُ |
وما سعادُ غَــدَاةَ البَيْنِ إذ رَحَلُــوا |
إلا أَغَنُّ غَضِيـضُ الطَّرْفِ مَكْحـولُ |
هيفــاءُ مُقْبِلَـــةً عَجْزَاءُ مُـدْبِرَةً |
لا يُشْـتَكَى قِصَرٌ مِنهـا ولا طـولُ |
تَجْلو عَوَارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتَسَـمَتْ |
كأنَّـهُ مُنْهَــلٌ بالرَّاحِ مَعلُــولُ |
شُجَّتْ بِــذِي شَبمٍ مِن مــاءِ مَعْنِيَةٍ |
صافٍ بـأَبْطَحَ أَضْحى وَهْوَ مَشمُولُ |
تَنْفِي الرِّيَــاحُ القَــذَى عَنهُ وأَفْرَطُهُ |
مِن صَوْبِ سـارِيَةٍ بِيضٌ يَعَـاليـلُ |
أَكْــرِمْ بها خُلَّةً لـو أَنَّهَــا صَدَقَتْ |
مَوعودَهـا أَو لَو انَّ النُّصْحَ مَقبولُ |
لكنَّهَـــا خُلَّةٌ قَد سِيطَ مِن دَمِهَــا |
فَجْـعٌ وَوَلْـعٌ وإخلافٌ وتَبديـلُ |
فما تدومُ على حـالٍ تكونُ بِهـــا |
كَمـا تَلَوَّنُ في أثـوابِهـا الغـولُ |
ولا تَمَسَّـكُ بالعَهدِ الــذي زَعَمَتْ |
إلا كَما يُمسِـكُ المـاءَ الغَرابيـلُ |
فلا يَغُرَّنْكَ مـــا مَنَّتْ وَما وَعَدَتْ |
إنَّ الأَمـانِيَّ والأحـلامَ تَضليـلُ |
كــانَت مَواعيـدُ عُرْقوبٍ لها مَثَلا |
ومـا مَواعيدُهـا إلا الأَبـاطيـلُ |
أرجو وآمُــلُ أنْ تَدنو مَوَدَّتُهــا |
وما اخَـالُ لدينـا مِنكِ تَنويــلُ |
أمسَتْ سُــعادُ بأرضٍ لا يُبَلِّغُهــا |
إلا العِتـاقُ النَّجِيباتُ المَـرَاسـيلُ |
ولَنْ يُبَلِّغَهَـــا إلا غُـــذَافِرَةٌ |
لها على الأيـنِ اِرْقـالٌ وتَـبْغيـلُ |
مِن كُـلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ |
عُرْضَتُهَا طامِسُ الأعـلامِ مَجهـولُ |
تَرمِي الغُيُـــوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ |
إذا تَـوَقَّـدَتِ الحَـزَّازُ والمِيــلُ |
ضَخْمٌ مُقَلَّدُهـــا فَعْمٌ مُقَيَّدُهــا |
في خَلْقِها عَن بَناتِ الفَحْلِ تَفْضِيـلُ |
غَلْبـاءُ وَجْنـاءُ عَلْكــومٌ مُذَكَّرَةٌ |
في دَفِّـهَا سَـعَـةٌ قُدَّامَـهَا مِيـلُ |
وجِلْدُهــا مِن أُطُومٍ لا يُؤَيِّسُــهُ |
طَلْـحٌ بضـاحِيَـةِ المَتْنَيْنِ مَهْـزولُ |
حَرْفٌ أَخُوهـا أَبُوهــا مِن مُهَجَّنَةٍ |
وعَمُّـهَا خالُـهَا قَوْدَاءُ شِـمْلِيـلُ |
يَمشِي القُرَادُ عليهـــا ثُمَّ يُزْلِقُـهُ |
مِنهـا لِبَـانٌ وأَقْـرَابٌ زَهَـالِيـلُ |
عَيْرَانَـةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْـضِ عن عُرُضٍ |
مِرْفَقُهَـا عَن بَنَـاتِ الزُّورِ مَفْتُـولُ |
كـأنمـا فـاتَ عَيْنَيْهـا ومَذْبَحَهـا |
مِنْ خَطْمِهَـا ومِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيـلُ |
تَمُرُّ مِثلَ عَسِـيبِ النَّخلِ ذَا خُصَـلٍ |
في غَـارِزٍ لَم تُخَـوِّنْـهُ الأَحاليـلُ |
قَنْـوَاءُ في حَرَّتَيْهَــا للبَصِيرِ بِهــا |
عَتَقٌ مُبِينٌ وفي الخَــدَّيْنِ تَسْـهِيلُ |
تُخْدِي على بَسَــرَاتٍ وَهِيَ لاحِقَـةٌ |
ذَوَابِـلٌ مَسُّـهُنَّ الأرضَ تَحْلِيـلُ |
سُمْرُ العَجَاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيَمَــا |
لَم يَقِهِـنَّ رُؤوسَ الأَكْـمِ تَنْعِيـلُ |
كَــأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهــا إذا عَرِقَتْ |
وقَــدْ تَلَفَّعَ بالكُـورِ العَسَاقِيـلُ |
يَومَــاً يَظَلُّ بِهِ الحِرْبَــاءُ مُصْطَخِدَاً |
كَــأَنَّ ضَاحِيَهُ بالشمسِ مَمْلُـولُ |
وقالَ للقَوْمِ حَـادِيهِم وَقَــدْ جَعَلَتْ |
