اولا : بالنسبة لمبدا لا يعذر احد بجهله للقانون فانه يسري على القواعد القانونية سواء كانت امرة او مكملة ذلك ان القاعدة القانونية كيفما كانت تتميز بطابعها الالزامي. بالنسبة للاستثناءات فيمكن الاعتذار بجهل القانون في حالة تعذر وصول الجريدة الرسمية الى منطقة منكوبة ومعزولة عن العالم الخارجي بفعل فيضان او زلزال مثلا وبعبارة اخرى ان الجهل بالقانون يعتبر عذرا مقبولا ومستساغا للتحلل من المسؤولية في حالة القوة القاهرة وهي قوة يستحيل دفعها اومقاومتها.
ثانيا: بالنسبة للوكالة بالعمولة و الوكالة التجارية فهما عقدين جديدين من العقود القائمة على فكرة الوساطة التجارية وهما منظمين في مدونة التجارة المغربية في الفصول 393 الى 422 وما بعدها
الوكالة التجارية هي عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل باعداد جميع المعاملات التجارية وبوجه عام ابرام عقود البيع والشراء دون ان يرتبط مع الطرف الاخر بعقد الشغل وقد نظمته المدونة في المادة 393 وما بعدها
اما الوكالة بالعمولة وهي العقد الذي يلتزم بموجبه الوكيل بالقيام باسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله وقد نظمته المدونة في المادة 422 واذا كان المشرع قد احال الى القواعد العامة في المتعلقة بالوكالة في ظ ل ع فانه خص حقوق الوكيل بالعمولة والتزاماته بتنظيم خاص استفاد فيه كثيرا من الحلول الفقهية و القضائية التي استقرت بالمغرب
ثالثا: فيما يتعلق بمراقبة المجلس الاعلى للاسباب القانونية و الواقعية احيلك على اطروحة الاستاذ الكشبور وفيما يلي ملخص لها وهو منشور في مجلة المحاكم المغربية:
رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية
وان موضوعا كهذا قد استلزم من الباحث التطرق الى مسالتين اثنتين، مسالة التمييز بين الواقع والقانون من جهة، واسباب الطعن بالنقض من جهة ثانية.
فمسالة التمييز بين الواقع والقانون هي المعيار يضع الحدود بين اختصاص كل من قاضي الموضوع وقاضي المجلس الاعلى، واسباب الطعن بالنقض هي التي تبين الحالات التي تسمح باللجوء الى قاضي النقض.
ونشير منذ البداية، بان الدراسة التي قام بها الاستاذ محمد الكشبور جاءت مقارنة، وقد اعتنى بالذات بالاوضاع السائدة في فرنسا على اعتبار ان نصوص التشريع الفرنسي المتعلقة بالطعن بالنقض هي اهم المصادر التاريخية للنصوص المقابلة في التشريع المغربي.
وفيما يلي اليكم الكلمة التي قدم بها الباحث موضوع اطروحته :
التمييز بين الواقع والقانون
يعتبر التمييز بين الواقع والقانون اساسا لتبيان ما يخضع وما لا يخضع لرقابة المجلس الاعلى.
فلو افترضنا ان نزاعا ما قد طرح على احدى المحاكم المدنية، فاننا نستطيع ان نقول بوجه عام، بان لهذه المحكمة ان تبحث في كل المسائل التي يثيرها هذا النزاع سواء أتعلقت الامر بالجوانب الواقعية في الحكم ام بالجوانب القانونية فيه. وان مثل هذا النشاط تفرضه طبائع الامور، ذلك ان القاضي لا يستطيع ان يصل الى الحل الملائم للقضية الا اذا وقف في مرحلة اولى عند وقائع الدعوى ليستخلص الثابت منها قبل ان يبحث عن القاعدة او القواعد القانونية التي تنطبق على هذه الوقائع والتي تمكنه في النهاية من بناء منطوق حكمه.
ويستفاد مما سبق ان قاضي الموضوع وسواء أكان قاضي درجة اولى او قاضي درجة ثانية يمارس نوعين من النشاط، نشاط واقعي ونشاط قانوني.
ومن الناحية العملية، فكما يمكن لقاضي الموضوع ان يخطئ في الجوانب القانونية في الحكم، فمن الممكن ان يخطئ في جوانبه الواقعية.
وكمبدا، فان قاضي الموضوع قد يخطئ في الجانب القانوني للحكم اذا كان هذا الخطا قد وقع في علاقة الحكم بقواعد القانون الواجبة التطبيق فيه او تلك التي تاسس عليها او في ظلها.
وغني عن البيان ان صور هذا الخطا من التعدد بحيث يصعب حصرها، لان تحققه جائز في علاقة الحكم باية قاعدة قانونية.
ويرتد الخطا في النشاط القانوني للقاضي غالبا، الى قصوره العلمي في الاحاطة بقواعد القانون او في ادراك مضمونها. فاذا كان صحيحا ان علم القاضي مفترض بالقانون، فانه من الصحيح كذلك ان احاطته عملا بهذا السيل العارم من التشريعات كثيرا ما يعدو امرا صعبا.
ويخطئ قاضي الموضوع في الجوانب الواقعية في الحكم عندما يفشل في استخلاص الوقائع او في تقدريها او في نسبتها او عدم نسبتها الى شخص معين او في مدى سلطته التقديرية.
ويرتد الخطا في النشاط الواقعي لقاضي الموضوع بالاضافة الى قصوره العلمي، الى نقص في ملكة التصور والتخيل والتذكر والانتباه والتمييز والفهم والادارك، بالاضافة الى انه قد ينتج عن قلة تجربته في الحياة.
وتتمثل وظيفة المجلس الاعلى في المجال المدني في رقابة الجوانب القانونية في الحكم، أي تلك التي تتصل اساسا بتطبيق النصوص القانونية، دون تلك المتعلقة بالوقائع. ثم فقد قيل بان المجلس الاعلى هو محكمة قانون وليس محكمة وقائع. وقد قيل كذلك بانه لا يشكل درجة للتقاضي، على اعتبار انه لا يفصل اصلا بين المتقاضين، وانما يقصر نشاطه على القول بسلامة او عدم سلامة الكيفية التي طبق بها قاضي الموضوع احكام القانون النافذ.
وللتمييز بين الواقع والقانون، أي لوضع الحدود التي تفصل بين نشاط كل من قاضي الموضوع ونشاط قاضي النقض، كان لزاما علينا ان نبين المقصود بكل من الاصطلاحين السابقين، الواقع من جهة، والقانون من جهة ثانية.
واذا كان الامر ممكنا بالنسبة للقانون على اعتبار انه يمثل مجموعة من القواعد القانونية التي تطبق من طرف محاكم الموضوع ودرج المجلس الاعلى على رقابة كيفية اعمالها، فان ذلك يظل صعبا بالنسبة للواقع، والسبب في ذلك هو ان القواعد القانونية محددة يمكن الوقوف عليها ببذل بعض الجهد، في حين ان الوقائع متغيرة ومتطورة لدرجة تستعصي معها على كل ضبط وتحديد.
ويبقى علينا ان نبين في نهاية المطاف المجالات التي تخضع لرقابة المجلس الاعلى من خلال حكم معين، والمجالات التي تنفلت من هذه الرقابة، والتي جرى القول عملا بانها تدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
وللوقوف على مفهوم القانون انطلاقا من الرقابة التي يباشرها المجلس الاعلى على محاكم الموضوع، كان لزاما علينا ان نبحث في محورين، يدور الاول حول ماهية القواعد القانونية التي تخضع الرقابة، ويدور الثاني حول الواقع والقانون من خلال النشاط المبذول من قاضي الموضوع.