وُرْقَ الجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُوا |
شَدَّ النَّهَــار ذِرَاعَــا عَيْطَلٍ نَصِفٍ |
قامَتْ فَجَاوَبَـهَـا نُكْدٌ مَثَاكِيــلُ |
نَوَّاحَةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْـنِ ليـس لهــا |
لَمَّا نَعَى بِكْرَهَـا النَّاعُونَ مَعْقُــولُ |
تَفْرِي اللُّبَانَ بِكَفَّيْهـــا ومَدْرَعُهـا |
مُشَـقَّقٌ عَن تَرَاقِيهـا رَعَـابِيــلُ |
تَسعَى الوُشَـاةُ جَنَـابَيْهَا وقَوْلُهُــمُ |
اِنَّكَ يـا ابنَ أبي سُـلْمَى لَمَقْتُـولُ |
وقالَ كُــلُّ خَلِيـلٍ كُنْتُ آمُلُــهُ |
لا أُلْهِيَنَّـكَ إني عنــك مَشـغُولُ |
فقُلتُ خَلُّـوا سَـبيلِي لا أبا لَكُــم |
فَكُـلُّ ما قَـدَّرَ الرَّحمَنُ مَفعُــولُ |
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى واِنْ طالَتْ سَـــلامَتُهُ |
يومـاً على آلَـةٍ حَدْبَاءَ مَحمُـولُ |
أُنْبِئْتُ أَنَّ رسُـــولَ اللهِ أَوْعَـدَنِي |
والعَفْوُ عندَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُــولُ |
وقَدْ أَتَيْـتُ رَسُــولَ اللهِ مُعْتَـذِرَاً |
والعُذْرُ عندَ رَسُـولِ اللهِ مَقْبُــولُ |
مَهْلا هَدَاكَ الذي أَعْطَـاكَ نَافِلَةَ الـ |
قُرْآنِ فيهـا مَوَاعِيـظٌ وتَفْصِيـلُ |
لا تَأْخُذَنِّي بـأَقْوالِ الوُشَــاةِ ولَمْ |
أذْنِبْ وقَد كَثُرَت فِيَّ الأَقـاوِيـلُ |
لَقَد أَقُومُ مَقَامَـاً لَو يَقُــومُ بِــهِ |
أرى وأَسـمَعُ ما لَم يَسـمَعِ الفِيلُ |
لَظَـلَّ يَرْعُدُ إلا أَنْ يَكــونَ لَــهُ |
مِنَ الرَّسُـولِ بـإذنِ اللهِ تَنْوِيــلُ |
حَتَّى وَضَعْتُ يَمَيني لا أُنـــازِعْـهُ |
في كَفِّ ذِي نَغَمَـاتٍ قِيلُهُ القِيـلُ |
لَــذَاكَ أَهْيَبُ عِندي إذ أُكَـلِّمُـهُ |
وقِيـلَ اِنَّكَ مَنْسُـوبٌ وَمَسـؤُولُ |
مِن خادِرٍ مِن لُيُوثِ الاسْدِ مَسْــكَنُهُ |
مِنْ بَطْن عَثَّـرَ غِيـلٌ دُونَهُ غِيـلُ |
يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغامَيْنِ عَيْشُـهُمَــا |
لَحْمٌ مِنَ القَـومِ مَعـفُورٌ خَرَاديـلُ |
إذا يُســـاوِرُ قِرْنَاً لا يَحِلُّ لَــهُ |
أَنْ يَتْرُكَ القِـرْنَ إلا وَهْـوَ مَغلُـولُ |
مِنهُ تَظَلُّ سِــبَاعُ الجَوِّ ضــامِرَةً |
ولا تَمَشَّـى بِوَادِيــهِ الأرَاجِيـلُ |
ولا يَـزَالُ بِـوَادِيهِ أخُــو ثِـقَةٍ |
مُطَرَّحَ البَزِّ والدَّرْسَــانِ مَأكُـولُ |
إنَّ الرَّسُولُ لَسَيْفٌ يُسْتَضَــاءُ بِهِ |
مُهَنَّـدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسْــلُولُ |
في فِتْيَةٍ مِن قُرَيْـشٍ قالَ قـائِلُهُـم |
بِبَطْنِ مَكَّــةَ لمَّـا أَسـلَمُوا زُولُوا |
زالُوا فما زالَ أَنْكَاسٌ ولا كُشُــفٌ |
عِنـدَ اللقـاءِ ولا مِيـلٌ مَعَازِيـلُ |
شُمُّ العَرَانِينِ أَبْطَــالٌ لَبُوسُــهُمُ |
مِن نَسْجِ دَاوُدَ فِي الهَيْجا سَرَابِيـلُ |
بِيضٌ سَوَابِغُ قَد شُكَّتْ لَهَا حَلَــقٌ |
كأنَّهـا حَلَقُ القَفْعــاءِ مَجدُولُ |
يَمشُونَ مَشْيَ الجِمَالِ الزُّهْرِ يَعصِمُهُم |
ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّـودُ التَّنابِيـلُ |
لا يَفرَحُونَ إذا نـالَتْ رِمـاحُهُـم |
قَوْمَـاً ولَيسـوا مَجَازِيعَاً إذا نِيلُوا |
لا يَقَـعُ الطَّعْنُ إلا في نُحُورِهِــمُ |
وما لَهُم عن حِيَاضِ المَوتِ تَهلِيـلُ |