أولا : القواعد القانونية التي تخضع لرقابة المجلس الاعلى :
لو رجعنا الى العمل القضائي الصادر عن المجلس الاعلى للاحظنا بان القواعد القانونية التي تشملها الرقابة تنقسم الى ثلاثة اقسام :
1) هناك مجموعة من القواعد القانونية التي يخضع تطبيقها وتاويلها من جانب قاضي الموضوع لرقابة المجلس الاعلى، وهذه القواعد على ضربين. فهناك القواعد التشريعية الصادرة عن سلطة مختصة دستوريا بذلك، مثل الظهائر الملكية الشريفة والقوانين، والقوانين التنظيمية الصادرة عن مجلس النواب والمراسيم الصادرة عن الوزير الاول والقرارات الصادرة عن السادة الوزراء. وهناك قواعد الفقه المالكي التي تعرف تطبيقات عديدة بالمغرب.
2) وهناك قواعد قانونية ذات طبيعة خاصة مثل الاعراف، فبالإضافة الى انها تثبت من جانب من يتمسك بها وتستخلص من جانب قاضي الموضوع مثلها في ذلك مثل الوقائع، فان المجلس قد يراقب تطبيقها دون تاويلها. وتضاف للاعراف الاتفاقات او ما يعرف بالعقد شريعة المتعاقدين والذي يراقب المجلس الاعلى تطبيق ما يتضمنه من بنود متى كانت واضحة ويترك امر توضيحها لسلطة قاضي الموضوع متى كانت مشوبة بعيب الغموض.
3) واخيرا هناك قواعد ذات طبيعة دولية وتتمثل اساسا في القوانين الأجنبية التي تحيل عليها قواعد الاسناد المغربية والقواعد المضمنة في اتفاقات دولية والتي صادقت عليها المملكة المغربية.
4) والاصل هو ان قضاء النقض بالمغرب وفي اغلبية الدول الاخرى يراقب تطبيق القوانين الأجنبية وقد لا يراقب تأويلها، لان رقابة هذا التأويل تفرض في قاضي النقض العلم بالمعطيات الاجتماعية او الاقتصادية او الأخلاقية او الدينية التي من اجلها او في ظلها وضع النص الاجنبي. لذلك فقد جرى العمل على إدخال مسالة تفسير القوانين الأجنبية ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
ولوجود عقبات مادية، فكثيرا ما يطلب من الخصوم إثبات القانون الأجنبي الذي يتمسكون به تماما كما هو الأمر بالنسبة للعرف.
والأصل كذلك هو ان المجلس الاعلى يراقب تطبيق المقتضيات المضمنة في اتفاقيات دولية ويترك امر تاويلها للهيئات الدبلوماسية كما يتضح من قضية ميلان والآنسة كازالس.
وغني عن البيان ان المبادئ التي اشرنا اليها ليست بالمبادئ القارة ولكنها تعرف العديد من الاستثناءات.
ثانيا: مجال الواقع والقانون من خلال النشاط المبذول من طرف قاضي الموضوع:
على دعامة منطقية من التفرقة بين الواقع والقانون، استهوى الفقه ان يميز بين الجوانب القانونية في الحكم والجوانب الواقعية فيه الى درجة أصبحت معها هذه التفرقة معيارا للفصل بين سلطان قاضي الموضوع ومجال رقابة قاضي النقض اذ تشكل مسائل القانون الجوانب القانونية في الحكم ويعتبر الخطا فيها خطا قانونيا يخضع لرقابة محكمة النقض، بينما تشكل مسائل الواقع الجوانب الواقعية في الحكم ويعتبر الخطا فيها خطا في الواقع يدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
ولكي نحدد هذه الجوانب ونميزها عن تلك، فضلنا ان نتتبع النشاط المبذول من قاضي الموضوع خطوة خطوة، لنبين من خلاله ما يعتبر واقعا في الدعوى وما يعتبر قانونا بالنسبة اليها، ومن هذه الوجهة لا بد من الاشارة الى ان هذا النشاط يمر عمليا بثلاث مراحل :
1) مرحلة اثبات وقائع النزاع واستخلاصها.
2) مرحلة التكييف القانوني لتلك الوقائع.
3) وأخيرا مرحلة تطبيق حكم القانون على هذه الوقائع.
1- مرحلة استخلاص الوقائع :
ان اول مرحلة يباشرها قاضي الموضوع بالنسبة للنزاعات التي تطرح امامه تتمثل في استخلاص الوقائع. واستخلاص الوقائع يعني من الناحية النظرية على الاقل محاولة الوصول الى وضع صورة كاملة او تقريبية لوقائع الدعوى كما هي او كما حدثت. ولا شك ان التحديد المنضبط للوقائع هو اول واخطر العمليات التي يقوم بها قاضي الموضوع. ذلك ان الوضع الصحيح للوقائع انما هو دائما وابدا مفتاح العمل الصحيح للقضية.
واستخلاص الوقائع من الامور الموضوعية التي تدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع والتي لا تخضع، كمبدا لرقابة المجلس الاعلى. ( فعلى سبيل المثال فقد جاء في قرار لهذا الاخير ما يلي : ' ... ان المحكمة قد استخلصت من محضر الحادثة من اعتراف الطاعن لدى الضابطة القضائية ان حارس سيارة اوبيل بعد الاصطدام تمادى في سيره التائه وارتطم أخيرا بشجرة على بعد 15 كلم من نقطة الاصطدام ثم رمى الدراجي الذي بقي عالقا بمقدم سيارته على الأرض وان الدراجي، وان لم يكن يسير في اقصى يمينه، فانه كان متوغلا في الطريق وانه كان على سائق السيارة الاتي من اليمين ان يتوقف، الشيء الذي لم يستطع فعله ورتبت على ذلك لما لها من سلطة في التقدير ان سائق السيارة يتحمل كامل المسؤولية ….'.
ويستنتج مما سبق ان الخطا العالق بالوقائع لا يمكن التمسك به امام المجلس الاعلى وان كان من الصائب التمسك به امام محكمة الاستئناف التي تعتبر محكمة موضوع والتي تمثل الترجمة الحقيقية لنظام التقاضي على درجتين.
وإذا كانت مسالة استخلاص الوقائع مما يدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، فهل معنى ذلك ان قاضي النقض يتجاهل مطلقا هذه الوقائع ؟ الجواب طبعا بالنفي. فمن جهة، ان القواعد المتعلقة بتسبيب الاحكام تفرض على قاضي الموضوع ان يبين بكل دقة وبكل وضوح الكيفية التي تم بها هذا الاستخلاص، وسنرجع لهذا الموضوع فيما بعد. ومن جهة ثانية فان الخصوم هم الملزمون اصلا باثبات الوقائع محل النزاع. وقد نظم المشرع مسالة الاثبات بنصوص تشريعية صريحة منها ما هو موضوعي ومنها ما هو اجرائي. والاصل ان أعمال هذه القواعد كقاعدة عامة يخضع لرقابة المجلس الاعلى.
2- التكييف القانوني للوقائع :
يقصد بالتكييف القانوني للوقائع البحث عن القاعدة او القواعد القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع التي
قام قاضي الموضوع باستخلاصها، او بعبارة ادق، ان التكييف هو اعطاء الوقائع وصفا قانونيا.
وقد وقع التساؤل منذ انشاء محكمة النقض عن طبيعة التكييف وهل يمثل نشاطا قانونيا ام نشاطا واقعيا.
لقد انقسم الفقه بالنسبة للموضوع الى اتجاهات عديدة :
أ- فهناك من يرى ان عملية التكييف عملية قانونية محضة نظرا لصلتها الوثيقة بالبحث عن القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، ونظرا لانعدام سلطان الخصوم تجاهها، فاذا كان هؤلاء سادة، فيما يتعلق بالوقائع لانهم يستطيعون ان يطرحوا على القضاء ما يشاءون مطالبين بالفصل فيه، واذا كان القاضي يعلم القانون ويلتزم بحسن تطبيق، فانه يظل وحده ودون غيره ملزما بالبحث عن العلاقة التي تربط وقائع النزاع بحكم القانون.
ب- وهناك من يرى ان تكييف الوقائع يدخل في مجال الواقع اذ هو عبارة عن نشاط ذهني محض يتمثل في المقارنة بين وقائع النزاع من جهة ومفترض القاعدة القانونية من جهة أخرى من اجل الوصول الى وجود تطابق تام بينهما.
ج- وهناك من يرى ان التكييف عمل قانوني في بعض جوانبه، وعمل واقعي في بعض جوانبه الاخرى. وقد كان لهذا الراي تاثير بارز على مواقف محكمة النقض الفرنسية على ما وضحناه في الرسالة.
د- وأخيرا هناك راي حديث يرى ان عملية التكييف لا تدخل في مجال القانون ولا تدخل في مجال الواقع، وانما هي مجرد وسيلة او صياغة فنية لازمة للعبور بالوقائع الى حكم القانون.
ورغم ان الاجماع يكاد ينعقد على ان التكييف عمل قانوني، فان المسالة قد عرفت جدلا فقهيا صاخبا كان له في كثير من الاحيان تاثير عميق على مواقف محكمة النقض الفرنسية التي يبدو وانها سارت في اتجاه متميز يحدوها في ذلك المجلس الاعلى بالمغرب.
3- مرحلة تطبيق القانون على الوقائع
الواقع ان كل نزاع قضائي وكيف ما كان موضوعه الا ويتطلب تطبيق العديد من النصوص القانونية منها ما يخص سير الدعوى وشكل الحكم، ومنها ما يخص الفصل في جوهر النزاع.
ورغم ان عبارة تطبيق القانون على الوقائع المستخلصة توحي بان كل النشاط المبذول من قاضي الموضوع في هذه المرحلة يدخل باجمعه ضمن المجال الذي تراقبه محكمة النقض، فان المستقرئ للعديد من تلك النصوص سواء في التشريع المغربي او المقارن، يلاحظ ان المشرع قد يفرض الحل الواجب الاتباع وقد يترك لقاضي الموضوع سلطة تقديرية قد تضيق وقد تتسع حسب الاحوال.
فهو مثلا قد يضع قاعدة قانونية معينة ويضع شروطا جد محددة لتطبيقها بحيث انه كلما توفرت الشروط في وقائع النزاع، الا ووجب على قاضي الموضوع ان يطبق تلك القاعدة، فتنعدم بذلك كل سلطة تقديرية له. فعلى سبيل المثال فقد نصت المادة 56 ق ل ع على ما يلي :
' الغبن يخول الابطال اذا كان الطرف المغبون قاصرا او ناقص الاهلية ولو تعاقد بمعونة وصيه او مساعده القضائي وفقا للاوضاع التي يحددها القانون، ولو لم يكن ثمة تدليس من الطرف الاخر.
ويعتبر غبنا كل فرق يزيد على الثلث بين الثمن المذكور في العقد والقيمة الحقيقية للشيء'.
فلقد امر المشرع قاضي الموضوع بالحكم بابطال التصرف من اجل الغبن عند تحقق الشرطين الاتيين:
أ- ان يكون الطرف المغبون قاصرا او ناقص الاهلية، ولو تعاقد بمعية وصيه او نائبه القضائي، واحترمت جميع الاوضاع التي يحددها المشرع، ولو لم يكن ثمة تدليس من الطرف الاخر.
ب- ان يفوق مقدار الغبن الثلث الذي يتحدد وفقا للفرق بين الثمن المذكور في العقد والقيمة الحقيقية للشيء محل العقد.
فاذا تحقق الشرطان المذكوران، ولو يحكم قاضي الموضوع بابطال التصرف او لم يتحققا او تحقق احدهما فقط، وحكم بالابطال، فان حكمه يكون عرضة للنقض في الحالتين بسبب خرقه للمادة 56 السالفة.
وعلى عكس الحالة السابقة، فقد يعمد المشرع الى وضع حل او عدة حلول لواقعة معينة الا انه لا يفرض هذا الحل او هذه الحلول على قاضي الموضوع وانما يترك له حرية كبيرة في التقدير، أي الأخذ بالحل او الحلول التي يرتئيها طبقا لسلطته التقديرية. وعندما يمارس قاضي الموضوع حريته في التقدير أو الاختيار او القياس، فإنما يمارس نشاطا واقعيا لا يخضع لرقابة المجلس الاعلى. فعلى سبيل المثال فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 971 ق ل ع على انه:' اذا لم تصل الأغلبية الى الثلاثة أرباع حق للمالكين ان يلجاوا للقاضي. ويقرر هذا ما يراه أوفق لمصالحهم جميعا. ويمكن ان يعين مديرا يتولى ادارة المال الشائع او ان يامر بقسمته'.
فاذا ثار نزاع بين شركاء بشان مال شائع بينهم، فالحل هو ان قرارات الأغلبية تلزم الأقلية في كل ما يتعلق بادارة هذا المال. غير انه متى انعدم النصاب القانوني المكون للاغلبية وهو تملك ثلاثة ارباع المال الشائع، فلقاضي الموضوع ان يختار بين عدة حلول: فاما الحكم بتعيين مدير يتولى ادارة المال الشائع واما الحكم بقسمته، وليس هناك ما يمنع قاضي الموضوع من اتباع حل ثالث كقسمة المال المشترك قسمة استغلالية، زمانية او مكانية، حسب ما يراه اوفق لمصالح الشركاء واختياره لحل دون اخر لا يعتبر خطا في تطبيق القانون.
ولتوضيح الموضوع وتقريبه للقراء اعطينا فكرة متواضعة عن مفهوم السلطة التقديرية.
أسباب الطعن بالنقض:
يعتبر الطعن بالنقض طعنا غير عادي لذلك لا يجوز اللجوء اليه الا لاسباب ورد عليها النص حصرا في المادة 359 ق م م والتي تنص على ما يلي :
' يجب ان تكون طلبات نقض الاحكام المعروضة على المجلس الاعلى مبنية على احد الاسباب الاتية:
1- خرق القانون الداخلي.
2- خرق قاعدة مسطرة اضر باحد الاطراف.
3- عدم الاختصاص.
4- الشطط في استعمال السلطة.
5- عدم ارتكاز الحكم على اساس قانوني او انعدام التعليل'.
والمتمعن جيدا في هذه الاسباب يلاحظ بما لا يدع مجالا للشك بانها تنقسم الى قسمين رئيسيين.
اسباب تتعلق بخرق القانون بوجه عام سواء اكان هذا القانون موضوعا او اجرائيا واسباب اخرى تتعلق بالاخلالات التي تمس منطقة التسبيب في الحكم.
أولا: أسباب الطعن المبنية على خرق القانون:
لقد ميز المشرع المغربي في هذا المجال وعلى غرار العديد من التشريعات الاخرى بين اسباب اربعة للطعن بالنقض وهي :
1- خرق القانون الداخلي.
2- خرق قاعدة مسطرية اضر باحد بالخصوم.
3- عدم الاختصاص.
4- الشطط في استعمال السلطة.
والحقيقية ان فكرة التمييز بين الواقع والقانون في مجال الطعن بالنقض لا تستلزم مثل هذا التحديد اذ من الممكن الاقتصار على سبب واحد.
وهو خرق القانون بوجه عام. كوجه مبيح للطعن بالنقض.
فخرق القانون الداخلي يشمل كل خطا في تطبيق او تاويل كل قاعدة قانونية من قواعد الموضوع النافذة.
وخرق قاعدة مسطرية يمثل خطا في تطبيق قواعد الاجراءات بوجه عام.
وعدم الاختصاص هو خرق القواعد القانونية التي تنظم اختصاص المحاكم على اختلاف درجاتها ووظائفها.
والشطط في استعمال السلطة هو اعتداء على المبدا الدستوري الشهير والمعروف بمبدا الفصل بين السلط.
ورغم ذلك فان المشرع المغربي، وعلى ما يقوم لدينا من اعتقاد قد حالفه التوفيق عندما ميز بين الاوجه الاربعة السالفة والتي تفتح باب الطعن بالنقض نظرا للخصوصيات التي تميز بين كل وجه من هذه الاوجه.
وبالفعل، فقد تطرقنا في مباحث مستقلة لهذه الاوجه لابراز تلك الخصوصيات.
ثانيا: أسباب الطعن بالنقض المبنية على خلل في التسبيب :
رغم ان الاصل هو ان استخلاص الوقائع واعمال قاضي الموضوع لسلطته التقديرية لا يندرج ضمن المجال الذي تراقبه محكمة النقض، فان الرقابة على تسبيب الحكم تقضي بصفة غير مباشرة الى بسط رقابة جزئية لمحكمة النقض على وقائع النزاع، ويستنتج من ذلك بان القول ان محكمة النقض محكمة قانون وانها لا ترجع اطلاقا في وقائع النزاع قول يحتاج الى بعض التصحيح.
فرغم ان بعض الفقه يرى ان رقابة محكمة النقض على التسبيب لا تعدو ان تكون رقابة على تطبيق القاعدة القانونية التي تفرض هذا التسبيب، فلا يمكن ان يغيب على البال بان ذلك يتيح الفرصة لقاضي النقض كل يطل على الوقائع، ما دام التسبيب في نهاية المطاف، هو التسجيل الدقيق للكيفية التي تم بها استخلاص الوقائع او تكييفها، او اعمال قاضي الموضوع لسلطته التقديرية.
واذا كان بديهيا ان استخلاص الوقائع وتكييفها بكيفية سليمة، شرط لا زم لحسن تطبيق نصوص القانون، فان اعمال قواعد التسبيب واخضاعها لرقابة محكمة النقض يهدم جزئيا الفكرة التي تجعل التمييز بين الواقع والقانون مناط اختصاص كل من قاضي الموضوع وقاضي النقض، علما بان هذا الاخير لا يمكنه ان يذهب بعيدا عند رجوعه الى الوقائع، فتتحول محكمة النقض نتيجة لذلك الى درجة من درجات التقاضي.
والملاحظ ان المشرع الفرنسي لم يهتم نص قانوني يلزم المحاكم بتسبيب احكامها الا بعد انشاء محكمة النقض بقرابة عشرين سنة. وبما عرف عن محكمة النقض الفرنسية من جراة، فقد توسعت توسعا كبيرا في اعمال النص المذكور لتصل في نهاية الامر الى ابتكار سببين جديدين من اسباب الطعن بالنقض هما انعدام الاساس القانوني للحكم ولم يشر إلى مسالة التحريف وان كان المجلس الاعلى قد اخذ بها على نطاق واسع.
وأخيرا، فان هذه الاطروحة قد اتاحت لنا الفرصة لابداء الراي في بعض الامور القانونية الهامة مثل مسالة التصدي، التمييز بين الخطا في القانون الموضوعي والخطا في القانون الاجرائي، مفهوم الشطط في استعمال السلطة الممارس من طرف السلطة القضائية، مفهوم انعدام الاساس القانوني للحكم، مفهوم التحريف. وقد ذكرنا هذه المواضيع على سبيل التمثيل فقط.
احيطك علما انني ايضا طالب باحث في وحدة القانون المدني المعمق بالرباط واذا اردت الاستفسار عن امور اخرى المرجو مكاتبتي على البريد الالكتروني التالي: rachid.00@caramail.com
|